نقاط التوتر
في مشروعية الانتفاضة المصرية
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
بسم الله الرحمن الرحيم
(مدخل)
لا يختلف عاقلان على: أن زوال الحاكم الطاغية الباغي، مطلب شرعي ودنيوي.
وكونه مطلبا شرعيا، فلا يعني بالضرورة وجوب تحقيقه بأية طريقة كانت، مهما كانت النتائج، حتى لو فني الشعب، أو نصفه، أو ربعه، أو عشره، ونحوه من الآثار المدمرة، إلا على مبدأ: "الغاية تبرر الوسيلة". لكنه مبدأ ميكافيلي، شيطاني، صهيوني.
إذن نحن أزاء مسلمتين:
- اتفاق على الهدف.
- واتفاق على بطلان مبدأ: "الغاية تبرر الوسيلة".
أي متفقون على: وجوب اختيار الطريقة الأحسن؛ الأقل كلفة، والأكثر تحوطا وصونا للدماء خصوصا والأموال، عند القصد إلى العمل على تنحية حكم طاغية.
في انتفاضة مصر وتونس، الهدف متفق عليه بين الجميع، إلا من لم يكن له عقل أو دين، لكن هل الوسيلة (= المظاهرات) صحيحة، مستوفية شروط صحة الوسائل؛ من كونها وسيلة كونية قدرية صحيحة، ووسيلة شرعية مأذون بها في الشرع ؟.
هذه نقطة توتر في القضية، حملت طائفة لإبداء رأي معارض غير موافق للانتفاضة، لا أنها تعتقد استحسان بقاء الطغاة الظلمة في مواقعهم.
إذا فهم هذا الموقف في هذا السياق من التحليل والتعليل، لم يبق سبب للاستخفاف والطعن، كوصف بعضهم - في خطبة متلفزة – المعترضين: أنهم لا يعرفون الواقع، أو عملاء للسلطان.
فهذا الشيخ الذي عرف بمد يده إلى كل أصناف المخالفين في الملة، من يهود ونصارى وبوذية وهندوس وغيرهم؛ للتفاهم والتقارب: هو الآن يعجز عن فهم مراد إخوانه في الملة، وما قصدوه من رأي لم يتسع له صدره، فلم يأخذهم بحلمه ولينه، وكان حقه – وهو الذي ديدنه احترام الرأي الآخر – أن يطرح رأيهم، ثم يناقشه ويبين موضع ما فيه من خلل، فربما كان سببا في تجلية المسألة، وردهم عن غيهم وسوء تقديرهم، وزوال جهلهم بالواقع.
لكنه لم يفعل، وغيره ممن هو دونه في العلم لم يفعل ذلك، بل بعضهم ركب مطية الجهل بوصف المعارض بخيانة الأمة في دينها ؟!!..
وإنه لوصف تهتز له الجبال، مما فيه من الإدّ والظلم والبغي بغير الحق.. وأهون هؤلاء من راح يبسط عليهم أوصاف السذاجة والسطحية في فهم السياسة.
لدينا ما يكفي أمم الأرض من التهور والاندفاع، لو وزع عليهم بالتساوي؛ لحملهم على القفز في البحور، وهم لا يحسنون السباحة.
ما هكذا تورد المسائل، مشتملة معممة مطلقة، إنما العلم في التفصيل والتمييز بين المقامات، فمن يتفق معك على الهدف ويختلف على الوسيلة، ليس كمن يختلف معك على الهدف نفسه.
و إذا كان لديك يقين بصحة الوسيلة، فمرر يقينك إلى المخالف بدليله الدامغ، وأجب عن أدلته التي حملته على المنع من الانتفاضة والمظاهرات.
ذلك أجدى من التعالي والغرور والإعجاب بالرأي ؟؟!!!.
* * *
(أصناف المعترضين)
إن المعترضين على صنفين، تحت كل صنف فرقتان:
أحد الصنفين: لا يقر بمشروعية المظاهرات جملة وتفصيلا؛ بالاستناد إلى أن مفاسدها أكبر، ولأنه تشبه بالكافرين، وعليه: فهو ضد الانتفاضة.
هكذا هو رأيه، ولا حجر على الرأي، عند من يؤمن بالتعددية..
فالمتقبل للخلاف في الملة، من باب أولى: عليه أن يتقبل الخلاف داخل الملة؛ إذ كان يؤصل للتعدية ويقررها، بداعي أنه أمر كوني قدري.
ليعط هؤلاء حقهم الخلافي في الفروع، كما أعطى لسائر الملل الحق الخلافي في الأصول.
هذا هو العدل، وإلا فإنه التطفيف في الميزان، والحيف الذي نهى الله عنه.
نعم هناك فريق آخر قليل، إنما منع من المظاهرات لأجل هوى الحاكم، لا لشيء آخر، وهذا وإن لم نحدده عينا، لصعوبة تهمة الأعيان، فهو الذي قال تعالى فيه:
{إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم * أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار}.
الثاني: يقر بمشروعية المظاهرة والانتفاضة، بحسب رجحان المصالح على المفاسد.
لكنه يعتقد – بحسب دراسته وسبره الواقع -: أنها انتفاضة مبرمجة، معدّ لها سابقا، فنتائجها لن تحقق مصلحة الشعب، بل سيؤول الحال إلى ما هو أسوأ مما كان عليه..
هذا رأيه.
وفي هذا الصنف فريق آخر، يراها عفوية غير مبرمجة ولا معد لها، غير أن سبب اعتراضه:
ظنه واعتقاده أنها مستغلة لا محالة من قبل القوى الكبرى بدلائل دلت على هذا.
وعليه: فإن تضحية الشعب ستذهب لصالح آخرين، يقطفون الثمرة، وتكون النتائج – كذلك – أسوأ مما كانت عليه.
هذا التفصيل لمواقف المعترضين، يبين أنهم ليسوا على طريقة واحدة في تحليل الموقف والحكم عليه. نعم يجتمعون في النتيجة، لكن طريقتهم في تناول المسألة تختلف، من قاصر نظره على الدليل الشرعي، أصاب أو أخطأ، إلى متوسع في دراسة الأحوال السياسية للأحداث، فهم في هذا الاعتراض اتجاهات مختلفة.
فأين العلم والمعرفة والحكمة، عند من تناول هؤلاء جميعا بحكم واحد، لم يرقب فيهم إخوة الإسلام، والعذر للمخالف ؟!.
فقد تبين بالتفصيل الآنف، أن المعترضين أنواع:
- فرقة لا ترى مشروعية المظاهرات جملة وتفصيلا.
- وفرقة ترى المشروعية، لكنها تعتقد أنها انتفاضة مصنوعة بأيدٍ غربية.
- وأخرى تخشى استغلالها، فهي غير مأمونة النتائج، ولا ينبغي الإقدام إلا على ما غلب على اليقين حسنه وإصلاحه.
كل هؤلاء منطلقاتهم شرعية، ومنهم من يفهم ويدرك الواقع حق الإدراك، وهو مشتغل به ومتابع، فهل كل هؤلاء بسطاء وسذج، أو خونة وعملاء ؟!.
أم هو وصف منطبق على شرذمة قليلة، رهنت دينها لدنياها، فاشترتها بالآخرة ؟.
هل فهم الذين تناولوا المعترضين مستخفين، المدى البعيد الذي ركبوا ظهره، على متن ريح هائج مائج كموج البحر، لا يستقر لهم على قرار، حتى يقذف بهم في واد سحيق ؟.
* * *
(هدف التغيير.. أنموذج للمناقشة)
كيما تتبين الكيفية التي ينبغي أن تناقش وفقها آراء المعترضين، سأضرب مثلا، أرجو أن أوفق في تفصيله وإحكامه:
من الأسس التي يؤمن بها كل مؤمن موحد، في عملية التغيير لنظام حكم في دولة:
أن يكون القصد إعلاء كلمة الله تعالى.
لما استقر من قاعدة في الإسلام:
- أن الأعمال بالنيات، وأن النية الصالحة المتقبلة هي ما كانت لوجه الله تعالى.
- ولأن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل: حمية، أو للمغنم، أو رياء وشجاعة. فأي ذلك في سبيل الله، فقال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله).
فكانت هذه الكلمة قاعدة لكل تغيير في نظام الحكم؛ أن يكون القصد منه والهدف الشرعي: تطبيق شريعة الله تعالى، وإقامة التوحيد. ليس بقصد سد الجوع (=المغنم)، أو الانتصار للنفس أو الجنس (= حمية)، أو للمفاخرة (= رياء).
هنا أعمل المعتنون بضبط أمورهم بميزان الشريعة، هذه القاعدة على الانتفاضة المصرية والتونسية، فبان لهم:
أن الغرض ليس رفع كلمة الله، إنما الكفاية الاقتصادية، والحرية السياسية.
فنظروا في الهدف، فإذا هو غير مطابق للهدف الشرعي، بدليل: انخراط فئات من الشعب في هذه الانتفاضة ليست مسلمة كالمسيحيين، ولا دينية كالاشتراكيين، وفيها العلمانيون.
فالهدف مختلف إذن.. هنا يجب التسليم بهذه النتيجة لوضوحها، ولا يجوز الالتفاف عليها، بالادعاء أنها مطالب شرعية خالصة، فمطالب الانتفاضة تتضمن: المساواة للجميع في فرص التأهل للحكم؛ المسيحي، والاشتراكي، والعلماني.
