ذكرى العاشر من رمضان .. نعم كانوا صائمين
ما بال نفر من أهل مصر جزعوا حين انتبهوا إلى أن مقدم الشهر الكريم قد جاء فى قلب الأيام الصيفية الحارة؟ ما على المريض أو المسافر أو صاحب الظرف الخاص والرخصة من حرج ..نعم ، ولكن لِمَ الجزع من عطش ينقضى بعد ساعات ؟ ولم الخوف من جوع يذهب بإذن الله مع أذان المغرب؟ وما بال آخرين منهم يتواكلون ويتقاعسون ويقولون أننا قوم صائمون ؟
وفى رمضان وفى غير رمضان أيضا يبقى السؤال الملح : أين العزائم الشديدة والروح الصلبة المقاتلة فى نهار رمضان وقد عرفناها سمة أساسية فى الروح المصرية؟
وأنا أتأمل هذه المعانى التى آلمت منى الروح ، تذكرت هؤلاء البواسل الذين حققوا وهم صائمون أعظم نصر على العدو الإسرائيلى ، بل النصر العسكرى الوحيد للأمة العربية والإسلامية على الاحتلال الإسرائيلى ، فى نهار العاشر من رمضان فى عام 1393 هجرية ، نصر أكتوبر 1973 المجيد.
نعم ، كانوا صائمين وأصروا - برغم الرخصة التى جاءتهم من أعظم العلماء بالفطر - على القتال صائمين ، وأكسبتهم روحهم المتطهرة بالصوم عزيمة جبارة وصبرا فى صلابة الجبال ، النصر الأكبر جاء فى نهار العاشر من الشهر المعظم ، قاتل المصريون واستبسلوا وانتصروا وسقط منهم الشهيد والجريح ، تطهر دماؤهم الزكية رمال سيناء العزيزة من دنس احتلال بغيض. هذه هى العزيمة الرمضانية الشهيرة للمصريين على طول الزمن.
الضربة الجوية المظفرة التى قادها الرئيس حسنى مبارك شقت نهار الصيام فى منتصفه ، حين شقت سماء سيناء لتنزل بالعدو الويلات من هذه السماء ولتفتح باب النصر على مصراعيه..القائد العظيم مبارك كسر كل حواجز الخوف والرهبة والتواكل والتقاعس بضربته المظفرة ، ففتح الله تعالى للمصريين على يديه فتحا مبينا فى رمضان ، وشاء الله أن يكلل القائد مبارك صومه وصوم ضباطه وجنوده من نسور قواتنا الجوية بإفطار المنتصرين فى مغرب يوم العاشر من رمضان ، لقد نسى معظمهم أن يفطر حين أذن المؤذن - حدثنا بذلك قادة عظام من قادة العاشر من رمضان - لقد أفطروا على فرحة النصر التى تنسى المنتصر تباريح الجوع والعطش ولهيب رمال سيناء الحارقة ، أفطر القائد العظيم مبارك ونسوره البواسل على نصر مصرى تاريخى ..وحولوا نهار رمضان المبارك إلى عمل شاق واجتهاد لأجل الوطن والارض والعرض والعقيدة..
هذه الروح الرمضانية الأصيلة لدى القائد والرئيس مبارك ، هى ذاتها التى تسرى مسرى الدم إلى يومنا هذا فى عروق أبطال قواتنا المسلحة ورجالها الأشداء ، هؤلاء الذين تصغر فى عيونهم دواعى ونوازع البدن واحتياجات الامتلاء والارتواء ، أمام دواعى الوطنية ونوازع القتال من أجل أمن مصر وترابها العزيز وحدودها المنيعة.
إن القوات المسلحة المصرية لاتزال تنعم بنفس روح العاشر من رمضان ، فضلا عما اكتسبته مع الأيام ومع الرعاية من قائدها الأعلى الرئيس مبارك ومن قائدها العام المشير حسين طنطاوى ، من تدعيم وتدريب وعلم حديث وآفاق جديدة واستعداد مستمر وتوثب كتوثب العاشر من الشهر الكريم قبل 37 عاما تماما .
