استَخدم الإنسانُ الأوَّل ريشَ الطيور والزغب، وعِظامَ بعض الحيوانات في تنظيف أسنانه، مادةً مطهِّرة وقاتلة للجراثيم، وتُخفِّف من حِدَّة الآلام، وتمنع عسر الهضم، وتعالج أمراضَ القلب والكبد والكُلى والصُّداع.
اهتمَّتِ الشريعة الإسلامية كثيرًا بنظافة الفم والأسنان، ووظائفها كثيرةٌ في حياة الإنسان، مثل:
1- مضغ وبلع الطعام.
2- عملية النطق.
3- عملية التنفُّس.
4- عملية تذوُّق الأطعمة.
5- حفظ ورسْم معالِم الوجه.
تُعتبَر الأسنان الطبيعيَّة التي أكرَمَنا الله بها ذاتَ قوة وصلابة ومقاومة؛ لأنَّ في السنتيمتر المربَّع الواحد قوة تعادل حوالي 80 كيلو جرام وزنًا في قوَّة العَظْمة في عملية قطْع الأطعمة أو المضْغ.
بينما تشكِّل الأسنان الصناعية قوة 20 كيلو جرامٍ لكلِّ سنتيمتر مربع؛ لذا فمهما بلغتْ متانةُ وتقنية الأسنان الصناعية، فإنَّها لا تبلغ في متانتها وحيويتها الأسنانَ الطبيعية التي أكرمَنا بها الله - تعالى -.
ولعلَّ مِن المفيد هنا: أنْ نذكرَ تركيب الأنسجة المحيطة بالسِّن، ولماذا أوصتِ الشريعة بالاهتمام بالفم والأسنان.
(السن): هذه الكُتلة العظمية تتكوَّن من مقطعي التاج والجذور، وفي التاج ثلاثة تركيبات مختلِفة في تكوُّنها الخلوي، هي: الميناء والعاج واللب.
و(الجذر): يتكوَّن من السيمنت والعاج واللب، يُعتبر اللب مركزَ التغذية والسيطرة على الخلايا، وتُحيط بالسِّن مِن عُنقه حتى الجذر روابطُ متعدِّدة تشبه كثيرًا في وظيفتها صادمَ السيارة، حيث يمتصُّ قوَّة الضربة، وقد خَلَق الله هذه الروابطَ باتجاهات مختلفة؛ لكي تمتصَّ قوة الضغط المسلَّط على السِّنِّ؛ لأنَّ هذه القوة إذا انتقلتْ إلى العظم تُسبِّب ذوبانَه، ولهذا اقتضتْ حِكمته - سبحانه وتعالى - أن يكون السنُّ في غمره العظميّ محاطًا بروابطَ متعدِّدة Ligamemts، وهذه الروابط ستَّة أنواع:
1- رابط مِن قمَّة عظْم الغمد إلى عُنق السِّن.
2- رابط مِن حاشية عظْم الغمد إلى عُنق السِّن.
3- رابط مِن قمَّة عظْم الغمد إلى عنق السن الآخَر.
4- رابط أُفقي بيْن جدار الغمد العظمِي والجذر.
5- رابط مائل بيْن جدار الغمد العظمي والجذر.
6- رابط عمودي بيْن جدار الغمد العظمي والجذر.
ثم هناك غِطاء خارجي يغطِّي عظمَ الفك وعنق السن، والذي يُسمَّى اللثة.
أثناءَ الأكْل تقوم الأسنان واللعاب الذي يحتوي على أنزيماتٍ متعدِّدة بعملية المضْغ، وبعدَ فترة قصيرة مِن هذه العملية (نصف ساعة - ساعة) تتكوَّن طبقةٌ لزِجة من مخلَّفات الطعام واللعاب، وإفراز جيب اللثة والبكتريا الموجودة في الفم، هذه الطبقة هي النواةُ الأولى لتكوين القلع، وتُسمَّى المادة بالقلع الأولى PELLICLE، وحينما يهمل الإنسان نفسَه لمدة 24 ساعة من دون تنظيف تزداد مادة القلع سُمكًا، وتكوِّن بؤرةً مهمة لتكاثر الجراثيم التي تُفرز المواد الكمياوية الضارَّةَ والسامة، والتي تؤدِّي إلى التعفُّن، وهو نواةُ تسوس الأسنان؛ حيث إنَّ المادة الحافظة التي تُفرز مِن فعالية الجراثيم تتسبَّب في ذوبان المادة العُضويَّة في السنِّ الذي يتآكل بالتدريج، ومِن ثَمَّ ينشأ الحفر، إضافةً إلى ذلك فإنَّ مادة القلع سوف تنمو في منطقة جيب اللثة، حيث الإفرازاتُ المستمرَّة مِن تعفُّن الغذاء، وفعالية الميكروبات، وإفرازات اللثة واللُّعاب، وكل ذلك يؤدِّي إلى تكوين طبقة متكلِّسة تؤدي إلى جرح اللثة داخليًّا، ونفوذ الميكروبات والإفرازات إلى أنسجة اللثة وتدميرها.