وهذه ليست من الشريعة والإسلام في شيء. فلا بد من الوقوف عند هذه الحقيقة وعدم التلاعب بها؛ لأن أي قول غير هذا، يعد تحريفا مكشوفا، يزيد في شقة الخلاف.
لكن مع ذلك، بالإمكان مناقشة قضية الهدف من الانتفاضة من طريق آخر ؟.
إذ يمكن إلحاق هذه الصورة بقضية (حلف الفضول)؛ الذي كان في الجاهلية؛ لنصرة المظلوم ورد الحق إليه، وحضره النبي صلى الله عليه وسلم، وقال فيه:
- (لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا، ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت). [أحمد]
هذه الكلمة الأخيرة، دليل على مشروعية:
الاجتماع والتحالف على نصرة المظلوم، وطلب إعادة الحقوق لأهلها، التي سلبها الحاكم الظالم وحاشيته في أي بلد كان، إلى المطالبة بتنحيته ومن معه، بالاعتصام السلمي والتظاهر، دون أن يكون الغرض منه رفع كلمة الله تعالى.
لأن رفع الكلمة، ولو كان هدفا ومطلبا أعلى، غير أنه قد لا يتيسر، وقد يتعذر لعوامل، وكونه متعذرا، فلا يعني السكون وعدم الحركة في اتجاهات أخرى، بل لا بد من الحركة الإيجابية، ولو لم يتحقق من ذلك إلا بعض المطالب، فزوال حاكم كان يحارب الحجاب ويضيق عليه، وعلى الصلاة والمصلين، أحسن من بقائه، حتى لو تيقن مصير الدولة أو بقائها على العلمانية، فقاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد، تفصل في هذه القضية، وتقرر:
جواز المشاركة بما فيه تقليل المفاسد قدر الإمكان، وليس من شرط المشاركة في الإصلاح: كمال الإصلاح وتمامه، إذا تعذر.
فتقليل المفسدة بحد ذاته مكسب شرعي، والشريعة لم تقرر وجوب تحقق الحد الأعلى من المكاسب، في كل حركة وعمل لأجل الدين، بل ما يمكن بالقدر الممكن.
ولو كان الحد الأعلى هو المطلوب لا غيره، فإذا لم يتحقق فيجب التوقف والكف عن العمل والحركة والمشاركة: لما أصل الشارع لمبدأ:
- "الضرورة تبيح المحظورة".
- "إذا ضاق الأمر اتسع".
- ولما تولى يوسف عليه السلام خزائن مصر لمشرك كافر.
- ولما هاجر المسلمون عند ملك نصراني (=النجاشي)، يستجيرون به.
فكل هذه الأحوال لا يتحقق فيها الكمال، بل قدر منه قل أو كثر.
هكذا، لا تناقش الشبهات الشرعية إلا بأدلة شرعية، تقابل هذه بهذه، وينظر في أيها أليق بالمقام والنازلة، وبها يمكن كشف الشبهات، والإجابة عن الأسئلة المحورية المفصلية، وهي كفيل بتغيير المواقف إلى ناحية البرهان والحق الدامغ.
فانظر إلى هذه الطريقة في تناول الخلاف، وقارنها بطريقة التسفيه الذي ليس وراءه، إلا الضعف عن الاستدراك بطريق شرعي، والعجز عن وسائل الإقناع، مع خلطه بشيء من الإعجاب بالنفس والرأي.
* * *
(المصالح والمفاسد في الانتفاضة)
في ظني، أن بهذه المناقشة نكون قد خلصنا من هذا المانع الشرعي لتأييد هذه الانتفاضة، فالتأييد ليس بظن: أنها ستقيم دولة إسلامية، تطبق فيها شريعة الله.
بل بظن: أن المفاسد ستقل، والمصالح ترجح.
هذا مدار التأييد لا غير، والتأييد من هذا المنطلق سائغ شرعا، وعليه أدلة كثيرة منوعة، كما تقدم آنفا.
هنا ينتقل الخلاف من مسألة إلى أخرى، من نقطة توتر إلى نقطة توتر أخرى؛ ينتهي الخلاف حول مسألة: "تطبيق الشريعة"، لندخل في مسألة: "المصالح والمفاسد". في هذه الانتفاضة. هنا يجب اتساع الصدور أيضا.
فمن الناس من يرجح جانب المصالح؛ لذا فهو مؤيد.
وآخرون يرجحون المفاسد؛ لذا هم معترضون.
وبدلا من التناول والتناوش، علينا دراسة المصالح والمفاسد، وتقديرها تقديرا عادلا محايدا غير منحاز، بمعنى: أن نترك رغباتنا جانبا، ثم ننظر في المسألة بتحرر؛ لنرى أين نقف، وأيهما أرجح: آلمصالح، أم المفاسد ؟.
هذا يقودنا إلى استحضار أدلة الفريقين؛ المؤيدين، والفريق المعترض الذي يرى مشروعية المظاهرات بضوابطها، لكنه يراها مصنوعة، أو مستغلة.
دع عنك الفريق المعترض الذي لايقر بمشروعية المظاهرات، إما اعتمادا على أدلة، أو جريانا مع هوى الحاكم، فالبحث معهم له موضعه غير هذا.
* * *
هناك شروط للتغيير في النظام الحاكم؛ لضمان سلامة العملية:
الأول: ضمان محلية وذاتية التغيير؛ نشأة، وحركة، وأثرا.
الثاني: ضمان عدم تدخل القوى الخارجية في العملية: بالتطفل، أو بالطلب من الداخل.
الثالث: ضمان عدم استئثار فئة بالنتائج.
هذه الضمانات تحقق انتقالا إلى الأحسن، وتقلل المفاسد، وترجح المصالح.
فالأول والثاني: مانع من رهن مقدرات الدولة لمصالح قوى خارجية، ثبت إضرارها بالدول.
والثالث: مانع من حصر مقدرات الدولة في فئة، تتصرف كما تشاء، فالتجارب أثبتت أن تملك فئة مقاليد الحكم، مضر بالأمن والسلم الاجتماعي والاقتصادي للدولة.
إذا تحققت هذه الضمانات، فلا يظن بعاقل: اعتراضه على انتفاضة سلمية، وطنية، محلية، خالصة، ليس فيها تدخل خارجي، ولا تسلط فئوي.
لكن الخلاف كله في هذه الضمانات، هل تحققها الانتفاضة أم لا ؟.
فإذا لم يعلم تحققها، وقد غدت الانتفاضة أمرا واقعا، فهل من الحكمة اعتراضها ؟.
هاتان مسألتان - أيضا - من مفاصل القضية، أو قل: من نقاط التوتر.
والقضية برمتها غاية في التعقيد، وتحتاج إلى حل دقيق، الاستعجال فيها يكشف عن خلل منهجي وعلمي، في التعاطي مع النوازل والمسائل ؟!!.
من يؤيد يجزم ويقسم أيمانا مغلظة بتحقق تلك الضمانات، وهو يظن أن يقينه هذا المجرد، يمكن أن يقنع المعترض. وهذا المعترض إذا قابل أدلته على أرض الواقع، بما لدى المؤيد في نفسه من يقين مجرد من الدلائل على الواقع، لم يجد بدا من ترجيح رأيه (= نفسه).
لكن ما أدلة المعترض والمؤيد ؟.
منذ بدء الانتفاضة، وحالي في تتبع لتلك الأدلة وحصرها، فمما تجمع منها لدي ما يلي:
أولا: موقف الجيش (= المصري والتونسي) من الانتفاضة.
ظهرت أخبار عن الصلة الوثيقة للجيش المصري بالولايات المتحدة الأمريكية:
- منها: وجود قائد أركان القوات المسلحة المصرية سامي عنان في الولايات المتحدة إبان الانتفاضة لأيام هنالك دون عودة سريعة مفترضة، تفرضها الأحداث الجارية. وهذا خبر تناقلته كثير من الفضائيات هذه الأيام، وقد تناقلت مواقع على الانترنت كصحيفة الخبر، مقالا للكاتب محمد سعيد من واشنطن ( السبت 29 كانون الثاني 2011 ) بعنوان: "أمريكا مطمئنة إلى مصالحها". مما جاء فيه:
"يزور واشنطن حاليا، وفد عسكري مصري رفيع المستوى، برئاسة رئيس أركان الجيش المصري الجنرال سامي عنان، حيث تجري مباحثات مع مسئولين رفيعي المستوى في البنتاعون في كيفية مواجهة الوضع في مصر".
- ومنها: تصريحات ساسة أمريكيين، عن هذا التعاون الوثيق في المصدر نفسه:
"ويحتل موضوع الجيش المصري أولوية قصوى لدى الولايات المتحدة، وتعده الضامن في نهاية المطاف لحماية المصالح الأمريكية السياسية في مصر وإسرائيل. وتبلغ قيمة المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية لمصر حاليا 1.3مليار دولار، ويتغلغل الخبراء العسكريون – السياسيون الأمريكيون في أوساط الجيش المصري منذ بدء تدفق تلك المساعدات، عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد في آذار عام1979م"..
- ومنها: ما تسرب من أخبار عن عمليات تطهير لاستبعاد العناصر غير المؤيدة لأمريكا وإسرائيل من الجيش المصري، في ذات المصدر:
" يقول المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي، في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، كينيث بولاك: "إنه منذ ذلك الوقت: يتعرض الجيش المصري إلى حملة تطهير لاستبعاد أي مناهض للسياسة الأمريكية والصلح مع إسرائيل من صفوف قياداته... أن الولايات المتحدة قد ضمنت ولاء القيادات العسكرية المصرية من رتبة عميد وما فوق".
