في وثائق "أمن مبارك"
فراج إسماعيل |
كانت الساعة تجاوزت الثامنة مساء يوم الخميس الماضي عندما ظهر ضباط الشرطة في بعض ميادين القاهرة الرئيسية بشكل غير معتاد خلال حقبة شفيق ووجدي.
المشهد ملفت خصوصا أنه جاء بعد ساعات قليلة من اقالة حكومة أحمد شفيق وتكليف الدكتور عصام شرف بتشكيل الحكومة الجديدة.
تساءل البعض: هل ثمة ضغوط على هؤلاء الضباط منعتهم خلال الأسابيع الماضية من الخروج إلى الشارع لاظهار أن الأمن منعدم؟!
حجة شفيق ووجدي أن الشرطة تخشى على حياتها من الاحتقان تجاهها. إذن ما علاقة شرطة السياحة والآثار بذلك مع أنها لا تتعامل مع الناس، فقد تركت الأثار في منطقة الأهرامات وفي مناطق أخرى تسرق دون تدخل؟!
لم تمض ساعات طويلة حتى بدأ رجال أمن الدولة يحرقون ويفرمون وثائقهم بالغة السرية، والتي تدخل الشعب الواعي الرائع لمنع اتلاف المزيد منها باقتحامه لمقر شارع الفراعنة بالإسكندرية والمقر الرئيسي بمدينة نصر ومقار 6 اكتوبر والدقي ومرسى مطروح وأسوان وكوم امبو وغيرها.
أيام الخميس والجمعة والسبت كانت بالفعل حافلة وحاسمة لثورة مصر وقدرة شعبها على وقف المؤامرة المضادة التي أشرف عليها شفيق ونفذها اللواء محمود وجدي. انتبه لها شباب ميدان التحرير منذ اليوم الأول لظهور رئيس الحكومة صاحب "البلوفر" الذي ظن أنه كفيل بخداع بساطة المصريين.
كان شفيق مراوغاً مناوراً مقاتلا للنفس الأخير دفاعاً عن حسني مبارك ونظامه الفاسد. قاد معه جنباً إلى جنب موقعة الجمل، وحافظ لجهاز أمن الدولة وقائده اللواء حسن عبدالرحمن على مكانته التي تبوأها قبل خلع مبارك، لدرجة أن وثيقة تطالب أحد الفروع بحرق الوثائق موقعة من عبدالرحمن ومؤرخة بتاريخ 27 فبراير، مع أننا كنا نسمع أنه مجمد ولا يمارس مهامه.
طوال الثلاثين يوما التي قضاها جنرال الطيران السابق في حكم مصر حاول أن تفلت عصابة علي بابا بما نهبته من مصر، وأن تستعيد سيطرتها وحكمها المخلوع. وتكشف الوثائق التي تم الوصول إليها جانباً مما كان يجري.
تنسيق كامل بين أمن الدولة وإعلاميين استفادوا واغتنوا منه، بعضهم حصل على برامج في الفضائيات نظير أموال طائلة. ترويج لغرق مصر في الفوضى والبلطجية وانعدام الأمن الذي لم يعد موجودا بعد ذهاب العائلة الحاكمة.
إذا تجولت في القاهرة لا تجد شيئا من هذا. الشعب الرائع يحافظ على أمنه وينظم مروره وينظف شوارعه كما لم نعهده من قبل. تشعر أن العاصمة إلى الأفضل كثيرا بناسها وخلقها.
انتهت تماما اللغة الطائفية. شعب واحد في مؤتمراته واعتصاماته ومطالبه، إلا ما نجحت فيه محاولات أمن الدولة الذي سمح له شفيق ووجدي بالاستمرار في أعماله القذرة على النحو الذي جرى به استحداث فتنة "اطفيح" وحرق كنيستها.
نظرية الفوضى سارت بالتوازي مع فزاعة الإخوان والتي لا تجد لها أثرا في الواقع، فشباب ميدان التحرير الذي استمر في اعتصامه مطالبا بسقوط شفيق، جمعته كل أطياف التيارات السياسية.
إذا كان الشعب الرائع قد أسقط بنفسه أمن الدولة ووضع يده على الوثائق التي تجرم النظام المخلوع قبل حرق المزيد منها، فإن أحمد شفيق نجح في منح زكريا عزمي عشرة أيام في قصر العروبة بعد خلع مبارك تمكن خلالها من تهريب كل الوثائق الهامة.
