لم ينكر الإخوان ضلوعهم فى معظم حوادث العنف التى
سبقت ثورة يوليو 1952 ولكنهم أصروا دائما على وصف محاولة إغتيالهم لجمال
عبد الناصرفى ميدان المنشية بالأسكندرية فى 26 اكتوبر 1954بالمسرحية وأنه
هو من إفتعلها لعدة أسباب منها:
1- الإطاحة بخصمه القوى وهم جماعة
الإخوان المسلمين بعد إتهامهم بالجريمة وإعتبار أنهم بدؤوا بإعلان الحرب
على القيادة السياسية لحركة الضباط الأحرار ومحاولة قلب نظام الحكم
والإستيلاء على السلطة.
2- التخلص من اللواء "محمد نجيب" رئيس الجمهورية
حيث لم تنجح حركة مارس 1954 فى الإطاحة به وإضطرارمجلس قيادة الثورة الطلب
من نجيب للعودة لمنصب الرئاسة وتعيين جمال عبد الناصر رئيسا للوزراء مع
إستمرار التحالفات والمؤامرات من الطرفين فى مواجهة بعضهما.
3- تلميع
عبد الناصر جماهيريا وإظهاره كبطل قومى بعد تمثيله لدور الشجاعة فى مواجهة
الرصاص وثباته فى موقف الإغتيال وذلك فى بث حى ومباشر على الهواء.
وقد
تحققت بالفعل هذه الأهداف الثلاث، ولكن ذلك لا يغطى على حقيقة ما حدث
بالفعل وأن ما تم فى ميدان المنشية فى ذلك اليوم كان حقيقة وتم تدبيره
وتخطيطه وتنفيذه بواسطه جماعة الإخوان المسلمين بشهادة بعض أعضائهم
والمنشقين عليهم والمؤرخين الحياديين وما حدث على الأرض.
قبل الدخول
الى تفاصيل ذلك اليوم فلا يجب أن يغيب عنا أن إستخدام الجماعة للعنف
والتصفيات السياسية تجاه خصومها السياسيين يعد جزءا من التكوين العضوى لهم
منذ نشأتة الإخوان المسلمين فى عشرينيات القرن الماضى وعلى إمتداد تاريخها
الطويل، فقد حرص الإمام حسن البنا على البناء العسكرى للجماعة وتشكيل فرق
شبه عسكرية "جوّالة الإخوان" من البداية، وأنشأ النظام الخاص داخل الجماعة
والذى عرف بإسم الجهاز السرى عام 1936 وذلك على أسس عسكرية، وكما قال صلاح
عيسى "لقد سعى حسن البنا الى بناء منظمة من الكوادر تتلقى تربية وإعدادا
خاصا وتعد لتكون ( ميليشيا ) سرية مسلحة مهمتها أن تستولى على الحكم بتحرك
إنقلابى" وبدأ التنظيم نشاطه بعمليات إستهدفت الطائفة اليهودية المصرية من
محال ومصانع وأفراد تأكيدا لرؤيتهم للصراع ضد الصهيونية بصفتها دين يهودى
وليس كيانا إستعماريا استيطانيا، ومن ضمن هذه الأهداف تم تفجير محلات
شيكوريل وإريكو بشارع فؤاد ومحلات عدس وبنزايون بمصطفى كامل وجاتينيو بمحمد
فريد ونسف شركة الإعلانات المصرية المملوكة ليهودى ، ثم كان الإنفجار
الهائل بحارة اليهود الذى أودى بحياة 20 فردا وعشرات الجرحى، كما شنوا أيضا
سلسلة من الهجوم على المصالح البريطانية و و دور السينما والبارات
والكازينوهات وضد بعض من إعتبروهم خصوما سياسيين أو منافسين حزبيين كحركة
مصر الفتاة وحزب الوفد.