هذه المعطيات: مساعدات (1,3 مليار دولار).. تغلغل خبراء.. تطهيرات في الجيش.
تشرف بنا على مواقع التأثير في الجيش المصري؛ إذ يبعد أن تقدم الولايات المتحدة خدماتها دون مقابل، والمقابل: حفظ المصالح الغربية وإسرائيل. والجيش والنظام قائمان بهذه المهمة.
هذا واضح جدا..
بعد هذا، كيف يمكن تفسير موقف الجيش السلمي من انتفاضة تسقط النظام الحليف، إلا أن يكون العمل قد جرى لصعود نظام جديد، كذلك حليف، أجدر بتحقيق متطلبات المرحلة، والجيش يعلم ذلك، وقد تلقى أوامره في هذا الصدد بالحياد ؟.
لكن يمكن معارضة هذا التحليل بآخر للمؤيدين، هو:
أن الغرب لما أدرك جدية وذاتية الانتفاضة، لم يشأ مواجهتها بالقوة العنف؛ تجنبا لما هو أسوأ من ذلك، قيام حرب داخلية، أو فقد السيطرة على الوضع، يكون من نتائجه صعود جهات غير مرغوبة إلى الحكم بالقوة.
لأجله منع الجيش من استعمال القوة، بل طلب إلى الرئيس الكف عن العنف، وطالبه التنحي ونقل سلمي للسلطة، مجرد نقل سلمي، وليس تغيير نظام ؟.
وهكذا فإن هذا الدليل كما قد يستدل به المعارض، كذلك للمؤيد وجه استدلال به.
ثانيا: تعاون ومساعدات أمريكية لأحزاب مصرية وشبابية.
بحسب صحف أوربية وأمريكية، فإن أحزابا ومنظمات أهلية مصرية خصصت لها مساعدات بـ(66.5 مليون دولار) في عام 2008، و (75 مليون دولار) في عام 2009 لأجل نشر الديمقراطية والحكم الجيد، وقالت الديلي تليجراف:
إنها علمت أن الحكومة الأمريكية تدعم بصورة سرية، شخصيات بارزة وراء الانتفاضة المصرية، وأن هذه الشخصيات كانت تخطط تغييرا في النظام منذ ثلاثة أعوام.
وأنها علمت أن السفارة الأمريكية في القاهرة ساعدت معارضا شابا على حضور قمة برعاية الولايات المتحدة في نيويورك للنشطاء الشباب، وعملت على إخفاء هويته على أمن الدولة في مصر. وأن هذا الشاب الناشط لدى عودته إلى مصر عام 2008 أبلغ دبلوماسيين أمريكيين أن تحالفا من الجماعات المعارضة، وضع خطة للإطاحة بمبارك، وتنصيب رئيس منتخب ديمقراطي عام 2011.
وذكرت صحيفة أفتن بوسطن النرويجية، التي حصلت على كافة البرقيات الدبلوماسية الأمريكية التي سربها موقع ويكيليكس: أن الولايات المتحدة أسهمت بشكل مباشر في بناء القوى التي تعارض الرئيس مبارك. وأن وزيرة التعاون الدولي المصرية فايزة أبو النجا أرسلت رسالة إلى السفارة تطلب فيها من "يو إس أيد" التوقف عن تمويل عشر منظمات؛ لأنها غير مسجلة كمنظمات أهلية في الشكل السليم. وأصدرت السفارة برقية وصفت فيها جمال مبارك بأنه يشعر بالانزعاج من التمويل الأمريكي المباشر للمنظمات الأهلية المصرية لدعم الديمقراطية والحكم الجيد. المصدر: أريبيان بزنسhttp://www.arabianbusiness.com/arabic/603431
عنوان المقال: "واشنطن تمول منظمات مصرية تدعو إلى الديمقراطية". السبت, 29 يناير 2011
ما جاء في هذه الصحف، يعطي صورة عن أثر الولايات المتحدة في هذه الانتفاضة، من جهتين:
- الأولى: تمويل منظمات وشخصيات مصرية بملايين الدولارات، منذ سنوات، للتعبئة من أجل تحقيق الديمقراطية.
وما نراه من انتفاضة اليوم، هي منسجمة تماما مع أهداف التمويل.
- الثانية: كان الشباب عنصرا أساسا في هذه الانتفاضة، عبر التعاون من مواقع الفيس بوك وتويتر. وفي الخبر رعاية أمريكية لمعارض شاب.
هذا ما تسرب، وفيما لم يتسرب ربما هنالك شباب آخرون.
وقد تعرض لفكرة التدخل الأجنبي في هذه الثورة، الخبير الروسي الدكتور: الكساندر إيغناتنكو. رئيس معهد الدين والسياسة، الخبير في الشئون العربية والإسلامية، في برنامج بانوراما على قناة "روسيا اليوم"، يقدمه: أرتيوم كابشوك. مساء الثلاثاء 8 نوفمبر 2011/5 ربيع أول 1432، حيث قال: "هاتان ثورتان في ثورة واحدة.
- الثورة الأولى: هي انتفاضة شعبية، محركها وقوتها في ذلك الشعب.
- إلا أن هناك ثورة أخرى، وهي الثورة التي بدأ التحضير لها منذ عام 2000، من قبل أشخاص كانوا - وكما تشير وثائق ويكيليكس – على اتصال دائم بوزارة الخارجية الأمريكية، وسافروا مرارا للولايات المتحدة، كما كان يسافر إلى هناك الثوار (من يوغسلافيا وجورجيا وغيرها من دول)؛ هذه الثورة ملونة، وهي عبارة عن عملية محددة، لإعادة توزيع السلطة والأملاك بين مجموعة النخب، في مصر ظهرت مجموعة نخب جديدة، تعيق تطورها وانتشارها عائلة مبارك الحاكمة، وهنا تنصب جهود هذه المجموعة لإزاحة مبارك، الذي يرقد كصخرة ثقيلة في درب هذا التيار من النخب".
عارضه في هذا الرأي الضيف الآخر: هاني شادي. رئيس الصحافة العربية في موسكو، وهو مصري، طلب إليه ذكر أسماء هؤلاء المجموعة، وهو ما لم يفعله الخبير الروسي.
والنقطة المهمة في المسألة، إن صدقت هذه الأخبار:
أي الفئتين هي التي أشعلت الثورة، وأيهما الذي يقودها اليوم؟.
مع كل هذا نقول:
هذا الدليل ظني لا يقيني، في علاقته بأجنبية الانتفاضة، ودور الغرب فيها؛ إذ كل ما جاء في الخبر قد يكون صحيحا، لكن الخيط الذي يبين العلاقة بينها وبين اشتعال الانتفاضة مفقود حتى الآن، فقد يصح القول بأن الانتفاضة جاءت نتيجة تراكم مشكلات لا تحصى، مع زيادة في الوعي، وقدرة على التحرك، فكانت بحاجة إلى شرارة، وهذه الشرارة انطلقت بشكل عفوي منذ حادثة مقتل الشاب السكندري خالد سعيد، كما حدث مع البوعزيزي في تونس. محض اتفاق، فالأسباب موجودة حاضرة.
ثالثا: تصريحات غربية مؤيدة للانتفاضة.
منذ بدأت الانتفاضة، والتصريحات المؤيدة تنطلق من الدول الغربية كل يوم، حتى وصل حد الأمر – بطريق دبلوماسي – للرئيس المصري بالتنحي، وهذا يحدث في حق رجل أعطى المصالح الغربية والإسرائيلية وخدمها بإخلاص، حتى إن إسرائيل أظهرت – ولا تزال- خشيتها وقلقها من التغيير في مصر، جاء ذلك على لسان نتنياهو وتسفي لفني.
وهذه جملة منها:
- في خبر عاجل على قناة الجزيرة 11مساءا، الخميس 3فبراير 2011/30صفر 1432:
"مشروع قرار في الكونغرس الأمريكي، يدعو مبارك لنقل سلطاته إلى حكومة موسعة مؤقتة"
"في بيان مشترك قادة: بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وأسبانيا، وإيطاليا يقولون: انتقال السلطة في مصر يجب أن يبدأ الآن".
- في قناة روسيا اليوم 8صباحا، الجمعة 4فبراير 2011/1ربيع أول 1432:
جون ماكين وجون كيري يقدمان مشروعا إلى الكونغرس، يدعو مبارك لنقل سلطاته إلى حكومة مؤقتة موسعة.
لافروف وزير خارجية روسيا، ينتقد التدخل الغربي في أحداث مصر.
في 10مساءا: نيويورك تايمز: تكشف عن خطة أمريكية لتنحي مبارك عن السلطة.
البيت الأبيض يحسم موقفه: مصر دون مبارك.
- في قناة يورونيوز 9 مساءا، الجمعة 4فبراير 2011/1ربيع أول 1432:
بروكسل، القادة الأوربيين يطالبون الرئيس المصري بالتنحي ونقل سلمي للسلطة.
هذا نزر يسير من التصريحات..
فما الذي يحمل القوى الغربية على الاستغناء عن رؤساء موالين بهذه السهولة؟.
ألا ينم هذا عن إعداد سابق لمثل هذه الأحداث ؟.
