عبد الرحمن الرافعي.. مؤرخ مصر الحديثة
كتب: بهاء الدين علوان
13/09/1431 الموافق 22/08/2010
لقد حظي عبد الرحمن الرافعي بشهرة واسعة، وكان لموسوعته « تاريخ الحركة القومية» دور مهم في الثقافة العربية، وطغت شهرته كمؤرخ على شهرته كمحام.
نشأ في بيئة دينية، فأبوه هو الشيخ عبد اللطيف الرافعي الذي ينتهي نسبه إلى الفاروق عمر بن الخطاب، تخرج والده من الأزهر وعمل بوظائف كثيرة في القضاء حتى أصبح مفتي الإسكندرية سنة 1898.
والدته السيدة حميدة محمود رضوان المعايرجي، القاهرية المولد التي توفيت في 21 يوليو سنة 1893، أخذ عنها كما يقول في مذكراته الكثير من الصفات: الإيمان بالله والثقة بالناس ومساعدتهم.
ولد عبد الرحمن في 8 فبراير سنة 1889 في منزل جده لأمه بالقاهرة، ودخل كتاب الشيخ هلال، وتنقل مع والده فدخل مدرسة الزقازيق الابتدائية الأميرية سنة 1895 ثم مدرسة القربية الابتدائية بالقاهرة، ثم مدرسة رأس التين الابتدائية بالإسكندرية، وحصل على الشهادة الابتدائية سنة 1901، وانتقل إلى القسم الثانوي بالمدرسة ذاتها حتى حصل على شهادة البكالوريا أدبي في مايو سنة 1904 وكان ترتيبه الثالث على القطر لدفعته البالغ عددها 136 طالبًا ، والتحق بمدرسة الحقوق العليا (جامعة القاهرة) وتخرج في يونيو سنة 1908، ومن ضمن دفعته أحمد ماهر، عبد الحميد بدوي، أحمد وجدي، حسن نشأت، حبيب دوس.
حماس الشباب:
تأثر الرافعي إبان دراسته الثانوية والجامعية بوطنية مصطفى كامل، طالع جريدته «اللواء» وحضر كل مؤتمراته، والتقى به لأول مرة في فبراير سنة 1906 حين قدم له مقالة عن إضراب طلبة الحقوق وقتها لينشرها - ورفض الزعيم خشية أن يتعرض الرافعي للاعتقال!
وكثرت لقاءاته والاستماع لخطبه، وعرض عليه مصطفى كامل إيفاده عقب تخرجه لدراسة الصحافة في باريس، لكن لم يتحقق الوعد لوفاة الزعيم قبل تخرج الرافعي.
شارك الرافعي في تأسيس نادي المدارس العليا سنة 1905 الذي تولى رئاسته عمر بك لطفي وكيل مدرسة الحقوق العليا، وانضم إلى الحزب الوطني فور إنشائه وحين توفي مصطفى كامل في 10 فبراير سنة 1908 حزن عليه الرافعي كثيرا وأخذ على نفسه عهدا أن يسير على خطاه ويكتب سيرته، وقد بر بوعده، وانتخب الرافعي عضوا في اللجنة الإدارية للحزب في 20 يناير سنة 1911، ويتولى محمد فريد رئاسة الحزب عقب وفاة مؤسسه، وتظل رئاسة الحزب شاغرة منذ هجرة فريد في 26 مارس سنة 1912 ووفاته في ألمانيا في 15 نوفمبر سنة 1919.
ومع اندلاع ثورة سنة 1919 وقيام حزب الوفد برئاسة سعد زغلول ينطفئ الضوء والوهج عن الحزب الوطني وينتهي إلى حزب أقلية، وفي مايو 1923 ينتخب حافظ رمضان لرئاسة الحزب الشاغرة، ويشغل عبد الرحمن الرافعي منصب سكرتير الحزب في 26 ديسمبر سنة 1923 حتى سنة 1946، ومع ذلك يستمر مهيمنا على أعمال الحزب المتقوقع حتى صدور قانون حل الأحزاب في 17 يناير سنة 1953.
ولم يسلم الحزب الوطني من آفة الصراعات، بالرغم من قلة أعضائه ،فقد طغت الخلافات وتعددت، خاصة منذ اختيار حافظ رمضان رئيس الحزب وزيرًا سنة 1937 وسنة 1940 لأن ذلك يتعارض مع مبادئ الحزب الوطني في الاشتراك في الوزارة في ظل وجود الاحتلال الإنجليزي، وتزعم الرافعي الصراع.
وفي نوفمبر سنة 1940 طلب حسين سري من عبد الرحمن الرافعي الاشتراك في الوزارة التي يقوم بتأليفها، فما كان من الأخير إلا أن عرض الأمر على اللجنة الإدارية للحزب التي قررت عدم الموافقة، واعتذر الرافعي.
وتمر تسع سنوات ويشترك الرافعي في وزارة حسين سري في صيف سنة 1949 ومن دون الرجوع للجنة الإدارية للحزب الوطني، وأصبح وزيرًا للتموين، ولم تستمر الوزارة في الحكم إلا ثلاثة شهور وبضعة أيام، واستقالت في 3 نوفمبر 1949.
والحقيقة أن عناد الرافعي، هو المسئول عن ضربه عرض الحائط برأي اللجنة الإدارية للحزب، القائمة اسمًا لا فعلاً، ولا يمر الحدث بهدوء، فيطالب بالاستقالة الفورية ولكنه لا يقبل.
