تمهيد:
ليس ثمة شك أن حدثاً كالحيض، يعتري المرأة بصفة دوريه، مرة في كل شهر على مدى سنوات الخصوبة من عمرها، بدءاً من سن البلوغ وحتى سن اليأس - فيما خلا فترات الحمل والرضاعة عند البعض - لابد وأن يكون قد داعب الخيال الإنساني منذ بدء الخليقة، ثم سيطر عليه، قبل العقل والفكر والمنطق وحتى العلم، فحلق معه فيما يحيط به من غموض، وما يكتنفه من أسرار ثم ترك بصماته واضحة جلية على التراث الإنساني المتواتر، والمفعم في ذات الوقت بالأوهام والترهات والخزعبلات.
تلك الخزعبلات التي سورت الحقيقة بسياج كثيف، وسبقت العقل، منذ بدء الخليقة، ثم استحوذت على الفكرة أزمانا، فكبلت انطلاقه، وقيدت سبعة لاستجلاء كنه الحقيقة وجوهرها.
الحيض: نظرة تاريخية:
وقد قال البعض: (كان أول ما أرسل الحيض على بني إسرائيل) لكن السيدة عائشة، فيما روي عنها، قالت: (خرجنا لا نرى إلا الحج، فلما كنا بسرف، حضت، فدخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكى، قال: (أن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضى الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت). (البخاري - الجزء الأول)
معتقدات قدماء المصريين:
ولم يستطيع العقل البشرى أن يتخلص من أثار ما خلفه الخيال، حتى بعد أن عرف الإنسان الكتابة على عهد المصريين القدماء منذ ما يقرب من سبعة آلاف سنة، فقد عزا أولئك حدوث الحيض إلى قوى شريرة تصيب المرأة، وتجعل من جسدها كله خبثاً ودنساً وقت حيضها، ومن ثم قام طبيبهم الكاهن باستنبات مجموعه من البذور البقلية، سقاها بماء مخلوط بدماء الحيض، ومجموعه أخرى سقاها بالماء العذب القراح، ولما تأخر نمو المجموعة الأولى ثم ذبلت، وماتت بعدئذ خلص إلى وجود السم في تلك الدماء الحيضية، رسخ لديه ذلك الاعتقاد، وما دامت تلك السموم قد خرجت من بدنها يكون خبثاً كله، وسما جميعه، ومن ثم كانوا يعتزلونها تماماً إلى حد نبذها وقت حيضها.
ولقد اعتقد أبو قراط وجالينوس (1) ومن تبعهم، ممن مارسوا صناعة الطب في القرون الوسطى في ذلك الاعتقاد، وكذلك فعل المجوس واليهود.
معتقدات اليهود:
والمعروف عن اليهود أنهم يتشددون في مسائل الحيض، والدم بصفة عامه ولا يفرقون في نظرتهم ولا في أحكامهم بين الحيض والاستحاضة، وذلك حسب ما ورد في (الإصحاح الخامس عشر من سفر اللاويين)، وهو واحد من الأسفار التي يسمون جملتها بالتوراة، فالحائض عندهم تعزل تماماً خلال فترة الدم، أو خمسة أيام أيهما أقل، وما خلال تلك الفترة جميعها (اثني عشر يوما على الأقل)، يتجنبون ملامساتها، ومؤاكلتها، وحتى الجلوس معها على فراش، ويذهبون إلى أكثر من ذلك غلواً، بكسر آنية الخزف أو الفخار أو ما شابة ذلك إذا ما مستها الحائض ولا يحل الغسيل لتلك المرأة ألا بعد انقضاء الأيام السبعة اللاحقة لأيام الحيض، وفي اليوم الثامن تغتسل، ثم تقدم " الحاخام" أمام الرب، في خيمة الاجتماع يمامتين أو فرخي حمام، واحدة منهما ذبيحة خطية والأخرى محروقة.
معتقدات العرب قبل الإسلام:
أما العرب في جاهليتهم، فقد كان اعتقادهم المتوارث عن هذا الأمر، لا يختلف في كثير أو قليل، عن اعتقاد المجوس واليهود ومعاصريهم، فكانوا يعتزلون المرأة إذا حاضت اعتزالا تاماً، فلا يؤكلوها ولا يجالسوها على فراش ولا حتى يساكنوها (القرطبي) ذلك أن عقيدتهم لم تكن أيضاً ثمرة العقل، ولا كانت نتاجاً للفكر، بقدر ما كانت تراثاً متواتراً خلفه الخيال ورسخ في الوجدان على مر السنين، وكانت المرأة عندهم إذا حاضت، فهي " عارك " و"فارك" و"كابر" و"دارس" و"طامث" و"ضاحك" و"حائض" (القرطبي) ولهذه التسميات جميعها - فيما خلا اللفظ الأخير - دلالتها في اللسان العربي، إذ يستدل منها إنهم كانوا يعتقدون أن هذا الأمر الذي يعتري المرأة مرة في كل شهر، وبصفة دورية، هو بمثابة " فرك" لمواد ضارة وسامة في بدنها " طمست " عليه وألمت به فغطته، ولو أنها بقيت فيه لأ ضرت به وأهلكته، وهى امرأة " ضاحك " أي منفرجة الأنسجة متفتحة المسام، كي تتخلص من تلك السموم وهى " عارك " و"دارس" وفيهما معنى المغالبة لهذه المواد وهى أيضا " كابر " لأنها تكبر هذا الأمر لما فيه من خلاصها من السموم والأضرار وهى كذلك " طامث " والطمث من الدنس والمس والفساد، (القاموس المحيط الجزء الأول ص169، 215، 227، الجزء الثاني ص311، 313، 315، 329).
تلك كانت نظرة العرب في جاهليتهم، لهذا الأمر، وذلك كان اعتقادهم، ولقد كان اعتقادهم ذلك راسخاً في نفوسهم، مستقراً في وجدانهم، ونهج نهجهم أو ربما نهجوا هم نهج - المجوس واليهود دون النصارى - وهم أهل كتاب - إذ لم يرد في كتابهم الإنجيل ذكر لهذا الأمر، من قريب أو من بعيد، ومن ثم فهم لا يبالون به ولا يأبهون به. ويجامعون نساءهم أبانه.
الإسلام يصحح المفاهيم:
وفي يثرب..طيبه الطيبة..المدينة المنورة.. وفي العقد الأول من القرن السابع الميلادي، كان يعيش أخلاط من الناس، لهم مذاهب شتى ومعتقدات متباينة.
كان يعيش المسلمون، وهم وقتئذ قلة.. المهاجرون في مكة، الذين أخرجوا من ديارهم، بغير حق، إلا أن يقولوا ربنا الله والأنصار من أهل المدينة من الأوس والخزرج وعرب يثرب، وكانت تعيش فلول يهود، وفدوا إليها من ارض كنعان قبل ما يقرب من خمسة قرون خلت، فرارا من وطأة الرومان الباطشة، وكانت تعيش قلة من النصارى، وكانت تعيش بضعة من المجوس، وكانت تطرأ عليها أجناس أخرى، نفد وقوداً طارئاً في تجارة لها.
وكان بدهياً، والحال على ذلك النحو، أن يتساءل خلاط الناس على اختلاف مذاهبهم، وتباين عقائدهم، عن موقف الإسلام وهو الدين الجديد الذي لم يكن قد وقر في قلوب الغالبية بعد - من هذا الأمر وقد روى أن بعض المسلمين هم الذين توجهوا بالسؤال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - عما يحل لهم وما يحرم عليهم من نسائهم حال حيضهن، فنزل في ذلك قراناً يتلى.
قال - تعالى -: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنّ حَتّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهّرْنَ فَأْتُوهُنّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ يُحِبّ التّوّابِينَ وَيُحِبّ الْمُتَطَهّرِينَ) (البقرة 222).
الإعجاز في استخدام لفظ المحيض:
(عن تفسير المنار) ولفظ المحيض مصدر من حيض بمعنى سيل، ويطلق على ماء الحيض ومكانه والحدث الذي خصص هذا المكان له، كالمجيء والمبيت والمغيب، فإذا نحن قلنا "جاء المغيب" دل ذلك على الزمان، وإذا قلنا "توجهت الشمس إلى المغيب" دل ذلك على المكان، وإذا نحن قلنا "أظلمت الدنيا بالمغيب " دل ذلك على حدث الغياب ذاته.
واختيار القرآن الكريم للفظ "المحيض" من بين الأسماء الأخرى التي جرت على لسان العرب، وجميعها ما خلا اللفظ القرآني تحمل معنى السموم، له حكمة بالغة لا يجوز أن تحفي على فطنة المسلم الواعي.
الحكمة من تقديم العلة على الحكم:
كما أن تقديم العلة على الحكم وترتيبه الحكم على العلة في قوله - تعالى -: (قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ)إنما جاء لطفاً منه - سبحانه - ليؤخذ بالقبول من المتساهلين الذين قد يرون أن الحجر عليهم في أمور غرائزهم وشهواتهم تحكماً ويعلم أنه حكم للمصلحة، وليس للتعبد كما هو الحال عند اليهود.
معنى قوله - تعالى -(وَلاَ تَقْرَبُوهُنّ):
والمراد من النهى عن القرب في (وَلاَ تَقْرَبُوهُنّ) النهى عن لازمة القرب الذي يقصد منه وهو الوقاع، والمعنى أنه يجب على الرجال ترك غشيان نسائهم زمن الحيض لآن غشيانهم سبب للأذى والضرر، وإذا سلم الرجل من هذا الأذى فلا تكاد تسلم المرأة لأن الغشيان يزعج أعضاء النسل فيها إلى ما ليست مستعدة له ولا قادرة عليه لاشتغالها بوظيفة طبيعية أخرى وهى إفراز الدم المعروف.
وقد أفادت الآية الكريمة تأكيد الحكم إذا أمرت باعتزال النساء في زمن المحيض وهو كناية عن ترك غشيانهن فيه ثم بنيت مدة هذا الإعتزال بصيغة النهي والحكمة من التأكيد هي مقاومة الرغبة الطبيعية في ملامسة النساء، وإيقافها دون حد الإيذاء.
