، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد، وعلى آله، وصحبه، وبعــد:
فإنَّ استماع المعازف محـرم في شريعتـنا، دلّ على تحريمه نصوص الشرع، واتفقت على تحريمه المذاهب الأربعـة، وعامة فقهاء الإسلام، ولم يبحه إلاّ الشذوذ بغير علم، ولا هدى، ولا كتاب منير.
ففي الحديث الصحيح عن أبي مالك، أو أبي عامر الأشعري، قال - صلى الله عليه وسلم -: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر، و المعازف، ولينزلنّ أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارح لهم، يأتيهم لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غدا، فيبيّتهم الله، ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة، وخنازير إلى يوم القيامة) رواه البخاري تعليقا، فقال: وقال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا عطية بن قيس الكلابي، حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال حدثني أبو عامر، أو أبو مالك فذكره.
وقد وصله ابن حبان، والطبراني، والبيهقي، وابن عساكر، من طرق متعددة عن هشام بن عمار به، فهو معروف عن هشام، رواه عنه غير واحد، وقد رواه أبو داود من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن يزيد، فقال حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، ثنا بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن يزيد بـه.
وبهذا يعلم أنّ الحديث لاشك في صحته، ودلالته على تحريم المعازف من جهتـين:
أحدهما قوله: (يستحلون) فلو كانت حلالا، لما وصفهم بأنهم يستحلونهـا.
والثانية: أنه عطفها على ما هـو محـرّم بالإجماع، وهي الحـرّ، أي الفرج، والمراد: الزنا، والحرير، والخمر.
وروى الترمذي عن جابر - رضي الله عنه -: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عبد الرحمن بن عوف إلى النخل، فإذا ابنه إبراهيم يجود بنَفَسه، فوضعه في حجره، ففاضت عيناه، فقال عبد الرحمن: أتبكي وأنت تنهى عن البكاء؟ قال: (إنّي لم أنْهَ عن البكاء، وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب، ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة: خمش وجوه، وشق جيوب ورنَّة).
الحديث رواه الترمذي من حديث ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر - رضي الله عنه -. قال الترمذي: هذا الحديث حسن، وأخرجه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن الكبرى، والطيالسي في المسند، والطحاوي في شرح معانـي الآثار، قال النووي: المراد به الغناء والمزامير. تحفة الأحوذي 4/88.
وعن عمران بن حصين قال - صلى الله عليه وسلم -: (يكون في أمتي قذف ومسخ، وخسف، قيل: يا رسول الله! متى ذاك؟ قال: إذا ظهرت المعازف، وكثرت القيان، وشربت الخمور) رواه الترمذي.
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - في تفسير قوله - تعالى -: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) قال: نزلت في الغناء، وأشباهه، أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
وعن ابن مسعود أنـّه سُئل عن هذه الآيـة فقـال: (هو الغناء، والذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات) رواه الحاكم، والبيهقي وغيرهمـا.
وعنه - رضي الله عنه - قال: (الغناء ينبت النفاق في القلب) رواه البيهقي في شعب الإيمان.
وقال ابن القيم في تفسير كلام هذا الصحابي الجليل: (فإنّ القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبدا، لما بينهما من التضاد، فإنّ القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفـّة، ومجانبة شهوات النفس، وأسباب الغي، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضدّ ذلك كله، ويحسنه، ويهيج النفس إلى شهوات الغي، فيثير كامنها، ويزعج قاطنها، ويحركها إلى كلّ قبيح، ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح، فهو والخمر رضيعا لبان، وفي تهييجهما على القبائح فرسا رهان..). فالغناء يفسد القلب، فإذا فسد هاج في النفاق.
وقال الإمـام ابن الجوزي في كتاب تلبيس إبليس: (اعلم أن سماع الغناء يجمع شيئين: أحدهما أنه يلهي القلب عن التفكير في عظمة الله - سبحانه -، والقيام بخدمته.
والثاني: أنه يميله إلى اللذات العاجلة التي تدعو إلى استيفائها من جميع الشهوات الحسية، ومعظمها النكاح، وليس تمام لذته إلاّ في المتجدّدات، ولا سبيل إلى كثرة المتجددات من الحـلّ، فلذلك يحـث على الزنا، فبين الغناء، والزنا، تناسب من جهة أنّ الغناء لذّة الروح، والزنا أكبر لذّات النفس، ولهـذا جاء في الحديث: الغناء رقية الزنا).