محرر اللواء :
وعقب تخرج عبد الرحمن من الحقوق سنة 1908 لم يفكر بالعمل بالنيابة العامة، إذ وجد في الوظيفة قيدًا على هدفه، واتجه إلى المحاماة ،وقيد اسمه بجدول المحامين في 19 يوليو سنة 1908، وتدرب في مكتب محمد علي علوبة بك المحامي في أسيوط فترة قليلة، وبعدها في أكتوبر سنة 1908 دعاه محمد فريد للعمل محررًا في جريدة «اللواء» تحت رئاسته، وقد برع المحرر الجديد في كتاباته وترجماته عن اللغة الفرنسية التي كان يجيدها، وكانت المشكلة أن العمل بالصحافة وقتها لا يدر دخلاً ثابتًا فكيف يعتمد عليه؟ بالإضافة إلى أن شقيقه أمين الصحفي النابه الذي تفرغ للصحافة قبله بسنوات طويلة حتى أصبح من أشهر الصحفيين يعاني الأمرين منها، فاتجه الشقيقان لاستشارة والدهما في موقفهما، فأشار أن يبقى أمين في الصحافة ويعود عبد الرحمن للعمل بالمحاماة والكتابة في الصحافة والقيام بالإنفاق على بيته وبيت أخيه، وقد كان.
وفي نهاية سنة 1909 يستجيب الرافعي لرأي زميل دفعته أحمد وجدي الذي كان يعمل مثله بالمحاماة ويفتتحان مكتبًا للمحاماة بالزقازيق، على أن يتولى الرافعي قضايا المكتب في محاكم المنصورة، وحين تفتتح المحكمة الابتدائية في المنصورة سنة 1910 يستقل الرافعي بمكتب المنصورة الذي يختاره في منطقة المحاكم، ويظل بالمنصورة طويلا حتى ديسمبر سنة 1932، إذ ينتقل إلى القاهرة ويفتتح مكتبًا بالمنزل رقم 21 شارع عدلي ،حيث اختير صاحبه في القضاء ،ومن محاسن الصدف أن هذا المكتب كان يشغله قبله الزعيم محمد فريد حينما اشتغل بالمحاماة، واستمر المكتب مفتوحًا حتى أغلق في نوفمبر سنة 1964 لمرض صاحبه.
صاحب مبدأ :
وكان عبد الرحمن الرافعي المحامي نموذجًا فريدًا ومثاليًا وصاحب مبدأ لا يجيد عنه طوال حياته، فلم يقبل قضايا تمس الشرف، وشارك في غالبية القضايا الوطنية من دون مقابل.
وترافع مجانًا في قضايا الفقراء وأعضاء الحزب الوطني خاصة في كل محاكم مصر، وكان له مشاركة لم تتم في المرافعة مع زملائه في النقابة عن الثوار السودانيين الذين اعتقلتهم السلطات الإنجليزية في نوفمبر سنة 1948 عندما منعت السلطات هبوط الطائرة في الخرطوم.
ومن أشهر قضاياه مرافعته عن الفريق عزيز المصري، ومرافعته عن المثال محمود مختار ،وكانت الحكومة قد استدعته من عمله في باريس عقب وفاة سعد زغلول سنة 1927، وكلفته بإقامة تمثالين للزعيم ثم عدلت، وفي بداية سنة 1930 تم التعاقد على ألا يتدخل أحد في عمل المثال، وبدأ العمل وارتفع التمثال 20 مترًا ، وغضب الملك فؤاد فتمثال الإسكندرية سيوضع قريبًا من تمثال محمد علي الذي لا يرتفع إلا ثمانية أمتار، وجرت المحاولات لتعويض محمود مختار والتوقف عن استكمال التمثالين ،ولكنه يرفض ،وفي النهاية يضطر لرفع قضية يتولاها عبد الرحمن الرافعي الذي يشير في مذكرته للمحكمة «هذه قضية فذة، لم يسبق للمحاكم أن نظرت مثلها في ظروفها وملابساتها، سواء في مصر أو في غير مصر، لأن هذه أول مرة فيما نعلم تقف حكومة ما موقف الخصومة والإساءة والتحدي تجاه فنان يعد بحق نابغة الفنانين في بلاده». (المثال مختار - بدر الدين أبو غازي - ط2004 ص266).
وكان للرافعي دور بارز في نقابة المحامين بالقاهرة، فينضم إلى مجلس النقابة في 11 مارس 1919، ووجوده في المنصورة حتى سنة 1932 لم يمنعه من المشاركة الفعالة في النقابة.
وعندما جرت خلافات بين أعضاء النقابة في ديسمبر سنة 1939 يختاره رئيس الحكومة وقتها وزميل كفاحه علي ماهر وكيلاً في المجلس الذي ضم كل الأحزاب، وعند إجراء انتخابات النقابة السنوية في 27 ديسمبر سنة 1940 أسقطه المحامون الوفديون بعد أن منوه بالفوز.
وعندما تطالب نقابة المحامين حكومة الثورة بالعودة للثكنات، فجاء الرد بإصدار القانون رقم 709 بتاريخ 22 ديسمبر سنة 1954 بحل المجلس وتشكيل مجلس مؤقت ويختار عبد الرحمن الرافعي نقيبًا.
ويتجلى بوضوح أيضًا عميق حب الرافعي لأمه التي اختارها الله وهو صغير لم يبلغ الخامسة من العمر وكان دائم الإشادة بها في مذكراته «ظللت على حبي لها وتمجيدي لذكراها طوال السنين، وتملكني مع الزمن شعور بأني مدين لها بما حباني الله من مواهب (بحسب ظني)... وكان حبي لأمي - وقد توفيت وأنا صغير السن وعشت بعدها يتيمًا من الأم (ومعذرة للغويين عن هذا التعبير) - قد مال بي مبدئيًا إلى أقرب البيئات إليها».
وأتصور أن هذا العشق يرجع إلى أن أباه قد تزوج مرتين، بالإضافة إلى أنه عاش سنوات دراسته العليا في بيت أخواله بالقاهرة، هذان الجانبان دفعاه إلى أن يختار شريكة حياته من أسرة أمه - بعد أن مر بتجربة حب عفيف كما ورد بمذكراته - واستقر رأيه على بنت خاله ذات الإحساس الوطني وشاركت في مظاهرة السيدات والآنسات في 16 مارس سنة 1919.