وأوَّلُ علامة خراب اللثة هو احتقانُها واحمرارُها في منطقة الحاشية، وسهولة النَّزف فيها، وإذا استمرَّتِ العملية من دون متابعة وعلاج، فإنَّها تتطوَّر إلى تسوُّس الأسنان بالكامل، وتدمير نسيج اللثة، وذوبان العظم المحيط بالسِّنِّ، وتقطع الروابط، التي تُثبِّت السن بعظم الفك؛ مما يؤدِّي إلى خلخلته وفُقدانه بسرعة.
رحلة المسواك:
ومنذ بَدء الخليقةِ والإنسانُ يبحث دائماً عن إيجاد طريقةٍ مُثْلى وجيِّدة للاعتناء بنظافة فمِه وأسنانه؛ اقتناعاً منه بأنَّ هذا هو المدخلُ الرئيس والطبيعي للطعام، والجهاز الأول المسؤول عن استقبال كلِّ ما يدخل إلى المَعِدة؛ لذلك يجب أن يكون نظيفًا، وقد حدَّثَنا التاريخ القديم عن استخدام الإنسانِ الأوَّل ريشَ الطيور والزغبَ في تنظيف أسنانه، وكذلك عِظام بعضِ الحيوانات، ثم قِطعًا صغيرة من القُماش الخَشِن، إلى بعض أنواع الأخشاب أو الأشجار، حتى وصلْنا إلى استخدام فُرشاة الأسنان الكهربائيَّة، وأنواع المعاجين المختلِفة الأشكال والألوان، والمذاق والمحتويات، إلى تيَّارات المياه المندفِعة، والخيوط الحريرية..... إلخ.
وكلُّها محاولات منذ القِدم وحتى الآن للحِفاظ على فَمٍ نظيف، وأسنانٍ بيضاءَ ناصعة، تُعطي ابتسامةً برَّاقة، وثِقةً عالية في النفس، ومخارجَ ألفاظ صحيحة، إلى آخِر وظائف الأسنان المتعدِّدة والمعروفة.
وكان لنا - نحن المسلمين - السبقُ أيضًا في هذا المِضْمار، فمنذ أكثر مِن ألْف وأربعمائة عام والمسلمون يستخدِمون نوعًا من الأخشاب الجافَّة، التي تقوم بتنظيف الأسنان، وتعطير وتطهير الفم، وهو ما يُعرَف بالسواك.
والسواك، أو الأراك:
اسمه العلمي (SALVADORA PERCICA)، وهو قِطعةٌ من شجر الأراك، ويُعتبَر أحسنَ وأنفعَ وسيلةٍ للمحافظة على الفم والأسنان، ويتكوَّن من العفص، وهو مادةٌ مطهِّرة، ومضادات للتعفُّنات، ومادتي بيكربونات الصوديوم وكلوريد البوتاسيوم، والسينجرين، وهي مادةٌ قاتِلة للجراثيم والفلورايد، ومادة شبيهة بالبنسلين التي تخفِّف من مادة تمنع النخرَ السِّنِّي، وألياف السليلوز، وبعض الزيوت الطيَّارة، كما يحتوي على شارادات الحديد والفوسفات والكلوروبلورات السيليس، وهي طاردةٌ للأوساخ.
أبو الأنبياء والسواك:
ويُقال: إنَّ أول مَن استعمل السواك هو خليلُ الله إبراهيم - عليه السلام - والسواك سُنَّة نبويَّة في أيِّ وقت يُسِّر لك، ويُفضَّل عند الوضوء، وقبلَ كل صلاة عقب تناول الطعام، وتغيُّر رائحة الفم، وقبل النوم وعندَ الاستيقاظ.