ومما يدل على ما قاله هذان الإمامان، واقع ما يُسمّى (الوسط الفني)، وعالم المغنيين والمغنيات، فإنـّه عالـمٌ مليءٌ بالفسوق، والعلاقات المحرّمـة.
ولهذا فهم لا يكادون يصّورون الأغنية، إلاّ وفيها رجل يغازل امرأة، ويطلب منها ما حرم الله - تعالى -، وهي متبرجة له متزينّة طالبة لقربـه، وفي ذلك من التهييـج على الفواحش مالا يخفى، ولا تكاد تجد قوما مجتمعين على شرب الخمر، ومخالطة الفاجرات، إلاّ ويطلبون مع ذلك آلات الطرب، والغناء، لأنّ هذه الذنوب كلّها مقترنة مع بعضها، يقرن الشيطان بينها، ليصدّ الناس عن طاعة الله - تعالى -، ويزين لهم الوقوع فيما حرم الله، والعياذ بالله - تعالى -.
ومما قاله عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - لمؤدب ولده هذه الكلمات البليغات: (ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم، أنَّ حضور المعازف واستماع الأغاني، واللهج بها، ينبت النفاق في القلب، كما ينبت العشب الماء)، رواه ابن أبى الدنيا في كتابـه ذم الملاهـي.
هذا وقد رخّصت الشريعة بالغناء بالدف للنساء خاصة في العرس، والأفراح، لا خلاف في هذا بين أهل العلم فيما أعلــم.
بيان أنَّ المذاهب الأربعة تحـرم المعازف:
قال الإمام ابن المنذر - رحمه الله -: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال النائحة، والمغنية).
قال شيخ الإسلام - رحمه الله - بعدما ذكر حديثا في تحريم المعازف: (فدل هذا الحديث على تحريم المعازف، وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلُّها، كما قال: وأعلم أنه لم يكن في عنفوان القرون الثلاثة المفضلة، لا بالحجاز، ولا بالشام، ولا باليمن، ولا مصر، ولا المغرب، ولا العراق، ولا خراسان، من أهل الدين، والصلاح، والزهد، والعبادة، من يجتمع على مثل سماع المكاء، والتصدية، ولا بدفّ، ولا بكفّ، ولا بقضيب، وإنما أحدث هذا بعد ذلك في أواخر المائة الثانية فلما رآه الأئمة أنكروه. أ. هـ المجموع (11/535)، الفتــاوى(11/596).
وقال: " ولم يذكر عن أحـد من أتباع الأئمة في اللهو نزاعا " 11/577.
وقال: (مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام، ثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه سيكون من أمته من يستحل الحر، والحرير، والخمـر، والمعازف، وذكر أنهم يمسخون قردة وخنازير،... ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعا) المجموع 11/576.
وهذه أقوال المذاهـب:
أما الحنفية:
مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه، في ذلك، هو من أشد المذاهب، وقوله فيه من أغلظ الأقوال، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف، حتى الضرب بالقضيب، وصرحوا بأنـّه معصية يوجب الفسق وترد بها الشهادة، وبلغ ببعضهم شدة التحريم، أن قالوا: أن السماع فسق، والتلذذ به كفر، هذا لفظهم، قالوا: ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر بـه، أو كان في جواره، وقال أبو يوسف في دار يسمع منها صوت المعازف، والملاهي: ادخل عليهم بغير إذنهم لأنّ النهي عن المنكر فرض، فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض. إغاثة اللهفان 1/425.
أما المالكية:
فقد سئل الإمام مالك - رحمه الله - عن ضرب الطبل والمزمار، ينالك سماعه، وتجد له لذة في طريق أو مجلس؟ قال: فليقم إذا التـذّ لذلك، إلاّ أن يكون جلس لحاجة، أو لا يقدر أن يقوم، وأما الطريق فليرجع أو يتقدم) الجامع للقيرواني 262.
وقال - رحمه الله -: إنما يفعله عندنا الفساق. تفسير القرطبي 14/55.
وروى الخلال بسند صحيح عن إسحاق بن عيسى قال سألت مالك عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء؟ قال: إنما يفعله عندنا الفساق.