وفي 12 مارس سنة 1920 تزوج عائشة محمد المعايرجي، وأنجب أربع بنات وولدًا، والأخير توفي وهو صغير، ويروي في مذكراته عن حيائه وعناده وانعزاله واعتذاره دائمًا عن حضور الحفلات والمآدب التي كان يدعى إليها في الوقت الذي كان حسن الظن بمن يتعامل معهم، وكم واجه من المصاعب ومفارقات ومقالب في حياته.
والفترة الطويلة التي قضاها الرافعي في المنصورة - زهاء اثنين وعشرين عامًا - كانت سنوات مزهرة ومن أخصب فترات حياته، شارك في مختلف أوجه النشاط السياسي والثقافي والاقتصادي والثوري بخلاف دفاعه بالمجان في قضايا الفقراء واعتقال الطلبة المتظاهرين، ويساهم مع مجموعة من أصدقائه في إنشاء النقابات الزراعية في القرى سنة 1919 والجمعيات التعاونية سنة 1920 في أنحاء مديرية «محافظة» الدقهلية.
وإبان الحرب العالمية الأولى يعتقل في 17 أغسطس سنة 1915 مع لفيف من الوطنيين ويفرج عنه في 17 يونيو سنة 1916، ولا ننسى دوره في جماعة اليد السوداء الفدائية، وكيف كان يدير العمل السري بكفاءة منقطعة النظير بين القاهرة والمنصورة، حيث كان يوزع الأسلحة على الوطنيين.
والنتيجة الطبيعية لهذه المشاركة الفعالة في مجتمع المنصورة وما جاورها في المديرية وقتها، تعاطف الجماهير معه حين تقدم للترشيح لعضوية مجلس النواب عن دائرة مركز المنصورة عقب صدور دستور سنة 1923 وقانون الانتخاب الأول،وبالرغم من مكانة وقوة حزب الوفد السياسية برئاسة سعد زغلول في المجتمع المصري قاطبة، فقد كرّمه شعب الدقهلية في انتخاب 12 يناير سنة 1924 وفاز على منافسه الوفدي بصوت واحد.
ويشير الرافعي عن هذا الحدث الفريد في مذكراته بالقول «وتحدث الناس عن نجاحي بصوت واحد ، وقال لي بعض الصوفية إنه صوت الله، فحمدت لهم هذا التعبير، وقلت لهم : إنني فعلاً كنت ومازلت «ولا أزال» معتمدًا على الله». (طه، ص 46).
وفي مجلس النواب شارك مع نواب الحزب الوطني الثلاثة في المعارضة، وأثرى المجلس باقتراحاته منها: إنشاء أسطول تجاري مصري - الجمع بين عضوية البرلمان والتدريس بالأزهر والمعاهد الدينية - البدء في تعليم البنات تعليمًا عاليًا.
وفي انتخابات سنة 1952 التي تقدم لها الرافعي ونجح بأصوات قليلة، عقدت أولى جلسات مجلس النواب في 23 مارس سنة 1925، وتم حل المجلس في مساء اليوم نفسه.
وفي انتخابات سنة 1926 عقب تألف الأحزاب لم ينس سعد زغلول معارضة الرافعي لحكومته سنة 1924، فلم يخصص له دائرة مركز المنصورة كما فعل للآخرين فاضطر عبد الرحمن الرافعي لعدم التقدم للترشيح.
وعندما تتعرض الحياة السياسية في مصر إلى أزمات في ديسمبر سنة 1935 فتتدخل الصحافة الوطنية والوطنيين لدعوة كل الأحزاب للتآلف في جبهة وطنية، فتتقدم الأحزاب بعريضة للملك فؤاد لإعادة الدستور، فيصدر قرارًا في مايو سنة 1936 لإجراء انتخابات مجلسي النواب والشيوخ. وقام الزعيم مصطفى النحاس رئيس حزب الوفد بتوزيع المقاعد تعيينًا أو ترشيحًا لكل الدوائر، واستبعد الرافعي بالرغم من جهوده وأخيه الصحفي أمين الرافعي في جمع شمل أحزاب مصر وقتها. وتمر السنون وعبد الرحمن الرافعي منهمك في إصداراته التاريخية. فبعد ثلاثة عشر عامًا يختاره أهالي دائرة كفر بداوي مديرية «محافظة» الدقهلية، ويفوز بالتزكية لعضوية مجلس الشيوخ سنة 1939. وفي التجديد النصفي للمجلس في مايو سنة 1951 نافسه في الدائرة مرشح وفدي فسقط الرافعي أمامه، ومن اقتراحاته الخلاقة التي قدمها في مجلس الشيوخ:
- إقامة مصانع حربية تقدم الاحتياجات الدفاعية والمدنية لأفراد الجيش بدلاً من الاعتماد على الاستيراد من الخارج.
- الدعوة لتحديد النسل. (جلسة 26 مارس سنة 1940).
- رفع الرقابة عن الصحف وحرية الصحافة. (جلسة 28 أبريل سنة 1943).
- منع تملك الأجانب للأراضي الزراعية والعقارات (جلسة 8 ديسمبر 1948) فصدر القانون رقم 37 لسنة 1951 بذلك.
موسوعة تاريخية :
كانت صدمة عدم دخوله انتخابات سنة 1926 كبيرة تخلص منها بالبدء من تأليف موسوعته التاريخية بعد أن سبق وأصدر الكتب الثلاثة غير المعروفة وهي (حقوق الشعب سنة 1912 نقابات التعاون الزراعية - نظامها وتاريخها وثمراتها في مصر وأوربا سنة 1914 الجمعيات الوطنية - صفحة من تاريخ النهضات القومية في فرنسا وأمريكا وألمانيا وبولونيا والأناضول سنة 1922).
