فى الحلقة الأولى انتقد الشيخ القرضاوى وصف «غزوة الصناديق» على التصويت بـ«نعم» على التعديلات الدستورية، واستنكر محاولات تضخيمها، ورفض ما قيل عن كونها «انتصاراً للدين» مع إشاراته الواضحة بأن دولة الاسلام لم تكن دولة دينية، لافتا إلى أن المصريين يريدون دولة مدنية ديمقراطية. واليوم يستكمل القرضاوى حواره مع «المصرى اليوم»، ويتحدث فيه عن جماعة الإخوان المسلمين وحزبها وضرورة استقلاله فى القرار عنها، ويعود إلى الإشارة إلى السلفيين ووصفه لموقفهم بالمخزى من الثورة، ويشدد بقوة على رفض محاولات التشكيك فى الثورة المصرية، معتبراً أن التعديلات لم تجهضها، ولفت إلى أن ثورة البحرين «طائفية» ودعا بالنصر لثورات ليبيا وسوريا واليمن..فإلى التفاصيل:
■ جماعة الإخوان المسلمين تمر بحالة استقطاب مثل المجتمع المصرى، فهناك تيار بازغ يمثل أفكارا بعيدة عن تفكير أهل التربية فى الجماعة، والتى يمثلها قدامى مكتب الإرشاد، كيف ترى مستقبل الجماعة؟
- الإخوان المسلمون جماعة كبيرة بأهدافها ورسالتها، كبيرة بعالميتها وامتداداتها، كبيرة بحجمها وإنجازاتها، كبيرة بتاريخها وأعلامها، كبيرة بشعبيتها الواسعة، كبيرة بما قدمته من تضحيات وابتلاءات وشهداء خلال محن متباينة من أجل مصر، فى عهد الملكية، وعهد الثورة، تحتسب ذلك كله عند الله، ولا تمُنّ بذلك على أحد.
وجماعة الإخوان ككل مجموعة بشرية تتفاعل مع التاريخ وأحداثه المحلية والإقليمية والعالمية، وتتفاعل بما يجرى فى الداخل والخارج بأقدار متفاوتة.
وفى فترة من الفترات كان (أهل التربية) هم الذين يمثلون التطور والانفتاح (لجنة الشباب المسلم) وذلك قبل الثورة، فى مقابل (جماعة النظام الخاص).
وبعد ذلك نشأت داخل الجماعة مدارس وأجنحة لها مفاهيم وأفكار يميل بعضها إلى الانفتاح، وبعضها إلى التشدد، كما هى سنة الله فى الناس، وأعتقد أن دخولهم فى معركة الحياة، وتعاملهم مع الناس والتيارات المختلفة، قرّب بعضهم من بعض، وغدوا يواجهون المشاكل صفاً واحداً ويتركون ــ إلى حد كبيرــ تيار التشدد والعنف إلى تيار اللين والرفق.
وأرى أن على الجماعة فى المرحلة الحالية ــ بعد نجاح الثورة المصريةــ أن تستجيب للتيارات الحرة فى الجماعة، وأن ينبثق من الجماعة حزبٌ سياسى، منطلق من الإسلام المتفتح المتسامح، وأن يستقلّ عن الجماعة تماما فى سياسته وأفُـقه وأفكاره، بحيث يمكن أن يتّخذ موقفا مخالفا لموقف الجماعة ولا يُنكر عليه أحد، وأعتقد أن هذا ما تفكر فيه الجماعة اليوم.
■ الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح أحد الأسماء المحترمة على الساحة المصرية، انفصل عن الجماعة وسيؤسس حزبا، ما تقييمك لهذه الخطوة؟ وهل ستتبعها خطوات أخرى فى الاتجاه نفسه؟
- أنا معك فى تقييم الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، فمنذ عرَفتُه فى أوائل أو أواسط السبعينيات من القرن الماضى، وهو يقود اتحاد طلاب جامعة القاهرة، ويعترض بعد ذلك على الرئيس السادات بصراحة وشجاعة، ويعمل فى أوساط الشباب بوعى وبصيرة، ورحمة ورفق، وينضم الشباب الجامعيون إليه، وإلى إخوانه بعد ذلك: عصام العريان، وحلمى الجزار، وإخوانهما من بعد، ولقيتُه على أصعد كثيرة، فى أفغانستان، وفى نقابة الأطباء، ونشاطات اتحاد الأطباء العرب، وغيرها.
والدكتور عبدالمنعم رجل ذو بصيرة نيِّرة، وتجربة ناضجة، ووجه بشوش، وخلق متين، وهو طبيب بارع، وداعية رفيق، وسياسى محبَّب، ولذا أصبح وجهاً مقبولاً لدى كل القوى السياسية فى مصر والبلاد العربية، ولذا كنتُ أتوقَّع- بل كنتُ لا أشكُّ- أن تقدِّمه جماعة الإخوان ليقوم بتكوين الحزب، الذى يعبِّر عن الجماعة وفلسفتها السياسية، ولكن الجماعة أعرف منى برجالها، وأنا لا أطعن فى الأخ المرشَّح لذلك، ولكن أتكلَّم فى (فقه الأولويات) بالنسبة لى.