قال ابن عبد البر المالكي - رحمه الله -: من المكاسب المجمع على تحريمها الربا، ومهور البغايا، والسحت، والرشا، وأخذا الأجرة على النياحة، والغناء، وعلى الكهانة، وادعاء الغيب، وأخبار السماء، وعلى الزمر، واللعب الباطل كله. الكافي في فقه أهل المدينة المالكي لابن عبد البر.
أما مذهب الشافعية:
فقد: (صرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه وأنكروا على من نسب إليه حله) إغاثة اللهفان 1/425.
وقد عـدّ صاحب كفاية الأخبار، من الشافعية، الملاهي من زمر وغيره منكرا، ويجب على من حضر إنكاره، وقال: (ولا يسقط عنه الإنكار بحضور فقهاء السوء، فإنهم مفسدون للشريعة، ولا بفقراء الرجس – يقصد الصوفية لأنهم يسمون أنفسهم بالفقراء - فإنهم جهلة أتباع كل ناعق، لا يهتدون بنورالعلم ويميلون مع كلّ ريح) كفاية الأخيار 2/128.
أما مذهب الحنابلة:
فقال عبد الله ابن الإمام احمد: سألت أبي عن الغناء فقال: الغناء ينبت النفاق بالقلب، ثم ذكر قول مالك: إنما يفعله عندنا الفساق).
وقال الإمام ابن قدامة - رحمه الله -: (الملاهي ثلاثة أضرب؛ محرم، وهو ضرب الأوتار، والنايات، والمزامير كلها، والعود، والطنبور، والمعزفة، والرباب، ونحوها، فمن أدام استماعهـا رُدّت شهادتـه) المغني 10/173.
وقال " وإذا دعي إلى وليمة فيها منكر، كالخمر، والزمر، فأمكنه الإنكار، حضر وأنكر، لأنه يجمع بين واجبين، وإن لم يمكنه لم يحضر " الكافي 3/118.
الرد على بعض الشبـه:
هذا ولا يصح استدلال بعض المعاصرين هداهم الله، على إباحة المعازف، بغناء الجاريتين في يوم العيد في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن القيم - رحمه الله -: (وأعجب من هذا استدلالكم على إباحة السماع المركب، مما ذكرنا من الهيئة الاجتماعية، بغناء بنتين صغيرتين دون البلوغ عند امرأة في يوم عيد وفرح، بأبيات من أبيات العرب في وصف الشجاعة، والحروب، ومكارم الأخلاق، والشيم، فأين هذا من هذا، والعجيب أن هذا الحديث من أكبر الحجج عليهم، فإنّ الصديق الأكبر - رضي الله عنه - سمّى ذلك مزمورا من مزامير الشيطان، وأقـرّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذه التسمية، ورخص فيه لجويريتين غير مكلفتين، ولا مفسدة في إنشادهما، ولاستماعهما، أفيدل هذا على إباحة ما تعملونه وتعلمونه من السماع المشتمل على ما لا يخفى؟! فسبحان الله كيف ضلّت العقول والإفهام) مدارج السالكين 1/493.
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: (واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب - حديث الجاريتين - على إباحة الغناء، وسماعه بآلة، وبغير آلة، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها " وليستا بمغنيتين "، فنفت عنهما بطريق المعنى ما أثبته لهما باللفظ.. فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتـا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل - أي الحديث - والله أعلم) (فتح الباري 2/442-443).
كما لا يصح استدلال بعض المعاصرين المبيحين للمعازف، بما رواه نافع قال سمع ابن عمر مزمارا قال فوضع إصبعه في أذنيه ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئا؟ قال: فقلت لا، قال فرفع إصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا) رواه أبو داود.
قال ابن قدامة - رحمه الله -: " وقد احتج قوم بهذا الخبر على إباحة المزمار، وقالوا لو كان حراما لمنع النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عمر من سماعه، ومنع ابن عمر نافعا من استماعه، ولأنكر على الزامر بها، قلنا: أما الأول فلا يصح، لأنّ المحرم استماعها، دون سماعها، والاستماع غير السماع، ولهذا فرق الفقهاء في سجود التلاوة بين السامع، والمستمع، ولم يوجبوا على من سمع شيئا محـرّما سدّ أذنيه، وقال الله - تعالى -(وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) ولم يقل سـدّوا آذانهم، والمستمع هو الذي يقصد السماع، ولم يوجد هذا من ابن عمر - رضي الله عنهما -، وإنما وجد منه السماع، ولأنّ بالنبيّ حاجة إلى معرفة انقطاع الصوت عنه لأنـّه عدل عن الطريق، وسدّ أذنيه، فلم يكن ليرجع إلى الطريق، ولا يرفع إصبعيه عن أذنيه حتى ينقطع الصوت عنه، فأبيح للحاجة " المغني 9/175.