ويقول في مذكراته «فكرت منذ سنين عدة سبقت سنة 1926 في أن أضع تاريخًا للزعيم مصطفى كامل، باعتبار أنه باعث الحركة الوطنية الحديثة، وانتهت إلى أن أول دور من أدوارها هو عصر المقاومة الأهلية التي اعترضت الحملة الفرنسية في مصر، إلى أن أبعدت عن الحياة البرلمانية سنة 1926، وانقطعت صلتي بها، وأصبحت «عاطلاً» عن العمل الذي أعددت نفسي له منذ صباي، كان لابد لي من عمل يشغلني ويستأثر بذهني، فلا يدع لي مجالاً للتفكير في سواه، فاعتزمت أن أنقطع، إلى جانب عملي في المحاماة - لتنفيذ الفكرة التي كانت تعاودني من سنة إلى أخرى، وهي تأريخ الحركة القومية لمصر الحديثة». (ط1. ص.ص 62 – 63).
فظهر الجزء أن الأول والثاني من « تاريخ الحركة القومية ونظام الحكم في مصر» سنة 1929. «عصر محمد علي» سنة 1930، «عصر إسماعيل» في جزأين سنة 1932. «الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي» سنة 1937، «مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية» سنة 1939، محمد فريد رمز الإخلاص والتضحية» سنة 1941، «مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال» سنة 1942، «ثورة سنة 1919» في جزأين سنة 1946، «في أعقاب الثورة المصرية» في ثلاثة أجزاء سنوات 1947 - 1948 - 1951، «مذكراتي» في فبراير سنة 1952، «الزعيم الثائر أحمد عرابي» سنة 1952، «شعراء الوطنية» سنة 1954، «أربعة عشر عامًا في البرلمان سنة 1955، «مقدمات ثورة يوليو سنة 1952» في مارس سنة 1957، «ثورة 23 يوليو تاريخنا القومي في سبع سنوات» سنة 1959، « تاريخ الحركة القومية في مصر القديمة من فجر التاريخ إلى الفتح العربي» سنة 1963، وبعد وفاته بأيام يصدر كتاب «جمال الدين الأفغاني باعث نهضة الشرق» في 10 ديسمبر سنة 1966 في سلسلة أعلام العرب.
كما صدرت له كتب مختصرة، «بطل الكفاح الشهيد محمد فريد» سنة 1951، «مصطفى كامل باعث النهضة الوطنية» سنة 1952، كتب لطلبة المدارس الثانوية سنة 1952. وانصب تاريخه على الجانب السياسي وقليلا ما تطرق إلى تناول الجوانب الاجتماعية والاقتصادية.
ويعد المجلد الأول وتكملته قمة السلسلة القومية جميعها بلا مراء، لما بذل فيها من جهد رائع وممتاز لباكورة كتاباته التاريخية، كما أغفل في كتابه عن «محمد علي» تسلطه وأشار سريعًا إلى نظام احتكاره الذي جعل اقتصاد مصر بين أصابع الحاكم يستغلها كيفما شاء، وأغفل الكثير من جوانب الضعف في شخصية مصطفى كامل الذي رفعه إلى السماء مثل مضارباته المالية، وكذلك فعل مع محمد فريد فنراه يغفل علاقته في المنفى مع مدام رينه دي روشبرون الفرنسية التي نشرت مذكراتها عن هذه العلاقة، كما يقوم الرافعي عند اطلاعه على مذكرات محمد فريد بشطب ما يراه ماسًا بشخصية معلمه.
وإضافة إلى مذكراته المنشورة، فقد كتب مذكرات أخرى طلبها صبري أبو المجد من زوج ابنته المستشار حلمي شاهين، وطلبت من صبري أبو المجد الاطلاع عليها فقال إنه سيكتب عنها، واختاره الله وضاعت المذكرات وقد فوجئت ابنته أرملة المستشار شاهين حين علمت منى بذلك.
الزعيم الثائر :
وعندما أصدر الرافعي مؤلفه «الزعيم الثائر أحمد عرابي» رفع كل الفقرات الحادة التي تدين عرابي بالخيانة وسبق أن دونها في كتاب «الثورة العرابية».
وما كان يجدر بالرافعي أن يدون شيئًا عن ثورة 1952، حيث أغفل الأحداث التي عاصرها خلال السنوات الأولى ومر مرور الكرام على فترة رئاسة محمد نجيب للجمهورية الأولى وغفل عما جرى له من اعتقال مهين وأشاد بتماسك مجلس قيادة الثورة في الوقت الذي اكتشف فيه شعب مصر الصراعات الدائرة على تولي السلطة. وأصيب عبد الرحمن الرافعي في 14 نوفمبر سنة 1964 بالشلل النصفي في الجانب الأيسر من جسمه، ورفض العلاج على حساب الدولة والسفر إلى الخارج لإيمانه بالإرادة الإلهية، فإن كان يريد الله له الشفاء لتحقق له في مصر.
وتوفاه الله في 3 ديسمبر سنة 1966، وكرغبته دفن بجوار زعيميه مصطفى كامل ومحمد فريد، وأعدت حجرة بالمتحف تضم مخلفاته ،منها المكتب والكرسي اللذان كان يجلس عليهما في مكتب المحاماة، وبعض الكتب بالإضافة إلى عدة صور تمثله في مختلف أطوار حياته.
وكرمته الدولة فمنحته جائزتها التقديرية للعلوم الاجتماعية سنة 1961، كما كرمه الرئيس السادات أيضًا بمنح اسمه في 29 مايو سنة 1980 قلادة الجمهورية تقديرًا لدوره وجهوده في مجال المحاماة وكتابة تاريخ مصر، وفي 31 ديسمبر سنة 1989 أصدرت هيئة البريد طابعًا ضمن أعلام العرب تحمل صورته فئة عشرة مليمات.