وما كنتُ أودُّ للإخوان ألا يخسروا شخصية متميِّزة محبَّبة مثل د. أبوالفتوح، ولا أدرى هل يمكن تدارك الأمر أو لا؟ وإلا فيمكن الاستفادة به مستقلاًّ عن الإخوان، على أن الساحة تتَّسع لأكثر من واحد، على أنه لا يجوز أن يُعتَبر كلُّ منافس عدوًّا.
■ بعض التيارات الدينية كانت تعتبر الثورة فتنة كبرى ولا يجوز المشاركة فيها، ثم بعد نجاحها رأيناهم أول من قطف الثمار، فما الحكم الشرعى فى مثل هؤلاء؟ وما هو تقييمك الشخصى لهم؟
- كلامك صحيح مائة فى المائة (١٠٠%)! فقد رأينا هذه الشخصيات الكبيرة، وقفت فى أول الأمر موقف المعارض والمناوئ ضدَّ الثورة، وأصدرت الفتاوى الشرعية التى تحرِّم المسيرات، أو تنزل إلى الشارع، واعتبروهم دعاة إلى الفتنة، وإلى نشر الفوضى، والعمل ضدَّ الشرعية، وإن عملهم هذا معصية لله، ومحادة لرسوله، ويتلون على الناس قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩]. وأحاديث «أطِعِ الأميرَ وإنْ ضرب ظهرك وأخذ مالك». وهو من أحاديث المتابعات فى صحيح مسلم، وهو منقطع.
ولقد رددت على هذه الفتاوى المضللة والمخذّلة فى حينها، وأسكتنا باطل هؤلاء بالحق الذى فى أيدينا من بيّنات الهدى والفرقان، ومحكمات الكتاب والميزان، وانشرحت لها صدور الشباب الثائرين بالحق وللحق، ورفضوا ما قاله هؤلاء الذين اعتبروهم يمثلون علماء السلطة، وعملاء الشرطة.
ولكن الذى يغيظنى ويغيظ كل حليم أن ينسى هؤلاء موقفهم المخزى، ولا يختفون عن أعين الناس حتى ينسوا موقفهم، بل تراهم يظهرون ويتحدثون ويتبجحون وينفشون ريشهم، وكأنهم من صناع الثورة، وفى الحديث الشريف أن النبى صلى الله عليه وسلم ــ قال: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى «إذا لم تستحِ فافعل ما شئت»)!.
■ يردد البعض أن الثورة المصرية لم تكتمل، بل إنها بدأت فى طور الإجهاض، من خلال مخطط منظم يسعى إلى تقويضها، وبدأ هذا المخطط بجرجرة الناس إلى صناديق الانتخابات قبل جنى الثمار؟
- إننى أرفض أى تشكيك أو اتهام للثورة المصرية العظيمة، وأرى أنها قد اكتملت بقدر ما تكتمل أعمال البشر، التى لا يزال يغلب عليها نقص البشر، فليسوا ملائكة ولا آلهة، والادّعاء بأن الثورة أجهضت بدخولها الانتخابات، ومعركة التعديلات، ونحو ذلك، أرى فيه مبالغة وتهويلا، فكل ما أقدمت عليه الثورة منطقى وطبيعى وتتطلبه المرحلة، وقد دخل الشعب فى تجربة جديدة، ونجح أيما نجاح، ورأينا إقبال الجماهير لأول مرة منذ ستين سنة، أحسّ الناس فيها بأنفسهم، وشعروا بقيمتهم، وبأن صوت الإنسان له قيمة، ويشارك فى صنع مصير بلده، فلا مبرر لهذه النزعة التشاؤمية، فهى نزعة أراها هدّامة.
■ انتقد البعض ما قلته فى إحدى خطبك حول ما يحدث فى البحرين بأنه (ثورة طائفية) وأن باقى الثورات العربية الأربع كلها (ثورة شعب ضد حاكمه الظالم)، أليس هذا تحيزا منك لصالح الأنظمة الخليجية، وعلى رأسها قطر؟
- أنا تبنيت كل الثورات التى قامت فى الوطن العربى وما يستجد بعدها، واعتبرت نفسى مسؤولا عنها، أمام الله وأمام ضميرى، وأمام الأمة، وأمام التاريخ، ولكنى لم أتبنَّ الثورات ذات النفس الطائفىّ، والاتجاه الطائفىّ، التى تُقسّم الأمّة مِنْ أول الأمر إلى طائفتين أو أكثر، وهذا ما لاحظته فى ثورة البحرين، فهى ثورة يقوم بها كل الشيعة فى البحرين، ضد كل السنة، فأهل السنة (متدينوهم وعلمانيوهم، ومحافظوهم، وراديكاليوهم، قوميوهم وإسلاميوهم) ضد هذه الثورة، إنما كنت أود أن يكون هناك تيار مشترك يقف ضد المظالم التى يشكو منها الفريقان، ولكنى لم أجد ذلك.
