رموز وقمم مصرية
محمد أنور السادات : قائد الحرية والتحرر ...
لايلقى رب الأسرة رضاء كل أبناءه فكيف يلقى رئيس رضاء شعب بأكمله.. ربما شكل هذا إجابة منطقية حول سؤال ملح أبحث شخصياً عن إجابة له.. لماذا قتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين ؟
بهذه الكلمات أقدم سطوري عن الرئيس المصري محمد أنور السادات.. الزعيم بكل ماتحمله الكلمة من معنى.. كان يمكنه أن يعيش كما ولد كأي مواطن عادي ولكنه فضل أن يحمل روحه على كفه في سبيل تحرير مصر من الإحتلال الأجنبي.. شارك رفاقه ثورة يوليو 1952 لتحرير مصر من نير الإحتلال البريطاني، ثم قاد العبور العظيم لدحر الإحتلال الإسرائيلي في أكتوبر 1973 قبل أن يمد يده بالسلام.. سلام الأقوياء .
ولد الرئيس محمد أنور السادات في 25 ديسمبر 1918 في قرية ميت أبو الكوم إحدى قرى محافظة المنوفية ، لأم سودانية تدعى ست البرين وأب يعمل في الفريق الطبي البريطاني في السودان . وفي سن السادسة إنتقل السادات مع والده وزوجاته الثلاثة إلى كوبري القبة بالقاهرة وفي ظروف شديدة القسوة أنهى دراسته الثانوية عام 1936 ليخدمه القدر ويلتحق بالكلية الحربية عام 1937 ضمن الدفعة الأولى من أبناء المصريين الكادحين والتي قبلتها الكلية استجابة لبند السماح باتساع الجيش المصري، أحد أهم بنود معاهدة 1936 التي أبرمها مصطفى باشا النحاس مع بريطانيا . كان هذا البند هو الباب الضيق الذي ولج منه الضباط الأحرار ومنهم السادات إلى ميدان العسكرية وحقل السياسة ليحملوا أمانة تحرير المصريين من الإحتلال البريطاني وأذياله من الملك والإقطاعيين ليعيدوا إلى المواطن المصري كرامته بعد طول قهر .
تزوج السادات عام 1940 من السيدة إقبال ماضي عفيفي واستمر زواجهما قرابة عشر سنوات أنجب خلالها ثلاثة بنات هن رقية وراوية وكاميليا . ثم تزوج السيدة جيهان رؤوف صفوت وأنجب منها نجله جمال وثلاث بنات، لبنى ونهى وجيهان . بدأ المشوار السياسي للسادات من خيمته بمعسكر منقباد والتي كانت ملتقى الضباط الأحرار والتي شهدت مشاوراتهم التي إنتهت إلى الإيمان بفكرة ضرورة قيام الجيش بدوره تجاه قضايا الوطن الذي ينتمون إليها .
في عام 1942 فصل السادات من الجيش وأعتقل لعلاقته مع الألمان ثم هرب عام 1944 ليتخفى تحت إسم الحاج محمد كعتال على عربة نقل خاصة بصديقه حسن عزت ثم فاعلاً في مشروع حفر ترعة ببلدة أبو كبير بمحافظة الشرقية . ومع انتهاء العمل بالأحكام العرفية لقانون الأحوال العسكرية عام 1945، عاد السادات إلى حياته الطبيعية من جديد بعد طول مطاردة وحرمان . وكأي مناضل حر عاد السادات ليدفع ضريبة كفاحه مرة أخرى حيث اعتقل عام 1946 في الزنزانة 54 بسجن الأجانب لإتهامه بقتل أمين عثمان حليف بريطانيا القوي ووزير المالية في ذلك الوقت .
وأثناء سجنه إندلعت حرب فلسطين وذاق كرفاقه الضباط الأحرار وهو في زنزانته مرارة الهزيمة ورائحة الأسلحة الفاسدة . أفرج عن السادات عام 1948 ليعمل مراجعاً صحفياً في مجلة المصور ثم انتقل إلى الأعمال الحرة مع صديقه حسن عزت ، وفي عام 1950 كانت فرصته الذهبية التي أعادته إلى الجيش بمعاونة الدكتور يوسف رشاد الطبيب الخاص للملك فاروق وزميل السادات القديم .