كتب: بهاء الدين علوان
13/09/1431 الموافق 22/08/2010
لقد حظي عبد الرحمن الرافعي بشهرة واسعة، وكان لموسوعته « تاريخ الحركة القومية» دور مهم في الثقافة العربية، وطغت شهرته كمؤرخ على شهرته كمحام.
نشأ في بيئة دينية، فأبوه هو الشيخ عبد اللطيف الرافعي الذي ينتهي نسبه إلى الفاروق عمر بن الخطاب، تخرج والده من الأزهر وعمل بوظائف كثيرة في القضاء حتى أصبح مفتي الإسكندرية سنة 1898.
والدته السيدة حميدة محمود رضوان المعايرجي، القاهرية المولد التي توفيت في 21 يوليو سنة 1893، أخذ عنها كما يقول في مذكراته الكثير من الصفات: الإيمان بالله والثقة بالناس ومساعدتهم.
ولد عبد الرحمن في 8 فبراير سنة 1889 في منزل جده لأمه بالقاهرة، ودخل كتاب الشيخ هلال، وتنقل مع والده فدخل مدرسة الزقازيق الابتدائية الأميرية سنة 1895 ثم مدرسة القربية الابتدائية بالقاهرة، ثم مدرسة رأس التين الابتدائية بالإسكندرية، وحصل على الشهادة الابتدائية سنة 1901، وانتقل إلى القسم الثانوي بالمدرسة ذاتها حتى حصل على شهادة البكالوريا أدبي في مايو سنة 1904 وكان ترتيبه الثالث على القطر لدفعته البالغ عددها 136 طالبًا ، والتحق بمدرسة الحقوق العليا (جامعة القاهرة) وتخرج في يونيو سنة 1908، ومن ضمن دفعته أحمد ماهر، عبد الحميد بدوي، أحمد وجدي، حسن نشأت، حبيب دوس.
حماس الشباب:
تأثر الرافعي إبان دراسته الثانوية والجامعية بوطنية مصطفى كامل، طالع جريدته «اللواء» وحضر كل مؤتمراته، والتقى به لأول مرة في فبراير سنة 1906 حين قدم له مقالة عن إضراب طلبة الحقوق وقتها لينشرها - ورفض الزعيم خشية أن يتعرض الرافعي للاعتقال!
وكثرت لقاءاته والاستماع لخطبه، وعرض عليه مصطفى كامل إيفاده عقب تخرجه لدراسة الصحافة في باريس، لكن لم يتحقق الوعد لوفاة الزعيم قبل تخرج الرافعي.
شارك الرافعي في تأسيس نادي المدارس العليا سنة 1905 الذي تولى رئاسته عمر بك لطفي وكيل مدرسة الحقوق العليا، وانضم إلى الحزب الوطني فور إنشائه وحين توفي مصطفى كامل في 10 فبراير سنة 1908 حزن عليه الرافعي كثيرا وأخذ على نفسه عهدا أن يسير على خطاه ويكتب سيرته، وقد بر بوعده، وانتخب الرافعي عضوا في اللجنة الإدارية للحزب في 20 يناير سنة 1911، ويتولى محمد فريد رئاسة الحزب عقب وفاة مؤسسه، وتظل رئاسة الحزب شاغرة منذ هجرة فريد في 26 مارس سنة 1912 ووفاته في ألمانيا في 15 نوفمبر سنة 1919.
ومع اندلاع ثورة سنة 1919 وقيام حزب الوفد برئاسة سعد زغلول ينطفئ الضوء والوهج عن الحزب الوطني وينتهي إلى حزب أقلية، وفي مايو 1923 ينتخب حافظ رمضان لرئاسة الحزب الشاغرة، ويشغل عبد الرحمن الرافعي منصب سكرتير الحزب في 26 ديسمبر سنة 1923 حتى سنة 1946، ومع ذلك يستمر مهيمنا على أعمال الحزب المتقوقع حتى صدور قانون حل الأحزاب في 17 يناير سنة 1953.
ولم يسلم الحزب الوطني من آفة الصراعات، بالرغم من قلة أعضائه ،فقد طغت الخلافات وتعددت، خاصة منذ اختيار حافظ رمضان رئيس الحزب وزيرًا سنة 1937 وسنة 1940 لأن ذلك يتعارض مع مبادئ الحزب الوطني في الاشتراك في الوزارة في ظل وجود الاحتلال الإنجليزي، وتزعم الرافعي الصراع.
وفي نوفمبر سنة 1940 طلب حسين سري من عبد الرحمن الرافعي الاشتراك في الوزارة التي يقوم بتأليفها، فما كان من الأخير إلا أن عرض الأمر على اللجنة الإدارية للحزب التي قررت عدم الموافقة، واعتذر الرافعي.
وتمر تسع سنوات ويشترك الرافعي في وزارة حسين سري في صيف سنة 1949 ومن دون الرجوع للجنة الإدارية للحزب الوطني، وأصبح وزيرًا للتموين، ولم تستمر الوزارة في الحكم إلا ثلاثة شهور وبضعة أيام، واستقالت في 3 نوفمبر 1949.
والحقيقة أن عناد الرافعي، هو المسئول عن ضربه عرض الحائط برأي اللجنة الإدارية للحزب، القائمة اسمًا لا فعلاً، ولا يمر الحدث بهدوء، فيطالب بالاستقالة الفورية ولكنه لا يقبل.