وكان يظن بعض الناس أن الاعتزال وترك القرب، حقيقة لا كناية وإنه يجب الابتعاد عن النساء في المحيض وعدم القرب منهن بالمرة، ولكن النبي بين لهم أنه هو الوقاع وقال: " اصنعوا أي شيء إلا الجماع " رواه احمد ومسلم وأصحاب السنن.
وفي حديث حزام بن حكيم عن عمه انه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما يحل لي من امرأتي وهى حائض؟ قال: لك ما فوق الإزار أي ما فوق السرة). واه أبو داوود.
معنى قوله - تعالى -(حَتّىَ يَطْهُرْنَ):
والطهر في قوله - تعالى -: (حَتّىَ يَطْهُرْنَ) انقطاع دم الحيض وكن نساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف، فيه الصفرة، فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيضة. البخاري الجزء الأول - باب إقبال المحيض وأدباره.
معنى قولة - تعالى -(فَإِذَا تَطَهّرْنَ) والتطهر في قوله - تعالى -، فإذا تطهرن، هو الغسل بالماء. فعن عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل: قال: " خذي فرصه من مسك، فتطهري بها " قلت: كيف أتطهر؟ قال: " تطهري بها " قالت: كيف؟ قال " سبحان الله.. تطهري " فاجتذبتها إليّ فقلت: تتبعي بها أثر الدم " البخاري، الجزء الأول - باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض.
وقد روت السيدة عائشة - رضي الله عنها - أن امرأة من الأنصار قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: كيف أغتسل من المحيض: قال: (خذي فرصه ممسكة فتوضئي ثلاثا " ثم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استحيا وأعرض بوجهه، فأخذتها، فجذبتها، فأخبرتها بما يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - البخاري الجزء الأول - باب غسل المحيض. وفي تفسير ابن كثير: وقد اتفق العلماء على أن المرأة إذا أنقطع حيضها لا تحل حتى تغتسل بالماء، وقال ابن عباس (حتى يطهرن) أي من الدم (فإذا تطهرن) أي: بالماء، كذا قال مجاهد وعكرمة، والحسن ومقاتل ابن حيان والليث بن سعد وغيرهم. وفي تفسير القرطبي: فإذا تطهرن، يعنى بالماء، وبه ذهب مالك وجمهور العلماء، وإن الطهر الذي يحل به جماع الحائض التي يذهب عنها الدم هو تطهرها بالماء، كطهور الخبث، ولا يجزئ من ذلك تيمم، وفي رأي آخر يحل التيمم لعدم وجود الماء.
مجمل القول:
1- أن الفهم الصحيح للحقيقة القرآنية، وللإشارة المعجزة والمتمثلة في دقة اختيار اللفظ القرآني، دون باقي الألفاظ التي جرت على لسان العرب، ثم لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما روته السيدة عائشة رضي الله - تعالى -عنها، في الطهر والتطهر، لا يدع مجالاً لأدني شك في أن المباشرة الزوجية أثناء الحيض وفي مكانة أذى وضرر.
2- أن الأذى الذي نهى الحق- تبارك وتعالى -عن المباشرة الزوجية وقت الحيض بسببه، لابد وأن يكون أذىً موضعياً في ذات المكان، وليس أذىً عاماً في جسد المرأة جميعه، ومن ثم في إفرازاته من عرق ولعاب وما إلى ذلك كما وقر في نفوس الناس جميعاً نتيجة لما توارثوه على مدى تاريخ البشرية الطويل المظلم، قبل بزوغ شمس الهداية.
3- أن الحائض لا تحل لزوجها إلا بعد (الطهر)وهو انقطاع الدم وتوقف سيله تماماً ثم (التطهر) وهو الغسل بالماء، والغسل يكون ثلاث مرات، تتبعا لأثر الدم، والتطيب بفرصه (قطعة قطن) ممسكة (أي مبلله بالمسك) تتتبع بها الحائض أثر الدم ثلاث مرات، وهذا وصية من وصايا الرسول - صلى الله عليه وسلم - تعد من قبل السنة الشريفة.
4- أحل القرآن الكريم ما حرمته اليهود وحرم ما أحلته النصارى، ومن ثم لابد وأن يكون في ذلك حكمة إلاهية فيها المصلحة لصحة الإنسان، ويستحيل معها على الوعي الإيماني قبول بأن هذا التحليل وذلك التحريم، وقد جاء لهما القرآن الكريم لمجرد الوسطية فحسب، دون حكمة تستوجب التأمل والتفكر، ثم البحث العلمي تلبيه لقولة - تعالى -(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لّيَتَفَقّهُواْ فِي الدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوَاْ إِلَيْهِمْ لَعَلّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة 122).
ولقد أدركت يهود المدينة المنورة على عهد الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ما يمكن أن يحدثه الفهم الصحيح للحقيقة القرآنية على الله كذباً، فقالوا عندما سمعوا هذه الآية الكريمة: (هذا الرجل يريد ألا يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه) تفسير الفخر الرازى جـ6 ص66.
مزاعم المكابرين:
كثيرون من أمثال جواتييه 1900م (2) ويورسيه 1900م (3) تلمسوا سموم الزرنيخ واليود، وهم من أشد السموم فتكاً، في إفرازات جسم الحائض، من عرق ولعاب وما إلى ذلك.
كما أعلن ماخت 1943م (4) أنه وجد في لعاب وعرق الحائض، وكذلك في دورتها الدموية، مواد سامه، توقف نمو النبات المستزرع، كما أن ملامسة الحائض للخضراوات والزهور تتسبب في عطبها وذبولها، وتحول دون حفظها.
وقد أعلن جورج فان سميث والسيدة اوليف واتكسن سميث 1940-1950م (5-12) أن وفاة حيوانات الاختبار، بعد حقنها بكميات ضئيلة من دماء الحيض، أسمياها وقتئذ بالسموم الحيضية.
لكن رينولدز 1947 م(13)، لم يستطيع أن يداري ارتيابه فيما خلص إليه الـ سميث من نتائج، حيث أعلن عن عدم اقتناعه بأن حدثا وظيفيت كالحيض، يناط أو يرتبط بوجود سموم، وهو ما ينافي فطرة ما جبل عليه خلق الإنسان وتكوينه، وقد حذا حذوه فيما ذهب إليه كثيرون غيره آنذاك، الأمر الذي حدا ببرنارد زونذك 1953م (14) إلى أن يعزو وفاة الحيوانات إلى تجارب الـ سميث إلى احتمال وجود الجراثيم في دماء الحيض، وليس لوجود سموم فيها.
على أن الغالبية الغالبة من مؤلفي كتب أمراض النساء من الأوربيين والأميركيين يوردون في كتبهم ما أورده المؤلف الإنجليزي جيفكوت 1967م(15)، صاحب كتاب (أسس أمراض النساء) والذي يدرس لطلاب الطب في مرحلة التأهيل لدرجة البكالوريوس، وما بعده، في جميع جامعات العالم ويعتبر المرجع الأول لجميع المشتغلين بصناعة الطب في هذا الفرع من التخصص إذ أورد في كتابة مترجما بالنص:
1- (أن بعض الشعوب تلقن بناتها منذ الصغر وجوب الغسل المهبلي بعد كل حيضة وليس هذا الاعتقاد إلا اعتقاداً قديماً متوارثاً عن خبث ودنس الحائض ولا ضرورة له لأن الغسل بعد الحيض أو في أي وقت أخر يشكل بصفة عامه خطورة بالغة، حيث أنه يزيل معه الوسائل الوقائية الطبيعية).
2- (أن المباشرة الزوجية في أثناء الحيض تمارس بصفة عامة، وبصوره طبيعية وبأكثر كثيراً مما هو معروف).
3- (أن فترة الحيض تعتبر جزءاً من فترة الأمان ولقد جاء النص اليهودي بتحريم المباشرة الزوجية أثناء الحيض وبعده بسبعة أيام موافقاً تماما لما هو معروف الآن بفترة الأمان، وذلك ليقصر المباشرة الزوجية على فترة الإخصاب، وهى فترة الإباضة في منتصف الدورة الشهرية).
4- (أن الادعاء القائل بخطورة المباشرة الزوجية أثناء الحيض تحسباً لتهتك الأنسجة البالغة الطراوة في ذلك الوقت من ناحية، وتجنباً لزيادة السيل والذي قد يحدث للإثارة الجنسية من ناحية أخرى، ليس صحيحاً أيضاً من الوجهة العلمية ولا يزيد عن كونه مزاعم نظرية).
5- (طالما أن الزوجين سليمان، وخاليان من الأمراض، فلا خوف على أيهما من أي ضرر، وإذا ما مورست المباشرة الجنسية في المحيض).
6- (لا تستحب المباشرة الجنسية وقت المحيض، لشيء، إلا لوجود الدم فقط ولزوجته هي التي قد تحول دون تمام النشوة المرجوة من العملية الجنسية، وحتى يمكن التغلب عليها قبل البدء في المباشرة بالغسل، ثم يوضع حاجز، يحجب سيل الدم مؤقتاً وإلى حين)
وسنفرد رداً خاصاً على جيفكوت في متن الدراسة الطبية.