يروي محمود الصباغ عضو النظام الخاص والمتهم
السادس فى حادث المنشية في كتابه " حقيقة النظام الخاص " أنه " كان أول ما
يختبر به العضو الجديد فيما يعلن عن رغبته في الجهاد في سبيل الله أن يكلف
بشراء مسدس علي نفقته الخاصة، ولم يكن الانضمام للنظام الخاص بالأمر اليسير
فالشخص المرشح يمر بسبع جلسات بمعرفة " المُكَوِن " وهو يعني الشخص الذي
يقوم بتكوين أعضاء النظام وتبدأ هذه الجلسات بالتعارف الكامل علي المرشح ثم
جلسات روحية تشمل الصلاة والتهجد وقراءة القرآن ثم جلسة للقيام بمهمة خطرة
وتكون بمثابة الاختبار حيث يطلب من الشخص كتابة وصيته قبلها ويستتبع ذلك
مراقبة هذا المرشح وسلوكه ومدي نجاحه في المهمة التي كلف بها حتي يتدخل
الشخص المكون في آخر لحظة ويمنع الشخص المرشح القيام بالمهمة ويستتبع ذلك
جلسة البيعة التي كانت تتم في منزل بحي الصليبة حيث يدعي المرشح للبيعة
والشخص المسئول عن تكوينة إضافة للسندي حيث يدخل الثلاثة لغرفة البيعة التي
تكون مطفأة الأنوار فيجلسون علي فرش علي الأرض في مواجهة شخص مغطي جسده
تماما من قمة رأسه إلي قدمه برداء أبيض يخرج يداه ممتدتان علي منضدة منخفضة
" طبلية " عليها مصحف شريف، ويبدأ هذا الشخص المغطي بتذكير المرشح بآيات
القتال وظروف سرية هذا " الجيش " ويؤكد عليه بأن هذه البيعة تصبح ملزمة و
تؤدي خيانتها إخلاء سبيله من الجماعة ويخرج هذا الشخص مسدسا من جيبه ويطلب
من المرشح تحسس المصحف والمسدس والقسم بالبيعة وبعدها يصبح المرشح عضوا في "
الجيش الإسلامي " ، وبعد البيعة يمر عضو النظام الجديد علي أربع مراحل
تستغرق كل واحدة 15 أسبوعا يتلقي فيه برنامجا قاسيا في التربية العسكرية
والجهادية إضافة إلي الجانب التعبدي والروحي".
إنتهى كلام الصباّغ ولكن
هذه الطريقة الشديدة الغموض وذات الطقوس الغريبة والمريبة تذكرنا بالجماعات
السرية فى أوروبا فى القرون الوسطى أو بجماعات تاريخية ذات طابع إسطورى
كحركة "الحشاشين " بقيادة "حسن الصباح".
وعندما إشتد الصراع بين
الفلسطينيين والعصابات الصهيونية وتصاعدت الدعوة لإنشاء وطن لليهود فى
فلسطين والهجرات اليهودية المتتابعة الى فلسطين فقد سارعت جماعة الإخوان
المسلمين بتكديس الأسلحة والتدريب عليها بصورة شبه علنية ومن ضمن من شاركوا
فى تدريبهم على السلاح جمال عبد الناصر وبعض الضباط الأحرار، فى مناطق
جبلية خارج القاهرة كالمقطم، وتم كشف كل التفاصيل فيما عرف باسم "حادث
السيارة الجيب" والذى كشف عن تفاصيل كثيرة خاصة بخطط التنظيم وتشكيلاته
ورسم تخطيطى لحارة اليهود وعثر بها على كشف بالمطلوب اغتيالهم وتم تحويل
عدد 32 من قادة التنظيم السرى للمحاكمة وكانت ضربة قاسية للجهاز مما دفع
بقيادته الطليقة الى محاولة نسف أرشيف محكمة الإستئناف لمحاولة طمس معالم
القضية.
لقد استخدمت الجماعة منذ وقت مبكر سياسة اغتيال الخصوم
والمخالفين من خارج الجماعة وداخلها يستوى فى ذلك القضاة المتهمين بإصدار
أحكام مشددة عليهم كما حدث مع القاضى أحمد الخازنداربأن أطلق الرصاص عليه
وهو خارج من منزله عضوا الإخوان محمود زينهم وحسن عبد الحافظ فأردياه قتيلا
وإغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى بواسطة عضو الجهاز الخاص عبد
المجيد أحمد حسن وأيضا سليم زكى حكمدار العاصمة الذى القى عليه قنبلة يدوية
اثناء مظاهرة للإخوان أمام كلية طب القاهرة وإغتيال المهندس سيد فايز أحد
قادة الجهاز الخاص لخلافات داخلية بإيعاز من عبد الرحمن السندى كما ورد فى
حديث سيد عيد يوسف أحد مسئولى الجهاز السرى ، بل أن هناك من داخل الجماعة
من يذكر أن هذا الجهاز كان وراء إغتيال حسن البنا نفسه حينما تبرأ منهم
وإتهم من قاموا بهذه الإغتيالات بأنهم ليسوا إخوانا وليسوا مسلمون.
أزمة مارس 1954
حاول
الإخوان بعد قيام الثورة وإستيلاء الضباط الأحرار على السلطة فى 1952 أن
يهيمنوا عليها ويفرضوا عليها شروطهم من خلال إدعائهم أنهم من حمى هذه
الثورة وقيامهم بحماية الخطوط الخلفية وقطع طريق السويس القاهرة لمنع تحرك
الإنجليز من خط القناة للإنقضاض على هذه الثورة ولم يقم دليلا على ذلك،
وفعلا فقد مضت شهور طويلة من الغزل السياسى بين السلطة الجديدة والإخوان
وسمح لهم بالإستمرار فى العمل السياسى بعد حل جميع الأحزاب بما فى ذلك حزب
الوفد ومصر الفتاة ( الحزب الإشتراكى)، وتمت مفاوضات مهمة معهم للمشاركة فى
الحكومة، وبعد تحديد ممثليهم فى الحكم عادوا لرفض المشاركة وأعلنوا فصل كل
من وافق على المشاركة فى الحكومة وتم فعلا فصل الشيخ الباقورى وعدد آخر
ممن قبلوا بالحوار والمشاركة، وكان شرط المستشار حسن الهضيبى المرشد الجديد
للجماعة ومكتب الإرشاد أن تعرض جميع القوانين على الإخوان لتحديد مدى
تطابقها مع الشريعة الإسلامية ومن ثم التصديق عليها وهذا مارفضه بشدة جمال
عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة.
