مذكرات المشير عبد الحكيم عامر
هل ترك المشير الراحل عبد الحكيم عامر
مذكرات وأوراق مكتوبة بخط يده عن حرب 1967 وطبيعة العلاقة بينه وبين صديق
عمره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر؟
مازال الكثير من الباحثين والمهتمين بتاريخ مصر المعاصر يتساءلون عن صحة
ذلك؟ وأين اختفت تلك المذكرات لو كانت موجودة من الأساس؟
ومؤخرا خرج علينا البعض بإدعاءات جديدة عن وجود مذكرات للمشير عبد الحكيم
عامركتبها بخط يده تحتوى على تقييمه لمعركة 1967 ، وآرائه فى الرئيس عبد
الناصر، ومخاوفه من أن يتم اغتياله لطمس حقيقة ما جرى أثناء الحرب وتسبب فى
الهزيمة، والطريف فى الأمر اننا لم نر أو نقرأ ورقة واحدة بخط يد المشير
الراحل تثبت صحة هذه الإدعاءات، بل كل ما رأيناه كان مجموعة أوراق مطبوعة
من الإنترنت منقولة عن مجلة لايف الأمريكية
وأثناء مراجعتى لكتاب (جمال عبد الناصر .. أخر العرب) للكاتب الفلسطينى
الأمريكى / سعيد أبو الريش ،والصادر عن "مركز دراسات الوحدة العربية" ،
وجدت فى صفحة (361) من الكتاب المفاجأة التالية، حيث كتب سعيد أبو الريش :
" قام السعوديون ،على وجه الخصوص، بنشر مذكرات زائفة تعزى إلى عامر،
تحمل عبد الناصر الذنب عن حالة عدم تهيئة الجيش المصرى، وتشرح الاستراتيجية
التى أنتجت النكسة.
هذه المذكرات الكاذبة هى من تلفيق المخابرات السعودية، مع أرجحية مساعدة
وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى إعدادها.
لقد سلم المذكرات إلى والدى الذى كان مراسل مجلة تايم "نواف بن عبد العزيز"
الذى أصبح فيما بعد مساعدا لأخيه الملك "فيصل" الذى تظاهر بتفضيله صديقا
قديما يعمل فى الصحافة.
لقد قرر والدى ومعه زمرة من القراء ، أن وثيقة المذكرات صادقة لا غبار
عليها.
لكن مجلة لايف بعد نشرها مقتطفات ثلاثة منها، اكتشفت أنها غير صحيحة،وهو ما
أثار دهشة محررى لايف وأبى على السواء.
فقد أبلغهم اللواء راضى عبد الله ، رئيس المخابرات الأردنية، أنه شارك فى
إعدادها.
وقد جاءت هذه المذكرات، بجانب جملة من النشاطات الأخرى، مثل دعم الإخوان
المسلمين بالمال، لتقنع عبد الناصر أن ينحى قمة الخرطوم جانبا، ويقتنع أن
السعوديين مازالوا مصممين على الاطاحة به، فإن لم يكن فتقزيمه على الأقل.
وهكذا أصبح مؤتمر الخرطوم مجرد لعبة تأمرية قصد منها استرضاء الجماهير
العربية لا أكثر " .
وفى هامش الصفحة أشار الكاتب إلى التوضيح التالى "حتى لا يبدو هناك تناقض
فأن مجلتى تايم ولايف الأسبوعيتين كانتا تصدران عن مؤسسة صحفية أمريكية
واحدة باسم تايم-لايف، وذلك قبل أن تتوقف لايف عن الصدور نهائيا فى عام
1972 بعد أن كانت تحولت إلى مجلة شهرية لبعض الوقت".
هذه شهادة شاهد عيان عن حقيقة تلك المذكرات المفبركة والمنسوبة زورا
للمشير الراحل عبد الحكيم عامر،
تلك البضاعة الفاسدة التى يحاول البعض بيعها لنا الأن لتصفية حسابات سياسية
مع الرئيس عبد الناصر وعهده.
