فقط حاول ان تقرأ بهدوء فنحن لا نحب القراءة واذا حدثت لا نفهم ما نقرأ واذا فهمنا نرفض فكر الاخر بل ونعتبره مارق خارج عن القانون الله يكون فى عونك يا طارق علشان الموضوع الشائك دا استلم يا محاور
المعركة الأخيرة لنوال السعداوي
ماذا تريد نوال السعداوي؟
قد يكون هذا السؤال شغلك أو علي الأقل أثار انتباهك.. فهي امرأة لا تهدأ.. لا تكف عن إعلان تمردها وغضبها ورفضها لكل ما ومن حولها.. تجلس أمام محققين في غرف النيابة يتعاملون معها وكأنها مجرمة.. يكتب عنها بعض الصحفيين دون وعي أو فهم أو إدراك لأفكارها.. فيجاهدون علي حسابها في سبيل الله ويطلبون منه الثواب لأنهم وقفوا بالنيابة عنه في وجه الدكتورة الكافرة التي تعتدي علي المقدسات وتحطم الثوابت.. ورغم أن نوال السعداوي تعرف بأنها في كل مرة ستفرج عن فكرة من أفكارها فإنها ستقابل بزبد الغوغاء.. لكنها تصر علي أن تتحدث.. أن تكتب.. وأن تنشر!
تعالوا نستبعد بعض الأفكار النافقة.. فنوال السعداوي لا تفعل ما تفعله من أجل الشهرة.. فهي مشهورة ومعروفة ليس علي مستوي مصر فقط، ولكن علي مستوي العالم.. صحيح أن شهرتها في مصر والعالم الإسلامي ليست شهرة إيجابية لكنها معروفة.. ولن تدخل في مساحات جديدة من القلق ليعرفها وافد جديد علي سوق القراءة، وفي الغالب لن يفهمها.. بل سينضم علي الفور إلي قائمة خصومها وأعدائها الذين يحلمون لها بالزوال والرحيل نهائياً ليس عن مصر ولكن عن العالم كله.
هذه واحدة.. فيما أعتقد أن نوال لم تعد في حاجة إلي المال.. ليس لديّ تقرير بذمتها المالية ولا ما هي ممتلكاتها وأرصدتها.. لكنها الآن وقد تجاوزت السبعين من عمرها ليس معقولاً أن تبذل جهداً لجمع المال.. فهي حتي إذا جمعته ففي أي شيء ستنفقه وهي تعيش بين أوراقها وأقلامها.. وإذا استبعدنا فكرة المال.. يمكن أن نقول إن نوال تعمل من أجل مغازلة عيون الغرب بمؤسساته وجامعاته ومراكز بحوثه ودراساته.. وقد يكون في هذا بعض الحق.. لكن إذا كانت نوال تعمل وعينها علي الغرب فلماذا لم تذهب إليه لتقيم فيه وتنتهي بشكل كامل من الصداع الذي يحيط بها كلما تحدثت أو حاولت أن تعبر عن رأيها.. لقد عرضت الهجرة علي نوال السعداوي أكثر من مرة لكنها ظلت علي موقفها غير مهتمة أو ملتفتة لما يمكن أن يصيبها.
<<<
لماذا أقول هذا الكلام الآن..؟
إن نوال السعداوي خارج مصر.. وقد قيل إنها هربت خوفاً من مساءلتها قانونياً عن مسرحيتها «الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة»، والتي أعيد طبعها ضمن مشروع مكتبة مدبولي لإصدار الأعمال الكاملة لنوال السعداوي، وهو مشروع قدم له الناشر بقوله: علي مدي خمسين عاماً ويزيد، قدمت د. نوال السعداوي للقارئ العربي وللثقافة العربية مشروعاً متكاملاً يتميز في إبداء الرأي والاشتباك مع مختلف القضايا التي يتحاشي أغلب الكتاب التعامل معها، ومازال عطاؤها مستمراً بإذن الله.. وحرصاً من مكتبة مدبولي علي إتاحة أعمالها، فقد قامت بإعادة نشر الأعمال الكاملة في عدة سلاسل هي الأعمال الفكرية والمذكرات والرحلات والسيرة الذاتية والمسرحيات والقصص القصيرة والروايات.