اجتهادات الغيورين:
كثيرون من الذين تدفعهم الغيرة على الإسلام فيقولون أن العلم الحديث قد أثبت كذا وكذا وهو ما أشار إليه القرآن الكريم منذ قرون خلت، يقعون في خطأ رغم سلامة النية ونبل القصد، وكان الأجدر بهم والأحرى أن يقولوا لقد أشار القرآن الكريم إلى كذا، واستلهاماً من تلك الإشارة وذلك التوجيه الإلهي، كان اجتهادنا نحن المسلمين في الوصول إلى النتيجة الفلانية قبل غيرنا من المسلمين، ذلك أن العلم الحديث، شرقياً كان أو غربياً قد يصل إلينا حاملاً في طياته وبين جوانحه ما ليس من ديننا، وقد دس السم في العسل، كما يقولون، في خبث خبيث ومكر شديد ونحن في غفلة عن الواقع الفكري. وليس أدل على ذلك من مؤتمر طبي عقد في مدينة نيويورك 1949م، وقد شارك في أعماله مائة وسبعة عشر طبيباً من أساطين الطب وأساتذته في العالم آنذاك، جلهم من اليهود، وقد ناقش المؤتمرون في ذلك المؤتمر موضوع الحيض تحوى سموماً فتاكة وقد جمعوا بحوثهم - وكان جلها قد نشر من قبل في كتاب نشروه على العالم وقتئذً وقد تلقف بعض علماء المسلمين وبعض أطبائهم الطعم وانزلقوا إليه بقولهم أن القرآن الكريم أشار إلى ذلك منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً وما دروا أن الفهم العلمي الصحيح للحقيقة القرآنية في هذا الأمر يتعارض مع تلك الإسرائيليات.
-وللوقوف على ذلك راجع ما كتبه الدكتور عبد العزيز إسماعيل، في كتابه (الإسلام والطب الحديث ص 28/1938 م) حيث ذكر أن دم الحيض يحتوى على مواد سامة.
- وراجع كذلك ما قاله د. محمد توفيق صدقي في كتابه (دروس سنن الكائنات جـ1 ص117/1333هـ).
- وفي كتابه (الحلال والحرام في الإسلام ص151/1960م في العلاقة الحسية بين الزوجين) يذهب الدكتور يوسف القرضاوي إلى أن الإسلام وقف كشأنه دائماً -موقفاً وسطاً بين المتطرفين في مباعدة الحائض إلى حد الإخراج من البيت، والمتطرفين في المخالطة إلى حد الاتصال الجنسي، وإن الطب الحديث قد كشف ما في إفرازات الحيض من مواد سامة تضر بالجسم إذا بقيت فيه كما كشف الأمر باعتزال جماع النساء في الحيض.. (انظر كتاب الإسلام والطب الحديث للمرحوم الدكتور عبد العزيز إسماعيل).
اجتهاد العلم:
قام الكاتب 1976م(16) بدراسة التغيرات في مجهريات المهبل ودرجة التأين الحمضي، خلال دورة الحيض، تلمساً للتفسير العلمي السليم لأذى المحيض، استلهاماً من الحقيقة القرآنية وإلقاء الضوء على مزاعم غير المسلمين في هذا الصدد.
الطريقة والمواد: تتم انتقاء خمسين سيدة (27 لم يسبق لهن الولادة، و23 سبق لهن) وجميعهن سليمات، صحيحات، خاليات من الأمراض من الناحية الباطنية والنسائية وقد ترددن فرادى على العيادة الخارجية بمستشفي الجلاء التعليمي للولادة بالقاهرة في أربع زيارات قبل وأثناء وبعد الحيض، ثم في منتصف الدورة الشهرية.
وقد أخذت من كل واحدة منهم في كل زيارة مسحة من أسفل المهبل وأعلاه وخزعة من البطانة الرحمية ثم عينة بول وقد قيست درجة التأين الحمضي للمهبل أيضاً في كل زيارة.
وقد تم فحص العينات بعد زرعها على مزارع مختلفة وعمل التحليلات المتباينة لبيان جميع أنواع المجهريات في أسفل وأعلى المهبل، وفي البول وعلاقة ذلك بوقت الدورة ودرجة التأين الحمضي في المهبل وكذلك في البول.
النتائج:
أوجز الكاتب نتائج الدراسة في الآتي:
1- تكشف له وجود دورة لمجهريات المهبل ليست منفصلة عن دورة هرمونات المبيض فتواجد الجراثيم الضارة من ناحية أخرى، تسيران في خطين متضادين فعندما تكثر واحدة تقل الأخرى، وفي خلال فترة الحيض تواجدت الجراثيم الضارة بأعداد رهيبة في حين اختفت عصويات دودرلين تماماً.
2- أثناء فترة الحيض تواجدت الجراثيم الضارة في أسفل المهبل في حين بدا الجزء العلوي منه خالياً منها تماماً.
3- تواجدت أنواع أخرى من الجراثيم الضارة أثناء فترة الحيض، بخلاف تلك المتواجدة أصلاً وهذه هي جراثيم مجرى البول والشرج.
4- جرثومة واحدة غير ضارة بطبيعتها اكتسبت خاصية الضرر وقت الحيض وفي بعض الحالات.
5- ازدهر طفيل الترأيكومونس وقت الحيض وتكاثر أربعة أضعاف ما كان عليه، ومن العجب أنه بدلاً من أن يبقى في أسفل المهبل مكانه الأثير فإنه تسلق إلى الجيوب المهبلية في أعلى المهبل.
6- لوحظ أن تعدد الجراثيم الضارة عموماً في السيدات اللائي لم يلدن أقل منها في أولئك اللائي سبق لهن الولادة، وكذلك درجة التأين الحمضي فهي تميل إلى الحامضية في المجموعة الأولى عنها في المجموعة الثانية.
المناقشة:
وضح من هذه الدراسة أن عصويات دودرلين، تتواجد بصفة طبيعية في المهبل، وهى تعتبر الحارس عليه ضد الجراثيم الضارة ذلك أن المهبل طبيعة خاصة في تكوينه وخلقه؛ إذ تبطن جدره الداخلية طبقة كثة من النسيج الطلائي الذي لا يحتوى على خلايا إفرازية ولا على أهداب، وهذه وتلك منوط بها في القنوات الهضمية والبولية والتنفسية طرد الجراثيم إلى الخارج، كذلك حرم المهبل من ميزة الانقباضات والتقلصات التموجية كما هو الحال في الأمعاء.
- ليس من وسيلة دفاع للمهبل إذ يواجه بها الجراثيم الضارة ويتخلص منها ويطردها إلى الخارج ويمنع دخولها إلى الرحم ثم إلى القنوات وبالتالي إلى فراغ البطن الداخلي ألا وجود ذلك (الشرطي) الذي هو عصويات دودرلين، وتلك العصويات تعيش على السكر المخزون في خلايا جدر المهبل وهذه الخلايا تقع تحت تأثير هورمونات المبيض من ناحيتين:
الأولى: نسبة تخزين وتركيز السكر بها حيث وجد أن أعلى نسبة تركيز للسكر داخل تلك الخلايا تكون في منتصف الدورة الشهرية وتقل تدريجياً مع انخفاض نسبة الهرمونات المبيضية حتى تتلاشى تماماً قبل الحيض بساعات وأثناءه.
الثانية: انفصال هذه الخلايا من جدر المهبل حيث تنفصل هذه الخلايا كجزء من عملية التحديد الدائم، وقد وجد أن أعلى نسبة لانفصال هذه الخلايا تحدث في منتصف الدورة الشهرية ثم تقل تدريجياً تصل إلى الدرجة الدنيا قبل الحيض بساعات ثم أثناءه.
وعلى ذلك فإن أعلى نسبة لتركيز السكر في المهبل تحدث في منتصف الدورة وأقل نسبة هي قبل الحيض مباشرة وأقل منها إلى درجة العدم تكون أثناء الحيض، وبالتالي فإن عصويات دودرلين تلك تصل إلى قمة تكاثرها ونشاطها في منتصف الدورة وقد وصل معدلها في تلك الدراسة إلى 5×10 مم، ثم تقل وتضعف قبل الحيض مباشرة.
- وعند حدوث الحيض ونزول الدم فإن درجة التأين الحمضى للمهبل تتغير من الحامضية إلى القلوية فتموت تلك العصويات ويأخذها تيار الدم معه إلى خارج المهبل حيث وجدت أعدادها لا تزيد على 0. 1×10مم3 في الأيام الأولى للحيض وفي أسفل المهبل فقط أما في الأيام التالية فقد وجد المهبل خالياً منها تماماً، ذلك لأن موتها قد أعقبه كنسها إلى الخارج بواسطة تيار الدم.
- في هذا الوقت بالذات وقت الحيض تكون الفرص كلها سانحة والظروف كلها مهيأة تماماً لنمو وتكاثر ثم لنشاط الجراثيم الضارة.
- وذلك لأن عصويات دودرلين تول السكر إلى حمض اللبنيك وهو القاتل للجراثيم الضارة، هذه واحدة.
والأخرى أن وجود تلك العصويات نفسها يكبل نمو الجراثيم الضارة ويقف دون نشاطها ويحول دون تكاثرها بطريقة مازال يكتنفها شي من الغموض.
- وفي غياب تلك العصويات وتبدل درجة التأين الحمضى إلى القلوية وفي وجود الدم الذي يعبر الغذاء الشهي للجراثيم الضارة فإنها (الجراثيم) تجد المرتع الخصب للنمو والتكاثر ليس هذا فحسب وإنما تدعو صويحباتها من جراثيم الشرج وجراثيم مجرى البول والشرطي غائب وليس أشد غدراً من جرثومة ضارة.
- وقد وجد أن هذه الجراثيم الضارة تزداد في أعدادها حيث يصل عددها إلى 6×10 مم3، وفي أنواعها أيضاً وقت الحيض وليس من سبيل يمنع دخولها إلى جدار الرحم المتهتك، في هذا الوقت بالذات ولا نفاذها إلى داخل فراغ البطن ولا إلى اقتحامها الأنسجة الرخوة والبالغة الطراوة في تلك الآونة الحرجة سوى شيء واحد فحسب ذلك هو تيار الدم المضاد الآتي من أعلى إلى أسفل.
- ليس من الحكمة إذن في شيء ولا من المنطق في كثير أو قليل معاندة الطبيعة باقتحام حاجز الدفاع الأوحد والباقي للمحيض حيث تغيب عصويات دودرلين ويكثر نمو الجراثيم الضارة وتضعف أنسجة المهبل والأنسجة المجاورة جميعاً.
