كان فيلسوفا، طبيباً، وقاضي قضاة.. كان نحويا. لغوياً، محدثاً بارعاً يحفظ شعر المتنبي وحبيب ويتمثل به في مجالسه.. وكان إلى جانب هذا كله. متواضعاً، لطيفاً، دافئ اللسان، جم الأدب، قوي الحجة، راسخ العقيدة، يحضر مجالس حلفاء "الموحدين" وعلى جبينه أثار ماء الوضوء.
لم يجلس "ابن رشد" على عرش العقل العربي بسهولة ويسر، فلقد أمضى عمره في البحت وتحبير الصفحات، حتى شهد له معاصروه بأنه لم يدع القراءة والنظر في حياته إلا ليلتين اثنتين: ليلة وفاة أبيه وليلة زواجه.
يعـدّ ابن رشد رجلاً عبقرياً وموسوعياً، أمضى فــترة طـويلة من حياته المزدهرة يعمل قاضياً وعــالم فيزياء، وعرف في الغرب بشروحاته الواسعة لفلسفة أرسطو حتى إن كبار رجال الدين المسيحي في العصور الوسطى تأثروا به•
ولد أبو الوليد محمد بن رشد في قرطبة /إسبانيا/ عام 250 بعد الهجرة (1128م) وعرف باسم /أفيروس/، يذكر أن والده وجده كانا قاضيين بارزين، واشتهرت عائلته بثقافتها التي أمّنت له جواً مناسباً ليتفوق في التعلم، فدرس الفقه والقانون، والطب، والرياضيات والفلسفة، وتتلمذ على يد أبي جعفر هارون وابن باجه في الفلسفة والقانون•
دعي ابن رشد وهو في السابعة والعشرين من عمره إلى محكمة الموحدين في مراكش ليساهم في تأسيس معاهد الثقافة الإسلامية، وقدمه ابن طفيل، الفيلسوف المسلم البارز، إلى الحاكم يوسف بن تاشفين ليساعده في ترجمة، اختصار وشرح بعض مؤلفات أرسطو (1169م•
تم اختيار ابن رشد وهو في الرابعة والأربعين من عمره كقاض في إشبيلية وعيّن بعد عامين قاضياً في قرطبة، (مسقط رأسه)، لمدة عشر سنوات• ودعـاه الخليـفة مـرة ثانيـة إلى مراكـش بصفـة عالم فيزياء ليعمل هناك قبل أن يعود إلى قـرطبة ليعـمل رئيسـاً للقضـاة•
كـان ابن رشـد متمكناً وضليعاً في الأمور القانونية والدينية، وهي التي أهّـلته للوصـول إلى مركز القاضي، كما أنه اهتم بالفلسفة وعلم المنطق، محاولاً أن يخـلق توافقاً بين الفلسفة والدين، وقد ظهر ذلك في العديد من أعماله، إلى جانب اهتمامه بدراسة ما ذُكر، كان مولعاً بالطب على غرار ابن سينا، وأظهر الفيلسوف الفـرنسي "رونان" أن ابـن رشد قد ألف 87 كـتابـاً في موضوعـات مختلفـة•
ويلمس كل قارئ لمؤلفات ابن رشد بأنه رجل دين، فقد كتب في أحد مؤلفاته أن "أي شخص يدرس علم التشريح سوف يزداد ولاؤه وإيمانه بقدرة اللـه ووحـدانيتـه"•
وفي أعماله الفلسفية ظهرت اللمسة الدينية وولعه بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة التي كان يستشهد بها في دعم وجهات نظره في قضايا متعددة• وأوضح ابن رشد أن الوصول إلى السعادة الحقيقية لا يتحقق إلا عن طريق الفكر والتمتع بالصحة السيكولوجية (النفسية، ولا يمكن التمتع بالصحة السيكولوجية إلا بالإيمان بقدرة الله ووحدانيته، معبراً أن الإسلام يهدف إلى المعرفة الحقيقية، وهي الاعتراف بوجود الله وعظمته وقدرته• وتشمل هذه المعرفة أيضاً معرفة السبل المتعددة التي تقود إلى إشباع الرغبات الدنيوية وتجنب الشقاء•
كما قام ابن رشد بإجراء مقارنة بين الفقه والطب ومدى تأثيرهما على الإنسان، كونه فيزيائياً من جهة وروحانياً وعقلانياً من جهة أخرى• وأشار إلى أن الصحة الروحانية هي التي تسمى "التقوى" في القرآن الكريم•
ولا ننسى أن لابن رشد مساهمات متعددة ومتميزة في الفلسفة، وعلم المنطق والطب والموسيقا وفلسفة التشريع• وامتدت كتاباته على أكثر من 20 ألف صفحة، وكتب حوالي 20 كتاباً في الطب• وقدم ثلاثة شروحات لكتب أرسطو التي لم تُعرف إلا بعد ترجمتها إلى العربية وهي الأصغر (الجامع الأصغر) والمتوسط (التلخيص) والأكبر (التفسير)• وتوافقت هذه الشروحات مع مراحل تعليم الطلاب المختلفة، لأن الجامع الأصغر مكرّس للطلاب المبتدئين والتلخيص للطلاب في المراحل المتوسطة، أما التفسير فقد خصص للطلاب المتقدمين• ويعد هذا الأخير مساهمة جديدة، كونه اعتمد من خلالها على تحليل وتفسير مفاهيم قرآنية•
ـ يذكر أن الغرب قد تأثر بهذا الفيلسوف المسلم من القرن الثاني عشر إلى القرن السادس عشر، واستخدمت شروحاته كنصوص مرجعّية معتمدة أكثر من رسائل أرسطو في القرنين الرابع عشر والخامس عشر.