ولقد حثَّنا سيِّد المرسلين، وطبيب الحائرين على العناية بالأسنان، ولصعوبة آلامها وصَفَ لنا وصفةً نافعة وسديدة، فقال: ((لولا أن أَشُقَّ على أمَّتي لأمرتُهم بالسِّواك عندَ كل صلاة))؛ [رواه مالك وأحمد والترمذي عن أبي هريرة].
وفي الصحيحين عن حذيفة بن اليمان قال: "كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذ قامَ من اللَّيْل يَشُوص فاه بالسِّواك". وفي صحيح البخاري: ((السِّواك مطهرةٌ للفم، مرضاةٌ للربِّ)).
وفي صحيح مسلم: "أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل بيتَه بدَأ بالسواك".
وفي السُّنن عن عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - قال: "رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ما لا أُحصي يَستاكُ وهو صائِم".
وعلى الرغمِ مِن التطوُّر الرهيب والمذهِل في عالَم طِبِّ الأسنان، وأساليب العِلاج والاختراعات المتلاحِقة للأجهزة، والأدوات التي تُستخدَم في تنظيف الأسنان، إلا أنَّ المسواك ما زال يحظَى باهتمامِ واستخدامِ العديد من المسلمين في كافَّة الأقطار الإسلامية، كأداةٍ وحيدة تقوم بهذه المهمَّة، وهي تنظيفُ الأسنان، وتعطير وتطهير الفم.
فوائد طبية كثيرة:
ولكي نستخدمَ السواك؛ يجب أولاً أن نَنزِعَ القشرة الرقيقة التي تُحيط بالألياف بمقدارٍ قليلٍ يُساوي طولَ فرشاة الأسنان، ويسمح لنا باستخدامه فوقَ أسطح الأسنان المختلِفة بحركةٍ دائريَّة تُشبه حركةَ فرشاة الأسنان تمامًا، وفي اتجاه اللثة، وليس عكس اتجاهها حتى لا يؤدِّي هذا إلى تآكُل اللثة؛ أي: إنَّنا نضع الألياف على أسطح الأسنان العُلوية، وننظِّف في اتجاه الأسنان السفلية، ثم نضع الأليافَ على أسطح الأسنان السفليَّة، وننظف إلى أعْلى بحركة شِبه دائرية، وبعدَ استخدام المسواك يُفضَّل أن يُحفظ في مكان بارد، مثل الثلاجة؛ حتى لا يفقدَ عصارتَه ويجف.
وكلَّما تآكلتِ الألياف الظاهرة تُقصُّ وتُهذَّب، وينزع جزءٌ آخَر مِن القِشرة؛ لاستخدام جزءٍ جديد، حتى ينتهيَ تمامًا، وهناك أنواع عديدة مختلفة من حيثُ السُّمْك، وقد وُجِد أنه كلَّما قلَّ سُمك المسواك كان أجودَ في التحكُّم والحركة على أسطح الأسنان، وكذلك تُساعِد العصارة الموجودة داخلَ نسيج المسواك على تسهيل حركته، وهي ذات طعْم مستساغ، وتُساعِد على الهضْم بعضَ الشيء، وتقتُل بعض البكتريا الضارَّة بالفم.
وجديرٌ بالذِّكْر: أنَّ هناك أنواعًا كثيرة جدًّا من الأشجار تنمو في أفريقيا، وتستخدم لأغراض طبيَّة كثيرة ومتعدِّدة، منها: عسر الهضم أو الحموضة، أو ارتفاع ضغْط الدم، أو أمراض القلْب والشرايين، والكبد والكُلى والصُّداع.......... إلخ، إلاَّ أنَّ المسواك يُستخدم أساسًا في تنظيف الفم والأسنان.
وأثبتتِ الأبحاث أنَّ هناك عناصرَ داخل عصارة المسواك تؤدِّي إلى تقليل الالتهابات بالفم، وقتْل البكتريا الضارَّة الموجودة بالفم.
ويحتوي المسواكُ على نِسبة عالية مِن فيتامين (ج) المهم لصحَّة اللثة، ومنْع النزيف، وكذلك على كَميَّة كبيرة جدًّا من الفلوريد الذي يُقوِّي الأسنان ويمْنع التسوس.
والسِّواك يجلو البصرَ، ويُصحِّح المعِدة، ويُصفِّي الصوت، ويسهِّل مجاري الكلام، وينشِّط القراءة والذاكرة والصلاة، ويُدرُّ البول، ويطرد النوم، ويُرضي الربَّ، ويُعجِب الملائكة، ويُكثِّر الحسنات، وأجود السواك ما استُعمِل مبلولاً بماء الورد.