هذا ليس إعلاناً بالطبع عن المشروع الذي يقوم به الحاج مدبولي، فهو من فطاحل الناشرين في مصر، ولا يحتاج إعلاناً من أحد.. لكن كان هذا التنويه مهماً لتفسير بعض ما جري خلف الكواليس.. إن الحاج محمد مدبولي ناشر يعرف ما يفعله جيداً.. يمتلك جرأة غير عادية، وإذا جاز لنا التعبير فيمكن أن نقول إنه ناشر ليبرالي فهو ينشر كل وأي شيء.. يتعامل مع النشر بمنطق التجارة.. فعينه دائماً علي القارئ وما يريده.. فإلي جانب تبنيه لكتابات من نطلق عليهم العلمانيين.. فهو يتبني أيضاً كتابات الإسلاميين.. لا فرق عنده بين الاثنين، طالما أن هناك قارئاً يريد أن يقرأ لكل منهما.
عندما طبع الحاج محمد مدبولي مسرحية نوال السعداوي «الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة»، وجد من يقول له إنها مسرحية تهين المقدسات وتجسد الذات الإلهية والأنبياء الكبار وتجري علي ألسنتهم حوارات ليست لائقة.. أخذ هذا الكلام وظل ساهراً ليلة كاملة يفكر فيما يجب أن يفعله.. لقد انتهت مطبعة عربية وهي مطبعة في أرض اللواء بالمهندسين من طباعة نسخ المسرحية كاملة وليس عليه أن يتسلمها.. ومعرض الكتاب بعد أيام، وكتب نوال السعداوي رغم كل ما يحيط بها مطلوبة ليس من القارئ المصري فقط، ولكن من القارئ العربي أيضاً، انتهي مدبولي كما قال لمن حوله الي، أنه سيعدم نسخ المسرحية.. أوحي مدبولي بأن هذا القرار قراره فهو لا يقبل أي مساس بالذات الإلهية، لكن هناك تأكيدات بأن قرار مدبولي بالتخلص من نسخ المسرحية جاء نزولاً علي نصيحة من بعض الصحفيين وضباط من أمن الدولة.. لأنه لو حدث وحوكمت نوال السعداوي علي هذه المسرحية، فإن الناشر لابد أن يجرجر معها في المحاكم.. وإذا صدر ضدها حكم قضائي بالسجن بتهمة إزدراء الأديان فلابد أن ينال الناشر من السجن جانباً.
لقد قال الحاج مدبولي إن أي مفكر أو مثقف وقارئ عادي قد يوافق د. نوال السعداوي في آرائها وقد يختلف معها إلي أبعد الحدود، ولكن من الصعب تجاهلها وإهمال تجربتها فهي مقاتلة بحق، ولعل أبلغ دليل علي ذلك الأوسمة الرفيعة التي فازت بها من جامعات وهيئات ومراكز بحوث في أمريكا وأوروبا، ورغم أن مدبولي؟ قال: ونحن نؤمن بالرأي والرأي الآخر، نحترم حق الاختلاف؟.. لكن يبدو أنه هذه المرة قدر أنه لن يتحمل ضريبة الاختلاف فأعدم نسخ المسرحية، وإن كان هذا الإعدام لم يمنعنا من الحصول علي نسخة من المسرحية.