ويبدو أن غرام الملك فيصل بن عبد العزيز والمخابرات السعودية بتزييف
الكتب والوثائق لتشويه جمال عبد الناصر وعهده لم يقف عند تلك المحاولة بل
لحقتها محاولات أخرى عديدة كان أشهرها وأخطرها كتاب
(لعبة الأمم) لضابط المخابرات الأمريكى مايلز كوبلاند .
ففي عام 1969 نشر ضابط المخابرات الأمريكية ( مايلز كوبلاند ) كتابه ذائع
الصيت ( لعبة الأمم ) والذي أوحى فيه بصلة الثورة المصرية وجمال عبد الناصر
بالولايات المتحدة الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وقد
أصبح هذا الكتاب بمثابة المرجع الرئيسي لكل أعداء عبد الناصر وثورته، وفى
عام 1988 نشر الأستاذ محمد حسنين هيكل كتابه ( سنوات الغليان ) الذي أورد
فيه مجموعة من الوثائق والرسائل التي تثبت أن كوبلاند نصاب وأفاق وأنه نشر
كتابه بأوامر أمريكية في إطار الحرب الأمريكية المستمرة على عبد الناصر
والتي تهدف لتشويه سمعته ومن أجل اغتيال شخصيته معنوياً في أعين الجماهير
العربية بعد الهزيمة، وهاج كوبلاند وهدد الأستاذ هيكل برفع قضايا ضده ،
وحتى الآن بعد مرور كل تلك السنوات على صدور كتاب ( سنوات الغليان ) لم
يفعل كوبلاند شيء مما هدد به، وفى سلسلة حوارات للأستاذ هيكل لمجلة روز
اليوسف في منتصف التسعينيات صرح أن كتاب مايلز كوبلاند ( لعبة الأمم )
مولته المملكة العربية السعودية عام 1969 في إطار سعى الملك فيصل الدءوب
للقضاء على شعبية جمال عبد الناصر بين الشعوب العربية، وهو السعي الذي وافق
هوى المخابرات المركزية الأمريكية ورجلها مايلز كوبلاند، وأشار هيكل إلى
أن أي كتاب يصدره أحد ضباط المخابرات المركزية الأمريكية لابد أن يحصل على
موافقة من المخابرات المركزية الأمريكية، وتتم عملية مراجعة دقيقة لما
يحتويه لمعرفة مدى خدمته لمصالح وغايات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية
وأهداف السياسة الأمريكية وهو ما خضع له بالطبع كتاب ( لعبة الأمم ).
المدهش فى الأمر أن هناك كتب عربية عديدة ظهرت كان مرجعها الأساسى
والرئيسى هو كتاب (لعبة الأمم) مثل كتاب (ثورة يوليو الأمريكية) لمحمد جلال
كشك،وقد راجت تلك الكتب وأصبح بعض الموتورين من الثورة وقائدها يستعينون
بها فى اطار هجومهم على ثورة 23 يوليو.
والحقيقة أن الوثيقة الوحيدة المكتوبة بخط يد المشير عبد الحكيم عامر والتى
ظهرت حتى الأن هى مشروع البيان الذى أعده المشير، لكى يذيعه من
الاسماعيلية فى حال نجاح الخطة التى كانت مرسومة لوصوله إلى موقع القوات
المسلحة هناك أثناء محاولة الانقلاب التى كان يعد لها مع رجاله عقب النكسة ،
وقد قام الأستاذ محمد حسنين هيكل بنشر هذا البيان فى كتابه (الانفجار
1967)- طبعة الأهرام فى الصفحات من 1081 إلى 1089 .
وفى هذا البيان المكتوب بخط يد المشير الراحل ، يقول عبد الحكيم عامر:
"نتيجة لكل ذلك .. اضطررنا لإصدار أمر الانسحاب إلى غرب القنال لإنقاذ
قواتنا البرية من طيران العدو المسيطر ومنعه من تدميرها وحتى يعاد تنظيمها
واستعدادها لاستئناف القتال".
