سب النبي بين الشريعة والقانون الوضعي (1-2)
كرمت الشريعة الإسلامية شخص النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بتكريم إلهي من الله عز وجل منزل الشريعة ، وجعلت مكانته مقدسة مصونة، مع الإقرار ببشريته وأقامت سياجًا قويًا حول شخصه الكريم لحمايته ، ورفعت مكانته بين العالمين، ليبقى الدين الذي بلغه مصونًا ولهذا جعلت من سبه ساباً لله تعالى ولدينه وجعلت عقوبة من سبه أو انتقص منه القتل حدًا أو ردةً أو كفرًا؛ لزجر وردع من فعل ذلك حتى تظل مكانته ومكانة الدين الذي بلغه عالية مصونة كريمة.
أما القانون الوضعي فلم يلتفت لذلك مطلقًا في بلاد المسلمين؛ لأن من وضعوه عادوا شرع الله وابتعدوا عن كتاب الله وسنة رسول الله، وشرَّعوا القوانين من معين أعداء الله من اليهود والنَّصارى والضالين في العالم فشرَّقوا وغرَّبوا، ولم يأخذوا من الوحي المعصوم , فلذلك لا يجد المسلم مادة واحدة في القوانين الوضعية في بلاد المسلمين تتعرض بالعقوبة لمن يحاول النيل من شخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سواء بالسب أو الاستهزاء أو السخرية، وعندما تقع تلك المصيبة في بلاد المسلمين ويحال المجرم الفاجر للمحاكمة فإنه يحاكم بمادة تعاقب على( ازدراء الأديان ) - ولا حول ولا قوة إلا بالله-، ومؤخرًا حدثت مصيبة سب النبي صلى الله عليه وسلم في السودان البلد العربي المسلم؛ فقد أطلقت امرأة صليبية بريطانية تعمل مدرسة للأطفال في مدرسة سودانية اسم محمد على دمية دب وأرسلت إلى أولياء أمور التلاميذ خطاب يتضمن أنها سوف تأتي منازلهم للتصوير التذكاري مع أولادهم والدمية الدب ، وعندما أعلن عن هذه الوقاحة الصليبية ثار المسلمون في السودان غضبًا لله، فألقي القبض عليها وأحيلت للتحقيق والمحاكمة بتهمة إهانة العقائد الدينية طبقًا للمادة 125 من القانون الجنائي السوداني، والمتعلقة بإثارة الكراهية والازدراء بالعقيدة و عقوبة هذه المادة تتمثل في السجن والغرامة والجلد، وتخضع للسلطة التقديرية للقاضي في إصدار القرار , فأقصى عقوبة سجن هي ستة شهور أو الجلد أربعين جلدة، ومما يحزن أن المحكمة السودانية حكمت عليها بالسجن خمسة عشر يومًا فقط وبعد ثلاثة أيام من الحكم أصدر الرئيس السوداني قرارًا ب عنها!!!
ويتضح مما حدث خلو القانون الوضعي السوداني من مادة خاصة تتعلق بإهانة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ثم العقوبة المقررة للازدراء بالعقيدة لا تتناسب ابداً مع الجرم، ثم صدور قرارٍ ب لا يملكه ولي الأمر مطلقًا، لقد كرمت الشريعة الإسلامية النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وجعلت عقوبة النيل منه أقصى عقوبة جنائية صيانة وحفظًا لمكانته العالية -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد قال القاضي عياض -رحمه الله- في "الشفا": "اعلم -وفقنا الله و إياك- أن جميع من سب النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عابه أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله، أو عَرَّضَ به، أو شبهه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه، أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب له؛ فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب يقتل كما نبينه ولا نمتري فيه تصريحاً كان أو تلويحاً"، ثم نقل الإجماع على هذا ، وأدلته لا تحصر، بسطها الإمام ابن تيمية في مؤلفاته منها "الصارم المسلول" في مجلدين .
ومن هنا يتضح أن مكانة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ضيعها القانون الوضعي تمامًا، ولم يبالِ بل إن في بعض القوانين نصوصاً خاصة على جريمة "العيب في الذات الملكية" جريمة لها نص وعقاب في القانون الوضعي، ومن المؤسف أنه في بلد مثل "تايلاند" يحكم بالسجن عشر سنوات على سويسري حيث قضت محكمة "تايلاندية" في مارس 2007 بسجن رجل سويسري؛ لتشويهه صورًا للأسرة الملكية في تايلاند، برش طلاء أسود على صورة الملك وهو حكم نادرًا ما يصدر على أجنبي يدان بموجب قوانين البلاد المشددة التي تحظر العيب في الذات الملكية .
وكانت وكالة "رويترز" قد ذكرت أن الحكم صدر أولاً بسجن "أوليفر رودولف جوفير" البالغ من العمر سبعة وخمسون عامًا لمدة عشرين عامًا؛ لارتكابه خمس جرائم للعيب في الذات الملكية، لكن القاضي خفض فترة العقوبة آخذًا في الاعتبار التماسًا تقدم به "جوفير" في وقت سابق يقر فيه بأنه مذنب .
إنها مقارنة ظالمة ومخجلة بين حكم المحكمة السودانية في المعلمة البريطانية التي حاولت النيل من شخص النبي المصطفى سيد ولد آدم وخاتم النبيين والمرسلين ، وبين حكم المحكمة التايلاندية في السويسري الذي أهان الملك الوثني بأن رش الطلاء على صورته!!.