لكن لماذا تغير الحاج مدبولي؟.. ما الذي جعله يتراجع هكذا عن مبادئه في احترام حرية الاختلاف؟.. هل كبر الرجل وأصبح لا يتحمل البهدلة أو النقد.. أم أن المجتمع هو الذي تغير وأصبح صدره ضيقاً حرجاً كأنه يصعد في السماء، وقد أدرك مدبولي ذلك فاختار ألا يدخل في مواجهة بلا جدوي مع مجتمع لا يقرأ.. وإذا قرأ فإنه لا يفهم.. وإذا فهم فإنه لا يريد أن يتغير أو يتحرر فآثر السلامة وليغرق المجتمع في أوحال جهله وسقوطه، إن هذه سابقة خطيرة يقوم بها ناشر قوي وقادر علي الدفاع عن أفكاره.. لكن يبدو أن أنصار عصور الظلام أصبحوا أقوي وأعنف وأشرس.
- هل هربت الدكتورة؟
يوم الثلاثاء الماضي اجتمع شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي برجاله في مجمع البحوث الإسلامية، كانوا قد انتهوا من إعداد تقرير مفصل عن مسرحية نوال السعداوي.. أشاروا فيه إلي إن المسرحية تحمل إساءة واضحة للذات الإلهية والقرآن الكريم والملائكة وجميع الأديان السماوية.. ولما كان الأمر علي هذه الصورة فلابد من قرار.. وكان القرار أن يتقدم المجمع ببلاغ إلي المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام ضد نوال السعداوي.. وليس مستبعداً أن يذهب شيخ الأزهر وكل رجاله وهم علي قلب رجل واحد لمقاضاة الدكتورة.. وتأتي خطورة هذه المقاضاة تحت ظلال حكم قضائي صدر منذ أيام ضد طالب أزهري بالسجن ثلاث سنوات بتهمة ازدراء الأديان.. وهو ما يعني أن نوال السعداوي يمكن أن يحكم عليها بالسجن.. كل ذلك بسبب مسرحية كتبتها عبرت فيها عن أفكارها وآرائها.. في بلد يدعي احترام حرية الرأي والتعبير وتقديسها.
في 3 فبراير الماضي كانت د. نوال قد حملت حقائبها وذهبت إلي بروكسل بدعوة من رئيسة جمعية تضامن المرأة العربية الدولية.. وقد حضرت عدة مؤتمرات عن النساء والثقافة والسياسة الأمريكية وحرية الابداع وألقت هناك بعض المحاضرات.. وفي 14 مارس ستصل نوال إلي «وست فرجينيا»، بأمريكا لتتسلم الجائزة الدولية للأدب الافريقي عن رواياتها وقصصها وإنتاجها الأدبي.. بعد ذلك هي مدعوة لتكون أستاذاً زائراً لمدة 6 أشهر في جامعة ميتشجان الأمريكية، هي في مهمة علمية وفكرية إذن.. وقد غادرت مصر قبل أن تنفجر في وجهها أزمة مسرحيتها التي ليست جديدة، فقد أصدرتها منذ سنوات.. وكل ما فعله مدبولي أنه أعاد نشرها مرة ثانية.
الذين يفضلون أن يعيشوا الحياة بهدوء، ويركنوا بظهورهم إلي الحائط سيرجحون أن نوال السعداوي لن تعود من رحلتها وأنها ستهرب من وجه المطاردات القضائية والدينية.. فما الذي يجعلها تتعب نفسها وتعيد نفس الكلام الذي قالته ورددته خلال سنوات عمرها الطويلة، دون أن يسمعه أو يفهمه أحد؟، لكن من يعرفون نوال السعداوي جيداً يدركون أنها ستعود لتخوض معركتها حتي الآن، إنها امرأة ترحب بمعانقة العواصف.. وقد خاضت معارك كثيرة فما الذي يجعلها تهرب من الساحة الآن.. إن هذه تحديداً - وبخلاف معاركها السابقة - هي معركة عمرها، ولابد أن تخوضها حتي لو دفعت ثمنها غالياً.. فلو هربت هذه المرة فسيسقط كل البناء الذي بنته طوال عمرها.. لن يبقي له أثر.. ولن يكون لها ذكر، وكاتبة مثل نوال السعداوي لا يمكن أن تفرط فيما اكتسبته بسهولة.
