العقل نور يضىء به طريقاً، يبدأ من حيث ينتهى إليه إدراك الحواس، ليصيب به الحق والمصالح الدنيوية والدينية.
لم يضع الكتاب ولا السنة قواعد تفصيلية لنظام الحكم. واكتفيا بوضع بعض مبادئ عامة منها الشورى والعدل. واستنبط منها الفقهاء القواعد التفصيلية التى تنظم الحكم، وهو ما يعرف بنظام الخلافة. ولذلك فإن نظام الحكم فى الإسلام من الأمور الاجتهادية- عند جمهور الفقهاء من أهل السنة ومن ثم يمكن أن يتغير تبعا لظروف المجتمع. وقد أوجب القرآن الكريم الشورى فى آيتين كريمتين، إحداهما فى سورة آل عمران: 159( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر ). وقد نزلت هذه الآية عقب ما ابتلى به المسلمون فى غزوة أحد، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم- قد تشاور مع أصحابه واستجاب لمشورة أكثرهم فى الخروج من المدينة لملاقاة العدو. ونصت الآية الثانية فى سورة الشورى: 38 ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون).
ونزلت هذه الآية فى امتداح خصال الأنصار. ومن المسلم فى أصول الفقــه الإسلامى أن "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ".
وأكدت السنة النبوية سواء القولية منها أو الفعلية، هذا المعنى. من ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم-: "ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم " وقوله - صلى الله عليه وسلم-: "استعينوا على أموركم بالمشاورة"، "ما استغنى مستبد برأيه، وما هلك أحد عن مشورة".
وأحداث التاريخ تقطع بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم- كان كثير المشورة سواء فى الأحكام الشرعية (مثل أسرى غزوة بدر) أو الأمور الدنيوية (مثل اختيار المكان الذى ينزل فيه المسلمون فى غزوة بدر). وجرى الخلفاء الراشدون على ذات النهج فى المشاورة.
ومن المسلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- لم يكن فى حاجة إلى مشاورة أصحابه لأن العناية الإلهية تهديه سواء السبيل، ولكنه- كما قال العلماء- كان يشاورهم تطييبا لقلوبهم من ناحية ولكى يقتدوا به فى المشاورة. وقد اختلف رأى العلماء حول حكم الشورى فذهب فريق منهم إلى أنها واجبة وذهب فريق آخر إلى أنها مندوبة. وأنصار الوجوب اختلفوا فيما بينهم، فمنهم من يلزم ولى الأمر بالأخذ بالرأى الذى انتهت إليه المشاورة ويجعل من مخالفته سببا من أسباب عزله، ومنهم من يرى غير ذلك.
ومقتضى نظام الشورى- حسبما جرى عليه التطبيق العملى فى صدر الإسلام- أن شغل منصب الخلافة يكون بالاختيار وأن يكون الخليفة مسئولا عن أعماله أمام الأمة التى يحق لها عزله وأشراك ذوى الرأى مع ولى الأمر فى اتخاذ القرارات الهامة مما يحول دوق الاستبداد بالرأى وكفالة الحريات السياسية للمواطنين، ومنها حرية الرأى وتقرير مبدأ المساواة بين الناس دونما تمييز لأحد أو طائفة أو طبقة.
ولم يرد فى القرآن الكريم ولا فى السنة النبوية أحكام تحدد من هم أهل الشورى ولا كيفية حدوثها، وكذلك لم يفعل الفقهاء. ولذلك اختلف أسلوب التشاور من عهد إلى عهد. ففى العهد النبوى كان أهل الشورى هم وجوه المهاجرين والأنصار. وفى عهد الخلفاء الراشدين كان وجوه الصحابة يجتمعون فى المسجد بالمدينة للتشاور، الأمر الذى كان يتيح لأى شخص الحضور والاشتراك فى الرأى. وبعد تفرق الصحابة فى الأمصار- بعد الخليفة عمر- تعذر جمعهم فاكتفى بمن يوجد منهم فى المدينة وفى العهد الأموى كان الأعضاء البارزون من الأسرة الأموية يكونون مجلساً للخليفة يشير عليه فيما يعرضه عليهم من أمور. وفى العصر العباسى نظمت الشورى، فقد أنشأ الخليفة المأمون مجلساً للشورى، يضم ممثلين عن طوائف المجتمع لإبداء الرأى فيما يعرضه عليهم من أمور. وحذا الخلفاء العباسيون حذو المأمون، كما أ حاط أمراء الولايات الذين استقلوا بها أنفسهم بمجالس شورى على غرار مجلس الخليفة، وفى العصر العثمانى أنشئ الديوان الهمايونى الذى يضم كبار رجال الدولة من مدنيين وعسكريين وبعض العلماء وبعض الأعيان، وكان بمثابة مجلس استشارى للسلطان. وعلى غراره أنشئ ديوان الوالى فى الولايات المختلفة.