اهتمَّتِ الشريعة الإسلامية كثيرًا بنظافة الفم والأسنان، ووظائفها كثيرةٌ في حياة الإنسان، مثل:
1- مضغ وبلع الطعام.
2- عملية النطق.
3- عملية التنفُّس.
4- عملية تذوُّق الأطعمة.
5- حفظ ورسْم معالِم الوجه.
تُعتبَر الأسنان الطبيعيَّة التي أكرَمَنا الله بها ذاتَ قوة وصلابة ومقاومة؛ لأنَّ في السنتيمتر المربَّع الواحد قوة تعادل حوالي 80 كيلو جرام وزنًا في قوَّة العَظْمة في عملية قطْع الأطعمة أو المضْغ.
بينما تشكِّل الأسنان الصناعية قوة 20 كيلو جرامٍ لكلِّ سنتيمتر مربع؛ لذا فمهما بلغتْ متانةُ وتقنية الأسنان الصناعية، فإنَّها لا تبلغ في متانتها وحيويتها الأسنانَ الطبيعية التي أكرمَنا بها الله - تعالى -.
ولعلَّ مِن المفيد هنا: أنْ نذكرَ تركيب الأنسجة المحيطة بالسِّن، ولماذا أوصتِ الشريعة بالاهتمام بالفم والأسنان.
(السن): هذه الكُتلة العظمية تتكوَّن من مقطعي التاج والجذور، وفي التاج ثلاثة تركيبات مختلِفة في تكوُّنها الخلوي، هي: الميناء والعاج واللب.
و(الجذر): يتكوَّن من السيمنت والعاج واللب، يُعتبر اللب مركزَ التغذية والسيطرة على الخلايا، وتُحيط بالسِّن مِن عُنقه حتى الجذر روابطُ متعدِّدة تشبه كثيرًا في وظيفتها صادمَ السيارة، حيث يمتصُّ قوَّة الضربة، وقد خَلَق الله هذه الروابطَ باتجاهات مختلفة؛ لكي تمتصَّ قوة الضغط المسلَّط على السِّنِّ؛ لأنَّ هذه القوة إذا انتقلتْ إلى العظم تُسبِّب ذوبانَه، ولهذا اقتضتْ حِكمته - سبحانه وتعالى - أن يكون السنُّ في غمره العظميّ محاطًا بروابطَ متعدِّدة Ligamemts، وهذه الروابط ستَّة أنواع:
1- رابط مِن قمَّة عظْم الغمد إلى عُنق السِّن.
2- رابط مِن حاشية عظْم الغمد إلى عُنق السِّن.
3- رابط مِن قمَّة عظْم الغمد إلى عنق السن الآخَر.
4- رابط أُفقي بيْن جدار الغمد العظمِي والجذر.
5- رابط مائل بيْن جدار الغمد العظمي والجذر.
6- رابط عمودي بيْن جدار الغمد العظمي والجذر.
ثم هناك غِطاء خارجي يغطِّي عظمَ الفك وعنق السن، والذي يُسمَّى اللثة.
أثناءَ الأكْل تقوم الأسنان واللعاب الذي يحتوي على أنزيماتٍ متعدِّدة بعملية المضْغ، وبعدَ فترة قصيرة مِن هذه العملية (نصف ساعة - ساعة) تتكوَّن طبقةٌ لزِجة من مخلَّفات الطعام واللعاب، وإفراز جيب اللثة والبكتريا الموجودة في الفم، هذه الطبقة هي النواةُ الأولى لتكوين القلع، وتُسمَّى المادة بالقلع الأولى PELLICLE، وحينما يهمل الإنسان نفسَه لمدة 24 ساعة من دون تنظيف تزداد مادة القلع سُمكًا، وتكوِّن بؤرةً مهمة لتكاثر الجراثيم التي تُفرز المواد الكمياوية الضارَّةَ والسامة، والتي تؤدِّي إلى التعفُّن، وهو نواةُ تسوس الأسنان؛ حيث إنَّ المادة الحافظة التي تُفرز مِن فعالية الجراثيم تتسبَّب في ذوبان المادة العُضويَّة في السنِّ الذي يتآكل بالتدريج، ومِن ثَمَّ ينشأ الحفر، إضافةً إلى ذلك فإنَّ مادة القلع سوف تنمو في منطقة جيب اللثة، حيث الإفرازاتُ المستمرَّة مِن تعفُّن الغذاء، وفعالية الميكروبات، وإفرازات اللثة واللُّعاب، وكل ذلك يؤدِّي إلى تكوين طبقة متكلِّسة تؤدي إلى جرح اللثة داخليًّا، ونفوذ الميكروبات والإفرازات إلى أنسجة اللثة وتدميرها.