كما أن الشعارات والصور التى يرفعها المتظاهرون تشير إلى الولاء لبلد معين، ولرموز معينة لا تخطئها العين، على أنى لا أقر استخدام العنف لضرب أى تظاهرة سلمية، كما أرى أن الحوار فريضة وضرورة للمختلفين حتى يتبين لهم الحق، وقد رحبت بدعوة ولى عهد البحرين للحوار.
■ دعوت إلى دولة مدنية بمرجعية إسلامية، فكيف ترى هذا النموذج لمصر؟ وما هو مفهومك لمدنية الدولة؟
- نعم إنى تبنيت مفهوم الدولة الإسلامية الصحيحة، وهى أنها دولة مدنية، ذات مرجعية إسلامية، فإذا كانت هناك دول مدنية، ذات مرجعية رأسمالية أو ليبرالية، وأخرى ذات مرجعية اشتراكية أوماركسية، فإن الدولة الإسلامية هى دولة مدنية، مرجعيتها الشريعة الإسلامية.
وقد ضرب القرآن لنا مثلا بدولة أثنى عليها القرآنُ، هى دولة ملكة سبأ فى اليمن، وكيف تتصرف فى المواقف القومية الكبيرة، حين جاءها الهدهد بكتاب سليمان فى اليمن، {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّى أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ} [النمل:٢٩-٣١] {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِى فِى أَمْرِى مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ* قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ}[النمل ٣٣- ٣٣]، وانتهت بحسن سياستها وحكمتها إلى خيرى الدنيا والآخرة لنفسها وبلدها.
مفهومى للدولة الإسلامية: أنها دولة الأقوياء الأمناء، {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}[القصص:٢٦]. أو الحفاظ (الأمناء) العلماء: {قَالَ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف:٥٥]. ليست هى دولة المشايخ أو الملالى.
الدولة المدنية هى التى تراعى سنن الله فى الكون والمجتمعات، مثل سنن التغيير، وسنن النصر، وتحترم شبكة الأسباب والمسببات، وتلتمس فريضة (الإحسان فى كل شىء)، وتحض على اختيار (الأحسن) لا مجرد الحسن، فى كل شىء، هى دولة مدنية شورية، أو ديمقراطية تعددية.
وهى فى مجال العقائد، تقوم على المحافظة على الإيمان، ومحاربة الشك والتشكيك فى الدين، ناهيك بالإلحاد والجمود.
وهى فى مجال القيم العليا، تقوم على رعاية الحق والخير والجمال، وتتجلى فى الإيمان، وعمل الصالحات والتواصى بالحق والتواصى بالصبر.
وفى الأهداف الكبرى، تقوم على إقامة عبادة الله تعالى، وعمارة الأرض، واستخلاف الإنسان.
وفى مجال الاجتماع، على بناء المجتمع على التعارف لا التناكر، والتسامح لا التعصب، والمحبة لا التباغض، والأخوة لا العصبية، والمساواة لا التفرقة، والسلام لا الحرب، والتكافل لا الأثرة، والرحمة لا القسوة، والرفق لا العنف.
وفى مجال الاقتصاد، تقوم على تنمية الإنتاج، وترشيد الاستهلاك، واستقامة التداول، وعدالة التوزيع.
وفى مجال السياسة تقوم على الحرية لا الاستعباد، وعلى الشورى لا الاستبداد، وعلى الجماعة لا الفرد، وعلى التداول لا الاستمرار، وعلى المساءلة عن كل إهمال أو فساد.
وفى مجال المصالح الكلية، تقوم على ما سماه الأصوليون (الضروريات والحاجيات والتحسينيات، والضروريات خمس: الدين والنفس والنسل والعقل والمال)
■ تيار الوسطية يتراجع فى مصر أمام المد الدينى الفاشى، فكيف ترى دور الأزهر فى هذا الشأن؟ وكيف يتم تدعيم الوسطية التى يمثلها؟
- المؤسسة الدينية الرسمية فى البلاد العربية بصفة عامة، فقدتْ كثيرا من ثقة الجماهير المسلمة بها، ومن تأثيرها الفكرى والدعوى والروحى والأخلاقى، بسيرِها فى ركاب الطغيان الحاكم، وانضمامِ قياداتها إلى الحزب الحاكم المكروه من الشعب، والساقط من أعينه، وعملِ كثير من المشايخ الكبار فى لجان الحزب وسياساته. وانصياعِهم لما يطلبه منهم جهازُ (أمن الدولة) الذى طالما تجبّر على الشعب وأذلّه.