وقال شيخ الإسلام: " أما ما لم يقصده الإنسان من الاستماع فلا يترتب عليه نهي، ولا ذم باتفاق الأئمة، ولهذا إنما يترتب الذم، والمدح على الاستماع، لا على السماع، فالمستمع للقرآن يثاب عليه، والسامع له من غير قصد، ولا إرادة لا يثاب على ذلك، إذ الأعمال بالنيات، وكذلك ما ينهى عنه من الملاهي، لو سمعه السامع بدون قصده، لم يضره ذلك " المجموع 10/78.
ومن الغلط المشهور الذي يتكرر على ألسنة من يبيح المعازف بغير علم، ولا هدى، ولا كتاب منير، نسبة إباحة المعازف عن بعض الصحابة، فهو غلط عليهم، فلم ينقل عن أحد منهم انه أباحه، وقد طولب الذين نسبوا هذا القول إلى بعض الصحابة أن يثبتوا هذه النسبة بالإسناد الصحيح، فعجزوا عن ذلك عجزا تاما، وكذلك نسبته إلى علماء المدينة في العصور الأولى، بل هو كذب عليهم، والصحيح ما رواه الخلال عن الإمام مالك: أنه لما سئل عنه، قال: إنما يفعله عندنا الفساق.
وأما زعم الزاعم أن المعازف إنما هي أصوات حسنة، والله - تعالى - لم يحرم على هذه الأمة الطيبات، إنما حرم عليها الخبائث، فالجواب أنّ الحكم الشرعي إنما يؤخذ من النصوص، لا من استحسان النفوس، وبنصوص الوحي، يُعرف أنَّ ما أباحه الله لنا هو من الطيبات، وأما حرمه الله علينا فهو من الخبائث، وأيضا فقد بيّن العلماء من الصحابة - رضي الله عنهم -، ومن بعدهم من أئمة الدين، أنَّ المعازف من الخبائث لانَّ لها تأثيرا سيئا على قلب المؤمن، فهي تنبت فيه النفاق كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه -.
وما مثل قول هذا الزاعم الذي يجعل ما تهواه نفسه، دليلا يحرم ويحلل ويشرع في دين الله، إلاّ كمثل قول بعض الصوفية: إنّ الله خلق الجمال وهو يحبه، وجمال المرأة أمر حسن طيب، فكيف يحرم الله - تعالى -علينا النظر إلى الطيبات؟!
وزعموا أنَّ النظر إلى جمال المرأة، أمر مباح ما لـم يؤد إلى الوقوع في الفاحشة!.
وزعم بعضهم أن النظر إلى جمال النسوان والمردان، من باب التفكر في جمال الخلق، وإبداع الخالق فهو مستحب، فجنَوْا على الشريعة بأهوائهم، وأضلوا الخلق بآرائهم، وصدق الله - تعالى – القائل: (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين).
وبما تقدم يعلم أن المعازف محرمة، ولا دليل على استثناء موسيقى الجيش منها، فتتناولها أدلة التحريم.
والعجب كيف زين الشيطان لجيوش بلادنا العربية، وهي في أمس الحاجة إلى ذكر الله - تعالى -، وتكبيره لما في ذلك تثبيت القلب واطمئنانه، زين لهم أن يستبدلوا هذا الذكر، بمزامير الشيطان، لتصحبهم الشياطين!.
وهي مع ذلك عادة غربية من عادات الكفار، أما المسلمون فقد أمرهم الله - تعالى - في الجهاد بذكره قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون).
وكانت عادة المسلمين في جهادهم التكبير، والتهليل، وبه كانت ترتعب قلوب الأعداء، كما أمرهم بطاعة الله ورسوله، واجتناب المعاصي؛ لأنها من أسباب حبس النصر، فكيف يعصون ربهم باستصحاب مزامير الشيطان.
والله أعلـم، وصلى الله على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
فإنَّ استماع المعازف محـرم في شريعتـنا، دلّ على تحريمه نصوص الشرع، واتفقت على تحريمه المذاهب الأربعـة، وعامة فقهاء الإسلام، ولم يبحه إلاّ الشذوذ بغير علم، ولا هدى، ولا كتاب منير.