إنها معركتها الأخيرة - أطال الله في عمرها - لا أقصد أنها لا يمكن أن تدخل في معارك بعدها.. لكن هذه معركتها الكبري التي ستدافع فيها عن كل ما أنجزته واستقبلته منها المطابع الساخنة، أقدر جيداً حالة الاحباط الشديدة التي تعاني منها، فهي تشعر بأنها وحدها.. فئة من المثقفين دخلت حظيرة السلطة ولا تريد أن تخرج منها راضية بما حققته من مكاسب.. وفئة منهم استراحوا من مكاتبهم المكيفة ومقاهي وسط البلد إلي النضال الشفوي المجاني.. إنهم لا يريدون أن يدافعوا عن نوال السعداوي معتقدين أنهم بذلك يساهمون في شهرتها وتصعيدها، رغم أنهم إذا فعلوا ذلك فإنهم يدافعون عن أنفسهم، فإذا قطعت رقبة نوال اليوم.. فإن رقاب الجميع ستقطع غداً.
- لماذا يقدم الإله استقالته؟
مسرحية «الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة» لها قصة حقيقية بدأت في ليلة التاسع من يونيو 1992 في بيتها بالقاهرة، بعد منتصف الليل سمعت نوال دقات علي باب بيتها في شارع مراد بالجيزة، كانت نائمة في سريرها إلي جوار زوجها، لم تسمع الدقات أول الأمر.. كان زوجها هو الذي سمع الدقات، وبخبرته الطويلة أدرك أنهم زوار الفجر، إنه طبيب وأديب كان في شبابه يحلم بالحرية والعدل فإذا به نزيل السجن ثلاثة عشر عاماً، أجمل سنين الشباب قضاها وراء القضبان، وأربع سنوات قضاها في المنفي، وبقية العمر عاشه مطارداً لم يستقر إلا الأعوام الأخيرة بعد أن تجاوز السبعين عاماً من عمره.
لم تكن الزيارة لإلقاء القبض علي نوال.. لكن قوة الأمن قالت لها إن أحد الكتاب تم اغتياله منذ ساعات والقتلة مجهولون حتي الآن، وقد أصدرت الحكومة أمراً بحماية الأرواح التي وردت اسماؤهم في قائمة الموتي.. دارت الحكايات لتقول إن الحراسة وضعت علي بيت نوال، لأنها أصدرت رواية «سقوط الإمام».. وهي الرواية التي كتبت قبل اغتيال السادات الذي كان يخلط كثيراً بين الحاكم الأرضي رئيس الجمهورية الذي يستمد قوته من القانون المدني وتشريعات الدولة وبين الحاكم الديني «الإمام» الذي يستمد قوته من القانون الإلهي وكتاب الله، وقد غير الدستور المصري وأصبحت الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد لهذا الدستور، حمل السادات لقب الرئيس المؤمن وأصدر قراراً بأن المرتد عن الإسلام عقابه الإعدام ونصب نفسه رئيساً مدي الحياة كالآلهة الخالدين.
بدأت رواية «سقوط الإمام» في ذهن نوال السعداوي منذ عشرين عاماً علي شكل مسرحية، كان الإمام بطل المسرحية يظهر أحياناً علي شكل رئيس الدولة «السادات».. وفي أحيان أخري يرتدي ثياب الرب الأعلي ويجلس علي عرش السماء، لم تكن القوانين تسمح بتجسيد شخصية الرب الأعلي فوق خشبة المسرح، الأنبياء أيضاً شخصيات مقدسة لا تظهر صورهم ولا يمكن تجسيدهم في أعمال مسرحية، رئيس الدولة دخل أيضاً ضمن الشخصيات المقدسة، وكان السادات يرأس الدولة والحكومة والجيش والحزب الحاكم، أعطي نفسه لقب «رب العائلة» ثم أصبح للحكومة رئيس آخر يسمونه «رئيس الوزراء» وهو شخصية بشرية يخضع للنظام الديمقراطي أو التعددية الحزبية، يمكن أن يتلقي النقد من الأحزاب المعارضة بصفته المسئول الأول عن أخطاء الحكومة وشرورها، أما رئيس الدولة فهو غير مسئول عن الشر، إنه مسئول فقط عن الخير مثل الله سبحانه وتعالي.