- وقد وجد أيضاً أن طفيل الترأيكومونس في وقت الحيض يتضاعف أربعة أضعاف وهذا الطفيل وجد في أعلى المهبل أثناء الحيض متحيناً فرصته ومترقباً صيده ومعروف أنه يسبب التهابات في الجهاز البولي والتناسلي للذكر ومعروف أيضاً أن انتقاله إليه لا يكون إلا عن طريق المباشرة الزوجية، واحتمال الإصابة به قائم في ذلك الوقت إذا ما حدثت المباشرة.
- ولقد نص القرآن الكريم والسنة النبوية على شرطي: الطهر (انقطاع الدم) والتطهر بالماء لاقتفاء أثر الدم كما أوضح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى تحل الحائض.
وقد وضح أن ذلك يزيل الجراثيم الضارة في الوقت الذي لا يوجد فيه تيار سائل جارى لغسلها طبيعياً، ويهيئ أيضاً الظروف الطبيعية لتواجد عصويات دودرلين مرة أخرى خاصة إذا ما اتبعت السنة النبوية الشريفة بالتطهر بالمسك فهو فضلاً عن طيب رائحته فه قاتل للجراثيم ولم يفرض القرآن الكريم غير الطهر والتطهر شرطين لاستئناف العلاقة الزوجية بعد المحيض ولم يحرم الزوجة ولو مرة واحدة من رغباتها الجنسية التي تصل ذروتها قبل الحيض وبعده وفي منتصف الدورة كما أوضح أندري 1969م (17).
- وقصر القرآن الكريم التحريم على المحيض وقتاً ومكاناً ومباشرة ذلك أنه أذى للزوجين جميعاً ولم ينه الإسلام عن الحدب والعطف والملاطفة للحائض بل حث عليها حتى يخفف ذلك عنها بعض ما تعانيه من آلام نفسية وما تقاسيه من أوجاع بدنية.
عودة إلى مزاعم جيفكوت:
وفي معرض الرد على ما أورده المؤلف الإنجليزي جيفكوت - كمثال لما كتبه كثيرون غيره في هذا الصدد - أورد الكاتب:
1- يعارض جيفكوت في مسألة التطهر، بعد الطهر ويدعى أن الغسل بالماء يزيل الوسائل الطبيعية وهو لذلك يشكل خطورة بالغة، ونحن نتفق معه في أن الغسل في أي وقت - ما خلا بعد انقطاع السيل يزيل الوسائل الطبيعية للمقاومة لأنها موجودة أما بعد انقطاع الحيض فقد اتضح من نتائج الدراسة أن هذه الوسائل الطبيعية غير موجودة بتاتاً في هذه الفترة، وليس هذا فحسب بل إن مقومات وجودها أيضاً من السكر ودرجة التأين الحمضي غير متوافرة، هذا فضلاً عن تواجد الأعداد الرهيبة من الجراثيم الضارة والتي ما تزال متواجدة في أسفل المهبل حيث توقف تيار السيل عنها ولم تغسل إلى الخارج بعد.
والأمر يختلف بالنسبة للعذارى فقد وضح من النتائج أن درجة التأين الحمضى وكذلك وفرة عصويات دودرلين تزيد في مجموعة المشاركات اللاتي لم يلدن عنها في مجموعة المشاركات التي سبق لهن الولادة، وعليه فإنها في العذارى تكون أكثر وأكثر، ومن ثم فإن الغسل المهبلى للعذارى غير وارد بالنظر إلى وجود العذرية. ولآن الوسائل الطبيعية أقدر على ممارسة دورها وقبل هذا وذاك فإن المباشرة غير واردة فلو حدث وتأخر استعداد نشاط الوسائل الطبيعية ولو ليوم أو يومين لما كان هناك ما يوجب العجلة.
2- ادعى جيفكوت أن المباشرة الزوجية في المحيض تمارس على وجه العموم - وبأكثر مما هو معروف - على حين كتب المؤلفان الانجليزيان كبرتى وهوفمان 1950 وغيرها بأن الاعتقاد الراسخ في خطورة المباشرة في المحيض تملئ عدم ممارسته، ولا يوجد ما يبرر انتزاع هذا الاعتقاد نظراً لمسايرته لأصول الصحة العامة.
3- دافع جيفكوت عن تحريم المباشرة عند اليهود وقت الحيض وبعده بسبعة أيام بأن ذلك يوافق تماماً ما هو معروف الآن بفترة الأمان ليقصر المباشرة على وقت الإباضة حتى يتم الإخصاب وتناسي أن نظرة التحريم في اليهودية قائمة على أساس وجود الدم ولا تفرق بين الحيض والاستحاضة كما هو الحال في الإسلام.
ولا علاقة البتة بين تحريم المباشرة في اليهودية وموضع الإخصاب، خاصة وقد عرفنا مؤخراً أن الإباضة قد تحدث في أي وقت حتى في فترة الحيض ذاتها.
4- ناقض جيفكوت ما أسماه (الادعاء) القائل بخطورة المباشرة في المحيض تحسباً لهتك الأنسجة وتجنباً لزيادة السيل ووصفه بأنه مزاعم نظرية ونصح بالمباشرة في المحيض بالغسل المهبلي ووضع حاجز لاحتجاز الدم مؤقتاً وهذه المكابرة بعينها.
ليس هو إدعاء كما يقول ولكنه (قرآن كريم) وهو (أذى) لاشك فيه ولا ريب، أوضحت دراستنا أنه أذى جرثومي وليس لتهتك الأنسجة وأذى للزوج والزوجة جميعاً وليس للزوجة فحسب أما نصيحته بالغسل ووضع حاجز لاحتجاز الدم فلا تحتاج إلى تعقيب حيث تخالف الأسس العلمية والعملية جميعاً.
الاستنباط:
إن ما خلص إليه اجتهاد الكاتب في دراسته من دروس وعبر استلهاماً من الحقيقة القرآنية، هو بأي معيار الأساس العلمي السليم للمحيض صحة وسلوكا، الأمر الذي يجب أن يكون منطلقاً لبحوث متعددة تاليه في هذا المجال.
الاستحاضة:
عرف الفقهاء الاستحاضة بأنها سيلان الدم في غير وقت الحيض والنفاس، أو نقص عن أقله، أو سال قبل سن الحيض (وهو تسع سنين) فهو الاستحاضة.
1- أن تكون مدة الحيض معروفه لها قبل الاستحاضة، وفي هذه الحالة تعتبر هذه المدة المعروفة هي مدة الحيض، والباقي استحاضة، لحديث أم سلمه أنها استفتت النبي - صلى الله عليه وسلم - في امرأة تهراق الدم فقال: لتنظر قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضهن وقدرهن من الشهر، فتدع الصلاة ثم لتغتسل ولتستقر، ثم تصلى " رواه مالك والشافعي.
2- أن يستمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة، إما لأنها نسيت عادتها، أو بلغت مستحاضة، ولا تستطيع تمييز دم الحيض، وفي هذه الحالة سيكون حيضها ستة أيام أو سبعة على غالب عادة النساء، لحديث حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض حيضه شديدة كثيرة، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها؟ وقد منعتني الصيام والصلاة؟ فقال: "انعت لك الكرفس (أي اصف لك القطن) فإنه يذهب الدم " فقالت: هو أكثر من ذلك، فقال: فتلجمي (أي شدي خرقة مكان الدم على هيئة لجام) فقالت: إنما أثج ثجاً، فقال: سأمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر فإن قويت عليهما فأنت أعلم فقال: إنما هي ركضه من ركضات الشيطان، فتحيضي ستة أيام إلى سبع أيام في علم الله، ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقيت، فصلي أربعاً وعشرين ليلة أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها، وصومي فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي في كل شهر، كما تحيض النساء، وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن، وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر، فتغتسلين ثم تصلين الظهر والعصر جميعاً، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلى، وتغتسلين مع الفجر وتصلين، فكذلك فافعلى، وصلي وصومي إن قدرت على ذلك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وهذا أعجب الأمرين إلى " رواه احمد والترمذي ".
3- أن لا يكون لها عادة، ولكنها تستطيع تمييز دم الحيض وفي هذه الحالة تعمل بالتمييز، لحديث فاطمة بنت أبي حبيش، أنها كانت تستحاض فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف، فإذا كان كذلك فامسكي عن الصلاة وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق.
أحكام المستحاضة:
1- لا يجب عليها الغسل لشيء من الصلاة، ولا في أي وقت من الأوقات، إلا مرة واحدة حينما ينقطع حيضها، وبهذا قال جمهور العلماء.
2- يجب عليها الوضوء لكل صلاة، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في رواية البخاري: " ثم توضئ لكل صلاه ولا يجب إلا بحدث آخر.
3-أن تغسل فرجها قبل الوضوء، وتحشوه بخرقه، أو قطنه، دفعاً للنجاسة، وتقليلاً لها، فإذا لم يندفع الدم بذلك شدت مع ذلك على فرجها وتلجمت، ولا يجب هذا وإنما هو الأولى.
4- ألا تتوضأ قبل دخول وقت الصلاة عند الجمهور، إذ طهارتها ضرورية، فليس لها تقديمها قبل وقت الحاجة.
5- يجوز لزوجها أن يطأها في الحال جريان الدم، عند جمهور العلماء، لأنه لم يرد دليل بتحريم جماعها، قال ابن عباس " المستحاضة يأتيها زوجها، إذا صلت الصلاة أعظم " (رواه البخاري) يعنى إذا جاز لها أن تصلى ودمها جار وهى أعظم ما يشترط لها الطهارة، جاز جماعها، وعن عكرمة بنت حمنة أنها كانت مستحاضة، وكان زوجها يجامعها (رواه أبو داود والبيهقي والنووي).
6- للمستحاضة كما للطاهرات، فتصلى وتصوم وتعتكف وتقرأ القرآن وتمس المصحف وتحمله وتفعل كل العبادات وهذا مجمع عليه من جمهور العلماء.