ففي الحديث الصحيح عن أبي مالك، أو أبي عامر الأشعري، قال - صلى الله عليه وسلم -: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر، و المعازف، ولينزلنّ أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارح لهم، يأتيهم لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غدا، فيبيّتهم الله، ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة، وخنازير إلى يوم القيامة) رواه البخاري تعليقا، فقال: وقال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا عطية بن قيس الكلابي، حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري، قال حدثني أبو عامر، أو أبو مالك فذكره.
وقد وصله ابن حبان، والطبراني، والبيهقي، وابن عساكر، من طرق متعددة عن هشام بن عمار به، فهو معروف عن هشام، رواه عنه غير واحد، وقد رواه أبو داود من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن يزيد، فقال حدثنا عبد الوهاب بن نجدة، ثنا بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن يزيد بـه.
وبهذا يعلم أنّ الحديث لاشك في صحته، ودلالته على تحريم المعازف من جهتـين:
أحدهما قوله: (يستحلون) فلو كانت حلالا، لما وصفهم بأنهم يستحلونهـا.
والثانية: أنه عطفها على ما هـو محـرّم بالإجماع، وهي الحـرّ، أي الفرج، والمراد: الزنا، والحرير، والخمر.
وروى الترمذي عن جابر - رضي الله عنه -: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عبد الرحمن بن عوف إلى النخل، فإذا ابنه إبراهيم يجود بنَفَسه، فوضعه في حجره، ففاضت عيناه، فقال عبد الرحمن: أتبكي وأنت تنهى عن البكاء؟ قال: (إنّي لم أنْهَ عن البكاء، وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب، ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة: خمش وجوه، وشق جيوب ورنَّة).
الحديث رواه الترمذي من حديث ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر - رضي الله عنه -. قال الترمذي: هذا الحديث حسن، وأخرجه الحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن الكبرى، والطيالسي في المسند، والطحاوي في شرح معانـي الآثار، قال النووي: المراد به الغناء والمزامير. تحفة الأحوذي 4/88.
وعن عمران بن حصين قال - صلى الله عليه وسلم -: (يكون في أمتي قذف ومسخ، وخسف، قيل: يا رسول الله! متى ذاك؟ قال: إذا ظهرت المعازف، وكثرت القيان، وشربت الخمور) رواه الترمذي.
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - في تفسير قوله - تعالى -: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) قال: نزلت في الغناء، وأشباهه، أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
وعن ابن مسعود أنـّه سُئل عن هذه الآيـة فقـال: (هو الغناء، والذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات) رواه الحاكم، والبيهقي وغيرهمـا.
وعنه - رضي الله عنه - قال: (الغناء ينبت النفاق في القلب) رواه البيهقي في شعب الإيمان.
وقال ابن القيم في تفسير كلام هذا الصحابي الجليل: (فإنّ القرآن والغناء لا يجتمعان في القلب أبدا، لما بينهما من التضاد، فإنّ القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفـّة، ومجانبة شهوات النفس، وأسباب الغي، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضدّ ذلك كله، ويحسنه، ويهيج النفس إلى شهوات الغي، فيثير كامنها، ويزعج قاطنها، ويحركها إلى كلّ قبيح، ويسوقها إلى وصل كل مليحة ومليح، فهو والخمر رضيعا لبان، وفي تهييجهما على القبائح فرسا رهان..). فالغناء يفسد القلب، فإذا فسد هاج في النفاق.
وقال الإمـام ابن الجوزي في كتاب تلبيس إبليس: (اعلم أن سماع الغناء يجمع شيئين: أحدهما أنه يلهي القلب عن التفكير في عظمة الله - سبحانه -، والقيام بخدمته.
والثاني: أنه يميله إلى اللذات العاجلة التي تدعو إلى استيفائها من جميع الشهوات الحسية، ومعظمها النكاح، وليس تمام لذته إلاّ في المتجدّدات، ولا سبيل إلى كثرة المتجددات من الحـلّ، فلذلك يحـث على الزنا، فبين الغناء، والزنا، تناسب من جهة أنّ الغناء لذّة الروح، والزنا أكبر لذّات النفس، ولهـذا جاء في الحديث: الغناء رقية الزنا).
