إسرائيل بين دهاء "هرتزل" وغباء "نتنياهو"!
المصدر موقع الرحمة المهداة www.mohdat.com
"في الماضي كانت الجالية اليهوديَّة عمليَّة ومتطورة ومرنة، لكننا اليوم برفضنا إقامة دولة فلسطينيَّة، نترك زمام المبادرة والشرعيَّة الدوليَّة في أيدي الفلسطينيين".. هكذا بدأ المعلِّق "جادي تاوب مقاله المنشور في صحيفة يديعوت أحرونوت تحت عنوان (تجنبوا أخطاء الفلسطينيين)، والذي حذَّر فيه من أن الرفض الإسرائيلي الحالي لإقامة دولة فلسطينيَّة على حدود 1967، يذكِّرنا بالأخطاء التي ارتكبها الفلسطينيون عام 1947، وسيجعل إسرائيل تتجرَّع من نفس الكأس التي تجرَّع منها الفلسطينيون طيلة العقود الماضية.
وأضاف:"يحاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إقناع العالم بأن إعلان دولة فلسطينيَّة من جانب واحد يضرُّ بعملية السلام، لكن هذا الكلام لم يعد ينطلي على أحد، نظرًا لعدم وجود عملية سلام من الأساس، ومن الواضح للعالم بأسرِه أن نتنياهو لا ينتوي التقدم بأي عرض واقعي للفلسطينيين.
وبينما أدرك الفلسطينيون أنهم ليسوا بحاجة إلى اعتراف نتنياهو، وفهموا- كما فهم هرتزل ومن تبعه من قادة صهيون من قبل- أن مفتاح إقامة دولة هو الاعتراف الدولي، تتمسك إسرائيل بالرفض الذي يُفقِدها أي امتيازات، وقد كان "موفاز" موفقًا حينما طالب إسرائيل هي الأخرى بالاعتراف بدولة فلسطينيَّة، واستغلال الموقف لفرض شروطها، بدلاً من ترك القطار يغادر دوننا، لا بد وأن نستقله ونؤثر في خط سيره، أما الرفض الإسرائيلي فسيحرمنا من أي قدرة على التأثير؛ إذا تشبثنا باستيائنا، وبقينا على الهامش، ربما يعتمد القرار إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، ويُجهِض أي فرصة لعقد مقايضات تتعلق بالكتل الاستيطانيَّة، وربما يتجاهل الاتفاقيات الأمنيَّة التي تطلبها إسرائيل، ويترك ملف حق العودة مفتوحًا.
في سبيل وقف كل ذلك، يجب على إسرائيل أن تستدعي ما أدركته في الماضي، وما أدركه الفلسطينيون اليوم: أن المهم هنا ليس ما يقوله الطرف الآخر، بل ما يقال على المسرح العالمي بأكمله، وكما أن الفلسطينيين غير آبهين هذه المرة بموقف إسرائيل من هذه الخطوة، فليست إسرائيل بحاجة هي الأخرى لانتزاع تنازلات أو حلول وسط من حكومة فتـحـماس.
أعتقد أن الخطأ الوحيد في موقف موفاز-الذي هو أكثر تعقيدًا بكثير من موقف الحكومة الإسرائيليَّة- متعلق بفكرة وجوب الاعتراف بدولة فلسطينيَّة مقابل اعتراف الفلسطينيين بطلباتنا، إذا كان هذا ممكنًا، لكنا توصلنا إلى اتفاق معهم، لكن مع غياب إمكانيَّة ذلك، يمكننا التأثير في قرار الأمم المتحدة، والشروط التي سيتمُّ بموجبها الاعتراف بالدولة الفلسطينيَّة.
وفي مقال آخر نشرته يديعوت تحت عنوان: (لا تدعوا المتطرفين يفوزون) قال "ياريف أوبنهايمر" رئيس حركة السلام الآن: "إن المتطرفين اليمينيين واليساريين يحاربون رؤية الدولتين؛ ويجب على التيار الرئيسي الإسرائيلي أن يتوحَّد ضدهما"، واتهم الجناح الرافض للاعتراف بدولة فلسطينيَّة بعدم امتلاك قدرٍ كافٍ من الحكمة طيلة السنوات الماضية، فلم يتوصلوا إلى تسوية، ولم يجدوا حلا للمشكلة القائمة بإقامة دولة فلسطينيَّة، وهاهم الآن يواجهون معركة لدرْء حجج التشكيك في شرعيَّة الصهيونية وحق إسرائيل في الوجود.
