الزواج
وشروط الاختيار
نستلهم من الإسلام ـ
بشكل عام ـ قاعدة كلية في اختيار الزوج، تتمثل في قول رسول الله (ص): "إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه وأمانته يخطب إليكم
فزوجوه، وإلا تفعلوه تكن فتنة وفساد كبير".
إن هذا الحديث يحمل
نداء إلى الجميع، إلى الشباب والشابات إلى الأمهات والآباء، وهو يقول بوضوح لا لبس
فيه: إن الشرطين الأولين في اختيار الزوج لزوجته، والزوجة لزوجها، يتمثلان في
الدين والأخلاق.
فإذا كانت البنت
فاقدة للأخلاق والإنسانية وهي غير متدينة فإن الزواج منها ينطوي على مخاطرة كبيرة
ليس على الزوج فحسب، بل على الأطفال الذين سيثمرهم مثل هذا الزواج، وسيكون الحال
كما حذر عنه رسول الله (ص) في قوله: "إياك وخضراء
الدمن".
فإذا كانت البنت
فاقدة للأخلاق والإنسانية وهي غير متدينة فإن الزواج منها ينطوي على مخاطرة كبيرة
ليس على الزوج فحسب، بل على الأطفال الذي سيكونون ثمرة هذا الزواج، وسيكون الحال
كما حذر عنه رسول الله (ص) في قوله: "إياك وخضراء
الدمن".
قيل: يا
رسول الله وما خضراء الدمن؟
قال:
المرأة الحسناء في منبت السوء".
ونستفيد من هذا
الحديث ـ كذلك ـ أن على الفتاة أن تلتزم هي الأخرى الحذر في اختيار الزوج المناسب
لها، إذ نقرأ في الروايات والأحاديث الإسلامية أن من يعطي ابنته ويزوجها لتارك
الصلاة ومرتكب المعاصي أو إلى شارب الخمر، أو إلى شاب والديه يدمنان الخمر أو غير
ملتزمين، فإنه بذلك قد قطع رحمه، لأنه يقتل بمثل هذا الزواج براعم الخير والعطاء
ويقطع نسل ابنته.
وقانون الوراثة ـ ليس
في حقيقته ـ أكثر من مراعاة هذه الشروط وغيرها مما سيأتي.
وينبغي أن نكون على
حذر من المقاييس العرفية الخاطئة فـ"المرأة الحسناء" في منبت السوء لا
تعني الفتاة الفقيرة أو ذات المقام الاجتماعي الواطئ من زاوية الموقع الاقتصادي،
وما إلى ذلك.
ومعنى "المؤمنون
بعضم أكفاء بعض" لا يعني أن التاجر أو أبنه أو ابنته لا يليق لهم في مكانتهم
إلا كفؤهم في المركز التجاري والاجتماعي، أو من هو أكفأ منهم في ذلك.
كذلك عندما نقرأ في
روايات الزواج التأكيد على الاقتران بالأكفاء، فإن علينا أن لا نتوهم أن العوائل
الفقيرة ـ أو التي تفتقد المكانة الاجتماعية الظاهرية ـ غير كفوءة، فكم من العوائل
الفقيرة ممن يلتزم شروط التقوى والتدين، ومثل هؤلاء هم أهل للزواج منهم.
إن التقوى هي المقياس
حيث يقول تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [الحجرات:
13]
لذلك فإن كلمة (كفؤ)
لا تعني المماثلة في الشكل، أو في المركز المالي، أو في الموقع الاجتماعي الظاهري،
وإنما كل هذه مقاييس عرفية خاطئة.
إن التقاليد
الاجتماعية في اختيار الزوجة تقوم اليوم على أعراف دقيقة جداً في الانتخاب
والاختبار، فنرى أن من يقوم بالخطبة ـ خصوصاً من النساء ـ يدقق في شكل الفتاة
وملامحها الجمالية، وفي مدى التزامها بشروط النظافة والتدبير المنزلي، بل تصل
الحالة إلى التدقيق بأمور صغيرة في شكل الفتاة ومظهرها ووضعها في المنزل، تحتاج
إلى الكثير من الحذاقة والذكاء مما هو معروف ومتداول اجتماعياً.