أم هو محض المفاجأة، ومحاولة لاستغلال الفرصة بعد أن فرض الأمر فرضا واقعا؟.
هنا فيما يتعلق بهذه التصريحات، ينبغي ألا يغيب عن بالنا أمر مهم، هو:
أنها لا تتطرق إلى إزالة النظام، بل إلى تنحي الرئيس.
وهذا مؤداه بقاء النظام مع زوال رأسه، ليأتي عنصر آخر من النظام نفسه، وهذا ليس فيه إضرار بالمصالح الغربية؛ فالنظام بأكمله حليف، فذهابه بعضه لا يضر، ولو كان الرأس.
وهكذا لن تكون هذه التصريحات دليلا للمعترضين، بل للمؤيدين الذين يؤكدون وطنية الانتفاضة.. في أدنى الأحوال ليست بدليل قوي.
بل مما يؤيد وطنية الانتفاضة، ما جاء في آخر تصريح أمريكي قريب، تطلب فيه الإدارة الأمريكية إلى أية حكومة جديدة: احترام كافة الاتفاقيات التي أبرمتها حكومة مبارك؛ لتنال تأييد الولايات المتحدة الأمريكية.
في اعتقادي: أن هذا ربما يقطع الشك باليقين؛ فواشنطن لا تملك إدارة الانتفاضة، ونتائجها في تقديرها مجهولة غير معلومة.
رابعا: تتابع الأحداث في المنطقة.
الأحداث تتابعت في المنطقة – ولا تزال - بشكل ملفت، بداية بوثائق ويكيلكس، المنشورة بإرادة غربية، التي اختير منها ما ينشر بعناية؛ لكشف عورات رؤساء المنطقة.
يليها الاستفتاء على جنوب السودان، وقبل ظهور النتائج، ومع ضمانها: اندلعت انتفاضة تونس. ولما يجف ماؤها ويعرف مصيرها: تنتفض مصر. ولا زلنا فيها، فإذا باليمن تنتفض، والأردن مستمر، واليوم الدعوات في سوريا.
قبل أن تتحقق مطالب الشعب التونسي، انسحبت وسائل الإعلام وراء مصر، مما أتاح قدرا من الالتفاف على مطالب الجمهور وتعطيلها، فوسائل الإعلام آلة ضاغطة من خارج، لما التقت مع ضغط الداخل، أحدثت أثرا معززا، لكن انسحاب الضغط الإعلامي الخارجي قبل حصد النتيجة، أضعف الداخل وغيبه تماما عن القرار، كما هو ملاحظ.
فأكبر المتضررين من توقيت الانتفاضة في مصر، هم التوانسة..
فهل كان بفعل مقصود، أم مجردا من كل قصد ؟.
هل من محرك ، يحرك الأحداث بهذا التتابع المتلاحق كعقد منفرط؟.
أم مجرد تقليد ومحاكاة، ونار تنتقل من شجرة إلى شجرة، ومن بيت إلى بيت ؟.
إذا وضع هذا التتابع، في سياق موقف الجيش، وتعاون منظمات أهلية وشبابية مع القوى الكبرى، مع تصريحات غربية متفقة على وجوب تنحي الرئيس، ربما كان في ذلك دلالة.
هذا ما يراه المعترضون، وهو بلا شك محل النظر والدراسة والبحث، وليس مجرد أوهام وتحليل سطحي وساذج للسياسة، فإنه يقوم على وثائق سياسية، وحقائق على الأرض. وإن كانت مع ذلك، أدلة ظنية من جهة ربطها بالانتفاضة وأثرها فيها.
نعم، هي في ذاتها أمر واقع، لكن معقد ومفصل المسألة:
هل لها من علاقة مباشرة بالانتفاضة ؟.
هذا ما لا يمكن الجزم به حتى الآن، وربما تكشفت الحقائق حينا، لكن الذي لا يشك فيه: أن القوى الغربية تحاول الاستفادة من هذا الحدث، والاتجاه به ناحية مصالحها.
وهذا ما يبدو في التصريحات المؤيدة للانتفاضة، الداعية لانتقال سلمي.. الداعية كذلك لأية حكومة جديدة احترام الاتفاقيات المبرمة مع الحكومة السابقة.
* * *
(المحصلة)
قبل ذكر المحصلة، أنوه بمسألة: "الخروج على الحاكم"، فنحن في هذه القضية لا نبحث في هذه النقطة من نقاط التوتر؛ لأن هذا الخروج مصطلح مرتبط بالعنف والتسليح والقتال، وأما ما نحن فيه، فبحث في خروج سلمي بعيد عن العنف تماما، فيه المطالبة بالحقوق.
لأجل هذا لم نورد في هذا البحث، ما يتعلق بالخروج على الحاكم من أحكام ونصوص.
بعد هذا التوضيح، نعود إلى المحصلة لنقول:
في كل حال، سواء صدق حدس أحد الفريقين أو الآخر، فإن الانتفاضة في مصر غدت أمرا واقعا، وقواعد الشريعة تقرر في مثل هذه الحالات:
أن المطلوب في هذه المرحلة، هو: البحث في سبل الاستفادة من هذه الأوضاع للصالح العام، ومنع التيارات والأحزاب غير المتلائمة مع الشريعة، كالعلمانية والاشتراكية والليبرالية، من التفرد بالحكم والسيطرة على السياسة والاقتصاد، أو تفرد فئوي بزمام الأمور.
على مبدأ: "ليس في الإمكان أحسن مما كان".
هذا هو المتاح الآن، وما فوق ذلك فأماني دونها خرط القتاد بالمقاييس البشرية، وعلينا إعمال حكم الواقع في مثل هذا.
فتحقق بعض المطالب، من حرية سياسية - مع ما فيها من مخالفات شرعية ليست بجديدة- ورخاء اقتصادي، وحفظ كرامة الإنسان: أحسن من حال لا يحقق شيئا من المطالب الضرورية.
وإن كان لا يحقق العدالة كاملة، كما أرادها الإله، فشيء من العدل خير من نفيه.
بعد هذا الطَوَفان في تفاصيل هذه القضية، نجمل صورة المسألة كما يلي:
المظاهرات السلمية لها حكم الوسائل مع غاياتها، فإن حققت مصالح ودرأت مفاسد، فهي مشروعة، وإن كانت المفاسد أكبر فلا.
ثم إذا ما وقعت الانتفاضة الجماهيرية، من غير أن تستند إلى قول أو فتوى عالم، فصارت أمرا واقعا، ومطالبها أمور مشروعة في مجملها، وإن حدث خلل في شيء من تفاصيلها، أو بعض أصولها، فعلى أهلها من أعيان وعلماء وخواص وعوام، استدراكها بـ:
التأييد، والاندماج، والترشيد.
سواء قوي على الظن أنها ستفضي إلى وضع أخف ظلما وطغيانا، وأكثر تحقيقا للمطالب الضرورية، أو كان لا يدرى ما مصيرها ؟.
لضمان توجيهها الوجهة الصحيحة، فتغيير بوصلتها من الخارج متعذر، بل لا يمكن إلا من داخل، فلا ينبغي تفويت هذه الفرصة، وإلا فالنتيجة فقد مواقع التأثير، وأثر ذلك الانزواء، ثم مزيد من الخسارة والتراجع.
إلا في حال اليقين بأن نتائجها، ستكون أسوأ مما كان، بالدلائل القاطعة أو شبه القاطعة، ليس عن مجرد نظر، بل دراسة وبحث، فهذا حال مانع: من التأييد، والاندماج.
فالمشاركة تدور مع المآلات؛ فإن حسنت بأي قدر فحسنة، وإلا فإن ساءت أكثر فسيئة.
وقد كنت كتبت مقالا عنوانه:
"ما يحتاج إلى جواب، في الانتفاضتين: المصرية، والتونسية".
في محاولة للتنبيه ودق جرس إنذار، بعرض حقائق على الأرض، تنفع المنتفضين، وتحقق مقاصد الانتفاضة، فقد صارت أمرا واقعا، وعلينا استدراكها والمنع من استغلالها، مهما اختلفنا في معها في أصولها، أو تفاصيلها.
إن المتابع لسياسات القوى الكبرى، يدرك أنها لا تطمئن إلى شيء، وأنها في الوقت الذي تكسب فيه المكاسب، عينها لا تنام عن مكاسب أخرى أكبر، وهي في تقويم مستمر للوضع وصلاحية هذا الرئيس لأداء دور استراتيجي في المنطقة لصالح الغرب، فإذا ما استشعرت عجزه، إما لتقادم في العمر، أو تردد في القرار، عملت على خلق وضع جديد، برئاسة جديدة، أو استغلال حدث جديد، ولديها شبكة متكاملة لتنفيذ هذه الخطة.
وهي تنجح عندما لا تجد لمكرها مكرا يقابلها، لكنها عندما تقابل بالمثل فقد تفشل، كما فشلت عدد من دول أمريكا اللاتينية: كوبا، فنزويلا، الإكوادور. التي تصفها الأوساط السياسية في البيت الأبيض، بالدول المارقة الراعية للإرهاب.
فالقوى الغربية عموما إذا جوبهت بالإصرار والإرادة، فشلت أو تعطلت أو تأخرت مساعيها للسيطرة، فالشعب المصري المنتفض والتونسي، لديهم القدرة التامة على التحلي بالإصرار والإرادة؛ لإفشال كافة مخططات السيطرة على الانتفاضتين.