ومما يدل على ما قاله هذان الإمامان، واقع ما يُسمّى (الوسط الفني)، وعالم المغنيين والمغنيات، فإنـّه عالـمٌ مليءٌ بالفسوق، والعلاقات المحرّمـة.
ولهذا فهم لا يكادون يصّورون الأغنية، إلاّ وفيها رجل يغازل امرأة، ويطلب منها ما حرم الله - تعالى -، وهي متبرجة له متزينّة طالبة لقربـه، وفي ذلك من التهييـج على الفواحش مالا يخفى، ولا تكاد تجد قوما مجتمعين على شرب الخمر، ومخالطة الفاجرات، إلاّ ويطلبون مع ذلك آلات الطرب، والغناء، لأنّ هذه الذنوب كلّها مقترنة مع بعضها، يقرن الشيطان بينها، ليصدّ الناس عن طاعة الله - تعالى -، ويزين لهم الوقوع فيما حرم الله، والعياذ بالله - تعالى -.
ومما قاله عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - لمؤدب ولده هذه الكلمات البليغات: (ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم، أنَّ حضور المعازف واستماع الأغاني، واللهج بها، ينبت النفاق في القلب، كما ينبت العشب الماء)، رواه ابن أبى الدنيا في كتابـه ذم الملاهـي.
هذا وقد رخّصت الشريعة بالغناء بالدف للنساء خاصة في العرس، والأفراح، لا خلاف في هذا بين أهل العلم فيما أعلــم.
بيان أنَّ المذاهب الأربعة تحـرم المعازف:
قال الإمام ابن المنذر - رحمه الله -: (أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال النائحة، والمغنية).
قال شيخ الإسلام - رحمه الله - بعدما ذكر حديثا في تحريم المعازف: (فدل هذا الحديث على تحريم المعازف، وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلُّها، كما قال: وأعلم أنه لم يكن في عنفوان القرون الثلاثة المفضلة، لا بالحجاز، ولا بالشام، ولا باليمن، ولا مصر، ولا المغرب، ولا العراق، ولا خراسان، من أهل الدين، والصلاح، والزهد، والعبادة، من يجتمع على مثل سماع المكاء، والتصدية، ولا بدفّ، ولا بكفّ، ولا بقضيب، وإنما أحدث هذا بعد ذلك في أواخر المائة الثانية فلما رآه الأئمة أنكروه. أ. هـ المجموع (11/535)، الفتــاوى(11/596).
وقال: " ولم يذكر عن أحـد من أتباع الأئمة في اللهو نزاعا " 11/577.
وقال: (مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام، ثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه سيكون من أمته من يستحل الحر، والحرير، والخمـر، والمعازف، وذكر أنهم يمسخون قردة وخنازير،... ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعا) المجموع 11/576.
وهذه أقوال المذاهـب:
أما الحنفية:
مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه، في ذلك، هو من أشد المذاهب، وقوله فيه من أغلظ الأقوال، وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف، حتى الضرب بالقضيب، وصرحوا بأنـّه معصية يوجب الفسق وترد بها الشهادة، وبلغ ببعضهم شدة التحريم، أن قالوا: أن السماع فسق، والتلذذ به كفر، هذا لفظهم، قالوا: ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر بـه، أو كان في جواره، وقال أبو يوسف في دار يسمع منها صوت المعازف، والملاهي: ادخل عليهم بغير إذنهم لأنّ النهي عن المنكر فرض، فلو لم يجز الدخول بغير إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض. إغاثة اللهفان 1/425.
أما المالكية:
فقد سئل الإمام مالك - رحمه الله - عن ضرب الطبل والمزمار، ينالك سماعه، وتجد له لذة في طريق أو مجلس؟ قال: فليقم إذا التـذّ لذلك، إلاّ أن يكون جلس لحاجة، أو لا يقدر أن يقوم، وأما الطريق فليرجع أو يتقدم) الجامع للقيرواني 262.
وقال - رحمه الله -: إنما يفعله عندنا الفساق. تفسير القرطبي 14/55.
وروى الخلال بسند صحيح عن إسحاق بن عيسى قال سألت مالك عما يترخص فيه أهل المدينة من الغناء؟ قال: إنما يفعله عندنا الفساق.