محرر اللواء :
وعقب تخرج عبد الرحمن من الحقوق سنة 1908 لم يفكر بالعمل بالنيابة العامة، إذ وجد في الوظيفة قيدًا على هدفه، واتجه إلى المحاماة ،وقيد اسمه بجدول المحامين في 19 يوليو سنة 1908، وتدرب في مكتب محمد علي علوبة بك المحامي في أسيوط فترة قليلة، وبعدها في أكتوبر سنة 1908 دعاه محمد فريد للعمل محررًا في جريدة «اللواء» تحت رئاسته، وقد برع المحرر الجديد في كتاباته وترجماته عن اللغة الفرنسية التي كان يجيدها، وكانت المشكلة أن العمل بالصحافة وقتها لا يدر دخلاً ثابتًا فكيف يعتمد عليه؟ بالإضافة إلى أن شقيقه أمين الصحفي النابه الذي تفرغ للصحافة قبله بسنوات طويلة حتى أصبح من أشهر الصحفيين يعاني الأمرين منها، فاتجه الشقيقان لاستشارة والدهما في موقفهما، فأشار أن يبقى أمين في الصحافة ويعود عبد الرحمن للعمل بالمحاماة والكتابة في الصحافة والقيام بالإنفاق على بيته وبيت أخيه، وقد كان.
وفي نهاية سنة 1909 يستجيب الرافعي لرأي زميل دفعته أحمد وجدي الذي كان يعمل مثله بالمحاماة ويفتتحان مكتبًا للمحاماة بالزقازيق، على أن يتولى الرافعي قضايا المكتب في محاكم المنصورة، وحين تفتتح المحكمة الابتدائية في المنصورة سنة 1910 يستقل الرافعي بمكتب المنصورة الذي يختاره في منطقة المحاكم، ويظل بالمنصورة طويلا حتى ديسمبر سنة 1932، إذ ينتقل إلى القاهرة ويفتتح مكتبًا بالمنزل رقم 21 شارع عدلي ،حيث اختير صاحبه في القضاء ،ومن محاسن الصدف أن هذا المكتب كان يشغله قبله الزعيم محمد فريد حينما اشتغل بالمحاماة، واستمر المكتب مفتوحًا حتى أغلق في نوفمبر سنة 1964 لمرض صاحبه.
صاحب مبدأ :
وكان عبد الرحمن الرافعي المحامي نموذجًا فريدًا ومثاليًا وصاحب مبدأ لا يجيد عنه طوال حياته، فلم يقبل قضايا تمس الشرف، وشارك في غالبية القضايا الوطنية من دون مقابل.
وترافع مجانًا في قضايا الفقراء وأعضاء الحزب الوطني خاصة في كل محاكم مصر، وكان له مشاركة لم تتم في المرافعة مع زملائه في النقابة عن الثوار السودانيين الذين اعتقلتهم السلطات الإنجليزية في نوفمبر سنة 1948 عندما منعت السلطات هبوط الطائرة في الخرطوم.
ومن أشهر قضاياه مرافعته عن الفريق عزيز المصري، ومرافعته عن المثال محمود مختار ،وكانت الحكومة قد استدعته من عمله في باريس عقب وفاة سعد زغلول سنة 1927، وكلفته بإقامة تمثالين للزعيم ثم عدلت، وفي بداية سنة 1930 تم التعاقد على ألا يتدخل أحد في عمل المثال، وبدأ العمل وارتفع التمثال 20 مترًا ، وغضب الملك فؤاد فتمثال الإسكندرية سيوضع قريبًا من تمثال محمد علي الذي لا يرتفع إلا ثمانية أمتار، وجرت المحاولات لتعويض محمود مختار والتوقف عن استكمال التمثالين ،ولكنه يرفض ،وفي النهاية يضطر لرفع قضية يتولاها عبد الرحمن الرافعي الذي يشير في مذكرته للمحكمة «هذه قضية فذة، لم يسبق للمحاكم أن نظرت مثلها في ظروفها وملابساتها، سواء في مصر أو في غير مصر، لأن هذه أول مرة فيما نعلم تقف حكومة ما موقف الخصومة والإساءة والتحدي تجاه فنان يعد بحق نابغة الفنانين في بلاده». (المثال مختار - بدر الدين أبو غازي - ط2004 ص266).
وكان للرافعي دور بارز في نقابة المحامين بالقاهرة، فينضم إلى مجلس النقابة في 11 مارس 1919، ووجوده في المنصورة حتى سنة 1932 لم يمنعه من المشاركة الفعالة في النقابة.
وعندما جرت خلافات بين أعضاء النقابة في ديسمبر سنة 1939 يختاره رئيس الحكومة وقتها وزميل كفاحه علي ماهر وكيلاً في المجلس الذي ضم كل الأحزاب، وعند إجراء انتخابات النقابة السنوية في 27 ديسمبر سنة 1940 أسقطه المحامون الوفديون بعد أن منوه بالفوز.
وعندما تطالب نقابة المحامين حكومة الثورة بالعودة للثكنات، فجاء الرد بإصدار القانون رقم 709 بتاريخ 22 ديسمبر سنة 1954 بحل المجلس وتشكيل مجلس مؤقت ويختار عبد الرحمن الرافعي نقيبًا.
ويتجلى بوضوح أيضًا عميق حب الرافعي لأمه التي اختارها الله وهو صغير لم يبلغ الخامسة من العمر وكان دائم الإشادة بها في مذكراته «ظللت على حبي لها وتمجيدي لذكراها طوال السنين، وتملكني مع الزمن شعور بأني مدين لها بما حباني الله من مواهب (بحسب ظني)... وكان حبي لأمي - وقد توفيت وأنا صغير السن وعشت بعدها يتيمًا من الأم (ومعذرة للغويين عن هذا التعبير) - قد مال بي مبدئيًا إلى أقرب البيئات إليها».
وأتصور أن هذا العشق يرجع إلى أن أباه قد تزوج مرتين، بالإضافة إلى أنه عاش سنوات دراسته العليا في بيت أخواله بالقاهرة، هذان الجانبان دفعاه إلى أن يختار شريكة حياته من أسرة أمه - بعد أن مر بتجربة حب عفيف كما ورد بمذكراته - واستقر رأيه على بنت خاله ذات الإحساس الوطني وشاركت في مظاهرة السيدات والآنسات في 16 مارس سنة 1919.