المصدر موقع الرحمة المهداة www.mohdat.com
في مشروعية الانتفاضة المصرية
د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه
بسم الله الرحمن الرحيم
(مدخل)
لا يختلف عاقلان على: أن زوال الحاكم الطاغية الباغي، مطلب شرعي ودنيوي.
وكونه مطلبا شرعيا، فلا يعني بالضرورة وجوب تحقيقه بأية طريقة كانت، مهما كانت النتائج، حتى لو فني الشعب، أو نصفه، أو ربعه، أو عشره، ونحوه من الآثار المدمرة، إلا على مبدأ: "الغاية تبرر الوسيلة". لكنه مبدأ ميكافيلي، شيطاني، صهيوني.
إذن نحن أزاء مسلمتين:
- اتفاق على الهدف.
- واتفاق على بطلان مبدأ: "الغاية تبرر الوسيلة".
أي متفقون على: وجوب اختيار الطريقة الأحسن؛ الأقل كلفة، والأكثر تحوطا وصونا للدماء خصوصا والأموال، عند القصد إلى العمل على تنحية حكم طاغية.
في انتفاضة مصر وتونس، الهدف متفق عليه بين الجميع، إلا من لم يكن له عقل أو دين، لكن هل الوسيلة (= المظاهرات) صحيحة، مستوفية شروط صحة الوسائل؛ من كونها وسيلة كونية قدرية صحيحة، ووسيلة شرعية مأذون بها في الشرع ؟.
هذه نقطة توتر في القضية، حملت طائفة لإبداء رأي معارض غير موافق للانتفاضة، لا أنها تعتقد استحسان بقاء الطغاة الظلمة في مواقعهم.
إذا فهم هذا الموقف في هذا السياق من التحليل والتعليل، لم يبق سبب للاستخفاف والطعن، كوصف بعضهم - في خطبة متلفزة – المعترضين: أنهم لا يعرفون الواقع، أو عملاء للسلطان.
فهذا الشيخ الذي عرف بمد يده إلى كل أصناف المخالفين في الملة، من يهود ونصارى وبوذية وهندوس وغيرهم؛ للتفاهم والتقارب: هو الآن يعجز عن فهم مراد إخوانه في الملة، وما قصدوه من رأي لم يتسع له صدره، فلم يأخذهم بحلمه ولينه، وكان حقه – وهو الذي ديدنه احترام الرأي الآخر – أن يطرح رأيهم، ثم يناقشه ويبين موضع ما فيه من خلل، فربما كان سببا في تجلية المسألة، وردهم عن غيهم وسوء تقديرهم، وزوال جهلهم بالواقع.
لكنه لم يفعل، وغيره ممن هو دونه في العلم لم يفعل ذلك، بل بعضهم ركب مطية الجهل بوصف المعارض بخيانة الأمة في دينها ؟!!..
وإنه لوصف تهتز له الجبال، مما فيه من الإدّ والظلم والبغي بغير الحق.. وأهون هؤلاء من راح يبسط عليهم أوصاف السذاجة والسطحية في فهم السياسة.
لدينا ما يكفي أمم الأرض من التهور والاندفاع، لو وزع عليهم بالتساوي؛ لحملهم على القفز في البحور، وهم لا يحسنون السباحة.
ما هكذا تورد المسائل، مشتملة معممة مطلقة، إنما العلم في التفصيل والتمييز بين المقامات، فمن يتفق معك على الهدف ويختلف على الوسيلة، ليس كمن يختلف معك على الهدف نفسه.
و إذا كان لديك يقين بصحة الوسيلة، فمرر يقينك إلى المخالف بدليله الدامغ، وأجب عن أدلته التي حملته على المنع من الانتفاضة والمظاهرات.
ذلك أجدى من التعالي والغرور والإعجاب بالرأي ؟؟!!!.
* * *
(أصناف المعترضين)
إن المعترضين على صنفين، تحت كل صنف فرقتان:
أحد الصنفين: لا يقر بمشروعية المظاهرات جملة وتفصيلا؛ بالاستناد إلى أن مفاسدها أكبر، ولأنه تشبه بالكافرين، وعليه: فهو ضد الانتفاضة.
هكذا هو رأيه، ولا حجر على الرأي، عند من يؤمن بالتعددية..
فالمتقبل للخلاف في الملة، من باب أولى: عليه أن يتقبل الخلاف داخل الملة؛ إذ كان يؤصل للتعدية ويقررها، بداعي أنه أمر كوني قدري.
ليعط هؤلاء حقهم الخلافي في الفروع، كما أعطى لسائر الملل الحق الخلافي في الأصول.
هذا هو العدل، وإلا فإنه التطفيف في الميزان، والحيف الذي نهى الله عنه.
نعم هناك فريق آخر قليل، إنما منع من المظاهرات لأجل هوى الحاكم، لا لشيء آخر، وهذا وإن لم نحدده عينا، لصعوبة تهمة الأعيان، فهو الذي قال تعالى فيه:
{إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم * أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار}.
الثاني: يقر بمشروعية المظاهرة والانتفاضة، بحسب رجحان المصالح على المفاسد.
لكنه يعتقد – بحسب دراسته وسبره الواقع -: أنها انتفاضة مبرمجة، معدّ لها سابقا، فنتائجها لن تحقق مصلحة الشعب، بل سيؤول الحال إلى ما هو أسوأ مما كان عليه..
هذا رأيه.
وفي هذا الصنف فريق آخر، يراها عفوية غير مبرمجة ولا معد لها، غير أن سبب اعتراضه:
ظنه واعتقاده أنها مستغلة لا محالة من قبل القوى الكبرى بدلائل دلت على هذا.
وعليه: فإن تضحية الشعب ستذهب لصالح آخرين، يقطفون الثمرة، وتكون النتائج – كذلك – أسوأ مما كانت عليه.
هذا التفصيل لمواقف المعترضين، يبين أنهم ليسوا على طريقة واحدة في تحليل الموقف والحكم عليه. نعم يجتمعون في النتيجة، لكن طريقتهم في تناول المسألة تختلف، من قاصر نظره على الدليل الشرعي، أصاب أو أخطأ، إلى متوسع في دراسة الأحوال السياسية للأحداث، فهم في هذا الاعتراض اتجاهات مختلفة.
فأين العلم والمعرفة والحكمة، عند من تناول هؤلاء جميعا بحكم واحد، لم يرقب فيهم إخوة الإسلام، والعذر للمخالف ؟!.
فقد تبين بالتفصيل الآنف، أن المعترضين أنواع:
- فرقة لا ترى مشروعية المظاهرات جملة وتفصيلا.
- وفرقة ترى المشروعية، لكنها تعتقد أنها انتفاضة مصنوعة بأيدٍ غربية.
- وأخرى تخشى استغلالها، فهي غير مأمونة النتائج، ولا ينبغي الإقدام إلا على ما غلب على اليقين حسنه وإصلاحه.
كل هؤلاء منطلقاتهم شرعية، ومنهم من يفهم ويدرك الواقع حق الإدراك، وهو مشتغل به ومتابع، فهل كل هؤلاء بسطاء وسذج، أو خونة وعملاء ؟!.
أم هو وصف منطبق على شرذمة قليلة، رهنت دينها لدنياها، فاشترتها بالآخرة ؟.
هل فهم الذين تناولوا المعترضين مستخفين، المدى البعيد الذي ركبوا ظهره، على متن ريح هائج مائج كموج البحر، لا يستقر لهم على قرار، حتى يقذف بهم في واد سحيق ؟.
* * *
(هدف التغيير.. أنموذج للمناقشة)
كيما تتبين الكيفية التي ينبغي أن تناقش وفقها آراء المعترضين، سأضرب مثلا، أرجو أن أوفق في تفصيله وإحكامه:
من الأسس التي يؤمن بها كل مؤمن موحد، في عملية التغيير لنظام حكم في دولة:
أن يكون القصد إعلاء كلمة الله تعالى.
لما استقر من قاعدة في الإسلام:
- أن الأعمال بالنيات، وأن النية الصالحة المتقبلة هي ما كانت لوجه الله تعالى.
- ولأن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل: حمية، أو للمغنم، أو رياء وشجاعة. فأي ذلك في سبيل الله، فقال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله).
فكانت هذه الكلمة قاعدة لكل تغيير في نظام الحكم؛ أن يكون القصد منه والهدف الشرعي: تطبيق شريعة الله تعالى، وإقامة التوحيد. ليس بقصد سد الجوع (=المغنم)، أو الانتصار للنفس أو الجنس (= حمية)، أو للمفاخرة (= رياء).
هنا أعمل المعتنون بضبط أمورهم بميزان الشريعة، هذه القاعدة على الانتفاضة المصرية والتونسية، فبان لهم:
أن الغرض ليس رفع كلمة الله، إنما الكفاية الاقتصادية، والحرية السياسية.
فنظروا في الهدف، فإذا هو غير مطابق للهدف الشرعي، بدليل: انخراط فئات من الشعب في هذه الانتفاضة ليست مسلمة كالمسيحيين، ولا دينية كالاشتراكيين، وفيها العلمانيون.
فالهدف مختلف إذن.. هنا يجب التسليم بهذه النتيجة لوضوحها، ولا يجوز الالتفاف عليها، بالادعاء أنها مطالب شرعية خالصة، فمطالب الانتفاضة تتضمن: المساواة للجميع في فرص التأهل للحكم؛ المسيحي، والاشتراكي، والعلماني.