قال ابن عبد البر المالكي - رحمه الله -: من المكاسب المجمع على تحريمها الربا، ومهور البغايا، والسحت، والرشا، وأخذا الأجرة على النياحة، والغناء، وعلى الكهانة، وادعاء الغيب، وأخبار السماء، وعلى الزمر، واللعب الباطل كله. الكافي في فقه أهل المدينة المالكي لابن عبد البر.
أما مذهب الشافعية:
فقد: (صرح أصحابه العارفون بمذهبه بتحريمه وأنكروا على من نسب إليه حله) إغاثة اللهفان 1/425.
وقد عـدّ صاحب كفاية الأخبار، من الشافعية، الملاهي من زمر وغيره منكرا، ويجب على من حضر إنكاره، وقال: (ولا يسقط عنه الإنكار بحضور فقهاء السوء، فإنهم مفسدون للشريعة، ولا بفقراء الرجس – يقصد الصوفية لأنهم يسمون أنفسهم بالفقراء - فإنهم جهلة أتباع كل ناعق، لا يهتدون بنورالعلم ويميلون مع كلّ ريح) كفاية الأخيار 2/128.
أما مذهب الحنابلة:
فقال عبد الله ابن الإمام احمد: سألت أبي عن الغناء فقال: الغناء ينبت النفاق بالقلب، ثم ذكر قول مالك: إنما يفعله عندنا الفساق).
وقال الإمام ابن قدامة - رحمه الله -: (الملاهي ثلاثة أضرب؛ محرم، وهو ضرب الأوتار، والنايات، والمزامير كلها، والعود، والطنبور، والمعزفة، والرباب، ونحوها، فمن أدام استماعهـا رُدّت شهادتـه) المغني 10/173.
وقال " وإذا دعي إلى وليمة فيها منكر، كالخمر، والزمر، فأمكنه الإنكار، حضر وأنكر، لأنه يجمع بين واجبين، وإن لم يمكنه لم يحضر " الكافي 3/118.
الرد على بعض الشبـه:
هذا ولا يصح استدلال بعض المعاصرين هداهم الله، على إباحة المعازف، بغناء الجاريتين في يوم العيد في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال ابن القيم - رحمه الله -: (وأعجب من هذا استدلالكم على إباحة السماع المركب، مما ذكرنا من الهيئة الاجتماعية، بغناء بنتين صغيرتين دون البلوغ عند امرأة في يوم عيد وفرح، بأبيات من أبيات العرب في وصف الشجاعة، والحروب، ومكارم الأخلاق، والشيم، فأين هذا من هذا، والعجيب أن هذا الحديث من أكبر الحجج عليهم، فإنّ الصديق الأكبر - رضي الله عنه - سمّى ذلك مزمورا من مزامير الشيطان، وأقـرّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذه التسمية، ورخص فيه لجويريتين غير مكلفتين، ولا مفسدة في إنشادهما، ولاستماعهما، أفيدل هذا على إباحة ما تعملونه وتعلمونه من السماع المشتمل على ما لا يخفى؟! فسبحان الله كيف ضلّت العقول والإفهام) مدارج السالكين 1/493.
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: (واستدل جماعة من الصوفية بحديث الباب - حديث الجاريتين - على إباحة الغناء، وسماعه بآلة، وبغير آلة، ويكفي في رد ذلك تصريح عائشة في الحديث الذي في الباب بعده بقولها " وليستا بمغنيتين "، فنفت عنهما بطريق المعنى ما أثبته لهما باللفظ.. فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتـا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل - أي الحديث - والله أعلم) (فتح الباري 2/442-443).
كما لا يصح استدلال بعض المعاصرين المبيحين للمعازف، بما رواه نافع قال سمع ابن عمر مزمارا قال فوضع إصبعه في أذنيه ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئا؟ قال: فقلت لا، قال فرفع إصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا) رواه أبو داود.
قال ابن قدامة - رحمه الله -: " وقد احتج قوم بهذا الخبر على إباحة المزمار، وقالوا لو كان حراما لمنع النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عمر من سماعه، ومنع ابن عمر نافعا من استماعه، ولأنكر على الزامر بها، قلنا: أما الأول فلا يصح، لأنّ المحرم استماعها، دون سماعها، والاستماع غير السماع، ولهذا فرق الفقهاء في سجود التلاوة بين السامع، والمستمع، ولم يوجبوا على من سمع شيئا محـرّما سدّ أذنيه، وقال الله - تعالى -(وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) ولم يقل سـدّوا آذانهم، والمستمع هو الذي يقصد السماع، ولم يوجد هذا من ابن عمر - رضي الله عنهما -، وإنما وجد منه السماع، ولأنّ بالنبيّ حاجة إلى معرفة انقطاع الصوت عنه لأنـّه عدل عن الطريق، وسدّ أذنيه، فلم يكن ليرجع إلى الطريق، ولا يرفع إصبعيه عن أذنيه حتى ينقطع الصوت عنه، فأبيح للحاجة " المغني 9/175.