وفي 12 مارس سنة 1920 تزوج عائشة محمد المعايرجي، وأنجب أربع بنات وولدًا، والأخير توفي وهو صغير، ويروي في مذكراته عن حيائه وعناده وانعزاله واعتذاره دائمًا عن حضور الحفلات والمآدب التي كان يدعى إليها في الوقت الذي كان حسن الظن بمن يتعامل معهم، وكم واجه من المصاعب ومفارقات ومقالب في حياته.
والفترة الطويلة التي قضاها الرافعي في المنصورة - زهاء اثنين وعشرين عامًا - كانت سنوات مزهرة ومن أخصب فترات حياته، شارك في مختلف أوجه النشاط السياسي والثقافي والاقتصادي والثوري بخلاف دفاعه بالمجان في قضايا الفقراء واعتقال الطلبة المتظاهرين، ويساهم مع مجموعة من أصدقائه في إنشاء النقابات الزراعية في القرى سنة 1919 والجمعيات التعاونية سنة 1920 في أنحاء مديرية «محافظة» الدقهلية.
وإبان الحرب العالمية الأولى يعتقل في 17 أغسطس سنة 1915 مع لفيف من الوطنيين ويفرج عنه في 17 يونيو سنة 1916، ولا ننسى دوره في جماعة اليد السوداء الفدائية، وكيف كان يدير العمل السري بكفاءة منقطعة النظير بين القاهرة والمنصورة، حيث كان يوزع الأسلحة على الوطنيين.
والنتيجة الطبيعية لهذه المشاركة الفعالة في مجتمع المنصورة وما جاورها في المديرية وقتها، تعاطف الجماهير معه حين تقدم للترشيح لعضوية مجلس النواب عن دائرة مركز المنصورة عقب صدور دستور سنة 1923 وقانون الانتخاب الأول،وبالرغم من مكانة وقوة حزب الوفد السياسية برئاسة سعد زغلول في المجتمع المصري قاطبة، فقد كرّمه شعب الدقهلية في انتخاب 12 يناير سنة 1924 وفاز على منافسه الوفدي بصوت واحد.
ويشير الرافعي عن هذا الحدث الفريد في مذكراته بالقول «وتحدث الناس عن نجاحي بصوت واحد ، وقال لي بعض الصوفية إنه صوت الله، فحمدت لهم هذا التعبير، وقلت لهم : إنني فعلاً كنت ومازلت «ولا أزال» معتمدًا على الله». (طه، ص 46).
وفي مجلس النواب شارك مع نواب الحزب الوطني الثلاثة في المعارضة، وأثرى المجلس باقتراحاته منها: إنشاء أسطول تجاري مصري - الجمع بين عضوية البرلمان والتدريس بالأزهر والمعاهد الدينية - البدء في تعليم البنات تعليمًا عاليًا.
وفي انتخابات سنة 1952 التي تقدم لها الرافعي ونجح بأصوات قليلة، عقدت أولى جلسات مجلس النواب في 23 مارس سنة 1925، وتم حل المجلس في مساء اليوم نفسه.
وفي انتخابات سنة 1926 عقب تألف الأحزاب لم ينس سعد زغلول معارضة الرافعي لحكومته سنة 1924، فلم يخصص له دائرة مركز المنصورة كما فعل للآخرين فاضطر عبد الرحمن الرافعي لعدم التقدم للترشيح.
وعندما تتعرض الحياة السياسية في مصر إلى أزمات في ديسمبر سنة 1935 فتتدخل الصحافة الوطنية والوطنيين لدعوة كل الأحزاب للتآلف في جبهة وطنية، فتتقدم الأحزاب بعريضة للملك فؤاد لإعادة الدستور، فيصدر قرارًا في مايو سنة 1936 لإجراء انتخابات مجلسي النواب والشيوخ. وقام الزعيم مصطفى النحاس رئيس حزب الوفد بتوزيع المقاعد تعيينًا أو ترشيحًا لكل الدوائر، واستبعد الرافعي بالرغم من جهوده وأخيه الصحفي أمين الرافعي في جمع شمل أحزاب مصر وقتها. وتمر السنون وعبد الرحمن الرافعي منهمك في إصداراته التاريخية. فبعد ثلاثة عشر عامًا يختاره أهالي دائرة كفر بداوي مديرية «محافظة» الدقهلية، ويفوز بالتزكية لعضوية مجلس الشيوخ سنة 1939. وفي التجديد النصفي للمجلس في مايو سنة 1951 نافسه في الدائرة مرشح وفدي فسقط الرافعي أمامه، ومن اقتراحاته الخلاقة التي قدمها في مجلس الشيوخ:
- إقامة مصانع حربية تقدم الاحتياجات الدفاعية والمدنية لأفراد الجيش بدلاً من الاعتماد على الاستيراد من الخارج.
- الدعوة لتحديد النسل. (جلسة 26 مارس سنة 1940).
- رفع الرقابة عن الصحف وحرية الصحافة. (جلسة 28 أبريل سنة 1943).
- منع تملك الأجانب للأراضي الزراعية والعقارات (جلسة 8 ديسمبر 1948) فصدر القانون رقم 37 لسنة 1951 بذلك.
موسوعة تاريخية :
كانت صدمة عدم دخوله انتخابات سنة 1926 كبيرة تخلص منها بالبدء من تأليف موسوعته التاريخية بعد أن سبق وأصدر الكتب الثلاثة غير المعروفة وهي (حقوق الشعب سنة 1912 نقابات التعاون الزراعية - نظامها وتاريخها وثمراتها في مصر وأوربا سنة 1914 الجمعيات الوطنية - صفحة من تاريخ النهضات القومية في فرنسا وأمريكا وألمانيا وبولونيا والأناضول سنة 1922).