ـ وقد تقررت كتبه في جامعة سيلابي / باريس وجامعات غربية أخرى، ودُرّس ابن رشد في جامعة مكسيكو حتى عام 1831م إلا أن ظهرت العلوم التجريبية الحديثة ، وقد وصفه "فيليب هيتي" بأنه واحد من كبار المفكرين والعلماء في القرن الثاني عشر•
لكن الحكمة والسياسة وعزوف الخليفة الجديد (أبو يوسف يعقوب المنصور 1184 - 1198) عن الفلاسفة، ناهيك عن دسائس الأعداء والحاقدين، جعل المنصور ينكب على فيلسوفنا، قاضي القضاة وطبيبه الخاص، ويتهمه مع ثلة من مبغضيه بالكفر والضلال ثم يبعده إلى "أليسانه" (بلدة صغيرة بجانب قرطبة أغلبها من اليهود)، ولا يتورع عن حرق جميع مؤلفاته الفلسفية، وحظر الاشتغال بالفلسفة والعلوم جملة، ما عدا الطب، والفلك، والحساب.
كانت النيران تأكل عصارة عقل جبار وسحط اتهام الحاقدين بمروق الفيلسوف، وزيغه عن دروب الحق والهداية... كي يعود الخليفة بعدها فيرضى عن أبي الوليد ويلحقه ببلاطه، ولكن قطار العمر كان قد فات إثنيهما فتوفي ابن رشد والمنصور في السنة ذاتها (1198 للميلاد)، في مراكش.
مؤلفات ابن رشد
أحصى جمال الدين العلوي 108 مؤلف لابن رشد، وصلنا منها 58 مؤلفاً بنصه العربي. وابن رشد كان قد كتب المقالات، وألف الكتب، وشرح النصوص الكثيرة ولكنه اختص بشرح كل التراث "الأرسطي".
لم يجلس "ابن رشد" على عرش العقل العربي بسهولة ويسر، فلقد أمضى عمره في البحت وتحبير الصفحات، حتى شهد له معاصروه بأنه لم يدع القراءة والنظر في حياته إلا ليلتين اثنتين: ليلة وفاة أبيه وليلة زواجه.
يعـدّ ابن رشد رجلاً عبقرياً وموسوعياً، أمضى فــترة طـويلة من حياته المزدهرة يعمل قاضياً وعــالم فيزياء، وعرف في الغرب بشروحاته الواسعة لفلسفة أرسطو حتى إن كبار رجال الدين المسيحي في العصور الوسطى تأثروا به•
ولد أبو الوليد محمد بن رشد في قرطبة /إسبانيا/ عام 250 بعد الهجرة (1128م) وعرف باسم /أفيروس/، يذكر أن والده وجده كانا قاضيين بارزين، واشتهرت عائلته بثقافتها التي أمّنت له جواً مناسباً ليتفوق في التعلم، فدرس الفقه والقانون، والطب، والرياضيات والفلسفة، وتتلمذ على يد أبي جعفر هارون وابن باجه في الفلسفة والقانون•
دعي ابن رشد وهو في السابعة والعشرين من عمره إلى محكمة الموحدين في مراكش ليساهم في تأسيس معاهد الثقافة الإسلامية، وقدمه ابن طفيل، الفيلسوف المسلم البارز، إلى الحاكم يوسف بن تاشفين ليساعده في ترجمة، اختصار وشرح بعض مؤلفات أرسطو (1169م•
تم اختيار ابن رشد وهو في الرابعة والأربعين من عمره كقاض في إشبيلية وعيّن بعد عامين قاضياً في قرطبة، (مسقط رأسه)، لمدة عشر سنوات• ودعـاه الخليـفة مـرة ثانيـة إلى مراكـش بصفـة عالم فيزياء ليعمل هناك قبل أن يعود إلى قـرطبة ليعـمل رئيسـاً للقضـاة•
كـان ابن رشـد متمكناً وضليعاً في الأمور القانونية والدينية، وهي التي أهّـلته للوصـول إلى مركز القاضي، كما أنه اهتم بالفلسفة وعلم المنطق، محاولاً أن يخـلق توافقاً بين الفلسفة والدين، وقد ظهر ذلك في العديد من أعماله، إلى جانب اهتمامه بدراسة ما ذُكر، كان مولعاً بالطب على غرار ابن سينا، وأظهر الفيلسوف الفـرنسي "رونان" أن ابـن رشد قد ألف 87 كـتابـاً في موضوعـات مختلفـة•