والرئيس القائد يجدد فى نفوس المصريين تلك الروح الرمضانية الباسلة باستمرار ..يضرب الرئيس المثل بنفسه دوما ، فإن كانت السنة كلها بالنسبة له عملا مستمرا بلا انقطاع ، فإن نهار رمضان يتضاعف فيه عمل الرئيس .. الذى يحوِّل هذا النهار إلى برنامج عمل دءوب ، بلا كلل ولا تراجع.. يعمل الرئيس بذات روح العاشر من رمضان طوال العام ، لاينتظر قدوم هذا اليوم على وجه التحديد ليحيى ذكراه بالعمل ، السنة كلها عنده هى العاشر من رمضان ، ومن يتأمل هذا السلوك الرئاسى يعرف - حقا - كيف ينبغى له أن يقضى نهار رمضان الكريم ، كل فى حدود طاقته وقدراته وواجباته ، ولايكلف الله نفسا إلا وسعها.
ما أحوج هذا الوطن الجليل إلى عاشر من رمضان طوال العام ، ما أحوجه إلى نظرة تحية وتقدير متجددة لملحمة النصر فى ذلك النهار الرمضانى ، ساعتها سوف يتحول رمضان كله إلى شهر للعمل الوطنى الصادق ، الذى يزداد قوة بطهارة نفس الصائمين وقرب أرواحهم من الله عز وجل ، كقرب أرواح مقاتلى العاشر من رمضان البواسل الذين جادوا بهذه الأرواح فداء لتراب مصر فى سيناء التى حرروها .
فى يوم العاشر من رمضان الذى تحل ذكراه الكبرى بعد غد الجمعة .. لتكن منا ساعة..ساعة واحدة للتأمل فى هذا النصر والتمعن فى روح المنتصرين التى استمدوها من الصوم ، إذا اتفقنا أن نعطى هذه الساعة لعقولنا كى تتدبر وتتأمل النصر المتجدد ، فإننا سنرفض التواكل ونخلع عنا الاستكانة والراحة ، ويصبح الشهر الفضيل موسما للعبادة مع الاجتهاد قى سبيل الوطن والعقيدة وكل ما هو نبيل ويستحق الدفاع عنه فى مصر النبيلة.
مطلوب على وجه السرعة روح مستمدة من رمضان - العبور ، تعبر كآبة يحاول نفر ينتسب إلى جنسية مصر- مع الأسف _ ان يكسو بها حياتنا ، وظلمة يحاولون أن يعمموها فى أيامنا وغد أبنائنا ، وأن ينشروها فى العقول، أن الكثير من المصريين الشرفاء الذين يكسبون لقمة العيش بالحلال ربما يحبطون من «ناشرى الإحباط» و«مروجى الهزائم » الذين تكاثروا كالذباب على القمامة هذه الأيام ، لكن السلاح الوحيد لمقاومة هذه النوازع الهدامة ، هو هذه الروح المنتفضة للمصرى الأصيل ، والتى تجلت أفضل ما تجلت فى نهار العاشر من رمضان بنصر بواسل القوات المسلحة المصرية ، الذين لا يتكلمون فى الوطنية وإنما يحولونها إلى واقع جميل.. هل هناك واقع أجمل من النصر والحرية؟
مطلوب أن تتجدد عزائم هذه الأمة وتنتعش أرواحها وتتوثب بروح الصوم ، وبذكرى نصر كبير لا يصغر مع الأيام بل يكبر وتنشأ على خلفيته أجيال وأجيال ، ترفع رأسها شامخا لأنها من أمة العاشر من رمضان وقائدها العظيم الذى يجدد روح النصر صباح مساء .
اللهم أضىء سماء مصر وأرضها بالنصر فى رمضان على الدوام.. وخيِّب رجاء من يريدون أن يطفئوا الروح المصرية فى رمضان وفى غير رمضان أيضا..!