وبعد تصاعد الصراع بين اللواء محمد نجيب
والضباط الأحرار وتفجر الأزمة بينهم فى شهر مارس من نفس العام وتحويل
الصراع بينهم الى فريق مع اللواء نجيب يطالب بعودة الجيش الى ثكناته وبين
جمال عبد الناصر ومعظم مجلس قيادة الثورة معه الى رفض ذلك والمطالبة
بإستمرار الثورة من وجهة نظرهم، وانحازت القوى المؤيدة للديموقراطية الى
جانب اللواء نجيب بما فى ذلك حزب الوفد والشيوعيين، لكن الموقف الغير
متناسق والمريب هو موقف الجماعة التى كانت تدفع بقوة قبل شهور قليلة من
الأحداث الى حل الأحزاب وأطلقوا على الإنقلاب "الحركة المباركة" وكالوا
المديح لعبد الناصر ورفاقه ورحبوا بحل الأحزاب، وسبّب ذلك الموقف إحتقان
شديد بينهما، وفى أبريل قدم عبد الناصر أول مجموعة من قيادات الإخوان
للمحاكمة وتصاعد الخلاف أثناء مفوضات الجلاء ثم بعد توقيع إتفاقية الجلاء
والتى اعتبرها الإخوان خيانة وطنية، وإتجهت العلاقة بين الجماعة وعبد
الناصر الى صدام محتوم.
حادث المنشية
لنقرأ معا ما أدلى به "خليفة عطوة" عضو التنظيم السرى والمتهم الثالث فى فضية الإغتيال لجريدة المصريين بتاريخ 7-2-2009 :
(صدرت تعليمات بتنفيذ مهمة عاجلة وتم تقديم مجموعة انتحارية تتكون من
محمود عبد اللطيف وهنداوي سيد أحمد الدوير ومحمد علي النصيري، حيث كان
مخططا أن يرتدي حزاما ناسفا يحتضن عبد الناصر وينسفه إذا فشل محمود عبد
اللطيف في الضرب، وأنا وأنور حافظ على المنصة بصفتنا من حراس الثورة، ونقوم
بتوجيه محمود عبد اللطيف والإشارة له بتنفيذ خطة اغتيال عبد الناصر".
وأوضح
أنه هو من أعطى شارة البدء لمحمود عبد اللطيف ببدء الهجوم، عندما كان عبد
الناصر يخطب في المنشية بالإسكندرية، في يوم 26 أكتوبر 1954، لكن المحاولة
أخطأت هدفها، حيث مرت أول رصاصة، من تحت إبط عبد الناصر، واخترقت الجاكيت
العسكري الواسع الذي كان يرتديه، واصطدمت بقلم حبري في جيبه ونجا منها
بمعجزة، بينما مرت الرصاصة الثانية بجواره من بين كتفي جمال سالم وعبد
الحكيم عامر، واستقرت في رأس الميرغني حمزة زعيم الطائفة الختمية بالسودان
وأحد ضيوف الحفل ليلقى مصرعه في الحال.
وتابع، قائلا: في ذلك الوقت حدث
شيء غريب حيث اندفع جمال عبد الناصر إلى سور المبنى للإمام بدلا من أن
يختبئ، وصرخ فيهم ليبقى كل في مكانه، وهنا وبطريقة عفوية واستجابة لا
شعورية لهذه الشجاعة وجدت نفسي احتضن عبد الناصر وأنا وأنور حافظ شريكنا في
الخطة وأخذت ألوح لمحمود عبد اللطيف أن يتوقف عن الضرب، وكان يتسلق وقتها
تمثال سعد زغلول الموجه لشرفة مبني بورصة القطن.
لكنه – والكلام له-
واصل إطلاق النار حيث أطلق رصاصة أصابت كتف أحمد بدر سكرتير هيئة التحرير
في الإسكندرية فأدت إلى وفاته، وأطلق بقية الرصاصات في النجف والصيني
الموجود في السقف وأمام المنصة، بعدها نزل عبد الناصر وتوجه ونحن برفقته
إلى جامعة الإسكندرية لكي يواصل خطبته).