ومن الواضح أن نظام الشورى الإسلامى- حسبما جرى عليه التطبيق العملى- يختلف عن المجالس النيابية (البرلمان) السائد فى النظم الديمقراطية المعاصرة. فهذه مجالس منتخبة تختص بالتشريع ورقابة السلطة التنفيذية، أما الشورى- حتى بعد تنظيم مجالس لها- لم يكن أهلها كلهم منتخبين بل كانوا مختارين من جانب ولى الأمر، ولم يكن لهم اختصاص محدد بل كانوا يبدون الرأى فى أمور الدولة الهامة التى يعرضها عليهم ولى الأمر. ومعنى ذلك أن العمل جرى على الرأى الذى يقول بأن الشورى مندوبة، وحتى لو قلنا بأنها واجبة فإن رأى أهل الشورى لم يكن ملزماً. ولعل ظروف المجتمع كانت تسمح بذلك، أما الآن وفى ضوء انتشار المبدأ الديمقراطى وتعقد ظروف الحياة فإن الرأى الفقهى الذى يقول بوجوب الشورى، وبأن قرارات أهل الشورى ملزمة لولى الأمر أولى بالاتباع وذلك إعمالاً لقاعدة أصولية تقضى بأن "ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب ". ولعل هذا الفكر هو الذى سهل على الدول الإسلامية فى العصر الحاضر اقتباس النظم البرلمانية من الغرب. فجوهر الشورى- فى مفهوم هذا الرأى- لا يختلف عن جوهر الديمقراطية، والفارق الجوهرى بينهما ينحصر فى الغايات والأهداف. فالديمقراطية الغربية تستهدف مصلحة الفرد فى الحياة الدنيا فحسب، أما الشورى فهى تدخل فى فروض الكفاية التى يتولاها الخليفة نيابة عن الأمة وتتضمن التزامه بحماية أمور الدين والأخلاق بجانب الأمور الدنيوية.
وهكذا يبين أن نظام الحكم فى الإسلام من الأمور الاجتهادية عند جمهور الفقهاء ومن ثم يمكن أن يتغير تبعاً لتغير الظروف ويتسع لكل صور الديمقراطية المعاصرة.
لم يضع الكتاب ولا السنة قواعد تفصيلية لنظام الحكم. واكتفيا بوضع بعض مبادئ عامة منها الشورى والعدل. واستنبط منها الفقهاء القواعد التفصيلية التى تنظم الحكم، وهو ما يعرف بنظام الخلافة. ولذلك فإن نظام الحكم فى الإسلام من الأمور الاجتهادية- عند جمهور الفقهاء من أهل السنة ومن ثم يمكن أن يتغير تبعا لظروف المجتمع. وقد أوجب القرآن الكريم الشورى فى آيتين كريمتين، إحداهما فى سورة آل عمران: 159( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر ). وقد نزلت هذه الآية عقب ما ابتلى به المسلمون فى غزوة أحد، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم- قد تشاور مع أصحابه واستجاب لمشورة أكثرهم فى الخروج من المدينة لملاقاة العدو. ونصت الآية الثانية فى سورة الشورى: 38 ( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون).
ونزلت هذه الآية فى امتداح خصال الأنصار. ومن المسلم فى أصول الفقــه الإسلامى أن "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ".
وأكدت السنة النبوية سواء القولية منها أو الفعلية، هذا المعنى. من ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم-: "ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم " وقوله - صلى الله عليه وسلم-: "استعينوا على أموركم بالمشاورة"، "ما استغنى مستبد برأيه، وما هلك أحد عن مشورة".
وأحداث التاريخ تقطع بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم- كان كثير المشورة سواء فى الأحكام الشرعية (مثل أسرى غزوة بدر) أو الأمور الدنيوية (مثل اختيار المكان الذى ينزل فيه المسلمون فى غزوة بدر). وجرى الخلفاء الراشدون على ذات النهج فى المشاورة.
ومن المسلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- لم يكن فى حاجة إلى مشاورة أصحابه لأن العناية الإلهية تهديه سواء السبيل، ولكنه- كما قال العلماء- كان يشاورهم تطييبا لقلوبهم من ناحية ولكى يقتدوا به فى المشاورة. وقد اختلف رأى العلماء حول حكم الشورى فذهب فريق منهم إلى أنها واجبة وذهب فريق آخر إلى أنها مندوبة. وأنصار الوجوب اختلفوا فيما بينهم، فمنهم من يلزم ولى الأمر بالأخذ بالرأى الذى انتهت إليه المشاورة ويجعل من مخالفته سببا من أسباب عزله، ومنهم من يرى غير ذلك.