ليس ثمة شك أن حدثاً كالحيض، يعتري المرأة بصفة دوريه، مرة في كل شهر على مدى سنوات الخصوبة من عمرها، بدءاً من سن البلوغ وحتى سن اليأس - فيما خلا فترات الحمل والرضاعة عند البعض - لابد وأن يكون قد داعب الخيال الإنساني منذ بدء الخليقة، ثم سيطر عليه، قبل العقل والفكر والمنطق وحتى العلم، فحلق معه فيما يحيط به من غموض، وما يكتنفه من أسرار ثم ترك بصماته واضحة جلية على التراث الإنساني المتواتر، والمفعم في ذات الوقت بالأوهام والترهات والخزعبلات.
تلك الخزعبلات التي سورت الحقيقة بسياج كثيف، وسبقت العقل، منذ بدء الخليقة، ثم استحوذت على الفكرة أزمانا، فكبلت انطلاقه، وقيدت سبعة لاستجلاء كنه الحقيقة وجوهرها.
الحيض: نظرة تاريخية:
وقد قال البعض: (كان أول ما أرسل الحيض على بني إسرائيل) لكن السيدة عائشة، فيما روي عنها، قالت: (خرجنا لا نرى إلا الحج، فلما كنا بسرف، حضت، فدخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكى، قال: (أن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضى الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت). (البخاري - الجزء الأول)
معتقدات قدماء المصريين:
ولم يستطيع العقل البشرى أن يتخلص من أثار ما خلفه الخيال، حتى بعد أن عرف الإنسان الكتابة على عهد المصريين القدماء منذ ما يقرب من سبعة آلاف سنة، فقد عزا أولئك حدوث الحيض إلى قوى شريرة تصيب المرأة، وتجعل من جسدها كله خبثاً ودنساً وقت حيضها، ومن ثم قام طبيبهم الكاهن باستنبات مجموعه من البذور البقلية، سقاها بماء مخلوط بدماء الحيض، ومجموعه أخرى سقاها بالماء العذب القراح، ولما تأخر نمو المجموعة الأولى ثم ذبلت، وماتت بعدئذ خلص إلى وجود السم في تلك الدماء الحيضية، رسخ لديه ذلك الاعتقاد، وما دامت تلك السموم قد خرجت من بدنها يكون خبثاً كله، وسما جميعه، ومن ثم كانوا يعتزلونها تماماً إلى حد نبذها وقت حيضها.
ولقد اعتقد أبو قراط وجالينوس (1) ومن تبعهم، ممن مارسوا صناعة الطب في القرون الوسطى في ذلك الاعتقاد، وكذلك فعل المجوس واليهود.
معتقدات اليهود:
والمعروف عن اليهود أنهم يتشددون في مسائل الحيض، والدم بصفة عامه ولا يفرقون في نظرتهم ولا في أحكامهم بين الحيض والاستحاضة، وذلك حسب ما ورد في (الإصحاح الخامس عشر من سفر اللاويين)، وهو واحد من الأسفار التي يسمون جملتها بالتوراة، فالحائض عندهم تعزل تماماً خلال فترة الدم، أو خمسة أيام أيهما أقل، وما خلال تلك الفترة جميعها (اثني عشر يوما على الأقل)، يتجنبون ملامساتها، ومؤاكلتها، وحتى الجلوس معها على فراش، ويذهبون إلى أكثر من ذلك غلواً، بكسر آنية الخزف أو الفخار أو ما شابة ذلك إذا ما مستها الحائض ولا يحل الغسيل لتلك المرأة ألا بعد انقضاء الأيام السبعة اللاحقة لأيام الحيض، وفي اليوم الثامن تغتسل، ثم تقدم " الحاخام" أمام الرب، في خيمة الاجتماع يمامتين أو فرخي حمام، واحدة منهما ذبيحة خطية والأخرى محروقة.
معتقدات العرب قبل الإسلام:
أما العرب في جاهليتهم، فقد كان اعتقادهم المتوارث عن هذا الأمر، لا يختلف في كثير أو قليل، عن اعتقاد المجوس واليهود ومعاصريهم، فكانوا يعتزلون المرأة إذا حاضت اعتزالا تاماً، فلا يؤكلوها ولا يجالسوها على فراش ولا حتى يساكنوها (القرطبي) ذلك أن عقيدتهم لم تكن أيضاً ثمرة العقل، ولا كانت نتاجاً للفكر، بقدر ما كانت تراثاً متواتراً خلفه الخيال ورسخ في الوجدان على مر السنين، وكانت المرأة عندهم إذا حاضت، فهي " عارك " و"فارك" و"كابر" و"دارس" و"طامث" و"ضاحك" و"حائض" (القرطبي) ولهذه التسميات جميعها - فيما خلا اللفظ الأخير - دلالتها في اللسان العربي، إذ يستدل منها إنهم كانوا يعتقدون أن هذا الأمر الذي يعتري المرأة مرة في كل شهر، وبصفة دورية، هو بمثابة " فرك" لمواد ضارة وسامة في بدنها " طمست " عليه وألمت به فغطته، ولو أنها بقيت فيه لأ ضرت به وأهلكته، وهى امرأة " ضاحك " أي منفرجة الأنسجة متفتحة المسام، كي تتخلص من تلك السموم وهى " عارك " و"دارس" وفيهما معنى المغالبة لهذه المواد وهى أيضا " كابر " لأنها تكبر هذا الأمر لما فيه من خلاصها من السموم والأضرار وهى كذلك " طامث " والطمث من الدنس والمس والفساد، (القاموس المحيط الجزء الأول ص169، 215، 227، الجزء الثاني ص311، 313، 315، 329).
تلك كانت نظرة العرب في جاهليتهم، لهذا الأمر، وذلك كان اعتقادهم، ولقد كان اعتقادهم ذلك راسخاً في نفوسهم، مستقراً في وجدانهم، ونهج نهجهم أو ربما نهجوا هم نهج - المجوس واليهود دون النصارى - وهم أهل كتاب - إذ لم يرد في كتابهم الإنجيل ذكر لهذا الأمر، من قريب أو من بعيد، ومن ثم فهم لا يبالون به ولا يأبهون به. ويجامعون نساءهم أبانه.
الإسلام يصحح المفاهيم:
وفي يثرب..طيبه الطيبة..المدينة المنورة.. وفي العقد الأول من القرن السابع الميلادي، كان يعيش أخلاط من الناس، لهم مذاهب شتى ومعتقدات متباينة.
كان يعيش المسلمون، وهم وقتئذ قلة.. المهاجرون في مكة، الذين أخرجوا من ديارهم، بغير حق، إلا أن يقولوا ربنا الله والأنصار من أهل المدينة من الأوس والخزرج وعرب يثرب، وكانت تعيش فلول يهود، وفدوا إليها من ارض كنعان قبل ما يقرب من خمسة قرون خلت، فرارا من وطأة الرومان الباطشة، وكانت تعيش قلة من النصارى، وكانت تعيش بضعة من المجوس، وكانت تطرأ عليها أجناس أخرى، نفد وقوداً طارئاً في تجارة لها.
وكان بدهياً، والحال على ذلك النحو، أن يتساءل خلاط الناس على اختلاف مذاهبهم، وتباين عقائدهم، عن موقف الإسلام وهو الدين الجديد الذي لم يكن قد وقر في قلوب الغالبية بعد - من هذا الأمر وقد روى أن بعض المسلمين هم الذين توجهوا بالسؤال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - عما يحل لهم وما يحرم عليهم من نسائهم حال حيضهن، فنزل في ذلك قراناً يتلى.
قال - تعالى -: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النّسَآءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنّ حَتّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهّرْنَ فَأْتُوهُنّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنّ اللّهَ يُحِبّ التّوّابِينَ وَيُحِبّ الْمُتَطَهّرِينَ) (البقرة 222).
الإعجاز في استخدام لفظ المحيض:
(عن تفسير المنار) ولفظ المحيض مصدر من حيض بمعنى سيل، ويطلق على ماء الحيض ومكانه والحدث الذي خصص هذا المكان له، كالمجيء والمبيت والمغيب، فإذا نحن قلنا "جاء المغيب" دل ذلك على الزمان، وإذا قلنا "توجهت الشمس إلى المغيب" دل ذلك على المكان، وإذا نحن قلنا "أظلمت الدنيا بالمغيب " دل ذلك على حدث الغياب ذاته.
واختيار القرآن الكريم للفظ "المحيض" من بين الأسماء الأخرى التي جرت على لسان العرب، وجميعها ما خلا اللفظ القرآني تحمل معنى السموم، له حكمة بالغة لا يجوز أن تحفي على فطنة المسلم الواعي.
الحكمة من تقديم العلة على الحكم:
كما أن تقديم العلة على الحكم وترتيبه الحكم على العلة في قوله - تعالى -: (قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ)إنما جاء لطفاً منه - سبحانه - ليؤخذ بالقبول من المتساهلين الذين قد يرون أن الحجر عليهم في أمور غرائزهم وشهواتهم تحكماً ويعلم أنه حكم للمصلحة، وليس للتعبد كما هو الحال عند اليهود.
معنى قوله - تعالى -(وَلاَ تَقْرَبُوهُنّ):
والمراد من النهى عن القرب في (وَلاَ تَقْرَبُوهُنّ) النهى عن لازمة القرب الذي يقصد منه وهو الوقاع، والمعنى أنه يجب على الرجال ترك غشيان نسائهم زمن الحيض لآن غشيانهم سبب للأذى والضرر، وإذا سلم الرجل من هذا الأذى فلا تكاد تسلم المرأة لأن الغشيان يزعج أعضاء النسل فيها إلى ما ليست مستعدة له ولا قادرة عليه لاشتغالها بوظيفة طبيعية أخرى وهى إفراز الدم المعروف.
وقد أفادت الآية الكريمة تأكيد الحكم إذا أمرت باعتزال النساء في زمن المحيض وهو كناية عن ترك غشيانهن فيه ثم بنيت مدة هذا الإعتزال بصيغة النهي والحكمة من التأكيد هي مقاومة الرغبة الطبيعية في ملامسة النساء، وإيقافها دون حد الإيذاء.