خلال ذلك تم القبض على الجانى
"محمود عبد اللطيف" عضو الجهاز الخاص وعثر معه على المسدس المستخدم فى
إطلاق التار وعلى الأظرف الفارغة مكان الحادث وتم القبض على أعداد كبيرة من
جماعة الأخوان المسلمين وتم الزج بهم فى السجون وهرب المستشار "حسن
الهضيبى" المرشد العام للجماعة لبعض الوقت وأرسل رسالة خطية من مخبئه الى
جمال عبد الناصر حاول فيها التبرؤ من الحادث وبعد محاكمته والحكم عليه
بالإعدام قرر ناصر تخفيف الحكم عنه الى الأشغال الشاقة المؤبدة ثم أعفى عنه
بعد ذلك لأسباب صحية.
ورغم إصرار الغالبية العظمى من الإخوان حتى الآن
التنصل من محاولة الإغتيال الفاشلة وذكرهم أن عبد الناصر هو من دبر إغتيال
نفسه فإن الكثيرين منهم قد إعترفوا بشكل مباشر أو غير مباشر بضلوعهم فى
الحادث منهم "أحمد رائف" مؤرخ الإخوان فى كتابه "البوابة السوداء" و"فريد
عبد الخالق" أحد مؤسسى الجماعة الذى ذكر أنه علم بالتدبير لإغتيال عبد
الناصر وأبغ المرشد الذى إستنكر الأمر وأنه إتصل بهنداوى دويرليبلغه بعدم
تنفيذ الإغتيال، كما ذكر الأستاذ "مأمون الهضيبى" المرشد العام السابق فى
مقابلة تلفزيونية أنه ربما من قام بالمحاولة عضو فى الإخوان ولكنه تصرف
بشكل فردى وليس بناءا على موقف مسبق من الجماعة، وإعترف بالمحاولة كثيرين
آخرين من جميع مستويات الجماعة.
ويهمنا هنا أن نبين بعض ملاحظاتنا على ما سبق:
1-
ليس هناك مبرر موضوعى لمحاولة نفى محاولة الإغتيال فى المنشية مع
إقرارالإخوان بجميع عمليات الإغتيالات السابقة وإعترافهم أيضا بمحاولة
الإنقلاب فى 1965 رغم أن بعضهم إعتبر ذلك مجرد إعادة إحياء التنظيم، ويبدو
أن المكابرة والعزّة بالإثم التى درج عليها الإخوان وإدعائهم أن العملية
كلها لا تعدو أن تكون مسرحية " عبد الناصر يغتال عبد الناصر"، فإن من الصعب
عليهم الرجوع فى كلمة قالوها، وتلك فى الحقيقة مصيبة الإخوان طوال تاريخهم
فلم يضبطوا متلبسين يوما بالإعتذار عن موقف أو الإعتراف بخطأ أو القيام
بمراجعات لأفكارهم كما فعلت الجماعة الإسلامية أو الجهاد الإسلامى.
2-
من الطبيعى والمنطقى وفى إطار الصراع بين الإخوان وعبد الناصر وإنسجاما مع
تاريخهم وأفكارهم أن تلجأ الجماعة للتخطيط لإغتيال عبد الناصر، ويمكن تبرير
إنكارهم لذلك إبّان حكمه، لكن الغريب فى الأمر هو الإستمرار فى الإنكار
بعد وفاته رغم إعتراف المشاركين وبعض القيادات الهامة بما حدث، وكان طبيعيا
أن يفخروا بهذه المحاولة لا أن يستمروا فى إنكارها.
3- ربما يكون
إنكارهم المتواصل لما حدث وأن ذلك لم يكن سوى مسرحية للتنكيل بهم والتخلص
من القوة المنافسة الوحيدة للنظام وتشويه سمعتهم لدى الناس بينما هم
بريئون مما حدث ، ذلك يظهرهم فى مظهر الشهادة أصلا لدى الناس الذين قد
يصدقون دعوتهم وأيضا لدى أعضاء جماعتهم الذين دفعوا أثمانا باهظة جرّاء
عمليات الإغتيالات المتكررة وعلى رأسها إغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى
النقراشى وما جرّه ذلك عليهم من سجون وإعدامات وحظر فى السابق.
لن
أستطرد مع المستطردين فى قضية المؤامرات الخارجية وعلاقتها بمحاولة
الإغتيال الفاشلة، فكما نعرف كانت المخابرات البريطانية تتربص بعبد الناصر
وتسعى للقضاء عليه بشكل معلن وكذلك الموساد وحكومة جى موليه فى فرنسا
والمخابرات المركزية وحاول الجميع بكل جهدهم فيما هو ثابت إستغلال قوى
داخلية للإطاحة بالنظام وعندما فشلوا فى ذلك كانت المؤامرة المعروفة بإتفاق
"سيفر" بين إنجلترا وفرنسا وإسرائيل للتحضير للعدوان الثلاثى، وذكرت
تفاصيل كثيرة حول التنسيق مع الإخوان المسلمين فى هذا الصدد، ولكن إذا
إستبعدنا ذلك سيبقى ما هو معلوم بالضرورة عن محاولة إغتيال ضبط فيها المتهم
متلبسا بإطلاق النار على عبد الناصر فى ميدان المنشية بالأسكندرية فى 26
اكتوبر 1954.