لقد حفظ الأزهريون مواقفَ لشيوخ أزهرهم مثل موقف الشيخ عبدالمجيد سليم. الذى صرح تصريحا أغضب الملك، فقيل له: يا فضيلة الشيخ إن هذا التصريح خطر عليك! قال له: أيحول هذا الخطر بينى وبين المسجد؟ فقيل له: لا. قال: إذن لا خطر.
وقال شيخ الأزهر محمد الخضر حسين: إن لم يزد الأزهر فى عهدى فلا ينتقص منه.
وبعض الشيوخ أضاعوا مكانتهم عند الله، وعند الناس حينما حنَوْا رؤوسَهم للحكّام، وبالغوا فى الثناء عليهم. وليت هؤلاء إذ جبُنوا أن يقولوا كلمة الحق، لم يقولوا كلمة الباطل!
ففى الحديث: «إذا رأيتَ أمتى تهاب الظالمَ أن تقول له: أنت ظالمٌ، فقد تُوُدِّع منهم». أى: لا خير فيهم، فكيف إذا كان علماء الأمة، يقولون للظالم: أيها البطل، أيها المنقذ، أيها المصلح؟!.
والمفروض فى مصر أن يقوم الأزهرُ بالدور الوسطى، وهو ما يحرص عليه صديقنا فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وفقه الله، ويجب أن يُهَيِّئ له من الأسباب، ويحشد له من الشخصيات ما يطرد به الغلاة ويُنجِح الدعوة الوسط.
■ يتحدث البعض عن لجوء بعض التيارات الدينية إلى العنف فى ظل الاستقطاب الحادث حاليا فى مصر، كيف ترى ذلك الطرح؟
- لا أدرى ولا أفهم: أى مبرر أو أى معنى للجوء إلى العنف فى (مصر الثورة). والناس اليوم يقبلون على الدين الصحيح، بفطرتهم، ومن تلقاء أنفسهم، ولئن جاز أن يذهب إلى العنف ذاهب، بدعوى مقاومة الطواغيت والفراعين:{الَّذِينَ طَغَوْا فِى الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ}[الفجر:١١، ١٢]، فلم يعُد يجوز فى عهد الثورة التى حررت شعبًا من الظلم الفاجر أو الفجور الظالم، وأصبح فى إمكان صاحب كلمة الحق، أن يوصلها إلى أهلها باللسان وبالقلم، فى المسجد وفى وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمشاهدة، وبما أمرنا الله به من الحكمة والموعظة الحسنة، ومن الجدال بالتى هى أحسن، أن يلجأ إلى العنف، وفى الحديث «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطى عليه ما لا يعطى على العنف».
يجب أن يحرص كل العلماء والدعاة والمعلمين أن يتعاملوا مع الأمة بالرفق لا العنف، وبالتى هى أحسن، لا بالتى هى أخشن، واعين لقول الله تعالى:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩].
■ هل تقبل بأن يكون رئيس مصر القادم مسيحياً أو علمانياً؟
- أحسب أن هذا السؤال غير واقعى، لأننا نفترض أن عهد تزوير الانتخابات قد ولى إلى غير رجعة. أما إذا كانت الانتخابات حرة نزيهة وشفافة، فإن المنطقى والطبيعى أن يكون رئيس مصر مسلماً متديناً، لا علمانيا ولا مسيحيا، لأن أغلبية الشعب متدينة، ولا تختار العلمانى، لأن العلمانية ــ كما قال أستاذنا الدكتور محمد البهى: إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض، والمسيحى فى عهد الثورة سيتفاهم مع أخيه المسلم ليختار رئيساً مسلماً، لأن الرئيس فى الإسلام هو الإمام فى الصلاة، والمعلم فى المسجد والراعى للأمة كلها ــ مسلميها ومسيحييها ــ بكتاب الله وسنة رسوله، فهو أليق بالرئاسة، وهو أحرص على دين المسيحى ودنياه من العلمانى.
■ الشيخ القرضاوى هل يعود للإقامة بمصر خلال الفترة المقبلة؟
- المصريون يقولون فى هذه الأمور: كل شيء بأوان، أو كما قال القرآن (بأجل مسمى). على أنى أعتبر البلاد العربية والإسلامية كلها وطنًا واحدًا، وكنا قديما نحفظ ونردد شعر شاعر الإخوان عبدالحكيم عابدين:
ولستُ أدرى سوى الإسلام لى وطناً الشـامُ فـيه ووادى النيـل سـيّانِ
وحــيثـمـا ذُكـر اسـمُ الـله فـى بـلـــدٍ عـدَدْتُ أرجاءَه من لـُبِّ أوطـانِي
والفقهاء يسمون (ديار الإسلام)، جميعا على اتساعها وتباعدها: (دار الإسلام) وعلى هذا أنا أعتبر (دولة قطر) وطنى وبلدى، كما أن مصر وطنى وبلدى. وأنا لا أعتبر نفسى فى قطر غريبا، وخصوصا أن العالم قد تقارب وتصاغر، حتى أمسى كقرية صغيرة.