ويلمس كل قارئ لمؤلفات ابن رشد بأنه رجل دين، فقد كتب في أحد مؤلفاته أن "أي شخص يدرس علم التشريح سوف يزداد ولاؤه وإيمانه بقدرة اللـه ووحـدانيتـه"•
وفي أعماله الفلسفية ظهرت اللمسة الدينية وولعه بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة التي كان يستشهد بها في دعم وجهات نظره في قضايا متعددة• وأوضح ابن رشد أن الوصول إلى السعادة الحقيقية لا يتحقق إلا عن طريق الفكر والتمتع بالصحة السيكولوجية (النفسية، ولا يمكن التمتع بالصحة السيكولوجية إلا بالإيمان بقدرة الله ووحدانيته، معبراً أن الإسلام يهدف إلى المعرفة الحقيقية، وهي الاعتراف بوجود الله وعظمته وقدرته• وتشمل هذه المعرفة أيضاً معرفة السبل المتعددة التي تقود إلى إشباع الرغبات الدنيوية وتجنب الشقاء•
كما قام ابن رشد بإجراء مقارنة بين الفقه والطب ومدى تأثيرهما على الإنسان، كونه فيزيائياً من جهة وروحانياً وعقلانياً من جهة أخرى• وأشار إلى أن الصحة الروحانية هي التي تسمى "التقوى" في القرآن الكريم•
ولا ننسى أن لابن رشد مساهمات متعددة ومتميزة في الفلسفة، وعلم المنطق والطب والموسيقا وفلسفة التشريع• وامتدت كتاباته على أكثر من 20 ألف صفحة، وكتب حوالي 20 كتاباً في الطب• وقدم ثلاثة شروحات لكتب أرسطو التي لم تُعرف إلا بعد ترجمتها إلى العربية وهي الأصغر (الجامع الأصغر) والمتوسط (التلخيص) والأكبر (التفسير)• وتوافقت هذه الشروحات مع مراحل تعليم الطلاب المختلفة، لأن الجامع الأصغر مكرّس للطلاب المبتدئين والتلخيص للطلاب في المراحل المتوسطة، أما التفسير فقد خصص للطلاب المتقدمين• ويعد هذا الأخير مساهمة جديدة، كونه اعتمد من خلالها على تحليل وتفسير مفاهيم قرآنية•
ـ يذكر أن الغرب قد تأثر بهذا الفيلسوف المسلم من القرن الثاني عشر إلى القرن السادس عشر، واستخدمت شروحاته كنصوص مرجعّية معتمدة أكثر من رسائل أرسطو في القرنين الرابع عشر والخامس عشر.
ـ وقد تقررت كتبه في جامعة سيلابي / باريس وجامعات غربية أخرى، ودُرّس ابن رشد في جامعة مكسيكو حتى عام 1831م إلا أن ظهرت العلوم التجريبية الحديثة ، وقد وصفه "فيليب هيتي" بأنه واحد من كبار المفكرين والعلماء في القرن الثاني عشر•
لكن الحكمة والسياسة وعزوف الخليفة الجديد (أبو يوسف يعقوب المنصور 1184 - 1198) عن الفلاسفة، ناهيك عن دسائس الأعداء والحاقدين، جعل المنصور ينكب على فيلسوفنا، قاضي القضاة وطبيبه الخاص، ويتهمه مع ثلة من مبغضيه بالكفر والضلال ثم يبعده إلى "أليسانه" (بلدة صغيرة بجانب قرطبة أغلبها من اليهود)، ولا يتورع عن حرق جميع مؤلفاته الفلسفية، وحظر الاشتغال بالفلسفة والعلوم جملة، ما عدا الطب، والفلك، والحساب.
كانت النيران تأكل عصارة عقل جبار وسحط اتهام الحاقدين بمروق الفيلسوف، وزيغه عن دروب الحق والهداية... كي يعود الخليفة بعدها فيرضى عن أبي الوليد ويلحقه ببلاطه، ولكن قطار العمر كان قد فات إثنيهما فتوفي ابن رشد والمنصور في السنة ذاتها (1198 للميلاد)، في مراكش.
مؤلفات ابن رشد
أحصى جمال الدين العلوي 108 مؤلف لابن رشد، وصلنا منها 58 مؤلفاً بنصه العربي. وابن رشد كان قد كتب المقالات، وألف الكتب، وشرح النصوص الكثيرة ولكنه اختص بشرح كل التراث "الأرسطي".