سبقت ثورة يوليو 1952 ولكنهم أصروا دائما على وصف محاولة إغتيالهم لجمال
عبد الناصرفى ميدان المنشية بالأسكندرية فى 26 اكتوبر 1954بالمسرحية وأنه
هو من إفتعلها لعدة أسباب منها:
1- الإطاحة بخصمه القوى وهم جماعة
الإخوان المسلمين بعد إتهامهم بالجريمة وإعتبار أنهم بدؤوا بإعلان الحرب
على القيادة السياسية لحركة الضباط الأحرار ومحاولة قلب نظام الحكم
والإستيلاء على السلطة.
2- التخلص من اللواء "محمد نجيب" رئيس الجمهورية
حيث لم تنجح حركة مارس 1954 فى الإطاحة به وإضطرارمجلس قيادة الثورة الطلب
من نجيب للعودة لمنصب الرئاسة وتعيين جمال عبد الناصر رئيسا للوزراء مع
إستمرار التحالفات والمؤامرات من الطرفين فى مواجهة بعضهما.
3- تلميع
عبد الناصر جماهيريا وإظهاره كبطل قومى بعد تمثيله لدور الشجاعة فى مواجهة
الرصاص وثباته فى موقف الإغتيال وذلك فى بث حى ومباشر على الهواء.
وقد
تحققت بالفعل هذه الأهداف الثلاث، ولكن ذلك لا يغطى على حقيقة ما حدث
بالفعل وأن ما تم فى ميدان المنشية فى ذلك اليوم كان حقيقة وتم تدبيره
وتخطيطه وتنفيذه بواسطه جماعة الإخوان المسلمين بشهادة بعض أعضائهم
والمنشقين عليهم والمؤرخين الحياديين وما حدث على الأرض.
قبل الدخول
الى تفاصيل ذلك اليوم فلا يجب أن يغيب عنا أن إستخدام الجماعة للعنف
والتصفيات السياسية تجاه خصومها السياسيين يعد جزءا من التكوين العضوى لهم
منذ نشأتة الإخوان المسلمين فى عشرينيات القرن الماضى وعلى إمتداد تاريخها
الطويل، فقد حرص الإمام حسن البنا على البناء العسكرى للجماعة وتشكيل فرق
شبه عسكرية "جوّالة الإخوان" من البداية، وأنشأ النظام الخاص داخل الجماعة
والذى عرف بإسم الجهاز السرى عام 1936 وذلك على أسس عسكرية، وكما قال صلاح
عيسى "لقد سعى حسن البنا الى بناء منظمة من الكوادر تتلقى تربية وإعدادا
خاصا وتعد لتكون ( ميليشيا ) سرية مسلحة مهمتها أن تستولى على الحكم بتحرك
إنقلابى" وبدأ التنظيم نشاطه بعمليات إستهدفت الطائفة اليهودية المصرية من
محال ومصانع وأفراد تأكيدا لرؤيتهم للصراع ضد الصهيونية بصفتها دين يهودى
وليس كيانا إستعماريا استيطانيا، ومن ضمن هذه الأهداف تم تفجير محلات
شيكوريل وإريكو بشارع فؤاد ومحلات عدس وبنزايون بمصطفى كامل وجاتينيو بمحمد
فريد ونسف شركة الإعلانات المصرية المملوكة ليهودى ، ثم كان الإنفجار
الهائل بحارة اليهود الذى أودى بحياة 20 فردا وعشرات الجرحى، كما شنوا أيضا
سلسلة من الهجوم على المصالح البريطانية و و دور السينما والبارات
والكازينوهات وضد بعض من إعتبروهم خصوما سياسيين أو منافسين حزبيين كحركة
مصر الفتاة وحزب الوفد.