لم يكن لهذه المسرحية أن تري النور بالطبع.. ومن شدة الرعب كومت نوال السعداوي أوراق المسرحية في صفيحة جاز فارغة وأشعلت فيها النار، ثم جلست إلي مكتبها وبدأت تكتب رواية من وحي المسرحية المحروقة اسمها «سقوط الإمام» في هذه الرواية لم تظهر شخصية الرب الأعلي من وراء الستار، بل إن حارس الجنة السيد رضوان عليه السلام ظهر في مشهد واحد، وكان مجرد الوسيط بين الإمام الواقف عند باب الجنة والرب الأعلي.
لكنها عادت بعد أن وضع اسمها علي قوائم اغتيالات الجماعات الإسلامية ،وسألت نفسها ولماذا لا تعيد كتابة المسرحية الأولي مرة أخري إذا كان الموت في كل الحالات هو نهاية المطاف؟ أصبحت الفكرة تلح عليها في النوم واليقظة، أهو إبليس الذي يوسوس لها بالمسرحية؟ إنها تريد أن تجسد هذه الشخصية علي الخشبة.. كانت نوال تري في شخصية إبليس جوانب إيجابية لابد أن تظهر في المسرحية، لقد كان أكثر الملائكة توحيداً لله، فهو الوحيد الذي رفض أن يركع لغير الله واعترض علي الله حين أمره بالركوع لآدم.
لقد خطرت هذه الفكرة لنوال السعداوي وهي طفلة في السابعة من عمرها، حين قرأت قصة آدم وحواء في كتاب الله، كانت الطفلة تكبر وتقرأ في كتب الله الثلاثة، وكلما أوغلت في القراءة تجسدت أمامها شخصيات الأنبياء وعلي رأسهم سيدنا إبراهيم يليه سيدنا موسي، ثم سيدنا عيسي ثم سيدنا محمد وسيدنا آدم وستنا حواء وستنا مريم وزوجة فرعون وإبليس والله سبحانه وتعالي الرب الأعلي.. وبعد أربعين عاماً من التوقف عن الكتابة في هذه الأفكار.. تركت نوال فكرة المسرحية وكتبت رواية اسمها «براءة إبليس».
وفي 4 أكتوبر 1996 دعيت نوال إلي منزل د. بروس لورانس أستاذ بجامعة «ديوك».. كانت الدعوة تشمل العشاء علي مشاهدة مسرحية يمثلها مجموعة من الطلبة والطالبات، كانت المسرحية مستوحاة من روايتها «سقوط الإمام».. و«براءة إبليس»، قبل بداية المسرحية كان هناك طالب يقوم بدور الراوي، قال إن تجسيد الله أو الرب الأعلي علي المسرح كان مستحيلاً، ليس خوفاً من دخول النار بعد الموت، وإنما هو عجز الخيال البشري عن تصور الله أو الروح أو الهواء أو اللاشيء داخل جسد مادي من لحم ودم يتحرك فوق المسرح، كيف يكون شكل هذا الجسم؟ كيف يكون حجمه بالنسبة للشخصيات الأخري.. ماذا تكون لون بشرته؟ وهكذا حذفت شخصية الله من المسرحية ولم يتجسد منها شيء فوق الخشبة إلا الصوت، صوت الله فقط سمعه من حضروا عرض المسرحية بصوت أحد الطلبة المختفي وراء جدار.
