علاقة الروح بالقلب
البعض يجعل من النفس و الروح شيئاً واحداً ، و البعض الآخر يجعل من النفس و الجسد ، أو
العقل شيئاً واحداً أيضاً ، و الحقيقة أن النفس و الجسم و الروح ، هي أشياء مختلفة.
النفس ليست الجسد ، فالجسد أو الجسم أو البدن هو وعاء النفس ، و قد عرَّفناها بالدم ، و
مسرح تأثيراتها ، و عوارضها و تصرفاتها ، و الدماغ المفكر العاقل ، هو آلة العقل ، و هو
الذي يجب أن يكون السيد و المسيطر على النفس ، و مُسيِّرها ، و إلا أصبح تَبَعاً لها .
أما الروح ، و نُعرِّفها بأنها أمر من المولى و مخلوق له كيان روحي فقط ، و سر من أسرار
المولى ، فهي علة الحياة في كل خلق . و إذا سيطر العقل على النفس وفقاً لتعاليم الخالق ،
ارتاح الجسد و الروح ، و وصل الانسان إلى السعادة الحقيقية أي الطمأنينة و السكينة ،
فالنفس و البدن و الروح ، هي مخلوقات رئيسية ثلاثة في الانسان ، تتفاعل تفاعلاً وثيقاً مع
بعضها البعض ، ولكي يسعد الانسان ، يجب أن يسيطر العقل المفكر وفق تعاليم الخالق على
النفس ، و أهوائها و نزواتها ، أما إذا انعكست الآية فأصبح العقل المفكر تبعاً للنفس
الأمارة بالسوء ، فذلك مُتعب للروح و هي الجوهر، و هي لاتسعد إلا إذا اتبع الانسان تعاليم
الخالق . و الذين لايعتقدون بالروح لن يستطيعوا ، أن يفهموا في العمق أسرار العوارض
النفسية و أسرار السعادة و السكينة عند المؤمنين ، و من هنا كان وصفهم الخاطئ للدين
بأنه أفيون الشعوب ، و الحقيقة أنه سعادة الشعوب . أما الإلحاد ، فهو سبب الشقاء و القلق
و التعاسة ، التي تلف الأفراد و المجتمعات ، غير المؤمنة اليوم ، مهما بلغت من رقي مادي.
و الذين لايعتقدون بالروح لن يستطيعوا ، أن يفهموا في العمق أسرار العوارض النفسية و
أسرار السعادة و السكينة عند المؤمنين ، و من هنا كان وصفهم الخاطئ للدين بأنه أفيون
الشعوب ، و الحقيقة أنه سعادة الشعوب .
بعض الأدلة القرآنية :
- أولاً :
فَرّق القرآ ن الكريم بين النفس و البدن ، ففي قوله تعالى مخاطباً فرعون الخروج الذي لحق
بسيدنا موسى ، و أغرقه المولى في البحر ، نجد أن نفس الفرعون قد ماتت مصداقاً لقوله
تعالى: (
كلُّ نفس ذائقة الموت ) . أما بدن الفرعون فقد قضت حكمة المولى ، أن تبقيه منذ ثلاثة آلاف
سنة ونيف إلى يومنا هذا ، ليكون بدن الفرعون آية و برهاناً مادياً محسوساً قاطعاً للذين
يأتون بعد الفرعون ، على صدق التنزيل ، فبدن أي مومياء الفرعون الذي لحق بموسى موجود
حتى اليوم في متحف القاهرة بمصر.
نقرأ في
سورة يونس : ( و جاوزنا ببني إسرائيل البحر ، فأتبعهم فرعون و جنوده بغياً و عدواً ، حتى
إذا أدركه الغرق ، قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل ، و أنا من
المسلمين . الآن وقد عصيت قبل و كنت من المفسدين . فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك
آية ، و إن كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون ) ، (يونس/ 90 – 92) . و سبحان الذي
لاتبديل لكلماته . فلقد غفل أكثر الباحثين في القرآن الكريم عن معاني هذه الآية في العمق
إلى أن أتى الدكتور " موريس بوكاي " في أواخر القرن العشرين ، ليحقق علمياً و تاريخياً في
كل كلمة من هذه الآيات ، و يؤكد صدقها. و قد نشر ذلك في كتابه القيم " التوراة ، الإنجيل
، القرآن و العلم " ، فليرجع إليه مَن يريد الزيادة . بالاضافة إلى ذلك تجدر الاشارة إلى
أن التحنيط أي حفظ الأبدان ، لايصح و يثبت إلا باستخراج ، و طرح الدم و السوائل ، التي
تكونه أو تنشأ عنه ، و في ذلك دليل علمي آخر على أن النفس غير البدن ، علماً أن الأبدان و
كل شيء سيفنى ، و يموت مع مرور الزمن ، إذ ثبت اليوم علمياً أن كل الأشياء تفنى ، و تندثر
مصداقاً لقوله تعالى : ( كلُّ شيء هالك إلا وجهه ) ، ( كل مَن عليها فان ، و يبقى وجه ربك ذو
الجلال و الإكرام ).
- ثانيا ً:
و النفس ليست الروح كما اعتقد ، و كتب الكثيرون ، و إلا فما الذي يصعد إلى البرزخ عند
الموت ، إذا كانت النفس هي الروح (
كل نفس ذائقة الموت ) ، و مَن يطلب من المولى الرجوع إلى الحياة بعد الموت إذا كانت
النفس ، هي الروح ( حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون ، لعلي أعمل صالحاً فيما تركت
كلا إنها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) ، (المؤمنون/ 99 – 100).