يروي محمود الصباغ عضو النظام الخاص والمتهم
السادس فى حادث المنشية في كتابه " حقيقة النظام الخاص " أنه " كان أول ما
يختبر به العضو الجديد فيما يعلن عن رغبته في الجهاد في سبيل الله أن يكلف
بشراء مسدس علي نفقته الخاصة، ولم يكن الانضمام للنظام الخاص بالأمر اليسير
فالشخص المرشح يمر بسبع جلسات بمعرفة " المُكَوِن " وهو يعني الشخص الذي
يقوم بتكوين أعضاء النظام وتبدأ هذه الجلسات بالتعارف الكامل علي المرشح ثم
جلسات روحية تشمل الصلاة والتهجد وقراءة القرآن ثم جلسة للقيام بمهمة خطرة
وتكون بمثابة الاختبار حيث يطلب من الشخص كتابة وصيته قبلها ويستتبع ذلك
مراقبة هذا المرشح وسلوكه ومدي نجاحه في المهمة التي كلف بها حتي يتدخل
الشخص المكون في آخر لحظة ويمنع الشخص المرشح القيام بالمهمة ويستتبع ذلك
جلسة البيعة التي كانت تتم في منزل بحي الصليبة حيث يدعي المرشح للبيعة
والشخص المسئول عن تكوينة إضافة للسندي حيث يدخل الثلاثة لغرفة البيعة التي
تكون مطفأة الأنوار فيجلسون علي فرش علي الأرض في مواجهة شخص مغطي جسده
تماما من قمة رأسه إلي قدمه برداء أبيض يخرج يداه ممتدتان علي منضدة منخفضة
" طبلية " عليها مصحف شريف، ويبدأ هذا الشخص المغطي بتذكير المرشح بآيات
القتال وظروف سرية هذا " الجيش " ويؤكد عليه بأن هذه البيعة تصبح ملزمة و
تؤدي خيانتها إخلاء سبيله من الجماعة ويخرج هذا الشخص مسدسا من جيبه ويطلب
من المرشح تحسس المصحف والمسدس والقسم بالبيعة وبعدها يصبح المرشح عضوا في "
الجيش الإسلامي " ، وبعد البيعة يمر عضو النظام الجديد علي أربع مراحل
تستغرق كل واحدة 15 أسبوعا يتلقي فيه برنامجا قاسيا في التربية العسكرية
والجهادية إضافة إلي الجانب التعبدي والروحي".
إنتهى كلام الصباّغ ولكن
هذه الطريقة الشديدة الغموض وذات الطقوس الغريبة والمريبة تذكرنا بالجماعات
السرية فى أوروبا فى القرون الوسطى أو بجماعات تاريخية ذات طابع إسطورى
كحركة "الحشاشين " بقيادة "حسن الصباح".
وعندما إشتد الصراع بين
الفلسطينيين والعصابات الصهيونية وتصاعدت الدعوة لإنشاء وطن لليهود فى
فلسطين والهجرات اليهودية المتتابعة الى فلسطين فقد سارعت جماعة الإخوان
المسلمين بتكديس الأسلحة والتدريب عليها بصورة شبه علنية ومن ضمن من شاركوا
فى تدريبهم على السلاح جمال عبد الناصر وبعض الضباط الأحرار، فى مناطق
جبلية خارج القاهرة كالمقطم، وتم كشف كل التفاصيل فيما عرف باسم "حادث
السيارة الجيب" والذى كشف عن تفاصيل كثيرة خاصة بخطط التنظيم وتشكيلاته
ورسم تخطيطى لحارة اليهود وعثر بها على كشف بالمطلوب اغتيالهم وتم تحويل
عدد 32 من قادة التنظيم السرى للمحاكمة وكانت ضربة قاسية للجهاز مما دفع
بقيادته الطليقة الى محاولة نسف أرشيف محكمة الإستئناف لمحاولة طمس معالم
القضية.
لقد استخدمت الجماعة منذ وقت مبكر سياسة اغتيال الخصوم
والمخالفين من خارج الجماعة وداخلها يستوى فى ذلك القضاة المتهمين بإصدار
أحكام مشددة عليهم كما حدث مع القاضى أحمد الخازنداربأن أطلق الرصاص عليه
وهو خارج من منزله عضوا الإخوان محمود زينهم وحسن عبد الحافظ فأردياه قتيلا
وإغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى بواسطة عضو الجهاز الخاص عبد
المجيد أحمد حسن وأيضا سليم زكى حكمدار العاصمة الذى القى عليه قنبلة يدوية
اثناء مظاهرة للإخوان أمام كلية طب القاهرة وإغتيال المهندس سيد فايز أحد
قادة الجهاز الخاص لخلافات داخلية بإيعاز من عبد الرحمن السندى كما ورد فى
حديث سيد عيد يوسف أحد مسئولى الجهاز السرى ، بل أن هناك من داخل الجماعة
من يذكر أن هذا الجهاز كان وراء إغتيال حسن البنا نفسه حينما تبرأ منهم
وإتهم من قاموا بهذه الإغتيالات بأنهم ليسوا إخوانا وليسوا مسلمون.
أزمة مارس 1954
حاول
الإخوان بعد قيام الثورة وإستيلاء الضباط الأحرار على السلطة فى 1952 أن
يهيمنوا عليها ويفرضوا عليها شروطهم من خلال إدعائهم أنهم من حمى هذه
الثورة وقيامهم بحماية الخطوط الخلفية وقطع طريق السويس القاهرة لمنع تحرك
الإنجليز من خط القناة للإنقضاض على هذه الثورة ولم يقم دليلا على ذلك،
وفعلا فقد مضت شهور طويلة من الغزل السياسى بين السلطة الجديدة والإخوان
وسمح لهم بالإستمرار فى العمل السياسى بعد حل جميع الأحزاب بما فى ذلك حزب
الوفد ومصر الفتاة ( الحزب الإشتراكى)، وتمت مفاوضات مهمة معهم للمشاركة فى
الحكومة، وبعد تحديد ممثليهم فى الحكم عادوا لرفض المشاركة وأعلنوا فصل كل
من وافق على المشاركة فى الحكومة وتم فعلا فصل الشيخ الباقورى وعدد آخر
ممن قبلوا بالحوار والمشاركة، وكان شرط المستشار حسن الهضيبى المرشد الجديد
للجماعة ومكتب الإرشاد أن تعرض جميع القوانين على الإخوان لتحديد مدى
تطابقها مع الشريعة الإسلامية ومن ثم التصديق عليها وهذا مارفضه بشدة جمال
عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة.