وهذا التدقيق جيد
وحسن إذا اقترن بتدقيق آخر ينطوي على التعرف على الصفات الأخلاقية والمعنوية في
سلوك الفتاة وحياتها، ولكن ـ مع الأسف ـ نرى أن معايير الاختيار في الخطبة تنصب
على الشكل والجمال والوضع المنزلي العام، وتهمل بشكل خطير قضية الصفات والشروط
المعنوية والأخلاقية.
فمن النادر ـ مثلاً ـ
أن نرى خاطباً يدقق في الفتاة ليرى إذا كانت حسودة أم لا، أو نرى أحداً عاد من
الخطبة ليقول: إن أم الفتاة حسودة، وإن هذه الصفة مرشحة للانتقال عبر قانون
الوراثة إلى الفتاة ذاتها (زوجة المستقبل) وإن خطورة هذه الصفة تمنعه من الاقتران
بها.
نفس الشيء يقال
بالنسبة للشاب، إذ ينبغي للفتاة أن تكون على حذر في اختيار زوج المستقبل، وعليها
أن تدقق في صفاته الأخلاقية والمعنوية من زاوية التزامه بالصلاة وتردده على
المساجد وعلاقته بالأصدقاء المؤمنين ورجال الدين، وإلا فاقتصار التدقيق على صفات
الشكل والقامة والمكانة المالية والعائلية والاجتماعية، كلها صفات لا تغني عن
الشروط المعنوية والأخلاقية والسلوكية.
فإذا كان للشاب ـ وهو
زوج المستقبل المفترض ـ مجموعة من رفاق السوء، فإنه لا يستطيع أن يكون الزوج
المثالي، ولا يستطيع أن يهتم بزوجته الاهتمام اللائق ولا يؤتمن على أخلاقه معها،
بل إن زوجة مثل هذا الشخص لا يمكنها إلا أن تنتظر التعاسة والشقاء، فمثله لا يرجع
إلى البيت إلا في منتصف الليل أو بعد منتصف الليل، هذا إذا لم يعد سكراناً.
لذلك يوصي رسول الهدى
والإنسانية محمد بن عبد الله (ص): "إذا جاءكم من
ترضون خلقه ودينه فزوجوه، وإلا تفعلوه فتكون فتنة وفساد كبير".
فالذي لا يضع الدين
والأخلاق ميزاناً في الاختيار يزرع في الواقع بذور الفتنة والفساد الكبير الذي
يطال العائلة أولاً ثم الأسرة الكبيرة ثم النسيج الاجتماعي برمته.
إنني أعرف الكثير من
بنات العوائل الملتزمة ممن هنَّ على قدر كبير من الالتزام والتدين، ولكن مصيرهنَّ
انتهى إلى التحلل والانحراف بسبب أزواجهن غير الملتزمين، إذ لم تمر سنة على زواجهن
حتى تركن الصلاة والحجاب!
وكذلك الحال بالنسبة
للشباب المتدين الملتزم الذي يقع فريسة زوجة غير صالحة متحللة، فهو سرعان ما ينجرف
ـ بعد بضعة أشهر من الزواج ـ في تيارها ويصبح برغم إرادته بلا دين وبلا أخلاق،
خصوصاً إذا كانت عائلة زوجته غير ملتزمة كذلك.
إن الإسلام يولي
اهتماماً كبيراً لقانون الوراثة، ويرى أن صلاح المجتمع يقوم على دعائم الدين
والأخلاق والتقوى. وكذلك يقرر الإسلام أن السعي وراء الأموال وحدها وجعلها مقياساً
دون الأخلاق لن يؤدي إلى ثمرة في مصلحة بناء الاسرة السليمة والمجتمع السليم. للموضوع بقيه