وأوَّلُ علامة خراب اللثة هو احتقانُها واحمرارُها في منطقة الحاشية، وسهولة النَّزف فيها، وإذا استمرَّتِ العملية من دون متابعة وعلاج، فإنَّها تتطوَّر إلى تسوُّس الأسنان بالكامل، وتدمير نسيج اللثة، وذوبان العظم المحيط بالسِّنِّ، وتقطع الروابط، التي تُثبِّت السن بعظم الفك؛ مما يؤدِّي إلى خلخلته وفُقدانه بسرعة.
رحلة المسواك:
ومنذ بَدء الخليقةِ والإنسانُ يبحث دائماً عن إيجاد طريقةٍ مُثْلى وجيِّدة للاعتناء بنظافة فمِه وأسنانه؛ اقتناعاً منه بأنَّ هذا هو المدخلُ الرئيس والطبيعي للطعام، والجهاز الأول المسؤول عن استقبال كلِّ ما يدخل إلى المَعِدة؛ لذلك يجب أن يكون نظيفًا، وقد حدَّثَنا التاريخ القديم عن استخدام الإنسانِ الأوَّل ريشَ الطيور والزغبَ في تنظيف أسنانه، وكذلك عِظام بعضِ الحيوانات، ثم قِطعًا صغيرة من القُماش الخَشِن، إلى بعض أنواع الأخشاب أو الأشجار، حتى وصلْنا إلى استخدام فُرشاة الأسنان الكهربائيَّة، وأنواع المعاجين المختلِفة الأشكال والألوان، والمذاق والمحتويات، إلى تيَّارات المياه المندفِعة، والخيوط الحريرية..... إلخ.
وكلُّها محاولات منذ القِدم وحتى الآن للحِفاظ على فَمٍ نظيف، وأسنانٍ بيضاءَ ناصعة، تُعطي ابتسامةً برَّاقة، وثِقةً عالية في النفس، ومخارجَ ألفاظ صحيحة، إلى آخِر وظائف الأسنان المتعدِّدة والمعروفة.
وكان لنا - نحن المسلمين - السبقُ أيضًا في هذا المِضْمار، فمنذ أكثر مِن ألْف وأربعمائة عام والمسلمون يستخدِمون نوعًا من الأخشاب الجافَّة، التي تقوم بتنظيف الأسنان، وتعطير وتطهير الفم، وهو ما يُعرَف بالسواك.
والسواك، أو الأراك:
اسمه العلمي (SALVADORA PERCICA)، وهو قِطعةٌ من شجر الأراك، ويُعتبَر أحسنَ وأنفعَ وسيلةٍ للمحافظة على الفم والأسنان، ويتكوَّن من العفص، وهو مادةٌ مطهِّرة، ومضادات للتعفُّنات، ومادتي بيكربونات الصوديوم وكلوريد البوتاسيوم، والسينجرين، وهي مادةٌ قاتِلة للجراثيم والفلورايد، ومادة شبيهة بالبنسلين التي تخفِّف من مادة تمنع النخرَ السِّنِّي، وألياف السليلوز، وبعض الزيوت الطيَّارة، كما يحتوي على شارادات الحديد والفوسفات والكلوروبلورات السيليس، وهي طاردةٌ للأوساخ.
أبو الأنبياء والسواك:
ويُقال: إنَّ أول مَن استعمل السواك هو خليلُ الله إبراهيم - عليه السلام - والسواك سُنَّة نبويَّة في أيِّ وقت يُسِّر لك، ويُفضَّل عند الوضوء، وقبلَ كل صلاة عقب تناول الطعام، وتغيُّر رائحة الفم، وقبل النوم وعندَ الاستيقاظ.
ولقد حثَّنا سيِّد المرسلين، وطبيب الحائرين على العناية بالأسنان، ولصعوبة آلامها وصَفَ لنا وصفةً نافعة وسديدة، فقال: ((لولا أن أَشُقَّ على أمَّتي لأمرتُهم بالسِّواك عندَ كل صلاة))؛ [رواه مالك وأحمد والترمذي عن أبي هريرة].