الثورة معناها سرعة القرار لمنع هروب المجرمين وهذا ما لم يتم خلال الأسابيع الماضية، لدرجة أن وجدي وجد الشجاعة في مكافأة ضباط متهمين بالقتل واطلاق الرصاص الحي على الثوار، كما حدث مع أسرة اتهمت ضابطا بعينه فقام بترقيته.
لم يستبعد الوزير محمود وجدي، اللواء حسن عبدالرحمن عندما تم تغييره بقرار من الجيش بل أبقاه مساعدا له رغم ملفه المفعم بقصص الفساد والمحسوبية والرشوة، وعين في منصبه نائبه في الجهاز المسئول معه عن التعذيب والسحل وقتل الأبرياء.
كان يبدو من الأمر أن طبخة تُنضج بثقة متناهية للالتفاف على الثورة، ولولا براعة الشعب وصدق حدسه لنجحوا في ذلك. إننا أكثر ثقة الآن بأن ما تم خلال الأيام الأخيرة هو إسقاط حقيقي للنظام وفلوله المرتعشة المتآمرة.
وهنا نسأل عن المقصود باعادة الهيكلة لجهاز قذر.. هل نعيد هيكلته مع ملابس الرقص التي عثر عليها المتظاهرون في مقره بمدينة 6 أكتوبر؟!
ما العلاقة بين أمن الوطن وهذه الملابس؟!.. لم يخبرنا التاريخ قبل ذلك إن "الهشك البشك" من لوازم حراسة الحدود وصد الإرهاب وحماية المحروسة من الغزاة والمتآمرين!
وما علاقة ذلك بـ"البرنس" الحريمي الموجود في غرفة نوم العادلي الفاخرة التي جهز بها مكتبه في المقر الرئيسي لمباحث أمن الدولة في مدينة نصر؟!
جهاز أمن عائلة مبارك، وهو اسمه الحقيقي طوال الثلاثين عاما الماضية، لا يجب أن يستمر بأي حال. لقد عاش باشعال الحرائق في الوطن وانتهى عهده على أيدي الشعب بالحرائق أيضا.
تقول وثائق التجسس التي قام بها الجهاز لصالح العائلة الحاكمة إن جمال مبارك أمين لجنة السياسات بالحزب الوطني السابق وحسين سالم رجل الأعمال وسامح فهمي وزير البترول قاموا بإتمام صفقة تصدير الغاز المصري لإسرائيل مقابل عمولة 5% من قيمة العقد بواقع 2.5% لحسين سالم و2.5% لسامح فهمي، وبعد مفاوضات حول النسبة التي كان يتفاوض عليها جمال مبارك وهي 10%، تم إقصاء سامح فهمي من الصفقة ليحل محله علاء مبارك بنسبة 2.5% مقابل إقناع شقيقه بإتمام الصفقة مقابل 5%.
وتقول الوثيقة الأولى المؤرخة بتاريخ 5 يناير 2005 وموجهة من المقدم 'ح . ص' إلى اللواء حبيب العادلي تحت بند 'سري جدا' إنه 'بناء على التكليف رقم 11 بتاريخ 5/1/2005 بخصوص مراقبة السيد حسين سالم فقد تبين أنه اجتمع مع سامح فهمي وزير البترول السابق وشالوم كوهين المرشح لتولي منصب السفير بالقاهرة خلال ذلك الشهر وإسحق مزراعي مبعوث التفاوض الإسرائيلي، وتناقش المجتمعون حول صفقة تصدير الغاز إلى إسرائيل وقيمة العقد وقيمة عمولة الأطراف المشتركة في تنفيذ الصفقة وتسهيل إتمامها.
وبتفريغ التسجيل الصوتي بمعرفة الإدارة طبقا للوثيقة تبين أن حسين سالم قد أبلغ شالوم كوهين ورفيقه الإسرائيلي أن الجهات السياسية العليا وافقت بشكل نهائي على إتمام الصفقة كما هي مقترحة من الجانب الإسرائيلي، وبنفس القيمة بشرط حصول جمال مبارك على نسبة 10% من قيمة الصفقة، وحسين سالم على 5 في المئة وسامح فهمي على 2.50%.