وأنا أعيش اليوم فى قطر، ولكنى أحمل هموم أمتنا الكبرى، وكل ثورة تنطلق شرارتها فى بلد، أعتبر أنها ثورتى، وأنى أبوها وابنها، ويكاد النوم يطير من رأسى حتى تنتصر، ويعلو حقها على باطل الطواغيت، ولهذا أنا أعيش اليوم فى همِّ (ليبيا) وثورتها، واليمن وثورته، وسوريا وثورتها، وأدعو الله لها جميعا بالتسديد والنصر.
[b]
■ جماعة الإخوان المسلمين تمر بحالة استقطاب مثل المجتمع المصرى، فهناك تيار بازغ يمثل أفكارا بعيدة عن تفكير أهل التربية فى الجماعة، والتى يمثلها قدامى مكتب الإرشاد، كيف ترى مستقبل الجماعة؟
- الإخوان المسلمون جماعة كبيرة بأهدافها ورسالتها، كبيرة بعالميتها وامتداداتها، كبيرة بحجمها وإنجازاتها، كبيرة بتاريخها وأعلامها، كبيرة بشعبيتها الواسعة، كبيرة بما قدمته من تضحيات وابتلاءات وشهداء خلال محن متباينة من أجل مصر، فى عهد الملكية، وعهد الثورة، تحتسب ذلك كله عند الله، ولا تمُنّ بذلك على أحد.
وجماعة الإخوان ككل مجموعة بشرية تتفاعل مع التاريخ وأحداثه المحلية والإقليمية والعالمية، وتتفاعل بما يجرى فى الداخل والخارج بأقدار متفاوتة.
وفى فترة من الفترات كان (أهل التربية) هم الذين يمثلون التطور والانفتاح (لجنة الشباب المسلم) وذلك قبل الثورة، فى مقابل (جماعة النظام الخاص).
وبعد ذلك نشأت داخل الجماعة مدارس وأجنحة لها مفاهيم وأفكار يميل بعضها إلى الانفتاح، وبعضها إلى التشدد، كما هى سنة الله فى الناس، وأعتقد أن دخولهم فى معركة الحياة، وتعاملهم مع الناس والتيارات المختلفة، قرّب بعضهم من بعض، وغدوا يواجهون المشاكل صفاً واحداً ويتركون ــ إلى حد كبيرــ تيار التشدد والعنف إلى تيار اللين والرفق.
وأرى أن على الجماعة فى المرحلة الحالية ــ بعد نجاح الثورة المصريةــ أن تستجيب للتيارات الحرة فى الجماعة، وأن ينبثق من الجماعة حزبٌ سياسى، منطلق من الإسلام المتفتح المتسامح، وأن يستقلّ عن الجماعة تماما فى سياسته وأفُـقه وأفكاره، بحيث يمكن أن يتّخذ موقفا مخالفا لموقف الجماعة ولا يُنكر عليه أحد، وأعتقد أن هذا ما تفكر فيه الجماعة اليوم.
■ الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح أحد الأسماء المحترمة على الساحة المصرية، انفصل عن الجماعة وسيؤسس حزبا، ما تقييمك لهذه الخطوة؟ وهل ستتبعها خطوات أخرى فى الاتجاه نفسه؟
- أنا معك فى تقييم الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، فمنذ عرَفتُه فى أوائل أو أواسط السبعينيات من القرن الماضى، وهو يقود اتحاد طلاب جامعة القاهرة، ويعترض بعد ذلك على الرئيس السادات بصراحة وشجاعة، ويعمل فى أوساط الشباب بوعى وبصيرة، ورحمة ورفق، وينضم الشباب الجامعيون إليه، وإلى إخوانه بعد ذلك: عصام العريان، وحلمى الجزار، وإخوانهما من بعد، ولقيتُه على أصعد كثيرة، فى أفغانستان، وفى نقابة الأطباء، ونشاطات اتحاد الأطباء العرب، وغيرها.
والدكتور عبدالمنعم رجل ذو بصيرة نيِّرة، وتجربة ناضجة، ووجه بشوش، وخلق متين، وهو طبيب بارع، وداعية رفيق، وسياسى محبَّب، ولذا أصبح وجهاً مقبولاً لدى كل القوى السياسية فى مصر والبلاد العربية، ولذا كنتُ أتوقَّع- بل كنتُ لا أشكُّ- أن تقدِّمه جماعة الإخوان ليقوم بتكوين الحزب، الذى يعبِّر عن الجماعة وفلسفتها السياسية، ولكن الجماعة أعرف منى برجالها، وأنا لا أطعن فى الأخ المرشَّح لذلك، ولكن أتكلَّم فى (فقه الأولويات) بالنسبة لى.
وما كنتُ أودُّ للإخوان ألا يخسروا شخصية متميِّزة محبَّبة مثل د. أبوالفتوح، ولا أدرى هل يمكن تدارك الأمر أو لا؟ وإلا فيمكن الاستفادة به مستقلاًّ عن الإخوان، على أن الساحة تتَّسع لأكثر من واحد، على أنه لا يجوز أن يُعتَبر كلُّ منافس عدوًّا.