وأردف: "تشعر إسرائيل الآن بالحرج والعجز، وليس لديها أدنى إرادة أو قوة لاتخاذ الموقف المطلوب وإعلان خطوة جادة لإيقاف التواجد الإسرائيلي في الضفة الغربيَّة، إن رفض إسرائيل الآن الاعتراف بدولة فلسطينيَّة سيكلفنا جميعًا انتفاضة ثالثة، وسيُقَوِّض حق الشعب اليهودي في إقامة وطن قومي على حدود 1967، وأولئك الذين لا يرغبون في التوصل إلى تسوية على أساس التقسيم، والانسحاب من الضفة الغربيَّة، سيواجهون في نهاية المطاف صعوبة في الشرح أو القتال من أجل شرعيَّة الفكرة الصهيونيَّة برمتها".
واعتبر الكاتب الإسرائيلي أن الاقتراح الذي تقدمت به العناصر اليمينيَّة الوهميَّة من حزب الليكود وغيره بضم المستوطنات إلى إسرائيل من جانب واحد ردًّا على الخطوة الفلسطينية في الأمم المتحدة، هو أفضل الأخبار التي يمكن أن يسمعها أعداء الفكرة الصهيونيَّة، على اختلاف مشاربهم، حيث سينظر العالم إلى هذه الخطوة باعتبارها غزوًا لأراضي دولة أخرى، بالضبط كما فعل صدام حينما احتلَّ الكويت، بل إن فكرة الضم الأحادي قد تسببت بالفعل في أضرار جسيمة لصورة إسرائيل ووفرت مزيدًا من الذخيرة المستخدمة في الحرب الدعائيَّة المناهضة لإسرائيل.
وأضاف: "في هذه الأثناء، تبقى الرغبة الطبيعيَّة لدى الإسرائيليين في إبقاء الوضع الراهن قائمًا، واستمرار الحديث عن الدولتين بموازاة إقامة المستوطنات، أي إمساك العصا من المنتصف، بيدَ أن مشهد المتظاهرين في الجولان يذكرنا جميعًا بأنه إذا لم يتمّ إحراز تقدم ملموس فإن انتفاضة ثالثة تقف على الأبواب، والاتفاق الذي يمكن أن تقدِّمه إسرائيل هذه المرة ستكون مجبرةً عليه، وفق شروط أسوأ، في المستقبل القريب، قبل انتهاء هذه اللعبة بلحظة، يجب على كل القوى البراجماتية في إسرائيل تبني خط واضح وأيدلوجية مشتركة تؤيد إقامة دولة فلسطينية على حدود 1976، وتأمين تسوية فيما يتعلَّق بالقدس وتحويلها إلى عاصمة مشتركة للدولتين، وهذا هو الحلّ الوحيد".
لكن المعلق السياسي الإسرائيلي البارز، ناحوم بارنيا، كان له رأي آخر يتلخَّص في اغتيال حق العودة، حيث قال بصراحة في مقدمة مقال حمل عنوان: (لن تكون هناك عودة) نشرته نفس الصحيفة: لقد حان الوقت كي نقول للاجئين الفلسطينيين أنه ليست هناك عودة إلى "دولة إسرائيل" ورجَّح "بارنيا" أن أحدًا من المتظاهرين في ذكرى النكبة لن يقرأ هذه السطور، لكنه يعلم أن هناك العديد من الموظفين الذين يعملون بجد في مقر المقاطعة برام الله، ويترجمون كل كلمة تنشر في الصحف العبريَّة لمحمود عباس ووزرائه، ولهؤلاء توجه بحديثه، مستطردًا بلهجة متحدية: سياسيوهم يخبرونهم بأن ذلك سيحدث، وعلماؤهم يعدونهم بأن الله سيساعدهم، والرعاة الأجانب يوفِّرون لهم الحافلات والأعلام، وهم يشرعون في تنفيذ مهمتهم على ثقة بأن المشروع الصهيوني سينهار لا محالة، وبدفعة صغيرة أخرى من ناحية الأردن ستغرق إسرائيل في البحر وتُقَام دولة فلسطين، لكن لديَّ أخبار لك يا ابن العم: لن يحدث ذلك، على الأقل ليس في حياتك، لن تعودَ إلى إسرائيل القائمة داخل الخط الأخضر، مرَّت 63 سنة منذ الحرب، وحان الوقت لتبنِّي أحلام أخرى.