وبعد تصاعد الصراع بين اللواء محمد نجيب
والضباط الأحرار وتفجر الأزمة بينهم فى شهر مارس من نفس العام وتحويل
الصراع بينهم الى فريق مع اللواء نجيب يطالب بعودة الجيش الى ثكناته وبين
جمال عبد الناصر ومعظم مجلس قيادة الثورة معه الى رفض ذلك والمطالبة
بإستمرار الثورة من وجهة نظرهم، وانحازت القوى المؤيدة للديموقراطية الى
جانب اللواء نجيب بما فى ذلك حزب الوفد والشيوعيين، لكن الموقف الغير
متناسق والمريب هو موقف الجماعة التى كانت تدفع بقوة قبل شهور قليلة من
الأحداث الى حل الأحزاب وأطلقوا على الإنقلاب "الحركة المباركة" وكالوا
المديح لعبد الناصر ورفاقه ورحبوا بحل الأحزاب، وسبّب ذلك الموقف إحتقان
شديد بينهما، وفى أبريل قدم عبد الناصر أول مجموعة من قيادات الإخوان
للمحاكمة وتصاعد الخلاف أثناء مفوضات الجلاء ثم بعد توقيع إتفاقية الجلاء
والتى اعتبرها الإخوان خيانة وطنية، وإتجهت العلاقة بين الجماعة وعبد
الناصر الى صدام محتوم.
حادث المنشية
لنقرأ معا ما أدلى به "خليفة عطوة" عضو التنظيم السرى والمتهم الثالث فى فضية الإغتيال لجريدة المصريين بتاريخ 7-2-2009 :
(صدرت تعليمات بتنفيذ مهمة عاجلة وتم تقديم مجموعة انتحارية تتكون من
محمود عبد اللطيف وهنداوي سيد أحمد الدوير ومحمد علي النصيري، حيث كان
مخططا أن يرتدي حزاما ناسفا يحتضن عبد الناصر وينسفه إذا فشل محمود عبد
اللطيف في الضرب، وأنا وأنور حافظ على المنصة بصفتنا من حراس الثورة، ونقوم
بتوجيه محمود عبد اللطيف والإشارة له بتنفيذ خطة اغتيال عبد الناصر".
وأوضح
أنه هو من أعطى شارة البدء لمحمود عبد اللطيف ببدء الهجوم، عندما كان عبد
الناصر يخطب في المنشية بالإسكندرية، في يوم 26 أكتوبر 1954، لكن المحاولة
أخطأت هدفها، حيث مرت أول رصاصة، من تحت إبط عبد الناصر، واخترقت الجاكيت
العسكري الواسع الذي كان يرتديه، واصطدمت بقلم حبري في جيبه ونجا منها
بمعجزة، بينما مرت الرصاصة الثانية بجواره من بين كتفي جمال سالم وعبد
الحكيم عامر، واستقرت في رأس الميرغني حمزة زعيم الطائفة الختمية بالسودان
وأحد ضيوف الحفل ليلقى مصرعه في الحال.
وتابع، قائلا: في ذلك الوقت حدث
شيء غريب حيث اندفع جمال عبد الناصر إلى سور المبنى للإمام بدلا من أن
يختبئ، وصرخ فيهم ليبقى كل في مكانه، وهنا وبطريقة عفوية واستجابة لا
شعورية لهذه الشجاعة وجدت نفسي احتضن عبد الناصر وأنا وأنور حافظ شريكنا في
الخطة وأخذت ألوح لمحمود عبد اللطيف أن يتوقف عن الضرب، وكان يتسلق وقتها
تمثال سعد زغلول الموجه لشرفة مبني بورصة القطن.
لكنه – والكلام له-
واصل إطلاق النار حيث أطلق رصاصة أصابت كتف أحمد بدر سكرتير هيئة التحرير
في الإسكندرية فأدت إلى وفاته، وأطلق بقية الرصاصات في النجف والصيني
الموجود في السقف وأمام المنصة، بعدها نزل عبد الناصر وتوجه ونحن برفقته
إلى جامعة الإسكندرية لكي يواصل خطبته).