إنضم السادات عام 1951 إلى الهيئة التأسيسية للتنظيم السري في الجيش والتي عرفت فيما بعد بتنظيم الضباط الأحرار وتوالت وتيرة الأحداث بإلغاء حكومة الوفد لمعاهدة 1936 ثم حريق القاهرة عام 1952 وأخيرة إقالة حكومة النحاس .
ولد كل هذا في نفوس الضباط الأحرار شعوراً بضرورة التحرك ، وكانت ثورة 23 يوليو 1952 . أسند مجلس قيادة الثورة للسادات رئاسة تحرير صحيفة الجمهورية وفي عام 1954 تولى منصب وزير دولة في أول تشكيل وزاري لحكومة الثورة . انتخب السادات منذ عام 1957 عضواً بمجلس الأمة عن دائرة تلا لثلاث دورات متتالية قبل أن ينتخب عام 1960 رئيساً للمجلس لمدة ثمان سنوات .
اختار الرئيس جمال عبد الناصر السادات نائباً له عام 1969 وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى فاجعة وفاة الرئيس عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970 .
حمل السادات تركة مثقلة تمثلت في وطن جريح سلبت منه الكرامة يوم سلبت أرضه فعقد العزم على أن يرفع للمواطن المصري رأسه من جديد . وإذا كان الرئيس السادات هو القائل في خطاب نصر أكتوبر " إني لأقبل إحترام العالم بغير عطف ، على عطف العالم إذا كان بغير إحترام " فهو القائل أيضاً " إن التمني بلا إرادة نوع من أحلام اليقظة ، يأبي حبي لكم ووفائي لهذا الوطن أن نقع في سرابه أو في ضبابه " .
من هنا إنطلق السادات بترتيب الجبهة الداخلية وحشد قوى الشعب لخوض حرب الكرامة والتي كانت أولى معاركها عام 1971 بالقضاء على مراكز القوى وإصدار دستور جديد .
وفي 6 أكتوبر 1973 تمكنت قواتنا المسلحة من عبور مانع قناة السويس الصعب وإجتياز خط بارليف المنيع وإقامة رؤوس جسور لها على الضفة الشرقية للقناة بعد أن أفقدت العدو الإسرائيلي المتغطرس كرامته في ست ساعات من أعظم وأمجد أيام التاريخ .
وبعد معركة تحرير الأرض كانت معركة تحرير الإقتصاد عام 1974 بسياسة الإنفتاح الإقتصادي التي حررت قوى السوق من أغلال النظام الإشتراكي وفتحت أمام مصر أبواب الأسواق العالمية .
ثم كان قرار إنعاش الحياة الحزبية حيث ظهرت المنابر السياسية والتي خرج من رحمها أول حزب سياسي حقيقي هو الحزب الوطني الديموقراطي وتوالى بعده ظهور الأحزاب الأخرى . وكانت آخر معارك الرئيس السادات معركة السلام التي خاضها بكل شجاعة بزيارة القدس عام 1977 ثم مفاوضات كامب ديفيد عام 1978 وصولاً إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي وقعت عام 1979 والتي حصل الرئيس السادات بعدها على جائزة نوبل للسلام لتبدأ معها عودة ماتبقى من أراضي سيناء المحتلة إلى مصر والتي كان آخرها طابا التي عادت إلى أحضان مصر عام 1988 .
كما عاش السادات حياة غير عادية ، فقد رحل بصورة دراماتيكية في عرض عسكري للقوات المسلحة في يوم السادس من أكتوبر عام ألف وتسعمائة وواحد وثمانون بزيه العسكري الذي عاش من أجله ومات به، فليرحمه الله، فقد عاش بطلاً للحرب شهيداً للسلام.