ويقول في مذكراته «فكرت منذ سنين عدة سبقت سنة 1926 في أن أضع تاريخًا للزعيم مصطفى كامل، باعتبار أنه باعث الحركة الوطنية الحديثة، وانتهت إلى أن أول دور من أدوارها هو عصر المقاومة الأهلية التي اعترضت الحملة الفرنسية في مصر، إلى أن أبعدت عن الحياة البرلمانية سنة 1926، وانقطعت صلتي بها، وأصبحت «عاطلاً» عن العمل الذي أعددت نفسي له منذ صباي، كان لابد لي من عمل يشغلني ويستأثر بذهني، فلا يدع لي مجالاً للتفكير في سواه، فاعتزمت أن أنقطع، إلى جانب عملي في المحاماة - لتنفيذ الفكرة التي كانت تعاودني من سنة إلى أخرى، وهي تأريخ الحركة القومية لمصر الحديثة». (ط1. ص.ص 62 – 63).
فظهر الجزء أن الأول والثاني من « تاريخ الحركة القومية ونظام الحكم في مصر» سنة 1929. «عصر محمد علي» سنة 1930، «عصر إسماعيل» في جزأين سنة 1932. «الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي» سنة 1937، «مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية» سنة 1939، محمد فريد رمز الإخلاص والتضحية» سنة 1941، «مصر والسودان في أوائل عهد الاحتلال» سنة 1942، «ثورة سنة 1919» في جزأين سنة 1946، «في أعقاب الثورة المصرية» في ثلاثة أجزاء سنوات 1947 - 1948 - 1951، «مذكراتي» في فبراير سنة 1952، «الزعيم الثائر أحمد عرابي» سنة 1952، «شعراء الوطنية» سنة 1954، «أربعة عشر عامًا في البرلمان سنة 1955، «مقدمات ثورة يوليو سنة 1952» في مارس سنة 1957، «ثورة 23 يوليو تاريخنا القومي في سبع سنوات» سنة 1959، « تاريخ الحركة القومية في مصر القديمة من فجر التاريخ إلى الفتح العربي» سنة 1963، وبعد وفاته بأيام يصدر كتاب «جمال الدين الأفغاني باعث نهضة الشرق» في 10 ديسمبر سنة 1966 في سلسلة أعلام العرب.
كما صدرت له كتب مختصرة، «بطل الكفاح الشهيد محمد فريد» سنة 1951، «مصطفى كامل باعث النهضة الوطنية» سنة 1952، كتب لطلبة المدارس الثانوية سنة 1952. وانصب تاريخه على الجانب السياسي وقليلا ما تطرق إلى تناول الجوانب الاجتماعية والاقتصادية.
ويعد المجلد الأول وتكملته قمة السلسلة القومية جميعها بلا مراء، لما بذل فيها من جهد رائع وممتاز لباكورة كتاباته التاريخية، كما أغفل في كتابه عن «محمد علي» تسلطه وأشار سريعًا إلى نظام احتكاره الذي جعل اقتصاد مصر بين أصابع الحاكم يستغلها كيفما شاء، وأغفل الكثير من جوانب الضعف في شخصية مصطفى كامل الذي رفعه إلى السماء مثل مضارباته المالية، وكذلك فعل مع محمد فريد فنراه يغفل علاقته في المنفى مع مدام رينه دي روشبرون الفرنسية التي نشرت مذكراتها عن هذه العلاقة، كما يقوم الرافعي عند اطلاعه على مذكرات محمد فريد بشطب ما يراه ماسًا بشخصية معلمه.
وإضافة إلى مذكراته المنشورة، فقد كتب مذكرات أخرى طلبها صبري أبو المجد من زوج ابنته المستشار حلمي شاهين، وطلبت من صبري أبو المجد الاطلاع عليها فقال إنه سيكتب عنها، واختاره الله وضاعت المذكرات وقد فوجئت ابنته أرملة المستشار شاهين حين علمت منى بذلك.
الزعيم الثائر :
وعندما أصدر الرافعي مؤلفه «الزعيم الثائر أحمد عرابي» رفع كل الفقرات الحادة التي تدين عرابي بالخيانة وسبق أن دونها في كتاب «الثورة العرابية».
وما كان يجدر بالرافعي أن يدون شيئًا عن ثورة 1952، حيث أغفل الأحداث التي عاصرها خلال السنوات الأولى ومر مرور الكرام على فترة رئاسة محمد نجيب للجمهورية الأولى وغفل عما جرى له من اعتقال مهين وأشاد بتماسك مجلس قيادة الثورة في الوقت الذي اكتشف فيه شعب مصر الصراعات الدائرة على تولي السلطة. وأصيب عبد الرحمن الرافعي في 14 نوفمبر سنة 1964 بالشلل النصفي في الجانب الأيسر من جسمه، ورفض العلاج على حساب الدولة والسفر إلى الخارج لإيمانه بالإرادة الإلهية، فإن كان يريد الله له الشفاء لتحقق له في مصر.
وتوفاه الله في 3 ديسمبر سنة 1966، وكرغبته دفن بجوار زعيميه مصطفى كامل ومحمد فريد، وأعدت حجرة بالمتحف تضم مخلفاته ،منها المكتب والكرسي اللذان كان يجلس عليهما في مكتب المحاماة، وبعض الكتب بالإضافة إلى عدة صور تمثله في مختلف أطوار حياته.
وكرمته الدولة فمنحته جائزتها التقديرية للعلوم الاجتماعية سنة 1961، كما كرمه الرئيس السادات أيضًا بمنح اسمه في 29 مايو سنة 1980 قلادة الجمهورية تقديرًا لدوره وجهوده في مجال المحاماة وكتابة تاريخ مصر، وفي 31 ديسمبر سنة 1989 أصدرت هيئة البريد طابعًا ضمن أعلام العرب تحمل صورته فئة عشرة مليمات.