وهذه ليست من الشريعة والإسلام في شيء. فلا بد من الوقوف عند هذه الحقيقة وعدم التلاعب بها؛ لأن أي قول غير هذا، يعد تحريفا مكشوفا، يزيد في شقة الخلاف.
لكن مع ذلك، بالإمكان مناقشة قضية الهدف من الانتفاضة من طريق آخر ؟.
إذ يمكن إلحاق هذه الصورة بقضية (حلف الفضول)؛ الذي كان في الجاهلية؛ لنصرة المظلوم ورد الحق إليه، وحضره النبي صلى الله عليه وسلم، وقال فيه:
- (لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا، ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت). [أحمد]
هذه الكلمة الأخيرة، دليل على مشروعية:
الاجتماع والتحالف على نصرة المظلوم، وطلب إعادة الحقوق لأهلها، التي سلبها الحاكم الظالم وحاشيته في أي بلد كان، إلى المطالبة بتنحيته ومن معه، بالاعتصام السلمي والتظاهر، دون أن يكون الغرض منه رفع كلمة الله تعالى.
لأن رفع الكلمة، ولو كان هدفا ومطلبا أعلى، غير أنه قد لا يتيسر، وقد يتعذر لعوامل، وكونه متعذرا، فلا يعني السكون وعدم الحركة في اتجاهات أخرى، بل لا بد من الحركة الإيجابية، ولو لم يتحقق من ذلك إلا بعض المطالب، فزوال حاكم كان يحارب الحجاب ويضيق عليه، وعلى الصلاة والمصلين، أحسن من بقائه، حتى لو تيقن مصير الدولة أو بقائها على العلمانية، فقاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد، تفصل في هذه القضية، وتقرر:
جواز المشاركة بما فيه تقليل المفاسد قدر الإمكان، وليس من شرط المشاركة في الإصلاح: كمال الإصلاح وتمامه، إذا تعذر.
فتقليل المفسدة بحد ذاته مكسب شرعي، والشريعة لم تقرر وجوب تحقق الحد الأعلى من المكاسب، في كل حركة وعمل لأجل الدين، بل ما يمكن بالقدر الممكن.
ولو كان الحد الأعلى هو المطلوب لا غيره، فإذا لم يتحقق فيجب التوقف والكف عن العمل والحركة والمشاركة: لما أصل الشارع لمبدأ:
- "الضرورة تبيح المحظورة".
- "إذا ضاق الأمر اتسع".
- ولما تولى يوسف عليه السلام خزائن مصر لمشرك كافر.
- ولما هاجر المسلمون عند ملك نصراني (=النجاشي)، يستجيرون به.
فكل هذه الأحوال لا يتحقق فيها الكمال، بل قدر منه قل أو كثر.
هكذا، لا تناقش الشبهات الشرعية إلا بأدلة شرعية، تقابل هذه بهذه، وينظر في أيها أليق بالمقام والنازلة، وبها يمكن كشف الشبهات، والإجابة عن الأسئلة المحورية المفصلية، وهي كفيل بتغيير المواقف إلى ناحية البرهان والحق الدامغ.
فانظر إلى هذه الطريقة في تناول الخلاف، وقارنها بطريقة التسفيه الذي ليس وراءه، إلا الضعف عن الاستدراك بطريق شرعي، والعجز عن وسائل الإقناع، مع خلطه بشيء من الإعجاب بالنفس والرأي.
* * *
(المصالح والمفاسد في الانتفاضة)
في ظني، أن بهذه المناقشة نكون قد خلصنا من هذا المانع الشرعي لتأييد هذه الانتفاضة، فالتأييد ليس بظن: أنها ستقيم دولة إسلامية، تطبق فيها شريعة الله.
بل بظن: أن المفاسد ستقل، والمصالح ترجح.
هذا مدار التأييد لا غير، والتأييد من هذا المنطلق سائغ شرعا، وعليه أدلة كثيرة منوعة، كما تقدم آنفا.
هنا ينتقل الخلاف من مسألة إلى أخرى، من نقطة توتر إلى نقطة توتر أخرى؛ ينتهي الخلاف حول مسألة: "تطبيق الشريعة"، لندخل في مسألة: "المصالح والمفاسد". في هذه الانتفاضة. هنا يجب اتساع الصدور أيضا.
فمن الناس من يرجح جانب المصالح؛ لذا فهو مؤيد.
وآخرون يرجحون المفاسد؛ لذا هم معترضون.
وبدلا من التناول والتناوش، علينا دراسة المصالح والمفاسد، وتقديرها تقديرا عادلا محايدا غير منحاز، بمعنى: أن نترك رغباتنا جانبا، ثم ننظر في المسألة بتحرر؛ لنرى أين نقف، وأيهما أرجح: آلمصالح، أم المفاسد ؟.
هذا يقودنا إلى استحضار أدلة الفريقين؛ المؤيدين، والفريق المعترض الذي يرى مشروعية المظاهرات بضوابطها، لكنه يراها مصنوعة، أو مستغلة.
دع عنك الفريق المعترض الذي لايقر بمشروعية المظاهرات، إما اعتمادا على أدلة، أو جريانا مع هوى الحاكم، فالبحث معهم له موضعه غير هذا.
* * *
هناك شروط للتغيير في النظام الحاكم؛ لضمان سلامة العملية:
الأول: ضمان محلية وذاتية التغيير؛ نشأة، وحركة، وأثرا.
الثاني: ضمان عدم تدخل القوى الخارجية في العملية: بالتطفل، أو بالطلب من الداخل.
الثالث: ضمان عدم استئثار فئة بالنتائج.
هذه الضمانات تحقق انتقالا إلى الأحسن، وتقلل المفاسد، وترجح المصالح.
فالأول والثاني: مانع من رهن مقدرات الدولة لمصالح قوى خارجية، ثبت إضرارها بالدول.
والثالث: مانع من حصر مقدرات الدولة في فئة، تتصرف كما تشاء، فالتجارب أثبتت أن تملك فئة مقاليد الحكم، مضر بالأمن والسلم الاجتماعي والاقتصادي للدولة.
إذا تحققت هذه الضمانات، فلا يظن بعاقل: اعتراضه على انتفاضة سلمية، وطنية، محلية، خالصة، ليس فيها تدخل خارجي، ولا تسلط فئوي.
لكن الخلاف كله في هذه الضمانات، هل تحققها الانتفاضة أم لا ؟.
فإذا لم يعلم تحققها، وقد غدت الانتفاضة أمرا واقعا، فهل من الحكمة اعتراضها ؟.
هاتان مسألتان - أيضا - من مفاصل القضية، أو قل: من نقاط التوتر.
والقضية برمتها غاية في التعقيد، وتحتاج إلى حل دقيق، الاستعجال فيها يكشف عن خلل منهجي وعلمي، في التعاطي مع النوازل والمسائل ؟!!.
من يؤيد يجزم ويقسم أيمانا مغلظة بتحقق تلك الضمانات، وهو يظن أن يقينه هذا المجرد، يمكن أن يقنع المعترض. وهذا المعترض إذا قابل أدلته على أرض الواقع، بما لدى المؤيد في نفسه من يقين مجرد من الدلائل على الواقع، لم يجد بدا من ترجيح رأيه (= نفسه).
لكن ما أدلة المعترض والمؤيد ؟.
منذ بدء الانتفاضة، وحالي في تتبع لتلك الأدلة وحصرها، فمما تجمع منها لدي ما يلي:
أولا: موقف الجيش (= المصري والتونسي) من الانتفاضة.
ظهرت أخبار عن الصلة الوثيقة للجيش المصري بالولايات المتحدة الأمريكية:
- منها: وجود قائد أركان القوات المسلحة المصرية سامي عنان في الولايات المتحدة إبان الانتفاضة لأيام هنالك دون عودة سريعة مفترضة، تفرضها الأحداث الجارية. وهذا خبر تناقلته كثير من الفضائيات هذه الأيام، وقد تناقلت مواقع على الانترنت كصحيفة الخبر، مقالا للكاتب محمد سعيد من واشنطن ( السبت 29 كانون الثاني 2011 ) بعنوان: "أمريكا مطمئنة إلى مصالحها". مما جاء فيه:
"يزور واشنطن حاليا، وفد عسكري مصري رفيع المستوى، برئاسة رئيس أركان الجيش المصري الجنرال سامي عنان، حيث تجري مباحثات مع مسئولين رفيعي المستوى في البنتاعون في كيفية مواجهة الوضع في مصر".
- ومنها: تصريحات ساسة أمريكيين، عن هذا التعاون الوثيق في المصدر نفسه:
"ويحتل موضوع الجيش المصري أولوية قصوى لدى الولايات المتحدة، وتعده الضامن في نهاية المطاف لحماية المصالح الأمريكية السياسية في مصر وإسرائيل. وتبلغ قيمة المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية لمصر حاليا 1.3مليار دولار، ويتغلغل الخبراء العسكريون – السياسيون الأمريكيون في أوساط الجيش المصري منذ بدء تدفق تلك المساعدات، عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد في آذار عام1979م"..
- ومنها: ما تسرب من أخبار عن عمليات تطهير لاستبعاد العناصر غير المؤيدة لأمريكا وإسرائيل من الجيش المصري، في ذات المصدر:
" يقول المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي، في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، كينيث بولاك: "إنه منذ ذلك الوقت: يتعرض الجيش المصري إلى حملة تطهير لاستبعاد أي مناهض للسياسة الأمريكية والصلح مع إسرائيل من صفوف قياداته... أن الولايات المتحدة قد ضمنت ولاء القيادات العسكرية المصرية من رتبة عميد وما فوق".