هذا اعتراف صريح من المشير الراحل بأنه هو الذى أصدر قرار الانسحاب غرب
القناة، وفيه رد مفحم على بعض الأقلام التى مازالت تصر على أن الرئيس عبد
الناصر هو الذى أصدر قرار الانسحاب ، وفرضه على المشير عامر.
من المحزن أن شهداء مصر فى اليوم الأول للقتال كان 294 شهيدا، وبعد قرار
المشير المنفرد بالانسحاب يوم 6 يونيو 1967 وبالطريقة التى تم تنفيذ القرار
بها ، وصل عدد الشهداء المصريين إلى 6811 شهيدا مساء يوم 8 يونيو 1967
عندما قبلت مصر قرار وقف اطلاق النار.
والآن طالما لم تظهر ورقة واحدة بخط يد المشير عبد الحكيم عامر بعد مرور
43 عاما على وفاته؛ فيمكننا القول بعدم وجود أى أساس من الصحة لتلك
الأقاويل عن وجود مذكرات مكتوبة بخط يد المشير عبد الحكيم عامر ؛وإلا فأين
ذهبت تلك المذكرات ؟ ومن يمتلكها ؟ ولماذا يخفيها حتى الآن ؟!!
ربما يقول البعض أن المشير عامر أستطاع الاحتفاظ بتلك الأوراق والمذكرات
مع رجاله المخلصين ؛لأن ظروفه بعد النكسة وعقب فشل محاولته للانقلاب على
الشرعية منعته من الاحتفاظ بمذكراته بمعرفته.
هنا نصل إلى الرجل الثانى فى الجيش المصرى بعد المشير عامر، السيد/شمس
بدران وزير الحربية أثناء حرب 1967 ،وأقرب الناس للمشير الراحل ، والذى تم
اتهامه وادانته لاشتراكه فى محاولة المشير عامر عقب نكسة 1967 .
فى أثناء قراءاتى لكتاب (عمر فى العاصفة..سيرة ذاتية) للكاتب الأستاذ أحمد
عباس صالح، وجدت المعلومات التالية عن علاقة كاتب السيرة برجال المشير عامر
،ولقاءاته مع السيد/شمس بدران فى لندن فى منصف السبعينيات
يقول الأستاذ أحمد عباس صالح أنه كان صديقا للضابط محمد أبو نار -أحد أقرب
الضباط للمشير عامر- والذى كان أخوه أحمد أبونار مديرا لمكتب المشير، مما
أتاح لكاتب السيرة أن يطلع على بعض خفايا العلاقة بين الرئيس عبد الناصر
والمشير عامر عن طريقهما.
وفى الفصل رقم 17 من السيرة الذاتيةوعنوانه(كتبت استقالة المشير عبد الحكيم
عامر) ،يقول كاتب السيرة أن الضابط محمد أبو نار طلب منه عام 1962 أن يكتب
استقالة المشير عبد الحكيم عامر الشهيرة ،وأنه كتبها بالفعل وفوجئ بأنها
طبعت ووزعت على أعضاء البرلمان وأعضاء مجلس قيادة الثورة وضباط الجيش.
ولكن ما يتعلق بموضوعنا ليس أمر كتابة استقالة المشير الشهيرة، بل ما
جاء فى الفصل رقم 40 من السيرة الذاتية وعنوانه( شمس بدران يتاجر فى الجبنة
)؛يقول صاحب السيرة أنه تعرف على السيد/شمس بدران الذى كان يعيش فى لندن
بانجلترا فى منتصف السبعينيات ومازال هناك حتى الآن عن طريق صديقهما
المشترك الضابط عبد الحى شعبان،ويضيف الأستاذ أحمد عباس صالح أنه لاحظ أن
السيد/شمس بدران يعيش حياة أبعد ما تكون عن الثراء،ويقطن فى شقة متواضعة فى
حى "بتنى" الإنجليزى من ضواحى لندن،ولكنه كما يقول الكاتب كان يعيش على أى
حال ويمتلك سيارة رينو صغيرة،ويعمل فى التجارة.