بعد انتهاء المسرحية، عادت نوال السعداوي إلي شقتها الصغيرة في شارع دوجلاس بمدينة ديرهام بولاية نورث كارولينا، كانت الساعة الحادية عشرة ليلاً، ارتدت ملابس نومها.. أرادت أن تنام لكن النوم لم يأت، أشياء كثيرة دارت في رأسها مثل خلية نحل، شخصيات في مسرحيتها بدأت تبعث من الموت.. يدبون بأرجلهم علي الخشبة.. كانت تسمع الدبيب في رأسها، أخذت حماماً لتطردهم.. لكن دون جدوي.. ولم يكن أمامها إلا أن تنهض أمسكت القلم وأخرجتهم من رأسها إلي الورق.. لا تعرف نوال السعداوي كم ساعة جلست لتكتب في تلك الليلة؟ لكنها حين رفعت رأسها من فوق الورق كانت الساعة الواحدة ظهر اليوم التالي 5 أكتوبر 1996.
ثلاث عشرة ساعة من الكتابة كانت نتيجتها أن ظهرت إلي النور مسرحية «الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة».
- ماذا قال الله للأنبياء؟
تدير نوال السعداوي حواراً طويلاً وساخناً بين الله والأنبياء سيدنا موسي وعيسي ومحمد وإبراهيم وحارس الجنة سيدنا رضوان وستنا حواء والسيدة مريم.. وطوال المسرحية يظهر إبليس.. حرصت نوال علي أن تثبت لشخصياتها ملامح بشرية واضحة ومحددة.. وقبل أن تحلق بخيالك.. دعني أسأل سؤالاً: هل كتبت نوال السعداوي هذه المسرحية من أجل أن تعلن كفرها؟.. شيء من هذا لم يحدث.. فهي تكتب عن الله ورسله الذين حملوا كتبه إلينا.. وهو ما يعني أنها لم تكفر بهم ولم تجحد وجودهم.. لكنها تسير حاملة قضية علي كتفيها.. فالعالم من حولها يقهر المرأة ويظلمها وقد وهبت حياتها وعمرها من أجل هذه القضية وإذا وضعنا الكلمات التي قالتها ستنا حواء.. وبنت الله وهي إحدي شخصيات المسرحية سنعرف عن أي شيء كانت تتحدث نوال.. وأي شيء كانت تريد وهذه كلمات متفرقة.
حواء: يا سيدي رضوان.. هذا الطفل إسماعيل وأمه هاجر لقيا الأهوال في الصحراء حتي وصلا المدينة واشتغلت هاجر في الأرض وشقيت لتعول ابنها، لكن ما إن كبر الابن حتي عاد إليه أبوه إبراهيم يريد انتزاعه من أمه بالقوة، رفضت الأم ورفض الابن، فإذا بربك الأعلي يأمر إبراهيم أن يذبح ابنه، ألم تكن عندك وسيلة لإرضاء ربك يا إبراهيم سوي ذبح ابنك!
بنت الله: عملية الختان جريمة في حق الإنسان يا سيد رضوان، أرجوك أن تسأل سيدك الأعلي لماذا فرضها علي شعبه المختار، وقال إنها مقابل الأرض، هو يعدهم بالأرض وهم يعدونه بالختان.. ما علاقة الأرض بقطع جزء من جسم الإنسان؟
حواء: ما العيب في الجنس والحمل والولادة يا سيد رضوان؟ لقد قال ربك الأعلي للبشر تكاثروا تناسلوا، فكيف يحدث ذلك بدون أن آكل أنا وزوجي من الشجرة ونعرف الجنس معاً، كان علينا أن نختار بين طاعة الله وبين ممارسة الجنس والإنجاب، إن طاعة الله تعني أننا لن يكون لنا نسل أي أننا سننقرض، كما أن عدم طاعته تعني أيضاً الموت لنا، إذن الطاعة أو عدم الطاعة كلاهما تقودان إلي موتنا، لهذا كان علينا أن نختار الجنس والتناسل ثم الموت، بدلاً من الموت قبل ممارسة الجنس والانجاب، علي الأقل أصبح لنا نسل يتناسل من بعدنا وهكذا استمرت البشرية يا سيد رضوان، فالبشرية كلها مدينة لي أنا لأنني عصيت الله وكنت أكثر شجاعة ووعياً من زوجي آدم.