هذه المعطيات: مساعدات (1,3 مليار دولار).. تغلغل خبراء.. تطهيرات في الجيش.
تشرف بنا على مواقع التأثير في الجيش المصري؛ إذ يبعد أن تقدم الولايات المتحدة خدماتها دون مقابل، والمقابل: حفظ المصالح الغربية وإسرائيل. والجيش والنظام قائمان بهذه المهمة.
هذا واضح جدا..
بعد هذا، كيف يمكن تفسير موقف الجيش السلمي من انتفاضة تسقط النظام الحليف، إلا أن يكون العمل قد جرى لصعود نظام جديد، كذلك حليف، أجدر بتحقيق متطلبات المرحلة، والجيش يعلم ذلك، وقد تلقى أوامره في هذا الصدد بالحياد ؟.
لكن يمكن معارضة هذا التحليل بآخر للمؤيدين، هو:
أن الغرب لما أدرك جدية وذاتية الانتفاضة، لم يشأ مواجهتها بالقوة العنف؛ تجنبا لما هو أسوأ من ذلك، قيام حرب داخلية، أو فقد السيطرة على الوضع، يكون من نتائجه صعود جهات غير مرغوبة إلى الحكم بالقوة.
لأجله منع الجيش من استعمال القوة، بل طلب إلى الرئيس الكف عن العنف، وطالبه التنحي ونقل سلمي للسلطة، مجرد نقل سلمي، وليس تغيير نظام ؟.
وهكذا فإن هذا الدليل كما قد يستدل به المعارض، كذلك للمؤيد وجه استدلال به.
ثانيا: تعاون ومساعدات أمريكية لأحزاب مصرية وشبابية.
بحسب صحف أوربية وأمريكية، فإن أحزابا ومنظمات أهلية مصرية خصصت لها مساعدات بـ(66.5 مليون دولار) في عام 2008، و (75 مليون دولار) في عام 2009 لأجل نشر الديمقراطية والحكم الجيد، وقالت الديلي تليجراف:
إنها علمت أن الحكومة الأمريكية تدعم بصورة سرية، شخصيات بارزة وراء الانتفاضة المصرية، وأن هذه الشخصيات كانت تخطط تغييرا في النظام منذ ثلاثة أعوام.
وأنها علمت أن السفارة الأمريكية في القاهرة ساعدت معارضا شابا على حضور قمة برعاية الولايات المتحدة في نيويورك للنشطاء الشباب، وعملت على إخفاء هويته على أمن الدولة في مصر. وأن هذا الشاب الناشط لدى عودته إلى مصر عام 2008 أبلغ دبلوماسيين أمريكيين أن تحالفا من الجماعات المعارضة، وضع خطة للإطاحة بمبارك، وتنصيب رئيس منتخب ديمقراطي عام 2011.
وذكرت صحيفة أفتن بوسطن النرويجية، التي حصلت على كافة البرقيات الدبلوماسية الأمريكية التي سربها موقع ويكيليكس: أن الولايات المتحدة أسهمت بشكل مباشر في بناء القوى التي تعارض الرئيس مبارك. وأن وزيرة التعاون الدولي المصرية فايزة أبو النجا أرسلت رسالة إلى السفارة تطلب فيها من "يو إس أيد" التوقف عن تمويل عشر منظمات؛ لأنها غير مسجلة كمنظمات أهلية في الشكل السليم. وأصدرت السفارة برقية وصفت فيها جمال مبارك بأنه يشعر بالانزعاج من التمويل الأمريكي المباشر للمنظمات الأهلية المصرية لدعم الديمقراطية والحكم الجيد. المصدر: أريبيان بزنسhttp://www.arabianbusiness.com/arabic/603431
عنوان المقال: "واشنطن تمول منظمات مصرية تدعو إلى الديمقراطية". السبت, 29 يناير 2011
ما جاء في هذه الصحف، يعطي صورة عن أثر الولايات المتحدة في هذه الانتفاضة، من جهتين:
- الأولى: تمويل منظمات وشخصيات مصرية بملايين الدولارات، منذ سنوات، للتعبئة من أجل تحقيق الديمقراطية.
وما نراه من انتفاضة اليوم، هي منسجمة تماما مع أهداف التمويل.
- الثانية: كان الشباب عنصرا أساسا في هذه الانتفاضة، عبر التعاون من مواقع الفيس بوك وتويتر. وفي الخبر رعاية أمريكية لمعارض شاب.
هذا ما تسرب، وفيما لم يتسرب ربما هنالك شباب آخرون.
وقد تعرض لفكرة التدخل الأجنبي في هذه الثورة، الخبير الروسي الدكتور: الكساندر إيغناتنكو. رئيس معهد الدين والسياسة، الخبير في الشئون العربية والإسلامية، في برنامج بانوراما على قناة "روسيا اليوم"، يقدمه: أرتيوم كابشوك. مساء الثلاثاء 8 نوفمبر 2011/5 ربيع أول 1432، حيث قال: "هاتان ثورتان في ثورة واحدة.
- الثورة الأولى: هي انتفاضة شعبية، محركها وقوتها في ذلك الشعب.
- إلا أن هناك ثورة أخرى، وهي الثورة التي بدأ التحضير لها منذ عام 2000، من قبل أشخاص كانوا - وكما تشير وثائق ويكيليكس – على اتصال دائم بوزارة الخارجية الأمريكية، وسافروا مرارا للولايات المتحدة، كما كان يسافر إلى هناك الثوار (من يوغسلافيا وجورجيا وغيرها من دول)؛ هذه الثورة ملونة، وهي عبارة عن عملية محددة، لإعادة توزيع السلطة والأملاك بين مجموعة النخب، في مصر ظهرت مجموعة نخب جديدة، تعيق تطورها وانتشارها عائلة مبارك الحاكمة، وهنا تنصب جهود هذه المجموعة لإزاحة مبارك، الذي يرقد كصخرة ثقيلة في درب هذا التيار من النخب".
عارضه في هذا الرأي الضيف الآخر: هاني شادي. رئيس الصحافة العربية في موسكو، وهو مصري، طلب إليه ذكر أسماء هؤلاء المجموعة، وهو ما لم يفعله الخبير الروسي.
والنقطة المهمة في المسألة، إن صدقت هذه الأخبار:
أي الفئتين هي التي أشعلت الثورة، وأيهما الذي يقودها اليوم؟.
مع كل هذا نقول:
هذا الدليل ظني لا يقيني، في علاقته بأجنبية الانتفاضة، ودور الغرب فيها؛ إذ كل ما جاء في الخبر قد يكون صحيحا، لكن الخيط الذي يبين العلاقة بينها وبين اشتعال الانتفاضة مفقود حتى الآن، فقد يصح القول بأن الانتفاضة جاءت نتيجة تراكم مشكلات لا تحصى، مع زيادة في الوعي، وقدرة على التحرك، فكانت بحاجة إلى شرارة، وهذه الشرارة انطلقت بشكل عفوي منذ حادثة مقتل الشاب السكندري خالد سعيد، كما حدث مع البوعزيزي في تونس. محض اتفاق، فالأسباب موجودة حاضرة.
ثالثا: تصريحات غربية مؤيدة للانتفاضة.
منذ بدأت الانتفاضة، والتصريحات المؤيدة تنطلق من الدول الغربية كل يوم، حتى وصل حد الأمر – بطريق دبلوماسي – للرئيس المصري بالتنحي، وهذا يحدث في حق رجل أعطى المصالح الغربية والإسرائيلية وخدمها بإخلاص، حتى إن إسرائيل أظهرت – ولا تزال- خشيتها وقلقها من التغيير في مصر، جاء ذلك على لسان نتنياهو وتسفي لفني.
وهذه جملة منها:
- في خبر عاجل على قناة الجزيرة 11مساءا، الخميس 3فبراير 2011/30صفر 1432:
"مشروع قرار في الكونغرس الأمريكي، يدعو مبارك لنقل سلطاته إلى حكومة موسعة مؤقتة"
"في بيان مشترك قادة: بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وأسبانيا، وإيطاليا يقولون: انتقال السلطة في مصر يجب أن يبدأ الآن".
- في قناة روسيا اليوم 8صباحا، الجمعة 4فبراير 2011/1ربيع أول 1432:
جون ماكين وجون كيري يقدمان مشروعا إلى الكونغرس، يدعو مبارك لنقل سلطاته إلى حكومة مؤقتة موسعة.
لافروف وزير خارجية روسيا، ينتقد التدخل الغربي في أحداث مصر.
في 10مساءا: نيويورك تايمز: تكشف عن خطة أمريكية لتنحي مبارك عن السلطة.
البيت الأبيض يحسم موقفه: مصر دون مبارك.
- في قناة يورونيوز 9 مساءا، الجمعة 4فبراير 2011/1ربيع أول 1432:
بروكسل، القادة الأوربيين يطالبون الرئيس المصري بالتنحي ونقل سلمي للسلطة.
هذا نزر يسير من التصريحات..
فما الذي يحمل القوى الغربية على الاستغناء عن رؤساء موالين بهذه السهولة؟.
ألا ينم هذا عن إعداد سابق لمثل هذه الأحداث ؟.