وفي الصحيحين عن حذيفة بن اليمان قال: "كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذ قامَ من اللَّيْل يَشُوص فاه بالسِّواك". وفي صحيح البخاري: ((السِّواك مطهرةٌ للفم، مرضاةٌ للربِّ)).
وفي صحيح مسلم: "أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل بيتَه بدَأ بالسواك".
وفي السُّنن عن عامر بن ربيعة - رضي الله عنه - قال: "رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ما لا أُحصي يَستاكُ وهو صائِم".
وعلى الرغمِ مِن التطوُّر الرهيب والمذهِل في عالَم طِبِّ الأسنان، وأساليب العِلاج والاختراعات المتلاحِقة للأجهزة، والأدوات التي تُستخدَم في تنظيف الأسنان، إلا أنَّ المسواك ما زال يحظَى باهتمامِ واستخدامِ العديد من المسلمين في كافَّة الأقطار الإسلامية، كأداةٍ وحيدة تقوم بهذه المهمَّة، وهي تنظيفُ الأسنان، وتعطير وتطهير الفم.
فوائد طبية كثيرة:
ولكي نستخدمَ السواك؛ يجب أولاً أن نَنزِعَ القشرة الرقيقة التي تُحيط بالألياف بمقدارٍ قليلٍ يُساوي طولَ فرشاة الأسنان، ويسمح لنا باستخدامه فوقَ أسطح الأسنان المختلِفة بحركةٍ دائريَّة تُشبه حركةَ فرشاة الأسنان تمامًا، وفي اتجاه اللثة، وليس عكس اتجاهها حتى لا يؤدِّي هذا إلى تآكُل اللثة؛ أي: إنَّنا نضع الألياف على أسطح الأسنان العُلوية، وننظِّف في اتجاه الأسنان السفلية، ثم نضع الأليافَ على أسطح الأسنان السفليَّة، وننظف إلى أعْلى بحركة شِبه دائرية، وبعدَ استخدام المسواك يُفضَّل أن يُحفظ في مكان بارد، مثل الثلاجة؛ حتى لا يفقدَ عصارتَه ويجف.
وكلَّما تآكلتِ الألياف الظاهرة تُقصُّ وتُهذَّب، وينزع جزءٌ آخَر مِن القِشرة؛ لاستخدام جزءٍ جديد، حتى ينتهيَ تمامًا، وهناك أنواع عديدة مختلفة من حيثُ السُّمْك، وقد وُجِد أنه كلَّما قلَّ سُمك المسواك كان أجودَ في التحكُّم والحركة على أسطح الأسنان، وكذلك تُساعِد العصارة الموجودة داخلَ نسيج المسواك على تسهيل حركته، وهي ذات طعْم مستساغ، وتُساعِد على الهضْم بعضَ الشيء، وتقتُل بعض البكتريا الضارَّة بالفم.
وجديرٌ بالذِّكْر: أنَّ هناك أنواعًا كثيرة جدًّا من الأشجار تنمو في أفريقيا، وتستخدم لأغراض طبيَّة كثيرة ومتعدِّدة، منها: عسر الهضم أو الحموضة، أو ارتفاع ضغْط الدم، أو أمراض القلْب والشرايين، والكبد والكُلى والصُّداع.......... إلخ، إلاَّ أنَّ المسواك يُستخدم أساسًا في تنظيف الفم والأسنان.
وأثبتتِ الأبحاث أنَّ هناك عناصرَ داخل عصارة المسواك تؤدِّي إلى تقليل الالتهابات بالفم، وقتْل البكتريا الضارَّة الموجودة بالفم.
ويحتوي المسواكُ على نِسبة عالية مِن فيتامين (ج) المهم لصحَّة اللثة، ومنْع النزيف، وكذلك على كَميَّة كبيرة جدًّا من الفلوريد الذي يُقوِّي الأسنان ويمْنع التسوس.
والسِّواك يجلو البصرَ، ويُصحِّح المعِدة، ويُصفِّي الصوت، ويسهِّل مجاري الكلام، وينشِّط القراءة والذاكرة والصلاة، ويُدرُّ البول، ويطرد النوم، ويُرضي الربَّ، ويُعجِب الملائكة، ويُكثِّر الحسنات، وأجود السواك ما استُعمِل مبلولاً بماء الورد.