وفي مقال حمل عنوان: (قل "لا" للدولة الفلسطينية) اقترح "أوري أورباخ"، عضو الكنيست عن حزب "البيت اليهودي" المتطرف، على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نص خطاب عاطفي لإلقائه أمام الكونجرس، في وقتٍ لاحق من الشهر الجاري، هدَّد فيه بالتحلُّل من كل ارتباطات أوسلو، ومارس الهواية الصهيونيَّة المحبَّبة (خلط الأمور حتى تتوارى الحقائق).
ومن غرائب الصحافة الإسرائيليَّة هذا الأسبوع ذاك المقال المعنون: (من يريد إقامة دولة فلسطينية؟)، للمعلق في صحيفة يديعوت "سيفر بلوكر"، والذي زعم فيه أن الأمريكيين فقط هم الذين يريدون إقامة دولة فلسطينيَّة! وتساءل مستهجنًا: هل يوجد أحد في المنطقة يريد إقامة دولة فلسطينيَّة الآن؟ ليسارع إلى الإجابة بالنفي، مستطردًا: ورغم ذلك قد تقام هذه الدولة في النهاية، يا لمكر التاريخ!
وأضاف: حتى الفلسطينيون أنفسهم لا يريدون دولة هذه المرة (ألم أخبرْك بأنه من غرائب الصحافة الإسرائيلية).. فلسفته الخاصة في تبرير ذلك أن الفلسطينيين -يعني النخبة السياسيَّة والاقتصادية- لديهم رغبة شديدة في رؤية نهاية الاحتلال الإسرائيلي، لكن إقامة الدولة أمر آخر؛ لأنهم سيضطرون إلى الاعتماد اقتصاديًّا وجيوسياسيًّا على حُسن نيَّة الدول المجاورة، وهم يدركون أن إقامة الدولة الفلسطينيَّة يعني تخلي الفلسطينيين للأبد عن بقية الأراضي الواقعة خارج حدود 1967، وسيدفن تلقائيًّا حق العودة!
المصدر موقع الرحمة المهداة www.mohdat.com
"في الماضي كانت الجالية اليهوديَّة عمليَّة ومتطورة ومرنة، لكننا اليوم برفضنا إقامة دولة فلسطينيَّة، نترك زمام المبادرة والشرعيَّة الدوليَّة في أيدي الفلسطينيين".. هكذا بدأ المعلِّق "جادي تاوب مقاله المنشور في صحيفة يديعوت أحرونوت تحت عنوان (تجنبوا أخطاء الفلسطينيين)، والذي حذَّر فيه من أن الرفض الإسرائيلي الحالي لإقامة دولة فلسطينيَّة على حدود 1967، يذكِّرنا بالأخطاء التي ارتكبها الفلسطينيون عام 1947، وسيجعل إسرائيل تتجرَّع من نفس الكأس التي تجرَّع منها الفلسطينيون طيلة العقود الماضية.
وأضاف:"يحاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إقناع العالم بأن إعلان دولة فلسطينيَّة من جانب واحد يضرُّ بعملية السلام، لكن هذا الكلام لم يعد ينطلي على أحد، نظرًا لعدم وجود عملية سلام من الأساس، ومن الواضح للعالم بأسرِه أن نتنياهو لا ينتوي التقدم بأي عرض واقعي للفلسطينيين.
وبينما أدرك الفلسطينيون أنهم ليسوا بحاجة إلى اعتراف نتنياهو، وفهموا- كما فهم هرتزل ومن تبعه من قادة صهيون من قبل- أن مفتاح إقامة دولة هو الاعتراف الدولي، تتمسك إسرائيل بالرفض الذي يُفقِدها أي امتيازات، وقد كان "موفاز" موفقًا حينما طالب إسرائيل هي الأخرى بالاعتراف بدولة فلسطينيَّة، واستغلال الموقف لفرض شروطها، بدلاً من ترك القطار يغادر دوننا، لا بد وأن نستقله ونؤثر في خط سيره، أما الرفض الإسرائيلي فسيحرمنا من أي قدرة على التأثير؛ إذا تشبثنا باستيائنا، وبقينا على الهامش، ربما يعتمد القرار إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، ويُجهِض أي فرصة لعقد مقايضات تتعلق بالكتل الاستيطانيَّة، وربما يتجاهل الاتفاقيات الأمنيَّة التي تطلبها إسرائيل، ويترك ملف حق العودة مفتوحًا.
