هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدي شباب إمياي
مجلس الحكماء
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد!يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى
التسجيل السريع
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتدي شباب إمياي إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدي يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا ، أما إذا كنت أحد أعضاءنا الكرام فتفضل بتسجيل الدخول بالضغط هنا . لو رغبت بقراءة المواضيع و لإطلاع فقط فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
حين يُّتهم النقد العربي الحديث بالتقصير أمام الإنجازات الكبيرة التي حققتها الأجناس الأدبية والرواية والشعر والمسرح والقصة القصيرة في النصف الثاني من هذا القرن، فهذا التقصير لا يرتبط بقلة البحوث أو الدراسات النقدية من حيث الكم؛ فمطابعنا تنشر عشرات الكتب النقدية شهرياً وتنشر مجلاتنا وصحفنا يومياً مئات المقالات النقدية المختلفة.
إن مفهوم التقصير في نقدنا ينبع من عدة إشكالات أساسية تتعلق بنوعية الخطاب النقدي وفلسفته. ويمكن عرضها فيما يلي:
- الإشكال الأول: يتمثل في اعتماد النقد على التنظير والهرب من مواجهة النص مواجهة حوارية تطبيقية، وإذا حدث وعثرنا على دراسات تطبيقية، فإن نقد معظمها قائم على الانطباع والارتجال والذاكرة. إن النقد لا ينمو أو يتطور إلا عبر حواره المباشر مع النص الإبداعي ضمن معطيات معينة، وحين لا يفعل ذلك يصاب بالتقصير.
- الإشكال الثاني: مازال معظم النقد عندنا "هاوياً"، لا تخصّصياً، يمارسه القاصي والداني. فالفكرة السائدة عن النقد حتى الآن مرتبطة بالحالة الانطباعية التي يحدثها النص في المتلقي.
والسؤال هو: لماذا لا يريد معظمنا أن يدرك أن النقد الأدبي مثله كمثل العلوم الأخرى يحتاج إلى تخصص، وتمكن، وإحاطة، وشمول، وتملك جمالي، وموهبة، مثلما لا يستطيع المهندس أن يمارس مهنة الطبيب؛ لأنه ليس طبيباً، كذلك لن ينجح في ممارسة النقد سوى المتخصص فيه. ولا حاجة بنا لأن نذكر بأن مهمة الناقد قد تكون أكثر وعورة من مهمة الطبيب أو المهندس؛ لأنه ببساطة لا يعتمد على قوانين ثابتة معيارية في تقويم الظاهرة ودراستها، ويحتاج إلى رؤية واضحة ورؤيا؛ أي إلى قاعدة متينة وأفقٍ بيِّن، وإلمام بالظاهرة التي يدرسها إلماماً تاماً، موضعياً وتاريخياً، إلى جانب امتلاكه للأدوات النقدية والمصطلحات التي تمكِّنه من القراءة النقدية السليمة للنص، وممارستها، وصياغتها صياغة علمية سليمة.
إن اختلاط الحابل بالنابل وهيمنة "النقاد الهواة" على النقد العربي الحديث يجعل نقدنا هاوياً، ويؤخره عن تأدية واجبه المسئول تجاه دعم الأعمال الإبداعية، وتطويعها.
الإشكال الثالث: ويتمثل في المتابعة اليومية للصرعات النقدية التي تجري في أوربا، وتطبيقها مباشرة على نصوصنا الإبداعية.
وفي مثل هذا النقد ظلم لإبداعاتنا ولنقدنا معا، وتقديم صورة غير صحيحة عن فاعلية النقد وإسهاماته. إن عملية المناقضة ضرورة لابد منا في العلوم كافة، ولكنها تمتلك أصولاً، وقواعد تحددها غالباً حاجتنا، وطبيعة ثقافتنا وخصوصية إبداعاتنا.
الإشكال الرابع: يغيب الحوار في نقد العربي الحديث.
فالنقد عندنا واقعي، أو بنيوي أو تفكيكي، أو نفسي، أو لساني، أي أنه غالباً ذو اتجاه واحدي، ويبدو أن الدعوة إلى الحوار بين المناهج النقدية وصلت إلينا، ولكنها ما زالت ضمن المستوى النظري، ولم تصل- بعد- إلى حيّز التنفيذ الفعال.
الإشكال الخامس: يفتقد معظم نقدنا إلى النظرة المتكاملة للخطاب الإبداعي الذي ينتمي إلى جنس معين، ويتبع ظاهرة محددة، وله موقع في التاريخ الأدبي. وما زال معظم نقدنا مقيداً بالنظرة الجزئية الضيقة للخطاب الأدبي. وهذا الإشكال سبب في عدم إفادته من العلوم الإنسانية بما يكفي بالنهوض بحركة النقد علمياً، ولتجعله قادراً على قراءة الظاهرة الإبداعية ضمن معطياتها الأساسية بين الرؤية والرؤيا.
الإشكال السادس: إن اضطراب "الرؤية" في نقدنا الحديث أدى إلى عدم وضوح "الرؤيا" فيه. فحين لا يرتكز الناقد على معطيات واضحة، أو لا يستطيع تملك أدواته جمالياً لن يستطيع- في المقابل- امتلاك أفق نقدي لاستشراف المستقبل. ولعل الناقد الذي لا يتجاوز النص إلى ما وراءه، أو الذي تتحدد نظرته بحدود النص سيختفي صوته ضمن تعرّجات الجزئي والمحدود، وسيقدم فعالية نقدية ضعيفة.