لذا يقول صاحب السيرة أنه سعى لدى القيادة العراقية التى كان على علاقة
طيبة بها لكى تدعو السيد/شمس بدران إلى العراق، وتساعده فى مشاريعه
التجارية، وبالفعل سافر السيد/شمس بدران إلى العراق،وقابل صدام حسين؛الذى
كان راغبا فى وراثة دور الرئيس عبد الناصر فى العالم العربى ،وتصور أن لدى
السيد/شمس بدران كنز من المعلومات عن عهد عبد الناصر ،ولكن كما يضيف صاحب
السيرة فوجئت القيادة العراقية أن السيد/شمس بدران كان يريد انشاء مصنع
لانتاج الجبنة فى لندن فقط، ولم يمكث السيد/شمس بدران فى العراق أكثر من
أسبوعين،عاد بعدهما إلى لندن،وروى لصاحب السيرة عن بعض مقابلاته مع صدام
حسين الذى تعامل معه بغطرسة،ورد عليه شمس بدران بنفس السلوك
وفى صفحة 301 من السيرة الذاتية للأستاذ أحمد عباس صالح، يقول أن
السيد/شمس بدران صارحه برغبته فى كتابة مذكراته،وبيعها لصحيفة إنجليزية
تقوم بنشرها ثم يتم نشرها بعد ذلك فى جريدة عربية، ويضيف صاحب السيرة أنه
أنبهر الفكرة وفى ذهنه أن ظهور مذكرات لشخصية بالغة الأهمية فى عهد عبد
الناصر مثل شمس بدران ستحتوى على العديد من الأسراروالمعلومات الكاشفة
لتاريخ
مصر المعاصر،خاصة وأنه كان يعتقد أن أنصار المشير عامر قد قاموا بتهريب
وثائق ذات شأن عن تاريخ وتفاصيل العلاقة بين الرئيس و المشير،وأن شمس بدران
بالذات لعمق صلته بالمشير عامر هو الذى يمتلك هذا الملف الخطير من وثائق
تلك الحقبة، يقول صاحب السيرة أنه سأل السيد/شمس بدران عن الوثائق التى
يمتلكها ومذكرات المشير عامر التى بحوزته لكى يتم الاستعانة بهما فى كتابة
مذكراته، وهنا فوجئ صاحب السيرة أن السيد/شمس بدران يصارحه أنه لا يمتلك أى
وثائق ولا توجد مذكرات للمشير عامر معه ، ويشير له إلى رأسه ، ويقول(
المعلومات كلها فى رأسى)، وهنا يعبر صاحب السيرة عن دهشتة وخيبة أمله
وانعدام حماسه لكتابة مذكرات السيد/شمس بدران بعدما أدرك أنه لا توجد وثائق
ولا مذكرات للمشير عبد الحكيم عامر مع شمس بدران.
وفى نهاية الفصل يضيف صاحب السيرة أن مذكرات السيد/شمس بدران لم تظهر
للوجود على أى حال حتى الآن .
بعدما عرضت تلك الشهادات التى تثبت فبركة المذكرات المنسوبة للمشير الراحل
عبد الحكيم عامر بعد وفاته،ثم شهادة الأستاذ أحمد عباس صالح عن مذكرات
السيد/شمس بدران التى لم تصدر حتى الآن .
لم يعد هناك كلام يقال ،ومن يرغب فى الإدعاء بوجود مذكرات للمشير الراحل
وأوراق بخط يده
فليتفضل باطلاع الناس عليها لتعم الفائدة ،ولكن اطلاق الادعاءات عن وجود
مذكرات للمشير الراحل لن يصمد أمام البحث والتدقيق التاريخى.