في سبيل وقف كل ذلك، يجب على إسرائيل أن تستدعي ما أدركته في الماضي، وما أدركه الفلسطينيون اليوم: أن المهم هنا ليس ما يقوله الطرف الآخر، بل ما يقال على المسرح العالمي بأكمله، وكما أن الفلسطينيين غير آبهين هذه المرة بموقف إسرائيل من هذه الخطوة، فليست إسرائيل بحاجة هي الأخرى لانتزاع تنازلات أو حلول وسط من حكومة فتـحـماس.
أعتقد أن الخطأ الوحيد في موقف موفاز-الذي هو أكثر تعقيدًا بكثير من موقف الحكومة الإسرائيليَّة- متعلق بفكرة وجوب الاعتراف بدولة فلسطينيَّة مقابل اعتراف الفلسطينيين بطلباتنا، إذا كان هذا ممكنًا، لكنا توصلنا إلى اتفاق معهم، لكن مع غياب إمكانيَّة ذلك، يمكننا التأثير في قرار الأمم المتحدة، والشروط التي سيتمُّ بموجبها الاعتراف بالدولة الفلسطينيَّة.
وفي مقال آخر نشرته يديعوت تحت عنوان: (لا تدعوا المتطرفين يفوزون) قال "ياريف أوبنهايمر" رئيس حركة السلام الآن: "إن المتطرفين اليمينيين واليساريين يحاربون رؤية الدولتين؛ ويجب على التيار الرئيسي الإسرائيلي أن يتوحَّد ضدهما"، واتهم الجناح الرافض للاعتراف بدولة فلسطينيَّة بعدم امتلاك قدرٍ كافٍ من الحكمة طيلة السنوات الماضية، فلم يتوصلوا إلى تسوية، ولم يجدوا حلا للمشكلة القائمة بإقامة دولة فلسطينيَّة، وهاهم الآن يواجهون معركة لدرْء حجج التشكيك في شرعيَّة الصهيونية وحق إسرائيل في الوجود.
وأردف: "تشعر إسرائيل الآن بالحرج والعجز، وليس لديها أدنى إرادة أو قوة لاتخاذ الموقف المطلوب وإعلان خطوة جادة لإيقاف التواجد الإسرائيلي في الضفة الغربيَّة، إن رفض إسرائيل الآن الاعتراف بدولة فلسطينيَّة سيكلفنا جميعًا انتفاضة ثالثة، وسيُقَوِّض حق الشعب اليهودي في إقامة وطن قومي على حدود 1967، وأولئك الذين لا يرغبون في التوصل إلى تسوية على أساس التقسيم، والانسحاب من الضفة الغربيَّة، سيواجهون في نهاية المطاف صعوبة في الشرح أو القتال من أجل شرعيَّة الفكرة الصهيونيَّة برمتها".
واعتبر الكاتب الإسرائيلي أن الاقتراح الذي تقدمت به العناصر اليمينيَّة الوهميَّة من حزب الليكود وغيره بضم المستوطنات إلى إسرائيل من جانب واحد ردًّا على الخطوة الفلسطينية في الأمم المتحدة، هو أفضل الأخبار التي يمكن أن يسمعها أعداء الفكرة الصهيونيَّة، على اختلاف مشاربهم، حيث سينظر العالم إلى هذه الخطوة باعتبارها غزوًا لأراضي دولة أخرى، بالضبط كما فعل صدام حينما احتلَّ الكويت، بل إن فكرة الضم الأحادي قد تسببت بالفعل في أضرار جسيمة لصورة إسرائيل ووفرت مزيدًا من الذخيرة المستخدمة في الحرب الدعائيَّة المناهضة لإسرائيل.