■ بعض التيارات الدينية كانت تعتبر الثورة فتنة كبرى ولا يجوز المشاركة فيها، ثم بعد نجاحها رأيناهم أول من قطف الثمار، فما الحكم الشرعى فى مثل هؤلاء؟ وما هو تقييمك الشخصى لهم؟
- كلامك صحيح مائة فى المائة (١٠٠%)! فقد رأينا هذه الشخصيات الكبيرة، وقفت فى أول الأمر موقف المعارض والمناوئ ضدَّ الثورة، وأصدرت الفتاوى الشرعية التى تحرِّم المسيرات، أو تنزل إلى الشارع، واعتبروهم دعاة إلى الفتنة، وإلى نشر الفوضى، والعمل ضدَّ الشرعية، وإن عملهم هذا معصية لله، ومحادة لرسوله، ويتلون على الناس قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:٥٩]. وأحاديث «أطِعِ الأميرَ وإنْ ضرب ظهرك وأخذ مالك». وهو من أحاديث المتابعات فى صحيح مسلم، وهو منقطع.
ولقد رددت على هذه الفتاوى المضللة والمخذّلة فى حينها، وأسكتنا باطل هؤلاء بالحق الذى فى أيدينا من بيّنات الهدى والفرقان، ومحكمات الكتاب والميزان، وانشرحت لها صدور الشباب الثائرين بالحق وللحق، ورفضوا ما قاله هؤلاء الذين اعتبروهم يمثلون علماء السلطة، وعملاء الشرطة.
ولكن الذى يغيظنى ويغيظ كل حليم أن ينسى هؤلاء موقفهم المخزى، ولا يختفون عن أعين الناس حتى ينسوا موقفهم، بل تراهم يظهرون ويتحدثون ويتبجحون وينفشون ريشهم، وكأنهم من صناع الثورة، وفى الحديث الشريف أن النبى صلى الله عليه وسلم ــ قال: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى «إذا لم تستحِ فافعل ما شئت»)!.
■ يردد البعض أن الثورة المصرية لم تكتمل، بل إنها بدأت فى طور الإجهاض، من خلال مخطط منظم يسعى إلى تقويضها، وبدأ هذا المخطط بجرجرة الناس إلى صناديق الانتخابات قبل جنى الثمار؟
- إننى أرفض أى تشكيك أو اتهام للثورة المصرية العظيمة، وأرى أنها قد اكتملت بقدر ما تكتمل أعمال البشر، التى لا يزال يغلب عليها نقص البشر، فليسوا ملائكة ولا آلهة، والادّعاء بأن الثورة أجهضت بدخولها الانتخابات، ومعركة التعديلات، ونحو ذلك، أرى فيه مبالغة وتهويلا، فكل ما أقدمت عليه الثورة منطقى وطبيعى وتتطلبه المرحلة، وقد دخل الشعب فى تجربة جديدة، ونجح أيما نجاح، ورأينا إقبال الجماهير لأول مرة منذ ستين سنة، أحسّ الناس فيها بأنفسهم، وشعروا بقيمتهم، وبأن صوت الإنسان له قيمة، ويشارك فى صنع مصير بلده، فلا مبرر لهذه النزعة التشاؤمية، فهى نزعة أراها هدّامة.
■ انتقد البعض ما قلته فى إحدى خطبك حول ما يحدث فى البحرين بأنه (ثورة طائفية) وأن باقى الثورات العربية الأربع كلها (ثورة شعب ضد حاكمه الظالم)، أليس هذا تحيزا منك لصالح الأنظمة الخليجية، وعلى رأسها قطر؟
- أنا تبنيت كل الثورات التى قامت فى الوطن العربى وما يستجد بعدها، واعتبرت نفسى مسؤولا عنها، أمام الله وأمام ضميرى، وأمام الأمة، وأمام التاريخ، ولكنى لم أتبنَّ الثورات ذات النفس الطائفىّ، والاتجاه الطائفىّ، التى تُقسّم الأمّة مِنْ أول الأمر إلى طائفتين أو أكثر، وهذا ما لاحظته فى ثورة البحرين، فهى ثورة يقوم بها كل الشيعة فى البحرين، ضد كل السنة، فأهل السنة (متدينوهم وعلمانيوهم، ومحافظوهم، وراديكاليوهم، قوميوهم وإسلاميوهم) ضد هذه الثورة، إنما كنت أود أن يكون هناك تيار مشترك يقف ضد المظالم التى يشكو منها الفريقان، ولكنى لم أجد ذلك.
كما أن الشعارات والصور التى يرفعها المتظاهرون تشير إلى الولاء لبلد معين، ولرموز معينة لا تخطئها العين، على أنى لا أقر استخدام العنف لضرب أى تظاهرة سلمية، كما أرى أن الحوار فريضة وضرورة للمختلفين حتى يتبين لهم الحق، وقد رحبت بدعوة ولى عهد البحرين للحوار.