اعترض إسحق مزراعي على نسبة العمولة وقال إن القيادة الإسرائيلية لن توافق بأي حال على هذه الصفقة، وقال إن الصفقة بالكامل مهددة بالإلغاء بسبب العمولة المطلوبة المبالغ فيها، وقال شالوم كوهين إن عمولة جمال مبارك مبالغ فيها، وإن الإدارة الإسرائيلية اعتمدت نسبة 2.5% لجمال مبارك، ونسبة 1% لحسين سالم ومثلها لسامح فهمي، وعلق سامح فهمي معترضا على نسبة العمولة التي اقترحها الجانب الإسرائيلي وقال إن الصفقة مهددة بالإيقاف من جانب الإدارة المصرية، وأن نسبة العمولة غير قابلة للنقاش لأنها ثمن بسيط مقابل الجهد الكبير الذي بذله جمع أطراف الصفقة لإتمامها سياسيا وإداريا.
وقال حسين سالم إن نسبة العمولة ستقسم في ما بعد بين أطراف أخرى تم اختصارهم في شخص المتفاوضين، وأن هذه الأطراف ستتحمل المسئولية الكاملة عن إتمام هذه الصفقة، ولن تتم إلا بتنفيذ شرط دفع العمولة المقترحة كاملة ودون مماطلة.
وانتهى الاجتماع بعد أن طلب شالوم كوهين مهلة يومين لعرض الأمر على الجانب الإسرائيلي قبل الرد على حسين سالم.
وتقول الوثيقة الثانية المؤرخة بتاريخ 19 يناير 2005 إنه اجتمع حسين سالم وشالوم كوهين سفير إسرائيل الجديد بالقاهرة، وإسحق مزراعي مبعوث التفاوض الإسرائيلي على تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، وتناقشوا حول صفقة تصدير الغاز إلى إسرائيل وقيمة العقد وقيمة عمولة الأطراف المشتركة في تنفيذ الصفقة وتسهيل إتمامه.
أبلغ شالوم كوهين حسين سالم أن القيادة الإسرائيلية وافقت على دفع عمولة قدرها 5 في المئة لحسين سالم مقابل إقناع السيد جمال مبارك بقبول عمولة 5 في المئة بدلا من نسبة 10% المطلوبة، 1% لسامح فهمي، وطلب كوهين ومزراعي من السيد حسين سالم بذل جهد لإتمام الصفقة بهذه النسبة.
رد حسين سالم بأنه متأكد من أن جمال مبارك سيرفض العرض، وأنه لن يتمم الصفقة إلا بعد الحصول على نسبة العمولة لأن الصفقة بالكامل تحت إشراف سيادته شخصيا، لكن شالوم كوهين توسل إلى حسين سالم لكي يبذل جهوده لإتمام الصفقة بنسبة العمولة المقترحة.
وانتهى الاجتماع، بعد أن طلب حسين سالم مهلة 72 ساعة للتفاوض لإبلاغهم ما وصلت إليه المفاوضات.
وتقول وثيقة ثالثة إن جمال مبارك تقابل مع حسين سالم في أحد الفنادق بحضور علاء مبارك، وقام جمال بتوبيخ حسين سالم على خيانته له وقيامه بالتحايل عليه لتخفيض عمولته مقابل رفع نسبة عمولة سالم، ثم انصرف غاضبا بعد أن كلفه بالاتصال بالجانب الإسرائيلي لإنهاء التعاقد على الصفقة.
وفي وثيقة أخرى بتاريخ 30 يناير 2005 اجتمع حسين سالم وجمال وعلاء مبارك وناقشوا خطوات تنفيذ صفقة تصدير الغاز المصري لإسرائيل، وتشاجر جمال مبارك مع حسين سالم واتهمه بالطمع، وأنه يفاوض لتخفيض نسبة جمال مقابل زياة نسبته طبقا لما أوضحته مذكرات مراقبة حسين سالم السابق، وقال له جمال إنه مراقب، وإن كل اجتماعاته مع ممثلي الجانب الإسرائيلي هو على علم بها، وأيضا يعلم بأمر الاتفاق بزيادة نسبة عمولته مقابل تخفيض نسبة جمال.
وبعد أن انتهى جمال مبارك من توبيخ حسين سالم مدة تقترب من نصف ساعة انصرف بعد أن أبلغه موافقته على إتمام الصفقة بالسعر والنسبة المتفق عليها، وطالبه بإبلاغ الجانب الإسرائيلي وتحديد ميعاد لتوقيع العقود وإتمام الصفقة، ثم انصرف جمال مبارك وعلاء مبارك بالرغم من محاولات حسين سالم منعهما من مغادرة الفندق قبل الاعتذار لهما.
فضائح نظام مبارك على يد الجهاز الذي كان لا ينام عن حمايته بكل الوسائل القذرة، أصبحت على عينك يا تاجر وبجنيهين للوثيقة الواحدة على أرصفة القاهرة.