خلال ذلك تم القبض على الجانى
"محمود عبد اللطيف" عضو الجهاز الخاص وعثر معه على المسدس المستخدم فى
إطلاق التار وعلى الأظرف الفارغة مكان الحادث وتم القبض على أعداد كبيرة من
جماعة الأخوان المسلمين وتم الزج بهم فى السجون وهرب المستشار "حسن
الهضيبى" المرشد العام للجماعة لبعض الوقت وأرسل رسالة خطية من مخبئه الى
جمال عبد الناصر حاول فيها التبرؤ من الحادث وبعد محاكمته والحكم عليه
بالإعدام قرر ناصر تخفيف الحكم عنه الى الأشغال الشاقة المؤبدة ثم أعفى عنه
بعد ذلك لأسباب صحية.
ورغم إصرار الغالبية العظمى من الإخوان حتى الآن
التنصل من محاولة الإغتيال الفاشلة وذكرهم أن عبد الناصر هو من دبر إغتيال
نفسه فإن الكثيرين منهم قد إعترفوا بشكل مباشر أو غير مباشر بضلوعهم فى
الحادث منهم "أحمد رائف" مؤرخ الإخوان فى كتابه "البوابة السوداء" و"فريد
عبد الخالق" أحد مؤسسى الجماعة الذى ذكر أنه علم بالتدبير لإغتيال عبد
الناصر وأبغ المرشد الذى إستنكر الأمر وأنه إتصل بهنداوى دويرليبلغه بعدم
تنفيذ الإغتيال، كما ذكر الأستاذ "مأمون الهضيبى" المرشد العام السابق فى
مقابلة تلفزيونية أنه ربما من قام بالمحاولة عضو فى الإخوان ولكنه تصرف
بشكل فردى وليس بناءا على موقف مسبق من الجماعة، وإعترف بالمحاولة كثيرين
آخرين من جميع مستويات الجماعة.
ويهمنا هنا أن نبين بعض ملاحظاتنا على ما سبق:
1-
ليس هناك مبرر موضوعى لمحاولة نفى محاولة الإغتيال فى المنشية مع
إقرارالإخوان بجميع عمليات الإغتيالات السابقة وإعترافهم أيضا بمحاولة
الإنقلاب فى 1965 رغم أن بعضهم إعتبر ذلك مجرد إعادة إحياء التنظيم، ويبدو
أن المكابرة والعزّة بالإثم التى درج عليها الإخوان وإدعائهم أن العملية
كلها لا تعدو أن تكون مسرحية " عبد الناصر يغتال عبد الناصر"، فإن من الصعب
عليهم الرجوع فى كلمة قالوها، وتلك فى الحقيقة مصيبة الإخوان طوال تاريخهم
فلم يضبطوا متلبسين يوما بالإعتذار عن موقف أو الإعتراف بخطأ أو القيام
بمراجعات لأفكارهم كما فعلت الجماعة الإسلامية أو الجهاد الإسلامى.
2-
من الطبيعى والمنطقى وفى إطار الصراع بين الإخوان وعبد الناصر وإنسجاما مع
تاريخهم وأفكارهم أن تلجأ الجماعة للتخطيط لإغتيال عبد الناصر، ويمكن تبرير
إنكارهم لذلك إبّان حكمه، لكن الغريب فى الأمر هو الإستمرار فى الإنكار
بعد وفاته رغم إعتراف المشاركين وبعض القيادات الهامة بما حدث، وكان طبيعيا
أن يفخروا بهذه المحاولة لا أن يستمروا فى إنكارها.
3- ربما يكون
إنكارهم المتواصل لما حدث وأن ذلك لم يكن سوى مسرحية للتنكيل بهم والتخلص
من القوة المنافسة الوحيدة للنظام وتشويه سمعتهم لدى الناس بينما هم
بريئون مما حدث ، ذلك يظهرهم فى مظهر الشهادة أصلا لدى الناس الذين قد
يصدقون دعوتهم وأيضا لدى أعضاء جماعتهم الذين دفعوا أثمانا باهظة جرّاء
عمليات الإغتيالات المتكررة وعلى رأسها إغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى
النقراشى وما جرّه ذلك عليهم من سجون وإعدامات وحظر فى السابق.
لن
أستطرد مع المستطردين فى قضية المؤامرات الخارجية وعلاقتها بمحاولة
الإغتيال الفاشلة، فكما نعرف كانت المخابرات البريطانية تتربص بعبد الناصر
وتسعى للقضاء عليه بشكل معلن وكذلك الموساد وحكومة جى موليه فى فرنسا
والمخابرات المركزية وحاول الجميع بكل جهدهم فيما هو ثابت إستغلال قوى
داخلية للإطاحة بالنظام وعندما فشلوا فى ذلك كانت المؤامرة المعروفة بإتفاق
"سيفر" بين إنجلترا وفرنسا وإسرائيل للتحضير للعدوان الثلاثى، وذكرت
تفاصيل كثيرة حول التنسيق مع الإخوان المسلمين فى هذا الصدد، ولكن إذا
إستبعدنا ذلك سيبقى ما هو معلوم بالضرورة عن محاولة إغتيال ضبط فيها المتهم
متلبسا بإطلاق النار على عبد الناصر فى ميدان المنشية بالأسكندرية فى 26
اكتوبر 1954.