وكان يظن بعض الناس أن الاعتزال وترك القرب، حقيقة لا كناية وإنه يجب الابتعاد عن النساء في المحيض وعدم القرب منهن بالمرة، ولكن النبي بين لهم أنه هو الوقاع وقال: " اصنعوا أي شيء إلا الجماع " رواه احمد ومسلم وأصحاب السنن.
وفي حديث حزام بن حكيم عن عمه انه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ما يحل لي من امرأتي وهى حائض؟ قال: لك ما فوق الإزار أي ما فوق السرة). واه أبو داوود.
معنى قوله - تعالى -(حَتّىَ يَطْهُرْنَ):
والطهر في قوله - تعالى -: (حَتّىَ يَطْهُرْنَ) انقطاع دم الحيض وكن نساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف، فيه الصفرة، فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيضة. البخاري الجزء الأول - باب إقبال المحيض وأدباره.
معنى قولة - تعالى -(فَإِذَا تَطَهّرْنَ) والتطهر في قوله - تعالى -، فإذا تطهرن، هو الغسل بالماء. فعن عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسلها من المحيض فأمرها كيف تغتسل: قال: " خذي فرصه من مسك، فتطهري بها " قلت: كيف أتطهر؟ قال: " تطهري بها " قالت: كيف؟ قال " سبحان الله.. تطهري " فاجتذبتها إليّ فقلت: تتبعي بها أثر الدم " البخاري، الجزء الأول - باب الطيب للمرأة عند غسلها من المحيض.
وقد روت السيدة عائشة - رضي الله عنها - أن امرأة من الأنصار قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: كيف أغتسل من المحيض: قال: (خذي فرصه ممسكة فتوضئي ثلاثا " ثم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استحيا وأعرض بوجهه، فأخذتها، فجذبتها، فأخبرتها بما يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - البخاري الجزء الأول - باب غسل المحيض. وفي تفسير ابن كثير: وقد اتفق العلماء على أن المرأة إذا أنقطع حيضها لا تحل حتى تغتسل بالماء، وقال ابن عباس (حتى يطهرن) أي من الدم (فإذا تطهرن) أي: بالماء، كذا قال مجاهد وعكرمة، والحسن ومقاتل ابن حيان والليث بن سعد وغيرهم. وفي تفسير القرطبي: فإذا تطهرن، يعنى بالماء، وبه ذهب مالك وجمهور العلماء، وإن الطهر الذي يحل به جماع الحائض التي يذهب عنها الدم هو تطهرها بالماء، كطهور الخبث، ولا يجزئ من ذلك تيمم، وفي رأي آخر يحل التيمم لعدم وجود الماء.
مجمل القول:
1- أن الفهم الصحيح للحقيقة القرآنية، وللإشارة المعجزة والمتمثلة في دقة اختيار اللفظ القرآني، دون باقي الألفاظ التي جرت على لسان العرب، ثم لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما روته السيدة عائشة رضي الله - تعالى -عنها، في الطهر والتطهر، لا يدع مجالاً لأدني شك في أن المباشرة الزوجية أثناء الحيض وفي مكانة أذى وضرر.
2- أن الأذى الذي نهى الحق- تبارك وتعالى -عن المباشرة الزوجية وقت الحيض بسببه، لابد وأن يكون أذىً موضعياً في ذات المكان، وليس أذىً عاماً في جسد المرأة جميعه، ومن ثم في إفرازاته من عرق ولعاب وما إلى ذلك كما وقر في نفوس الناس جميعاً نتيجة لما توارثوه على مدى تاريخ البشرية الطويل المظلم، قبل بزوغ شمس الهداية.
3- أن الحائض لا تحل لزوجها إلا بعد (الطهر)وهو انقطاع الدم وتوقف سيله تماماً ثم (التطهر) وهو الغسل بالماء، والغسل يكون ثلاث مرات، تتبعا لأثر الدم، والتطيب بفرصه (قطعة قطن) ممسكة (أي مبلله بالمسك) تتتبع بها الحائض أثر الدم ثلاث مرات، وهذا وصية من وصايا الرسول - صلى الله عليه وسلم - تعد من قبل السنة الشريفة.
4- أحل القرآن الكريم ما حرمته اليهود وحرم ما أحلته النصارى، ومن ثم لابد وأن يكون في ذلك حكمة إلاهية فيها المصلحة لصحة الإنسان، ويستحيل معها على الوعي الإيماني قبول بأن هذا التحليل وذلك التحريم، وقد جاء لهما القرآن الكريم لمجرد الوسطية فحسب، دون حكمة تستوجب التأمل والتفكر، ثم البحث العلمي تلبيه لقولة - تعالى -(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لّيَتَفَقّهُواْ فِي الدّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوَاْ إِلَيْهِمْ لَعَلّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة 122).
ولقد أدركت يهود المدينة المنورة على عهد الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - ما يمكن أن يحدثه الفهم الصحيح للحقيقة القرآنية على الله كذباً، فقالوا عندما سمعوا هذه الآية الكريمة: (هذا الرجل يريد ألا يدع شيئاً من أمرنا إلا خالفنا فيه) تفسير الفخر الرازى جـ6 ص66.
مزاعم المكابرين:
كثيرون من أمثال جواتييه 1900م (2) ويورسيه 1900م (3) تلمسوا سموم الزرنيخ واليود، وهم من أشد السموم فتكاً، في إفرازات جسم الحائض، من عرق ولعاب وما إلى ذلك.
كما أعلن ماخت 1943م (4) أنه وجد في لعاب وعرق الحائض، وكذلك في دورتها الدموية، مواد سامه، توقف نمو النبات المستزرع، كما أن ملامسة الحائض للخضراوات والزهور تتسبب في عطبها وذبولها، وتحول دون حفظها.
وقد أعلن جورج فان سميث والسيدة اوليف واتكسن سميث 1940-1950م (5-12) أن وفاة حيوانات الاختبار، بعد حقنها بكميات ضئيلة من دماء الحيض، أسمياها وقتئذ بالسموم الحيضية.
لكن رينولدز 1947 م(13)، لم يستطيع أن يداري ارتيابه فيما خلص إليه الـ سميث من نتائج، حيث أعلن عن عدم اقتناعه بأن حدثا وظيفيت كالحيض، يناط أو يرتبط بوجود سموم، وهو ما ينافي فطرة ما جبل عليه خلق الإنسان وتكوينه، وقد حذا حذوه فيما ذهب إليه كثيرون غيره آنذاك، الأمر الذي حدا ببرنارد زونذك 1953م (14) إلى أن يعزو وفاة الحيوانات إلى تجارب الـ سميث إلى احتمال وجود الجراثيم في دماء الحيض، وليس لوجود سموم فيها.
على أن الغالبية الغالبة من مؤلفي كتب أمراض النساء من الأوربيين والأميركيين يوردون في كتبهم ما أورده المؤلف الإنجليزي جيفكوت 1967م(15)، صاحب كتاب (أسس أمراض النساء) والذي يدرس لطلاب الطب في مرحلة التأهيل لدرجة البكالوريوس، وما بعده، في جميع جامعات العالم ويعتبر المرجع الأول لجميع المشتغلين بصناعة الطب في هذا الفرع من التخصص إذ أورد في كتابة مترجما بالنص:
1- (أن بعض الشعوب تلقن بناتها منذ الصغر وجوب الغسل المهبلي بعد كل حيضة وليس هذا الاعتقاد إلا اعتقاداً قديماً متوارثاً عن خبث ودنس الحائض ولا ضرورة له لأن الغسل بعد الحيض أو في أي وقت أخر يشكل بصفة عامه خطورة بالغة، حيث أنه يزيل معه الوسائل الوقائية الطبيعية).
2- (أن المباشرة الزوجية في أثناء الحيض تمارس بصفة عامة، وبصوره طبيعية وبأكثر كثيراً مما هو معروف).
3- (أن فترة الحيض تعتبر جزءاً من فترة الأمان ولقد جاء النص اليهودي بتحريم المباشرة الزوجية أثناء الحيض وبعده بسبعة أيام موافقاً تماما لما هو معروف الآن بفترة الأمان، وذلك ليقصر المباشرة الزوجية على فترة الإخصاب، وهى فترة الإباضة في منتصف الدورة الشهرية).
4- (أن الادعاء القائل بخطورة المباشرة الزوجية أثناء الحيض تحسباً لتهتك الأنسجة البالغة الطراوة في ذلك الوقت من ناحية، وتجنباً لزيادة السيل والذي قد يحدث للإثارة الجنسية من ناحية أخرى، ليس صحيحاً أيضاً من الوجهة العلمية ولا يزيد عن كونه مزاعم نظرية).
5- (طالما أن الزوجين سليمان، وخاليان من الأمراض، فلا خوف على أيهما من أي ضرر، وإذا ما مورست المباشرة الجنسية في المحيض).
6- (لا تستحب المباشرة الجنسية وقت المحيض، لشيء، إلا لوجود الدم فقط ولزوجته هي التي قد تحول دون تمام النشوة المرجوة من العملية الجنسية، وحتى يمكن التغلب عليها قبل البدء في المباشرة بالغسل، ثم يوضع حاجز، يحجب سيل الدم مؤقتاً وإلى حين)
وسنفرد رداً خاصاً على جيفكوت في متن الدراسة الطبية.