فراج إسماعيل |
كانت الساعة تجاوزت الثامنة مساء يوم الخميس الماضي عندما ظهر ضباط الشرطة في بعض ميادين القاهرة الرئيسية بشكل غير معتاد خلال حقبة شفيق ووجدي.
المشهد ملفت خصوصا أنه جاء بعد ساعات قليلة من اقالة حكومة أحمد شفيق وتكليف الدكتور عصام شرف بتشكيل الحكومة الجديدة.
تساءل البعض: هل ثمة ضغوط على هؤلاء الضباط منعتهم خلال الأسابيع الماضية من الخروج إلى الشارع لاظهار أن الأمن منعدم؟!
حجة شفيق ووجدي أن الشرطة تخشى على حياتها من الاحتقان تجاهها. إذن ما علاقة شرطة السياحة والآثار بذلك مع أنها لا تتعامل مع الناس، فقد تركت الأثار في منطقة الأهرامات وفي مناطق أخرى تسرق دون تدخل؟!
لم تمض ساعات طويلة حتى بدأ رجال أمن الدولة يحرقون ويفرمون وثائقهم بالغة السرية، والتي تدخل الشعب الواعي الرائع لمنع اتلاف المزيد منها باقتحامه لمقر شارع الفراعنة بالإسكندرية والمقر الرئيسي بمدينة نصر ومقار 6 اكتوبر والدقي ومرسى مطروح وأسوان وكوم امبو وغيرها.
أيام الخميس والجمعة والسبت كانت بالفعل حافلة وحاسمة لثورة مصر وقدرة شعبها على وقف المؤامرة المضادة التي أشرف عليها شفيق ونفذها اللواء محمود وجدي. انتبه لها شباب ميدان التحرير منذ اليوم الأول لظهور رئيس الحكومة صاحب "البلوفر" الذي ظن أنه كفيل بخداع بساطة المصريين.
كان شفيق مراوغاً مناوراً مقاتلا للنفس الأخير دفاعاً عن حسني مبارك ونظامه الفاسد. قاد معه جنباً إلى جنب موقعة الجمل، وحافظ لجهاز أمن الدولة وقائده اللواء حسن عبدالرحمن على مكانته التي تبوأها قبل خلع مبارك، لدرجة أن وثيقة تطالب أحد الفروع بحرق الوثائق موقعة من عبدالرحمن ومؤرخة بتاريخ 27 فبراير، مع أننا كنا نسمع أنه مجمد ولا يمارس مهامه.
طوال الثلاثين يوما التي قضاها جنرال الطيران السابق في حكم مصر حاول أن تفلت عصابة علي بابا بما نهبته من مصر، وأن تستعيد سيطرتها وحكمها المخلوع. وتكشف الوثائق التي تم الوصول إليها جانباً مما كان يجري.
تنسيق كامل بين أمن الدولة وإعلاميين استفادوا واغتنوا منه، بعضهم حصل على برامج في الفضائيات نظير أموال طائلة. ترويج لغرق مصر في الفوضى والبلطجية وانعدام الأمن الذي لم يعد موجودا بعد ذهاب العائلة الحاكمة.
إذا تجولت في القاهرة لا تجد شيئا من هذا. الشعب الرائع يحافظ على أمنه وينظم مروره وينظف شوارعه كما لم نعهده من قبل. تشعر أن العاصمة إلى الأفضل كثيرا بناسها وخلقها.
انتهت تماما اللغة الطائفية. شعب واحد في مؤتمراته واعتصاماته ومطالبه، إلا ما نجحت فيه محاولات أمن الدولة الذي سمح له شفيق ووجدي بالاستمرار في أعماله القذرة على النحو الذي جرى به استحداث فتنة "اطفيح" وحرق كنيستها.
نظرية الفوضى سارت بالتوازي مع فزاعة الإخوان والتي لا تجد لها أثرا في الواقع، فشباب ميدان التحرير الذي استمر في اعتصامه مطالبا بسقوط شفيق، جمعته كل أطياف التيارات السياسية.
إذا كان الشعب الرائع قد أسقط بنفسه أمن الدولة ووضع يده على الوثائق التي تجرم النظام المخلوع قبل حرق المزيد منها، فإن أحمد شفيق نجح في منح زكريا عزمي عشرة أيام في قصر العروبة بعد خلع مبارك تمكن خلالها من تهريب كل الوثائق الهامة.