وقال شيخ الإسلام: " أما ما لم يقصده الإنسان من الاستماع فلا يترتب عليه نهي، ولا ذم باتفاق الأئمة، ولهذا إنما يترتب الذم، والمدح على الاستماع، لا على السماع، فالمستمع للقرآن يثاب عليه، والسامع له من غير قصد، ولا إرادة لا يثاب على ذلك، إذ الأعمال بالنيات، وكذلك ما ينهى عنه من الملاهي، لو سمعه السامع بدون قصده، لم يضره ذلك " المجموع 10/78.
ومن الغلط المشهور الذي يتكرر على ألسنة من يبيح المعازف بغير علم، ولا هدى، ولا كتاب منير، نسبة إباحة المعازف عن بعض الصحابة، فهو غلط عليهم، فلم ينقل عن أحد منهم انه أباحه، وقد طولب الذين نسبوا هذا القول إلى بعض الصحابة أن يثبتوا هذه النسبة بالإسناد الصحيح، فعجزوا عن ذلك عجزا تاما، وكذلك نسبته إلى علماء المدينة في العصور الأولى، بل هو كذب عليهم، والصحيح ما رواه الخلال عن الإمام مالك: أنه لما سئل عنه، قال: إنما يفعله عندنا الفساق.
وأما زعم الزاعم أن المعازف إنما هي أصوات حسنة، والله - تعالى - لم يحرم على هذه الأمة الطيبات، إنما حرم عليها الخبائث، فالجواب أنّ الحكم الشرعي إنما يؤخذ من النصوص، لا من استحسان النفوس، وبنصوص الوحي، يُعرف أنَّ ما أباحه الله لنا هو من الطيبات، وأما حرمه الله علينا فهو من الخبائث، وأيضا فقد بيّن العلماء من الصحابة - رضي الله عنهم -، ومن بعدهم من أئمة الدين، أنَّ المعازف من الخبائث لانَّ لها تأثيرا سيئا على قلب المؤمن، فهي تنبت فيه النفاق كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه -.
وما مثل قول هذا الزاعم الذي يجعل ما تهواه نفسه، دليلا يحرم ويحلل ويشرع في دين الله، إلاّ كمثل قول بعض الصوفية: إنّ الله خلق الجمال وهو يحبه، وجمال المرأة أمر حسن طيب، فكيف يحرم الله - تعالى -علينا النظر إلى الطيبات؟!
وزعموا أنَّ النظر إلى جمال المرأة، أمر مباح ما لـم يؤد إلى الوقوع في الفاحشة!.
وزعم بعضهم أن النظر إلى جمال النسوان والمردان، من باب التفكر في جمال الخلق، وإبداع الخالق فهو مستحب، فجنَوْا على الشريعة بأهوائهم، وأضلوا الخلق بآرائهم، وصدق الله - تعالى – القائل: (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين).
وبما تقدم يعلم أن المعازف محرمة، ولا دليل على استثناء موسيقى الجيش منها، فتتناولها أدلة التحريم.
والعجب كيف زين الشيطان لجيوش بلادنا العربية، وهي في أمس الحاجة إلى ذكر الله - تعالى -، وتكبيره لما في ذلك تثبيت القلب واطمئنانه، زين لهم أن يستبدلوا هذا الذكر، بمزامير الشيطان، لتصحبهم الشياطين!.
وهي مع ذلك عادة غربية من عادات الكفار، أما المسلمون فقد أمرهم الله - تعالى - في الجهاد بذكره قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون).
وكانت عادة المسلمين في جهادهم التكبير، والتهليل، وبه كانت ترتعب قلوب الأعداء، كما أمرهم بطاعة الله ورسوله، واجتناب المعاصي؛ لأنها من أسباب حبس النصر، فكيف يعصون ربهم باستصحاب مزامير الشيطان.
والله أعلـم، وصلى الله على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.