اجتهادات الغيورين:
كثيرون من الذين تدفعهم الغيرة على الإسلام فيقولون أن العلم الحديث قد أثبت كذا وكذا وهو ما أشار إليه القرآن الكريم منذ قرون خلت، يقعون في خطأ رغم سلامة النية ونبل القصد، وكان الأجدر بهم والأحرى أن يقولوا لقد أشار القرآن الكريم إلى كذا، واستلهاماً من تلك الإشارة وذلك التوجيه الإلهي، كان اجتهادنا نحن المسلمين في الوصول إلى النتيجة الفلانية قبل غيرنا من المسلمين، ذلك أن العلم الحديث، شرقياً كان أو غربياً قد يصل إلينا حاملاً في طياته وبين جوانحه ما ليس من ديننا، وقد دس السم في العسل، كما يقولون، في خبث خبيث ومكر شديد ونحن في غفلة عن الواقع الفكري. وليس أدل على ذلك من مؤتمر طبي عقد في مدينة نيويورك 1949م، وقد شارك في أعماله مائة وسبعة عشر طبيباً من أساطين الطب وأساتذته في العالم آنذاك، جلهم من اليهود، وقد ناقش المؤتمرون في ذلك المؤتمر موضوع الحيض تحوى سموماً فتاكة وقد جمعوا بحوثهم - وكان جلها قد نشر من قبل في كتاب نشروه على العالم وقتئذً وقد تلقف بعض علماء المسلمين وبعض أطبائهم الطعم وانزلقوا إليه بقولهم أن القرآن الكريم أشار إلى ذلك منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً وما دروا أن الفهم العلمي الصحيح للحقيقة القرآنية في هذا الأمر يتعارض مع تلك الإسرائيليات.
-وللوقوف على ذلك راجع ما كتبه الدكتور عبد العزيز إسماعيل، في كتابه (الإسلام والطب الحديث ص 28/1938 م) حيث ذكر أن دم الحيض يحتوى على مواد سامة.
- وراجع كذلك ما قاله د. محمد توفيق صدقي في كتابه (دروس سنن الكائنات جـ1 ص117/1333هـ).
- وفي كتابه (الحلال والحرام في الإسلام ص151/1960م في العلاقة الحسية بين الزوجين) يذهب الدكتور يوسف القرضاوي إلى أن الإسلام وقف كشأنه دائماً -موقفاً وسطاً بين المتطرفين في مباعدة الحائض إلى حد الإخراج من البيت، والمتطرفين في المخالطة إلى حد الاتصال الجنسي، وإن الطب الحديث قد كشف ما في إفرازات الحيض من مواد سامة تضر بالجسم إذا بقيت فيه كما كشف الأمر باعتزال جماع النساء في الحيض.. (انظر كتاب الإسلام والطب الحديث للمرحوم الدكتور عبد العزيز إسماعيل).
اجتهاد العلم:
قام الكاتب 1976م(16) بدراسة التغيرات في مجهريات المهبل ودرجة التأين الحمضي، خلال دورة الحيض، تلمساً للتفسير العلمي السليم لأذى المحيض، استلهاماً من الحقيقة القرآنية وإلقاء الضوء على مزاعم غير المسلمين في هذا الصدد.
الطريقة والمواد: تتم انتقاء خمسين سيدة (27 لم يسبق لهن الولادة، و23 سبق لهن) وجميعهن سليمات، صحيحات، خاليات من الأمراض من الناحية الباطنية والنسائية وقد ترددن فرادى على العيادة الخارجية بمستشفي الجلاء التعليمي للولادة بالقاهرة في أربع زيارات قبل وأثناء وبعد الحيض، ثم في منتصف الدورة الشهرية.
وقد أخذت من كل واحدة منهم في كل زيارة مسحة من أسفل المهبل وأعلاه وخزعة من البطانة الرحمية ثم عينة بول وقد قيست درجة التأين الحمضي للمهبل أيضاً في كل زيارة.
وقد تم فحص العينات بعد زرعها على مزارع مختلفة وعمل التحليلات المتباينة لبيان جميع أنواع المجهريات في أسفل وأعلى المهبل، وفي البول وعلاقة ذلك بوقت الدورة ودرجة التأين الحمضي في المهبل وكذلك في البول.
النتائج:
أوجز الكاتب نتائج الدراسة في الآتي:
1- تكشف له وجود دورة لمجهريات المهبل ليست منفصلة عن دورة هرمونات المبيض فتواجد الجراثيم الضارة من ناحية أخرى، تسيران في خطين متضادين فعندما تكثر واحدة تقل الأخرى، وفي خلال فترة الحيض تواجدت الجراثيم الضارة بأعداد رهيبة في حين اختفت عصويات دودرلين تماماً.
2- أثناء فترة الحيض تواجدت الجراثيم الضارة في أسفل المهبل في حين بدا الجزء العلوي منه خالياً منها تماماً.
3- تواجدت أنواع أخرى من الجراثيم الضارة أثناء فترة الحيض، بخلاف تلك المتواجدة أصلاً وهذه هي جراثيم مجرى البول والشرج.
4- جرثومة واحدة غير ضارة بطبيعتها اكتسبت خاصية الضرر وقت الحيض وفي بعض الحالات.
5- ازدهر طفيل الترأيكومونس وقت الحيض وتكاثر أربعة أضعاف ما كان عليه، ومن العجب أنه بدلاً من أن يبقى في أسفل المهبل مكانه الأثير فإنه تسلق إلى الجيوب المهبلية في أعلى المهبل.
6- لوحظ أن تعدد الجراثيم الضارة عموماً في السيدات اللائي لم يلدن أقل منها في أولئك اللائي سبق لهن الولادة، وكذلك درجة التأين الحمضي فهي تميل إلى الحامضية في المجموعة الأولى عنها في المجموعة الثانية.
المناقشة:
وضح من هذه الدراسة أن عصويات دودرلين، تتواجد بصفة طبيعية في المهبل، وهى تعتبر الحارس عليه ضد الجراثيم الضارة ذلك أن المهبل طبيعة خاصة في تكوينه وخلقه؛ إذ تبطن جدره الداخلية طبقة كثة من النسيج الطلائي الذي لا يحتوى على خلايا إفرازية ولا على أهداب، وهذه وتلك منوط بها في القنوات الهضمية والبولية والتنفسية طرد الجراثيم إلى الخارج، كذلك حرم المهبل من ميزة الانقباضات والتقلصات التموجية كما هو الحال في الأمعاء.
- ليس من وسيلة دفاع للمهبل إذ يواجه بها الجراثيم الضارة ويتخلص منها ويطردها إلى الخارج ويمنع دخولها إلى الرحم ثم إلى القنوات وبالتالي إلى فراغ البطن الداخلي ألا وجود ذلك (الشرطي) الذي هو عصويات دودرلين، وتلك العصويات تعيش على السكر المخزون في خلايا جدر المهبل وهذه الخلايا تقع تحت تأثير هورمونات المبيض من ناحيتين:
الأولى: نسبة تخزين وتركيز السكر بها حيث وجد أن أعلى نسبة تركيز للسكر داخل تلك الخلايا تكون في منتصف الدورة الشهرية وتقل تدريجياً مع انخفاض نسبة الهرمونات المبيضية حتى تتلاشى تماماً قبل الحيض بساعات وأثناءه.
الثانية: انفصال هذه الخلايا من جدر المهبل حيث تنفصل هذه الخلايا كجزء من عملية التحديد الدائم، وقد وجد أن أعلى نسبة لانفصال هذه الخلايا تحدث في منتصف الدورة الشهرية ثم تقل تدريجياً تصل إلى الدرجة الدنيا قبل الحيض بساعات ثم أثناءه.
وعلى ذلك فإن أعلى نسبة لتركيز السكر في المهبل تحدث في منتصف الدورة وأقل نسبة هي قبل الحيض مباشرة وأقل منها إلى درجة العدم تكون أثناء الحيض، وبالتالي فإن عصويات دودرلين تلك تصل إلى قمة تكاثرها ونشاطها في منتصف الدورة وقد وصل معدلها في تلك الدراسة إلى 5×10 مم، ثم تقل وتضعف قبل الحيض مباشرة.
- وعند حدوث الحيض ونزول الدم فإن درجة التأين الحمضى للمهبل تتغير من الحامضية إلى القلوية فتموت تلك العصويات ويأخذها تيار الدم معه إلى خارج المهبل حيث وجدت أعدادها لا تزيد على 0. 1×10مم3 في الأيام الأولى للحيض وفي أسفل المهبل فقط أما في الأيام التالية فقد وجد المهبل خالياً منها تماماً، ذلك لأن موتها قد أعقبه كنسها إلى الخارج بواسطة تيار الدم.
- في هذا الوقت بالذات وقت الحيض تكون الفرص كلها سانحة والظروف كلها مهيأة تماماً لنمو وتكاثر ثم لنشاط الجراثيم الضارة.
- وذلك لأن عصويات دودرلين تول السكر إلى حمض اللبنيك وهو القاتل للجراثيم الضارة، هذه واحدة.
والأخرى أن وجود تلك العصويات نفسها يكبل نمو الجراثيم الضارة ويقف دون نشاطها ويحول دون تكاثرها بطريقة مازال يكتنفها شي من الغموض.
- وفي غياب تلك العصويات وتبدل درجة التأين الحمضى إلى القلوية وفي وجود الدم الذي يعبر الغذاء الشهي للجراثيم الضارة فإنها (الجراثيم) تجد المرتع الخصب للنمو والتكاثر ليس هذا فحسب وإنما تدعو صويحباتها من جراثيم الشرج وجراثيم مجرى البول والشرطي غائب وليس أشد غدراً من جرثومة ضارة.
- وقد وجد أن هذه الجراثيم الضارة تزداد في أعدادها حيث يصل عددها إلى 6×10 مم3، وفي أنواعها أيضاً وقت الحيض وليس من سبيل يمنع دخولها إلى جدار الرحم المتهتك، في هذا الوقت بالذات ولا نفاذها إلى داخل فراغ البطن ولا إلى اقتحامها الأنسجة الرخوة والبالغة الطراوة في تلك الآونة الحرجة سوى شيء واحد فحسب ذلك هو تيار الدم المضاد الآتي من أعلى إلى أسفل.
- ليس من الحكمة إذن في شيء ولا من المنطق في كثير أو قليل معاندة الطبيعة باقتحام حاجز الدفاع الأوحد والباقي للمحيض حيث تغيب عصويات دودرلين ويكثر نمو الجراثيم الضارة وتضعف أنسجة المهبل والأنسجة المجاورة جميعاً.