الثورة معناها سرعة القرار لمنع هروب المجرمين وهذا ما لم يتم خلال الأسابيع الماضية، لدرجة أن وجدي وجد الشجاعة في مكافأة ضباط متهمين بالقتل واطلاق الرصاص الحي على الثوار، كما حدث مع أسرة اتهمت ضابطا بعينه فقام بترقيته.
لم يستبعد الوزير محمود وجدي، اللواء حسن عبدالرحمن عندما تم تغييره بقرار من الجيش بل أبقاه مساعدا له رغم ملفه المفعم بقصص الفساد والمحسوبية والرشوة، وعين في منصبه نائبه في الجهاز المسئول معه عن التعذيب والسحل وقتل الأبرياء.
كان يبدو من الأمر أن طبخة تُنضج بثقة متناهية للالتفاف على الثورة، ولولا براعة الشعب وصدق حدسه لنجحوا في ذلك. إننا أكثر ثقة الآن بأن ما تم خلال الأيام الأخيرة هو إسقاط حقيقي للنظام وفلوله المرتعشة المتآمرة.
وهنا نسأل عن المقصود باعادة الهيكلة لجهاز قذر.. هل نعيد هيكلته مع ملابس الرقص التي عثر عليها المتظاهرون في مقره بمدينة 6 أكتوبر؟!
ما العلاقة بين أمن الوطن وهذه الملابس؟!.. لم يخبرنا التاريخ قبل ذلك إن "الهشك البشك" من لوازم حراسة الحدود وصد الإرهاب وحماية المحروسة من الغزاة والمتآمرين!
وما علاقة ذلك بـ"البرنس" الحريمي الموجود في غرفة نوم العادلي الفاخرة التي جهز بها مكتبه في المقر الرئيسي لمباحث أمن الدولة في مدينة نصر؟!
جهاز أمن عائلة مبارك، وهو اسمه الحقيقي طوال الثلاثين عاما الماضية، لا يجب أن يستمر بأي حال. لقد عاش باشعال الحرائق في الوطن وانتهى عهده على أيدي الشعب بالحرائق أيضا.
تقول وثائق التجسس التي قام بها الجهاز لصالح العائلة الحاكمة إن جمال مبارك أمين لجنة السياسات بالحزب الوطني السابق وحسين سالم رجل الأعمال وسامح فهمي وزير البترول قاموا بإتمام صفقة تصدير الغاز المصري لإسرائيل مقابل عمولة 5% من قيمة العقد بواقع 2.5% لحسين سالم و2.5% لسامح فهمي، وبعد مفاوضات حول النسبة التي كان يتفاوض عليها جمال مبارك وهي 10%، تم إقصاء سامح فهمي من الصفقة ليحل محله علاء مبارك بنسبة 2.5% مقابل إقناع شقيقه بإتمام الصفقة مقابل 5%.
وتقول الوثيقة الأولى المؤرخة بتاريخ 5 يناير 2005 وموجهة من المقدم 'ح . ص' إلى اللواء حبيب العادلي تحت بند 'سري جدا' إنه 'بناء على التكليف رقم 11 بتاريخ 5/1/2005 بخصوص مراقبة السيد حسين سالم فقد تبين أنه اجتمع مع سامح فهمي وزير البترول السابق وشالوم كوهين المرشح لتولي منصب السفير بالقاهرة خلال ذلك الشهر وإسحق مزراعي مبعوث التفاوض الإسرائيلي، وتناقش المجتمعون حول صفقة تصدير الغاز إلى إسرائيل وقيمة العقد وقيمة عمولة الأطراف المشتركة في تنفيذ الصفقة وتسهيل إتمامها.
وبتفريغ التسجيل الصوتي بمعرفة الإدارة طبقا للوثيقة تبين أن حسين سالم قد أبلغ شالوم كوهين ورفيقه الإسرائيلي أن الجهات السياسية العليا وافقت بشكل نهائي على إتمام الصفقة كما هي مقترحة من الجانب الإسرائيلي، وبنفس القيمة بشرط حصول جمال مبارك على نسبة 10% من قيمة الصفقة، وحسين سالم على 5 في المئة وسامح فهمي على 2.50%.