■ دعوت إلى دولة مدنية بمرجعية إسلامية، فكيف ترى هذا النموذج لمصر؟ وما هو مفهومك لمدنية الدولة؟
- نعم إنى تبنيت مفهوم الدولة الإسلامية الصحيحة، وهى أنها دولة مدنية، ذات مرجعية إسلامية، فإذا كانت هناك دول مدنية، ذات مرجعية رأسمالية أو ليبرالية، وأخرى ذات مرجعية اشتراكية أوماركسية، فإن الدولة الإسلامية هى دولة مدنية، مرجعيتها الشريعة الإسلامية.
وقد ضرب القرآن لنا مثلا بدولة أثنى عليها القرآنُ، هى دولة ملكة سبأ فى اليمن، وكيف تتصرف فى المواقف القومية الكبيرة، حين جاءها الهدهد بكتاب سليمان فى اليمن، {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّى أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ} [النمل:٢٩-٣١] {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِى فِى أَمْرِى مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ* قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ}[النمل ٣٣- ٣٣]، وانتهت بحسن سياستها وحكمتها إلى خيرى الدنيا والآخرة لنفسها وبلدها.
مفهومى للدولة الإسلامية: أنها دولة الأقوياء الأمناء، {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}[القصص:٢٦]. أو الحفاظ (الأمناء) العلماء: {قَالَ اجْعَلْنِى عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ}[يوسف:٥٥]. ليست هى دولة المشايخ أو الملالى.
الدولة المدنية هى التى تراعى سنن الله فى الكون والمجتمعات، مثل سنن التغيير، وسنن النصر، وتحترم شبكة الأسباب والمسببات، وتلتمس فريضة (الإحسان فى كل شىء)، وتحض على اختيار (الأحسن) لا مجرد الحسن، فى كل شىء، هى دولة مدنية شورية، أو ديمقراطية تعددية.
وهى فى مجال العقائد، تقوم على المحافظة على الإيمان، ومحاربة الشك والتشكيك فى الدين، ناهيك بالإلحاد والجمود.
وهى فى مجال القيم العليا، تقوم على رعاية الحق والخير والجمال، وتتجلى فى الإيمان، وعمل الصالحات والتواصى بالحق والتواصى بالصبر.
وفى الأهداف الكبرى، تقوم على إقامة عبادة الله تعالى، وعمارة الأرض، واستخلاف الإنسان.
وفى مجال الاجتماع، على بناء المجتمع على التعارف لا التناكر، والتسامح لا التعصب، والمحبة لا التباغض، والأخوة لا العصبية، والمساواة لا التفرقة، والسلام لا الحرب، والتكافل لا الأثرة، والرحمة لا القسوة، والرفق لا العنف.
وفى مجال الاقتصاد، تقوم على تنمية الإنتاج، وترشيد الاستهلاك، واستقامة التداول، وعدالة التوزيع.
وفى مجال السياسة تقوم على الحرية لا الاستعباد، وعلى الشورى لا الاستبداد، وعلى الجماعة لا الفرد، وعلى التداول لا الاستمرار، وعلى المساءلة عن كل إهمال أو فساد.
وفى مجال المصالح الكلية، تقوم على ما سماه الأصوليون (الضروريات والحاجيات والتحسينيات، والضروريات خمس: الدين والنفس والنسل والعقل والمال)
■ تيار الوسطية يتراجع فى مصر أمام المد الدينى الفاشى، فكيف ترى دور الأزهر فى هذا الشأن؟ وكيف يتم تدعيم الوسطية التى يمثلها؟
- المؤسسة الدينية الرسمية فى البلاد العربية بصفة عامة، فقدتْ كثيرا من ثقة الجماهير المسلمة بها، ومن تأثيرها الفكرى والدعوى والروحى والأخلاقى، بسيرِها فى ركاب الطغيان الحاكم، وانضمامِ قياداتها إلى الحزب الحاكم المكروه من الشعب، والساقط من أعينه، وعملِ كثير من المشايخ الكبار فى لجان الحزب وسياساته. وانصياعِهم لما يطلبه منهم جهازُ (أمن الدولة) الذى طالما تجبّر على الشعب وأذلّه.
لقد حفظ الأزهريون مواقفَ لشيوخ أزهرهم مثل موقف الشيخ عبدالمجيد سليم. الذى صرح تصريحا أغضب الملك، فقيل له: يا فضيلة الشيخ إن هذا التصريح خطر عليك! قال له: أيحول هذا الخطر بينى وبين المسجد؟ فقيل له: لا. قال: إذن لا خطر.
وقال شيخ الأزهر محمد الخضر حسين: إن لم يزد الأزهر فى عهدى فلا ينتقص منه.
