إعداد الزوجة .. أولوية اجتماعية
تروي جارتي المهندسة تجربتها فتقول: والدي مهندس ميسور الحال، وقد توفيت أمي وأنا صغيرة، لكننا كنا أسرة جميلة ومتماسكة، وقد بذل أبي معنا جهودًا كبيرة، ولم يتزوج إلا بعد أن تخرج معظمنا، أختي أصبحت أستاذة جامعية، وأختي الثانية مترجمة، وأخي أصبح ضابط شرطة.
كان أبي يلهب حماسنا للمذاكرة والتحصيل العلمي، ويحدثنا عن التفوق العلمي كأساس لتحقيق التميز الاجتماعي والمهني؛ حتى نصبح ناجحين ونكون أسرًا ناجحة، ونحقق لأبنائنا كل ما يريدونه.
كان أبي يحقق لنا كل مطالبنا المادية، ولم يترك في نفوسنا أي حلم مادي إلا وحققه، لكنه لم يكن يحدثنا كيف نقيم بيوتنا، وكيف نتعامل مع أزواجنا، وحينما تخرجت تقدم لي طبيب مشهور وتزوجنا.
في بداية الزواج اكتشفت أنه عصبي المزاج، ويكيل السباب إذا غضب، تحملت حتى لا أفشل، وقلت لعلي أستطيع أن أغيره، استمر الوضع على حاله، وكنت قد أنجبت ابنتي الأولى ثم الثانية، وحينما كنت أشكو لأبي؛ كان يقول لي: تحملي، فتحملت كثيرًا حتى أنجبت ابنتي الثالثة وهو لا يتغير، يغضب ويسب وربما يضرب ثم عندما يهدأ يعتذر.
كرهته وقررت أن أنفصل عنه، حاول بكل ما يملك أن يثنيني عن قراري ويعتذر لي ولكنني صممت، ولما رأى أهلي تصميمي على الطلاق ولما أخبرتهم بالتفاصيل التي كنت أخفيها عنهم، قالوا لي: ولماذا تتحملين ذلك كله؟ اتركي له أولاده واخلعي نفسك منه.
وبعد أن حصلت على الطلاق، وبعد أن أصبحت أجد المشاكل في رؤية أولادي الذين يعيشون مع أبيهم لأنني لا أستطيع الإنفاق عليهم، وبعد أن أصبحت أعيش في شقتي وحيدة؛ أدركت أنني لم أتلق الخبرة الكافية لكي أتعامل مع زوجي، أشعر الآن بالندم، لقد تزوج زوجي وتيسر حاله، وهو سعيد في حياته، لكنني لا أعرف معنى السعادة، أشعر أن حياتي معه ومع أولادي مع بعض التحمل كانت أفضل بكثير من حياتي الحالية، وكنت أتمنى لو كنت أقل تعليمًا وأكثر نجاحًا مع زوجي وأولادي.
هذه الحالة مثلها كثير جدًّا يواجه الزوجات الصغيرات اللاتي لم يتلقين تدريبًا أسريًّا على كيفية تحمل مسئوليات الزواج والتعامل مع الزوج.
فلا ينكر أحد مدى التطور الاجتماعي والثقافي والتربوي الذي تشهده قطاعات واسعة من بلادنا العربية والإسلامية، فمع زيادة حجم ومستوى التعليم، ومع الزيادة المطردة في تعليم البنات في عالمنا العربي والإسلامي، وحصولهن على أعلى الشهادات، ومع الأعداد الكبيرة لأستاذات الجامعات والطبيبات والمهندسات والمعلمات والصحفيات والمحاميات والمحاسبات، بل وسيدات الأعمال في مجتمعاتنا؛ أصبحت هناك أفكار جديدة وأنماط تربوية لم تكن موجودة قبل ذلك.
فأستاذ الجامعة الذي تزوج زميلته أستاذة الجامعة ربيا أولادهما على مفاهيم جديدة، وثقافة جديدة، ووعي جديد، وكذلك فعل الطبيب والمهندس والصحفي ... إلخ.
الجميع حرص على تأكيد معاني مهمة؛ منها احترام وتقدير الفتاة، وعدم الاعتراف بالمواريث الاجتماعية التي تعلي من شأن الفتى على الفتاة، وحرص الجميع على أن يعلموا البنات حتى أعلى مستوى ممكن، وحرصوا أيضًا على توفير أفضل ظروف الرعاية المادية والصحية للأبناء كي يعيشوا في بحبوحة من العيش.
كل هذا جيد ولا يمكن التقليل أو الانتقاص من أهميته، إلا أن الأمر الذي لم تنتبه إليه كثير من الأسر وخاصة الأمهات، هو عدم الاهتمام بتربية بناتهنَّ لمسئوليات الزواج وأعبائه، فالنجاح الذي ركز عليه الجميع كان هو النجاح التعليمي والحصول على الشهادة العلمية التي تحقق الوجاهة الاجتماعية.
أصبح لدينا فتيات كثيرات متعلمات وعاملات ومهنيات، لكن القليلات منهنَّ هنَّ اللاتي يصلحن ليكنَّ زوجات ناجحات؛ ولذلك رأينا أن أكبر نسبة في المطلقات توجد في أوساط أستاذات الجامعات يليهن الطبيبات؛ والسبب يكاد يكون واضحًا، وهو أن الأسرة غرست في ابنتها مفهوم الندية لزوجها، وغذت وسائل الإعلام العلمانية هذا المفهوم في نفوس وعقول الفتيات؛ فالفتاة الطبيبة أو الصحفية حينما تتزوج تضع رأسها برأس زوجها، تقول له: أنا مثلك، وأنت لست أفضل مني، فلا تأمرني ولا تنهاني.
الغريب أننا نشاهد الكثير من الآباء والأمهات يشجعن الزوجات الصغيرات المتعلمات على هذا المسلك؛ وتكون النتيجة في النهاية هي الطلاق الحتمي والفشل.
وهكذا؛ فإن المسئولية الاجتماعية والدينية والأخلاقية تحتم على الأسرة وخاصة الأم أن تغرس في ابنتها، مهما كان مستواها التعليمي والوظيفي، أنها هي المسئولة الأولى عن نجاح الأسرة الجديدة، وأن عليها أن تتحمل؛ خاصة في الأشهر والسنوات الأولى حتى يحدث التأقلم مع الزوج والواقع الجديد، وأن احترامها وطاعتها لزوجها عامل أساسي لنجاحها، وهو لا يقلل من قيمتها وكرامتها.