وأضاف: "في هذه الأثناء، تبقى الرغبة الطبيعيَّة لدى الإسرائيليين في إبقاء الوضع الراهن قائمًا، واستمرار الحديث عن الدولتين بموازاة إقامة المستوطنات، أي إمساك العصا من المنتصف، بيدَ أن مشهد المتظاهرين في الجولان يذكرنا جميعًا بأنه إذا لم يتمّ إحراز تقدم ملموس فإن انتفاضة ثالثة تقف على الأبواب، والاتفاق الذي يمكن أن تقدِّمه إسرائيل هذه المرة ستكون مجبرةً عليه، وفق شروط أسوأ، في المستقبل القريب، قبل انتهاء هذه اللعبة بلحظة، يجب على كل القوى البراجماتية في إسرائيل تبني خط واضح وأيدلوجية مشتركة تؤيد إقامة دولة فلسطينية على حدود 1976، وتأمين تسوية فيما يتعلَّق بالقدس وتحويلها إلى عاصمة مشتركة للدولتين، وهذا هو الحلّ الوحيد".
لكن المعلق السياسي الإسرائيلي البارز، ناحوم بارنيا، كان له رأي آخر يتلخَّص في اغتيال حق العودة، حيث قال بصراحة في مقدمة مقال حمل عنوان: (لن تكون هناك عودة) نشرته نفس الصحيفة: لقد حان الوقت كي نقول للاجئين الفلسطينيين أنه ليست هناك عودة إلى "دولة إسرائيل" ورجَّح "بارنيا" أن أحدًا من المتظاهرين في ذكرى النكبة لن يقرأ هذه السطور، لكنه يعلم أن هناك العديد من الموظفين الذين يعملون بجد في مقر المقاطعة برام الله، ويترجمون كل كلمة تنشر في الصحف العبريَّة لمحمود عباس ووزرائه، ولهؤلاء توجه بحديثه، مستطردًا بلهجة متحدية: سياسيوهم يخبرونهم بأن ذلك سيحدث، وعلماؤهم يعدونهم بأن الله سيساعدهم، والرعاة الأجانب يوفِّرون لهم الحافلات والأعلام، وهم يشرعون في تنفيذ مهمتهم على ثقة بأن المشروع الصهيوني سينهار لا محالة، وبدفعة صغيرة أخرى من ناحية الأردن ستغرق إسرائيل في البحر وتُقَام دولة فلسطين، لكن لديَّ أخبار لك يا ابن العم: لن يحدث ذلك، على الأقل ليس في حياتك، لن تعودَ إلى إسرائيل القائمة داخل الخط الأخضر، مرَّت 63 سنة منذ الحرب، وحان الوقت لتبنِّي أحلام أخرى.
وفي مقال حمل عنوان: (قل "لا" للدولة الفلسطينية) اقترح "أوري أورباخ"، عضو الكنيست عن حزب "البيت اليهودي" المتطرف، على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نص خطاب عاطفي لإلقائه أمام الكونجرس، في وقتٍ لاحق من الشهر الجاري، هدَّد فيه بالتحلُّل من كل ارتباطات أوسلو، ومارس الهواية الصهيونيَّة المحبَّبة (خلط الأمور حتى تتوارى الحقائق).
ومن غرائب الصحافة الإسرائيليَّة هذا الأسبوع ذاك المقال المعنون: (من يريد إقامة دولة فلسطينية؟)، للمعلق في صحيفة يديعوت "سيفر بلوكر"، والذي زعم فيه أن الأمريكيين فقط هم الذين يريدون إقامة دولة فلسطينيَّة! وتساءل مستهجنًا: هل يوجد أحد في المنطقة يريد إقامة دولة فلسطينيَّة الآن؟ ليسارع إلى الإجابة بالنفي، مستطردًا: ورغم ذلك قد تقام هذه الدولة في النهاية، يا لمكر التاريخ!
وأضاف: حتى الفلسطينيون أنفسهم لا يريدون دولة هذه المرة (ألم أخبرْك بأنه من غرائب الصحافة الإسرائيلية).. فلسفته الخاصة في تبرير ذلك أن الفلسطينيين -يعني النخبة السياسيَّة والاقتصادية- لديهم رغبة شديدة في رؤية نهاية الاحتلال الإسرائيلي، لكن إقامة الدولة أمر آخر؛ لأنهم سيضطرون إلى الاعتماد اقتصاديًّا وجيوسياسيًّا على حُسن نيَّة الدول المجاورة، وهم يدركون أن إقامة الدولة الفلسطينيَّة يعني تخلي الفلسطينيين للأبد عن بقية الأراضي الواقعة خارج حدود 1967، وسيدفن تلقائيًّا حق العودة!