اعترض إسحق مزراعي على نسبة العمولة وقال إن القيادة الإسرائيلية لن توافق بأي حال على هذه الصفقة، وقال إن الصفقة بالكامل مهددة بالإلغاء بسبب العمولة المطلوبة المبالغ فيها، وقال شالوم كوهين إن عمولة جمال مبارك مبالغ فيها، وإن الإدارة الإسرائيلية اعتمدت نسبة 2.5% لجمال مبارك، ونسبة 1% لحسين سالم ومثلها لسامح فهمي، وعلق سامح فهمي معترضا على نسبة العمولة التي اقترحها الجانب الإسرائيلي وقال إن الصفقة مهددة بالإيقاف من جانب الإدارة المصرية، وأن نسبة العمولة غير قابلة للنقاش لأنها ثمن بسيط مقابل الجهد الكبير الذي بذله جمع أطراف الصفقة لإتمامها سياسيا وإداريا.
وقال حسين سالم إن نسبة العمولة ستقسم في ما بعد بين أطراف أخرى تم اختصارهم في شخص المتفاوضين، وأن هذه الأطراف ستتحمل المسئولية الكاملة عن إتمام هذه الصفقة، ولن تتم إلا بتنفيذ شرط دفع العمولة المقترحة كاملة ودون مماطلة.
وانتهى الاجتماع بعد أن طلب شالوم كوهين مهلة يومين لعرض الأمر على الجانب الإسرائيلي قبل الرد على حسين سالم.
وتقول الوثيقة الثانية المؤرخة بتاريخ 19 يناير 2005 إنه اجتمع حسين سالم وشالوم كوهين سفير إسرائيل الجديد بالقاهرة، وإسحق مزراعي مبعوث التفاوض الإسرائيلي على تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل، وتناقشوا حول صفقة تصدير الغاز إلى إسرائيل وقيمة العقد وقيمة عمولة الأطراف المشتركة في تنفيذ الصفقة وتسهيل إتمامه.
أبلغ شالوم كوهين حسين سالم أن القيادة الإسرائيلية وافقت على دفع عمولة قدرها 5 في المئة لحسين سالم مقابل إقناع السيد جمال مبارك بقبول عمولة 5 في المئة بدلا من نسبة 10% المطلوبة، 1% لسامح فهمي، وطلب كوهين ومزراعي من السيد حسين سالم بذل جهد لإتمام الصفقة بهذه النسبة.
رد حسين سالم بأنه متأكد من أن جمال مبارك سيرفض العرض، وأنه لن يتمم الصفقة إلا بعد الحصول على نسبة العمولة لأن الصفقة بالكامل تحت إشراف سيادته شخصيا، لكن شالوم كوهين توسل إلى حسين سالم لكي يبذل جهوده لإتمام الصفقة بنسبة العمولة المقترحة.
وانتهى الاجتماع، بعد أن طلب حسين سالم مهلة 72 ساعة للتفاوض لإبلاغهم ما وصلت إليه المفاوضات.
وتقول وثيقة ثالثة إن جمال مبارك تقابل مع حسين سالم في أحد الفنادق بحضور علاء مبارك، وقام جمال بتوبيخ حسين سالم على خيانته له وقيامه بالتحايل عليه لتخفيض عمولته مقابل رفع نسبة عمولة سالم، ثم انصرف غاضبا بعد أن كلفه بالاتصال بالجانب الإسرائيلي لإنهاء التعاقد على الصفقة.
وفي وثيقة أخرى بتاريخ 30 يناير 2005 اجتمع حسين سالم وجمال وعلاء مبارك وناقشوا خطوات تنفيذ صفقة تصدير الغاز المصري لإسرائيل، وتشاجر جمال مبارك مع حسين سالم واتهمه بالطمع، وأنه يفاوض لتخفيض نسبة جمال مقابل زياة نسبته طبقا لما أوضحته مذكرات مراقبة حسين سالم السابق، وقال له جمال إنه مراقب، وإن كل اجتماعاته مع ممثلي الجانب الإسرائيلي هو على علم بها، وأيضا يعلم بأمر الاتفاق بزيادة نسبة عمولته مقابل تخفيض نسبة جمال.
وبعد أن انتهى جمال مبارك من توبيخ حسين سالم مدة تقترب من نصف ساعة انصرف بعد أن أبلغه موافقته على إتمام الصفقة بالسعر والنسبة المتفق عليها، وطالبه بإبلاغ الجانب الإسرائيلي وتحديد ميعاد لتوقيع العقود وإتمام الصفقة، ثم انصرف جمال مبارك وعلاء مبارك بالرغم من محاولات حسين سالم منعهما من مغادرة الفندق قبل الاعتذار لهما.
فضائح نظام مبارك على يد الجهاز الذي كان لا ينام عن حمايته بكل الوسائل القذرة، أصبحت على عينك يا تاجر وبجنيهين للوثيقة الواحدة على أرصفة القاهرة.