- وقد وجد أيضاً أن طفيل الترأيكومونس في وقت الحيض يتضاعف أربعة أضعاف وهذا الطفيل وجد في أعلى المهبل أثناء الحيض متحيناً فرصته ومترقباً صيده ومعروف أنه يسبب التهابات في الجهاز البولي والتناسلي للذكر ومعروف أيضاً أن انتقاله إليه لا يكون إلا عن طريق المباشرة الزوجية، واحتمال الإصابة به قائم في ذلك الوقت إذا ما حدثت المباشرة.
- ولقد نص القرآن الكريم والسنة النبوية على شرطي: الطهر (انقطاع الدم) والتطهر بالماء لاقتفاء أثر الدم كما أوضح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى تحل الحائض.
وقد وضح أن ذلك يزيل الجراثيم الضارة في الوقت الذي لا يوجد فيه تيار سائل جارى لغسلها طبيعياً، ويهيئ أيضاً الظروف الطبيعية لتواجد عصويات دودرلين مرة أخرى خاصة إذا ما اتبعت السنة النبوية الشريفة بالتطهر بالمسك فهو فضلاً عن طيب رائحته فه قاتل للجراثيم ولم يفرض القرآن الكريم غير الطهر والتطهر شرطين لاستئناف العلاقة الزوجية بعد المحيض ولم يحرم الزوجة ولو مرة واحدة من رغباتها الجنسية التي تصل ذروتها قبل الحيض وبعده وفي منتصف الدورة كما أوضح أندري 1969م (17).
- وقصر القرآن الكريم التحريم على المحيض وقتاً ومكاناً ومباشرة ذلك أنه أذى للزوجين جميعاً ولم ينه الإسلام عن الحدب والعطف والملاطفة للحائض بل حث عليها حتى يخفف ذلك عنها بعض ما تعانيه من آلام نفسية وما تقاسيه من أوجاع بدنية.
عودة إلى مزاعم جيفكوت:
وفي معرض الرد على ما أورده المؤلف الإنجليزي جيفكوت - كمثال لما كتبه كثيرون غيره في هذا الصدد - أورد الكاتب:
1- يعارض جيفكوت في مسألة التطهر، بعد الطهر ويدعى أن الغسل بالماء يزيل الوسائل الطبيعية وهو لذلك يشكل خطورة بالغة، ونحن نتفق معه في أن الغسل في أي وقت - ما خلا بعد انقطاع السيل يزيل الوسائل الطبيعية للمقاومة لأنها موجودة أما بعد انقطاع الحيض فقد اتضح من نتائج الدراسة أن هذه الوسائل الطبيعية غير موجودة بتاتاً في هذه الفترة، وليس هذا فحسب بل إن مقومات وجودها أيضاً من السكر ودرجة التأين الحمضي غير متوافرة، هذا فضلاً عن تواجد الأعداد الرهيبة من الجراثيم الضارة والتي ما تزال متواجدة في أسفل المهبل حيث توقف تيار السيل عنها ولم تغسل إلى الخارج بعد.
والأمر يختلف بالنسبة للعذارى فقد وضح من النتائج أن درجة التأين الحمضى وكذلك وفرة عصويات دودرلين تزيد في مجموعة المشاركات اللاتي لم يلدن عنها في مجموعة المشاركات التي سبق لهن الولادة، وعليه فإنها في العذارى تكون أكثر وأكثر، ومن ثم فإن الغسل المهبلى للعذارى غير وارد بالنظر إلى وجود العذرية. ولآن الوسائل الطبيعية أقدر على ممارسة دورها وقبل هذا وذاك فإن المباشرة غير واردة فلو حدث وتأخر استعداد نشاط الوسائل الطبيعية ولو ليوم أو يومين لما كان هناك ما يوجب العجلة.
2- ادعى جيفكوت أن المباشرة الزوجية في المحيض تمارس على وجه العموم - وبأكثر مما هو معروف - على حين كتب المؤلفان الانجليزيان كبرتى وهوفمان 1950 وغيرها بأن الاعتقاد الراسخ في خطورة المباشرة في المحيض تملئ عدم ممارسته، ولا يوجد ما يبرر انتزاع هذا الاعتقاد نظراً لمسايرته لأصول الصحة العامة.
3- دافع جيفكوت عن تحريم المباشرة عند اليهود وقت الحيض وبعده بسبعة أيام بأن ذلك يوافق تماماً ما هو معروف الآن بفترة الأمان ليقصر المباشرة على وقت الإباضة حتى يتم الإخصاب وتناسي أن نظرة التحريم في اليهودية قائمة على أساس وجود الدم ولا تفرق بين الحيض والاستحاضة كما هو الحال في الإسلام.
ولا علاقة البتة بين تحريم المباشرة في اليهودية وموضع الإخصاب، خاصة وقد عرفنا مؤخراً أن الإباضة قد تحدث في أي وقت حتى في فترة الحيض ذاتها.
4- ناقض جيفكوت ما أسماه (الادعاء) القائل بخطورة المباشرة في المحيض تحسباً لهتك الأنسجة وتجنباً لزيادة السيل ووصفه بأنه مزاعم نظرية ونصح بالمباشرة في المحيض بالغسل المهبلي ووضع حاجز لاحتجاز الدم مؤقتاً وهذه المكابرة بعينها.
ليس هو إدعاء كما يقول ولكنه (قرآن كريم) وهو (أذى) لاشك فيه ولا ريب، أوضحت دراستنا أنه أذى جرثومي وليس لتهتك الأنسجة وأذى للزوج والزوجة جميعاً وليس للزوجة فحسب أما نصيحته بالغسل ووضع حاجز لاحتجاز الدم فلا تحتاج إلى تعقيب حيث تخالف الأسس العلمية والعملية جميعاً.
الاستنباط:
إن ما خلص إليه اجتهاد الكاتب في دراسته من دروس وعبر استلهاماً من الحقيقة القرآنية، هو بأي معيار الأساس العلمي السليم للمحيض صحة وسلوكا، الأمر الذي يجب أن يكون منطلقاً لبحوث متعددة تاليه في هذا المجال.
الاستحاضة:
عرف الفقهاء الاستحاضة بأنها سيلان الدم في غير وقت الحيض والنفاس، أو نقص عن أقله، أو سال قبل سن الحيض (وهو تسع سنين) فهو الاستحاضة.
1- أن تكون مدة الحيض معروفه لها قبل الاستحاضة، وفي هذه الحالة تعتبر هذه المدة المعروفة هي مدة الحيض، والباقي استحاضة، لحديث أم سلمه أنها استفتت النبي - صلى الله عليه وسلم - في امرأة تهراق الدم فقال: لتنظر قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضهن وقدرهن من الشهر، فتدع الصلاة ثم لتغتسل ولتستقر، ثم تصلى " رواه مالك والشافعي.
2- أن يستمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة، إما لأنها نسيت عادتها، أو بلغت مستحاضة، ولا تستطيع تمييز دم الحيض، وفي هذه الحالة سيكون حيضها ستة أيام أو سبعة على غالب عادة النساء، لحديث حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض حيضه شديدة كثيرة، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استفتيه وأخبره، فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها؟ وقد منعتني الصيام والصلاة؟ فقال: "انعت لك الكرفس (أي اصف لك القطن) فإنه يذهب الدم " فقالت: هو أكثر من ذلك، فقال: فتلجمي (أي شدي خرقة مكان الدم على هيئة لجام) فقالت: إنما أثج ثجاً، فقال: سأمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر فإن قويت عليهما فأنت أعلم فقال: إنما هي ركضه من ركضات الشيطان، فتحيضي ستة أيام إلى سبع أيام في علم الله، ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقيت، فصلي أربعاً وعشرين ليلة أو ثلاثاً وعشرين ليلة وأيامها، وصومي فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي في كل شهر، كما تحيض النساء، وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن، وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر، فتغتسلين ثم تصلين الظهر والعصر جميعاً، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلى، وتغتسلين مع الفجر وتصلين، فكذلك فافعلى، وصلي وصومي إن قدرت على ذلك، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وهذا أعجب الأمرين إلى " رواه احمد والترمذي ".
3- أن لا يكون لها عادة، ولكنها تستطيع تمييز دم الحيض وفي هذه الحالة تعمل بالتمييز، لحديث فاطمة بنت أبي حبيش، أنها كانت تستحاض فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف، فإذا كان كذلك فامسكي عن الصلاة وإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق.
أحكام المستحاضة:
1- لا يجب عليها الغسل لشيء من الصلاة، ولا في أي وقت من الأوقات، إلا مرة واحدة حينما ينقطع حيضها، وبهذا قال جمهور العلماء.
2- يجب عليها الوضوء لكل صلاة، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في رواية البخاري: " ثم توضئ لكل صلاه ولا يجب إلا بحدث آخر.
3-أن تغسل فرجها قبل الوضوء، وتحشوه بخرقه، أو قطنه، دفعاً للنجاسة، وتقليلاً لها، فإذا لم يندفع الدم بذلك شدت مع ذلك على فرجها وتلجمت، ولا يجب هذا وإنما هو الأولى.
4- ألا تتوضأ قبل دخول وقت الصلاة عند الجمهور، إذ طهارتها ضرورية، فليس لها تقديمها قبل وقت الحاجة.
5- يجوز لزوجها أن يطأها في الحال جريان الدم، عند جمهور العلماء، لأنه لم يرد دليل بتحريم جماعها، قال ابن عباس " المستحاضة يأتيها زوجها، إذا صلت الصلاة أعظم " (رواه البخاري) يعنى إذا جاز لها أن تصلى ودمها جار وهى أعظم ما يشترط لها الطهارة، جاز جماعها، وعن عكرمة بنت حمنة أنها كانت مستحاضة، وكان زوجها يجامعها (رواه أبو داود والبيهقي والنووي).
6- للمستحاضة كما للطاهرات، فتصلى وتصوم وتعتكف وتقرأ القرآن وتمس المصحف وتحمله وتفعل كل العبادات وهذا مجمع عليه من جمهور العلماء.