أم هو محض المفاجأة، ومحاولة لاستغلال الفرصة بعد أن فرض الأمر فرضا واقعا؟.
هنا فيما يتعلق بهذه التصريحات، ينبغي ألا يغيب عن بالنا أمر مهم، هو:
أنها لا تتطرق إلى إزالة النظام، بل إلى تنحي الرئيس.
وهذا مؤداه بقاء النظام مع زوال رأسه، ليأتي عنصر آخر من النظام نفسه، وهذا ليس فيه إضرار بالمصالح الغربية؛ فالنظام بأكمله حليف، فذهابه بعضه لا يضر، ولو كان الرأس.
وهكذا لن تكون هذه التصريحات دليلا للمعترضين، بل للمؤيدين الذين يؤكدون وطنية الانتفاضة.. في أدنى الأحوال ليست بدليل قوي.
بل مما يؤيد وطنية الانتفاضة، ما جاء في آخر تصريح أمريكي قريب، تطلب فيه الإدارة الأمريكية إلى أية حكومة جديدة: احترام كافة الاتفاقيات التي أبرمتها حكومة مبارك؛ لتنال تأييد الولايات المتحدة الأمريكية.
في اعتقادي: أن هذا ربما يقطع الشك باليقين؛ فواشنطن لا تملك إدارة الانتفاضة، ونتائجها في تقديرها مجهولة غير معلومة.
رابعا: تتابع الأحداث في المنطقة.
الأحداث تتابعت في المنطقة – ولا تزال - بشكل ملفت، بداية بوثائق ويكيلكس، المنشورة بإرادة غربية، التي اختير منها ما ينشر بعناية؛ لكشف عورات رؤساء المنطقة.
يليها الاستفتاء على جنوب السودان، وقبل ظهور النتائج، ومع ضمانها: اندلعت انتفاضة تونس. ولما يجف ماؤها ويعرف مصيرها: تنتفض مصر. ولا زلنا فيها، فإذا باليمن تنتفض، والأردن مستمر، واليوم الدعوات في سوريا.
قبل أن تتحقق مطالب الشعب التونسي، انسحبت وسائل الإعلام وراء مصر، مما أتاح قدرا من الالتفاف على مطالب الجمهور وتعطيلها، فوسائل الإعلام آلة ضاغطة من خارج، لما التقت مع ضغط الداخل، أحدثت أثرا معززا، لكن انسحاب الضغط الإعلامي الخارجي قبل حصد النتيجة، أضعف الداخل وغيبه تماما عن القرار، كما هو ملاحظ.
فأكبر المتضررين من توقيت الانتفاضة في مصر، هم التوانسة..
فهل كان بفعل مقصود، أم مجردا من كل قصد ؟.
هل من محرك ، يحرك الأحداث بهذا التتابع المتلاحق كعقد منفرط؟.
أم مجرد تقليد ومحاكاة، ونار تنتقل من شجرة إلى شجرة، ومن بيت إلى بيت ؟.
إذا وضع هذا التتابع، في سياق موقف الجيش، وتعاون منظمات أهلية وشبابية مع القوى الكبرى، مع تصريحات غربية متفقة على وجوب تنحي الرئيس، ربما كان في ذلك دلالة.
هذا ما يراه المعترضون، وهو بلا شك محل النظر والدراسة والبحث، وليس مجرد أوهام وتحليل سطحي وساذج للسياسة، فإنه يقوم على وثائق سياسية، وحقائق على الأرض. وإن كانت مع ذلك، أدلة ظنية من جهة ربطها بالانتفاضة وأثرها فيها.
نعم، هي في ذاتها أمر واقع، لكن معقد ومفصل المسألة:
هل لها من علاقة مباشرة بالانتفاضة ؟.
هذا ما لا يمكن الجزم به حتى الآن، وربما تكشفت الحقائق حينا، لكن الذي لا يشك فيه: أن القوى الغربية تحاول الاستفادة من هذا الحدث، والاتجاه به ناحية مصالحها.
وهذا ما يبدو في التصريحات المؤيدة للانتفاضة، الداعية لانتقال سلمي.. الداعية كذلك لأية حكومة جديدة احترام الاتفاقيات المبرمة مع الحكومة السابقة.
* * *
(المحصلة)
قبل ذكر المحصلة، أنوه بمسألة: "الخروج على الحاكم"، فنحن في هذه القضية لا نبحث في هذه النقطة من نقاط التوتر؛ لأن هذا الخروج مصطلح مرتبط بالعنف والتسليح والقتال، وأما ما نحن فيه، فبحث في خروج سلمي بعيد عن العنف تماما، فيه المطالبة بالحقوق.
لأجل هذا لم نورد في هذا البحث، ما يتعلق بالخروج على الحاكم من أحكام ونصوص.
بعد هذا التوضيح، نعود إلى المحصلة لنقول:
في كل حال، سواء صدق حدس أحد الفريقين أو الآخر، فإن الانتفاضة في مصر غدت أمرا واقعا، وقواعد الشريعة تقرر في مثل هذه الحالات:
أن المطلوب في هذه المرحلة، هو: البحث في سبل الاستفادة من هذه الأوضاع للصالح العام، ومنع التيارات والأحزاب غير المتلائمة مع الشريعة، كالعلمانية والاشتراكية والليبرالية، من التفرد بالحكم والسيطرة على السياسة والاقتصاد، أو تفرد فئوي بزمام الأمور.
على مبدأ: "ليس في الإمكان أحسن مما كان".
هذا هو المتاح الآن، وما فوق ذلك فأماني دونها خرط القتاد بالمقاييس البشرية، وعلينا إعمال حكم الواقع في مثل هذا.
فتحقق بعض المطالب، من حرية سياسية - مع ما فيها من مخالفات شرعية ليست بجديدة- ورخاء اقتصادي، وحفظ كرامة الإنسان: أحسن من حال لا يحقق شيئا من المطالب الضرورية.
وإن كان لا يحقق العدالة كاملة، كما أرادها الإله، فشيء من العدل خير من نفيه.
بعد هذا الطَوَفان في تفاصيل هذه القضية، نجمل صورة المسألة كما يلي:
المظاهرات السلمية لها حكم الوسائل مع غاياتها، فإن حققت مصالح ودرأت مفاسد، فهي مشروعة، وإن كانت المفاسد أكبر فلا.
ثم إذا ما وقعت الانتفاضة الجماهيرية، من غير أن تستند إلى قول أو فتوى عالم، فصارت أمرا واقعا، ومطالبها أمور مشروعة في مجملها، وإن حدث خلل في شيء من تفاصيلها، أو بعض أصولها، فعلى أهلها من أعيان وعلماء وخواص وعوام، استدراكها بـ:
التأييد، والاندماج، والترشيد.
سواء قوي على الظن أنها ستفضي إلى وضع أخف ظلما وطغيانا، وأكثر تحقيقا للمطالب الضرورية، أو كان لا يدرى ما مصيرها ؟.
لضمان توجيهها الوجهة الصحيحة، فتغيير بوصلتها من الخارج متعذر، بل لا يمكن إلا من داخل، فلا ينبغي تفويت هذه الفرصة، وإلا فالنتيجة فقد مواقع التأثير، وأثر ذلك الانزواء، ثم مزيد من الخسارة والتراجع.
إلا في حال اليقين بأن نتائجها، ستكون أسوأ مما كان، بالدلائل القاطعة أو شبه القاطعة، ليس عن مجرد نظر، بل دراسة وبحث، فهذا حال مانع: من التأييد، والاندماج.
فالمشاركة تدور مع المآلات؛ فإن حسنت بأي قدر فحسنة، وإلا فإن ساءت أكثر فسيئة.
وقد كنت كتبت مقالا عنوانه:
"ما يحتاج إلى جواب، في الانتفاضتين: المصرية، والتونسية".
في محاولة للتنبيه ودق جرس إنذار، بعرض حقائق على الأرض، تنفع المنتفضين، وتحقق مقاصد الانتفاضة، فقد صارت أمرا واقعا، وعلينا استدراكها والمنع من استغلالها، مهما اختلفنا في معها في أصولها، أو تفاصيلها.
إن المتابع لسياسات القوى الكبرى، يدرك أنها لا تطمئن إلى شيء، وأنها في الوقت الذي تكسب فيه المكاسب، عينها لا تنام عن مكاسب أخرى أكبر، وهي في تقويم مستمر للوضع وصلاحية هذا الرئيس لأداء دور استراتيجي في المنطقة لصالح الغرب، فإذا ما استشعرت عجزه، إما لتقادم في العمر، أو تردد في القرار، عملت على خلق وضع جديد، برئاسة جديدة، أو استغلال حدث جديد، ولديها شبكة متكاملة لتنفيذ هذه الخطة.
وهي تنجح عندما لا تجد لمكرها مكرا يقابلها، لكنها عندما تقابل بالمثل فقد تفشل، كما فشلت عدد من دول أمريكا اللاتينية: كوبا، فنزويلا، الإكوادور. التي تصفها الأوساط السياسية في البيت الأبيض، بالدول المارقة الراعية للإرهاب.
فالقوى الغربية عموما إذا جوبهت بالإصرار والإرادة، فشلت أو تعطلت أو تأخرت مساعيها للسيطرة، فالشعب المصري المنتفض والتونسي، لديهم القدرة التامة على التحلي بالإصرار والإرادة؛ لإفشال كافة مخططات السيطرة على الانتفاضتين.
المصدر موقع الرحمة المهداة www.mohdat.com