بنت الله: هناك بلاد كثيرة في العالم تنسب الأطفال لأمهاتهم أو تنسبهم للأم والأب معاً، إن تجاهل اسم الأم ليس إلا استمرار لتجاهل حق المرأة في التاريخ وفي الحضارات الأموية السابقة علي ظهور الإله الذكر الواحد كان الأطفال ينسبون للأم.
حواء: في الزمان القديم أنجبت أنا وآدم عدداً من البنات والأولاد وكانت المشكلة دائماً أن الابن الفاسد مثل أبيه هو الذي يصبح خليفة.. وكان إبليس أحد أبنائي لكنه كان صالحاً، يسعي إلي المعرفة والحقيقة مثلي وأصبح خطراً يهدد سلطة الخليفة الأكبر.. إنه الصراع علي السلطة ليس إلا، هو الذي جعل التاريخ البشري مليئاً بالدم.
بنت الله: لماذا يكون غشاء البكارة جزءاً من شخصيتي.. وماذا عن البنات اللائي يولدن بدون غشاء بكارة؟ إن 25% من البنات يولدن بدون هذا الغشاء؟ وإذا أردت أن أعرف نفسي فأنا إنسانة كاملة الأهلية ولدتني أمي عام 1975 في قرية صغيرة بالقرب من البحر ورأيت أبي يقتل أمه، ضربها بالفأس الذي كانت تزرع به الأرض لتطعمه وهرب أبي من أمي بعد مولدي لأنه أراد ابناً ذكراً يرث اسمه واسم أبيه، اشتغلت أمي بالفأس في الأرض لتعلمني في المدارس والجامعات، دخلت الجامعة قسم التاريخ وأصبحت أستاذة أحمل درجة الدكتوراة.. فهل يكون غشاء البكارة جزءاً من شخصيتي؟ هذا الغشاء الذي ربما لم أولد به أو تمزق وأنا أقفز السلم أو أركب الدراجة أو الحصان.
- متي تعود نوال إلي مصر؟
هذه بعض نصوص مسرحية «الإله يقدم استقالته» لم تختلف كثيراً عن أفكار نوال السابقة.. إنها تحاول أن تنصر المرأة وحتي إذا كان هناك من يري أنها عندما استعانت بالله والأنبياء كي تحدث صدمة لهذا المجتمع الساكن، فإنها بذلك كفرت.. فإن هذا الاتهام ليس ذا بال ولا قيمة له حتي إذا كان يقف وراءه شيوخ الأزهر الكبار.. إذن ما معني أن يحاكم كاتب أي كاتب بسبب فكرة طرحها؟.. هل تخافون يا مشايخ إلي هذه الدرجة؟.. أم أنكم تواصلون نفاقكم إلي الله.؟ إذا كانت نوال السعداوي تجاوزت فهذا أمر بينها وبين ربها هو الذي يحاسبها علي ذلك.. إن المشايخ ونجوم الحسبة ليسوا وكلاء الله علي الأرض، لن أطالب نوال السعداوي أن تسحب كلامها حتي ترضيهم، لكنني أطالبها بأن تعود وبأقصي سرعة.. ونحن جميعاً نقف وراءها.. يا د. نوال إن هذه هي المعركة الأخيرة.. لابد أن نخوضها إلي النهاية.. ضد أعداء الله والحرية.