و إذا كانت النفس هي الروح ، فما هو الذي يعرض على النار من آل فرعون بعد موتهم في قوله تعالى : (
النار يعرضون عليها غُدُواً و عشياً و يوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب ) ،
(غافر/ 46) ، و بماذا تزوج النفس يوم البعث إذا كانت هي البدن أو الروح في قوله تعالى :
( و إذا النفوس زوِّجت )؟
فالروح هي الجوهر المُسبب و المُحرك الأول لكل حياة ، و العقل المفكر ، و آلته الدماغ
الانساني هو الذي أعطاه المولى السيادة ، و الذي يجب أن يسيطر على الدماغ الحيواني فينا
، و الذي بوساطته تحقق النفس نزواتها و أهواءها . " في دماغ الانسان مراكز تسمى
بالدماغ الجديد أو الدماغ المفكر ، و مراكز تسمى بالدماغ الحيواني مصدر الانفعالات و
الظواهر النفسية و العضوية من غضب و حبور ولذة و تعاسة وقلق وطمأنينة و غيرها".
نحن نعتقد من زاوية إيمانية قرآنية ، أن الروح مركزها الرئيسي في الصدر و القلب ، و من
القلب تتوزع الروح بواسطة النفس أي الدم إلى كل خلية من خلايا البدن فتبعث فيها الحياة ،
و من هذه الزاوية نستطيع أن نفهم شيئاً من أسرار الآيات الكثيرة ، التي وردت فيها كلمة
القلب و الصدر ، فالله يبتلي ما في صدورنا ، و يمحص ما في قلوبنا (
و ليبتلي ما في صدوركم ، و ليمحص ما في قلوبكم ) ، ( آل عمران/ 154 ) ، و ينزل سكينته
في قلوبنا ( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ) . و
نحن نفقه بواسطة قلوبنا ، و يطبع ، و يختم على قلوبنا: (لهم قلوب لايفقهون بها ) ، (
كذلك نطبع على قلوب المعتدين ) ، ( ختم الله على قلوبهم ) ، (كلا بل ران على قلوبهم ما
كانوا يكسبون) ، ولو لم يودع المولى في هذا العضو الكثير من أسراره كالروح و الإيمان و
غيرهما لما كرمه هذا التكريم.
الروح هي الجوهر المُسبب و المُحرك الأول لكل حياة ، و العقل المفكر ، و آلته الدماغ
الانساني هو الذي أعطاه المولى السيادة ، و الذي يجب أن يسيطر على الدماغ الحيواني فينا
، و الذي بوساطته تحقق النفس نزواتها و أهواءها
بكلمة مختصرة قريبة من الأذهان ، إن القلب الذي تسكنه الروح و أسرار إلهية أخرى ، هو
محطة البث و الإرسال الرئيسية في الجسم و النفس أي الدم ، هي موجات الأثير التي ينتقل
عليها ما يبثه القلب إلى الدماغ المفكر ، الذي يشكل شاشة الاستقبال و التوزيع إلى مختلف
بقية أعضاء الجسم . و إذا اختلت محطة الإرسال و البث اختلت وظيفة بقية أعضاء الجسم ، و
من هنا أهمية القلب ليس من الناحية العضوية ، ولكن من الناحية الروحية أيضاً ولقد وردت
كلمة القلب في القرآن الكريم في مئة و اثنتين و ثلاثين آية كريمة تدليلاً على أهميته عند
الانسان.
" في دماغ الانسان مراكز تسمى بالدماغ الجديد أو الدماغ المفكر ، و مراكز تسمى بالدماغ
الحيواني مصدر الانفعالات و الظواهر النفسية و العضوية من غضب و حبور ولذة و تعاسة وقلق
وطمأنينة و غيرها".
و لانستطيع أن نفهم العوارض و الانفعالات و الأمراض النفسية و مسبباتها و انعكاساتها
العضوية في الجسد و تأثير الروح و العقل سلباً أو ايجاباً في كل هذه المظاهر النفسية ـ
العضوية إلا إذا سلمنا ، و حسب الهدي القرآني ، أن في الانسان نفساً و عقلاً و روحاً ، و أن
الروح هي العلة الأولى ، و سبب الحياة، هي الجوهر، و هي تتفاعل تفاعلاً وثيقاً حميماً مع
العقل و النفس، التي هي مصدر جميع الانفعالات و الظواهر النفسية ، و ما يتبعها من
انعكاساتها عضوية بالجسم ، و بقدر ما نسمو بالجوهر ، و نبتعد به عما نهى عنه الله بواسطة
العقل المفكر ، تصفو الروح و ترتاح النفس ، و تكون عواطفنا و انفعالاتنا النفسية و
انعكاساتها العضوية سليمة و صافية و بعيدة عن المظاهر المرضية.
و كل المدارس و النظريات المادية التي لاتعترف بالروح ، لم تستطع أن تفهم أو تشرح في
العمق الظواهر النفسية ، و لذلك لم تجد حتى الآن الدواء الشافي لها ، لأنها أهملت حلقة
رئيسية في ترابط النفس و الجسد أي الروح ، و الثلاثة أي الروح و النفس و الجسد هي ،
تسلسلاً ، علة و مصدر و مسرح الظواهر النفسية ، و يتأثر بعضها ببعض سلباً أو إيجاباً.