ومقتضى نظام الشورى- حسبما جرى عليه التطبيق العملى فى صدر الإسلام- أن شغل منصب الخلافة يكون بالاختيار وأن يكون الخليفة مسئولا عن أعماله أمام الأمة التى يحق لها عزله وأشراك ذوى الرأى مع ولى الأمر فى اتخاذ القرارات الهامة مما يحول دوق الاستبداد بالرأى وكفالة الحريات السياسية للمواطنين، ومنها حرية الرأى وتقرير مبدأ المساواة بين الناس دونما تمييز لأحد أو طائفة أو طبقة.
ولم يرد فى القرآن الكريم ولا فى السنة النبوية أحكام تحدد من هم أهل الشورى ولا كيفية حدوثها، وكذلك لم يفعل الفقهاء. ولذلك اختلف أسلوب التشاور من عهد إلى عهد. ففى العهد النبوى كان أهل الشورى هم وجوه المهاجرين والأنصار. وفى عهد الخلفاء الراشدين كان وجوه الصحابة يجتمعون فى المسجد بالمدينة للتشاور، الأمر الذى كان يتيح لأى شخص الحضور والاشتراك فى الرأى. وبعد تفرق الصحابة فى الأمصار- بعد الخليفة عمر- تعذر جمعهم فاكتفى بمن يوجد منهم فى المدينة وفى العهد الأموى كان الأعضاء البارزون من الأسرة الأموية يكونون مجلساً للخليفة يشير عليه فيما يعرضه عليهم من أمور. وفى العصر العباسى نظمت الشورى، فقد أنشأ الخليفة المأمون مجلساً للشورى، يضم ممثلين عن طوائف المجتمع لإبداء الرأى فيما يعرضه عليهم من أمور. وحذا الخلفاء العباسيون حذو المأمون، كما أ حاط أمراء الولايات الذين استقلوا بها أنفسهم بمجالس شورى على غرار مجلس الخليفة، وفى العصر العثمانى أنشئ الديوان الهمايونى الذى يضم كبار رجال الدولة من مدنيين وعسكريين وبعض العلماء وبعض الأعيان، وكان بمثابة مجلس استشارى للسلطان. وعلى غراره أنشئ ديوان الوالى فى الولايات المختلفة.
ومن الواضح أن نظام الشورى الإسلامى- حسبما جرى عليه التطبيق العملى- يختلف عن المجالس النيابية (البرلمان) السائد فى النظم الديمقراطية المعاصرة. فهذه مجالس منتخبة تختص بالتشريع ورقابة السلطة التنفيذية، أما الشورى- حتى بعد تنظيم مجالس لها- لم يكن أهلها كلهم منتخبين بل كانوا مختارين من جانب ولى الأمر، ولم يكن لهم اختصاص محدد بل كانوا يبدون الرأى فى أمور الدولة الهامة التى يعرضها عليهم ولى الأمر. ومعنى ذلك أن العمل جرى على الرأى الذى يقول بأن الشورى مندوبة، وحتى لو قلنا بأنها واجبة فإن رأى أهل الشورى لم يكن ملزماً. ولعل ظروف المجتمع كانت تسمح بذلك، أما الآن وفى ضوء انتشار المبدأ الديمقراطى وتعقد ظروف الحياة فإن الرأى الفقهى الذى يقول بوجوب الشورى، وبأن قرارات أهل الشورى ملزمة لولى الأمر أولى بالاتباع وذلك إعمالاً لقاعدة أصولية تقضى بأن "ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب ". ولعل هذا الفكر هو الذى سهل على الدول الإسلامية فى العصر الحاضر اقتباس النظم البرلمانية من الغرب. فجوهر الشورى- فى مفهوم هذا الرأى- لا يختلف عن جوهر الديمقراطية، والفارق الجوهرى بينهما ينحصر فى الغايات والأهداف. فالديمقراطية الغربية تستهدف مصلحة الفرد فى الحياة الدنيا فحسب، أما الشورى فهى تدخل فى فروض الكفاية التى يتولاها الخليفة نيابة عن الأمة وتتضمن التزامه بحماية أمور الدين والأخلاق بجانب الأمور الدنيوية.
وهكذا يبين أن نظام الحكم فى الإسلام من الأمور الاجتهادية عند جمهور الفقهاء ومن ثم يمكن أن يتغير تبعاً لتغير الظروف ويتسع لكل صور الديمقراطية المعاصرة.