وبعض الشيوخ أضاعوا مكانتهم عند الله، وعند الناس حينما حنَوْا رؤوسَهم للحكّام، وبالغوا فى الثناء عليهم. وليت هؤلاء إذ جبُنوا أن يقولوا كلمة الحق، لم يقولوا كلمة الباطل!
ففى الحديث: «إذا رأيتَ أمتى تهاب الظالمَ أن تقول له: أنت ظالمٌ، فقد تُوُدِّع منهم». أى: لا خير فيهم، فكيف إذا كان علماء الأمة، يقولون للظالم: أيها البطل، أيها المنقذ، أيها المصلح؟!.
والمفروض فى مصر أن يقوم الأزهرُ بالدور الوسطى، وهو ما يحرص عليه صديقنا فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وفقه الله، ويجب أن يُهَيِّئ له من الأسباب، ويحشد له من الشخصيات ما يطرد به الغلاة ويُنجِح الدعوة الوسط.
■ يتحدث البعض عن لجوء بعض التيارات الدينية إلى العنف فى ظل الاستقطاب الحادث حاليا فى مصر، كيف ترى ذلك الطرح؟
- لا أدرى ولا أفهم: أى مبرر أو أى معنى للجوء إلى العنف فى (مصر الثورة). والناس اليوم يقبلون على الدين الصحيح، بفطرتهم، ومن تلقاء أنفسهم، ولئن جاز أن يذهب إلى العنف ذاهب، بدعوى مقاومة الطواغيت والفراعين:{الَّذِينَ طَغَوْا فِى الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ}[الفجر:١١، ١٢]، فلم يعُد يجوز فى عهد الثورة التى حررت شعبًا من الظلم الفاجر أو الفجور الظالم، وأصبح فى إمكان صاحب كلمة الحق، أن يوصلها إلى أهلها باللسان وبالقلم، فى المسجد وفى وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمشاهدة، وبما أمرنا الله به من الحكمة والموعظة الحسنة، ومن الجدال بالتى هى أحسن، أن يلجأ إلى العنف، وفى الحديث «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطى عليه ما لا يعطى على العنف».
يجب أن يحرص كل العلماء والدعاة والمعلمين أن يتعاملوا مع الأمة بالرفق لا العنف، وبالتى هى أحسن، لا بالتى هى أخشن، واعين لقول الله تعالى:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩].
■ هل تقبل بأن يكون رئيس مصر القادم مسيحياً أو علمانياً؟
- أحسب أن هذا السؤال غير واقعى، لأننا نفترض أن عهد تزوير الانتخابات قد ولى إلى غير رجعة. أما إذا كانت الانتخابات حرة نزيهة وشفافة، فإن المنطقى والطبيعى أن يكون رئيس مصر مسلماً متديناً، لا علمانيا ولا مسيحيا، لأن أغلبية الشعب متدينة، ولا تختار العلمانى، لأن العلمانية ــ كما قال أستاذنا الدكتور محمد البهى: إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض، والمسيحى فى عهد الثورة سيتفاهم مع أخيه المسلم ليختار رئيساً مسلماً، لأن الرئيس فى الإسلام هو الإمام فى الصلاة، والمعلم فى المسجد والراعى للأمة كلها ــ مسلميها ومسيحييها ــ بكتاب الله وسنة رسوله، فهو أليق بالرئاسة، وهو أحرص على دين المسيحى ودنياه من العلمانى.
■ الشيخ القرضاوى هل يعود للإقامة بمصر خلال الفترة المقبلة؟
- المصريون يقولون فى هذه الأمور: كل شيء بأوان، أو كما قال القرآن (بأجل مسمى). على أنى أعتبر البلاد العربية والإسلامية كلها وطنًا واحدًا، وكنا قديما نحفظ ونردد شعر شاعر الإخوان عبدالحكيم عابدين:
ولستُ أدرى سوى الإسلام لى وطناً الشـامُ فـيه ووادى النيـل سـيّانِ
وحــيثـمـا ذُكـر اسـمُ الـله فـى بـلـــدٍ عـدَدْتُ أرجاءَه من لـُبِّ أوطـانِي
والفقهاء يسمون (ديار الإسلام)، جميعا على اتساعها وتباعدها: (دار الإسلام) وعلى هذا أنا أعتبر (دولة قطر) وطنى وبلدى، كما أن مصر وطنى وبلدى. وأنا لا أعتبر نفسى فى قطر غريبا، وخصوصا أن العالم قد تقارب وتصاغر، حتى أمسى كقرية صغيرة.
وأنا أعيش اليوم فى قطر، ولكنى أحمل هموم أمتنا الكبرى، وكل ثورة تنطلق شرارتها فى بلد، أعتبر أنها ثورتى، وأنى أبوها وابنها، ويكاد النوم يطير من رأسى حتى تنتصر، ويعلو حقها على باطل الطواغيت، ولهذا أنا أعيش اليوم فى همِّ (ليبيا) وثورتها، واليمن وثورته، وسوريا وثورتها، وأدعو الله لها جميعا بالتسديد والنصر.
[b]