الإشكال السابع: ويتمثل في عدم وضوح المصطلح النقدي، وعدم ممارسة كثير من النقاد له بدقة إلى جانب أن هناك عدم اتفاق على دلالة مصطلحات كثيرة بين النقاد، وهذا يؤدي إلى ضعف التواصل بين الباحثين وقلة التفاعل، وبطء تطور الحركة النقدية وتقصيرها أمام تطور الأجناس الأدبية. ولابد من الإشارة إلى أن هناك بعض النقاد مغرم بإثقال نصوصه النقدية بمصطلحات كثيرة أجنبية ومعربة وعربية، بعضها عرفي، وأكثرها غير ذلك مما يؤدي إلى انغلاق النص على نفسه وضعف تأثيره في المبدع والمتلقي معاً، لضعف عملية التواصل المنشودة.
ولابد لنا من التأكيد على أن ما ذكرناه من إشكالات يعاني منها النقد العربي الحديث لا ينفي وجود نقادٍ هامّين فيه. وحين نتحدث عن النقد فنحن نقصد الظاهرة التي لا تنفي وجود أفراد مميزين ضمنها.
* * *
إن النقد العربي الحديث الذي يعاني من الإشكالات المذكورة لم يقصر في دراسة الأجناس الأدبية المعاصرة ومتابعتها فحسب، وإنما قصّر في دراسة الشعر العربي القديم. ويمكن القول أن النقد العربي الحديث ظلم الشعر العربي القديم؛ لأنه لم يكشف عن الجوانب الفنية والجمالية المختبئة فيه- كما ينبغي- التي كانت سبباً رئيساً في حضوره القوي وتأثيره الفعال، واستمراره.
لقد انصرف معظم النقد الحديث في تناوله للنصوص الشعرية القديمة إمّا إلى اتباع المنهج التاريخي الوصفي الذي يكتفي برصد محتويات الظاهرة الشعرية من الخارج، وإمّا إلى إخضاع هذا الشعر إلى مناهج ذات اتجاهٍ واحدٍ مثل: المنهج النفسي، والأسطوري، والبلاغي، والبنيوي.
والأكثر من ذلك أن هذا النقد كان غالباً يتعامل مع النصوص القديمة على أنها شكل ومحتوى منفصلين بعضهما عن البعض الآخر، فقد كان يتحدث عن المحتوى في مكان، ويتحدث عن الشكل في مكان آخر.
ومعروف أن جمال الشيء- بما في ذلك الفن والأدب- لا يبدو واضحاً إلا عبر تكامله وتفاعل أجزاءه. ويكمن تأثير الشعر القديم وجماله، أو أي شكل من أشكال الشعر في تكامله. فنحن حين نصغي إلى قصيدة فضيلة لا نصغي إلى محتواها وحده، أو شكلها وحده وإنما عبر تفاعل الاثنين معاً.
وغابت عن النقد الحديث الدراسات النصية للشعر القديم، إلى جانب أنه- أي النقد- لم يفد في دراسته للشعر القديم من معطيات العلوم الإنسانية، وبخاصة علم الجمال.
ما نود تأكيده هنا أن معظم النقد الحديث كان يتناول النصوص القديمة إما بأدوات القدماء التي لم يتجاوز زمنها القرن الرابع الهجري؛ أي أنهم درسوا ذلك الشعر بأدوات نقّاده. وإما بأدوات غير عربية لا تنسجم وخصوصية هذا الشعر كتطبيق المناهج النفسية والأسطورية والبنيوية، ومن ثم التفكيكية بطريقة تعسفية.
ونحن لا نقف في وجه انفتاح النقد على الحوار بل ندعو إليه، ولكن ينبغي استخدام كل ذلك بما ينسجمً وهوية الشعر العربي القديم.
ولعلنا نستطيع القول: إن الخطّين المذكورين لم يخدما الشعر العربي القديم، بل ظلماه، إلى جانب أنهما لم يستطيعا أن يتوصلا إلى الكشف عن شعريته عبر ما هو فني وجمالي فيه.
إنّ اعتماد الخطاب النقدي على الحوار، وعلى العلوم الإنسانية المختلفة، ومواجهته المباشرة للنص الإبداعي، وتملّكه للرؤية الواضحة والرؤيا المشروعة، وكذلك التّثبت من استخدامه للمصطلح، ومراعاة هوية النصوص الإبداعية التي يتعامل معها يجعل هذا النقد أكثر فاعليةً وخصوصيةً، وتأثيراً في المرسِل، والمرسَل إليه، والرسالة، وكذلك في رسم مشروعه النقدي الذي يستشف من خلاله المستقبل.
ومن بين العلوم الإنسانية التي لم يفد النقد الحديث منها كما ينبغي " علم الجمال ". وهناك دراساتٌ نقديةٌ عربية اعتمدت على علم الجمال، ولكنها مازالت خجولةً، تعاني من ضعف الأدوات المستخدمة والمصطلح الجمالي، وبعضها منقول بنصيه عن الغرب، ومطبّق بطريقةٍ ليست في صالح النص الإبداعي.
وسنتناول موضوع "علم الجمال" والمثل الجمالي، وتأثيراتها في النقد في مقالنا القادم بإذن الله.