وسأبدأ بآلقصة من قصة الهدهد عندمآ أخبره عن قوم سبأ
ومآيعبدون
جاء يوم.. وأصدر سليمان
أمره لجيشه أن يستعد.. بعدها، خرج سليمان يتفقد الجيش، ويستعرضه ويفتش
عليه.. فاكتشف غياب الهدهد وتخلفه عن الوقوف مع الجيش، فغضب وقرر تعذيبه أو
قتله، إلا إن كان لديه عذر قوي منعه من القدوم.
فجاء الهدهد ووقف على
مسافة غير بعيدة عن سليمان –عليه السلام- (فَمَكَثَ
غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن
سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) وانظروا كيف يخاطب
هذا الهدهد أعظم ملك في الأرض، بلا إحساس بالذل أو المهانة، ليس كما يفعل
ملوك اليوم لا يتكلم معهم أحد إلا ويجب أن تكون علامات الذل ظاهرة عليه.
فقال الهدهد أن أعلم منك بقضية معينة، فجئت بأخبار أكيدة من مدينة سبأ
باليمن. (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً) بلقيس (تَمْلِكُهُمْ) تحكمهم (وَأُوتِيَتْ مِن
كُلِّ شَيْءٍ) أعطاها الله قوة وملكا عظيمين
وسخّر لها أشياء كثيرة (وَلَهَا عَرْشٌ
عَظِيمٌ) وكرسي الحكم ضخم جدا ومرصّع بالجواهر
(وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ
مِن دُونِ اللَّهِ) وهم يعبدون الشمس (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ) أضلهم الشيطان (فَصَدَّهُمْ
عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)
أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ
الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا
تُعْلِنُونَ) يسجدون للشمس ويتركون الله سبحانه
وتعالى (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وذكر العرش هنا
لأنه ذكر عرش بلقيس من قبل، فحتى لا يغترّ إنسان بعرشها ذكر عرش الله
سبحانه وتعالى.
فتعجب سليمان من كلام الهدهد، فلم يكن شائعا
أن تحكم المرأة البلاد، وتعجب من أن قوما لديهم كل شيء ويسجدون للشمس،
وتعجب من عرشها العظيم، فلم يصدق الهدهد ولم يكذبه إنما (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)
وهذا منتهى العدل والحكمة. ثم كتب كتابا وأعطاه
للهدهد وقال له: (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا
فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ)
ألق الكتاب عليهم وقف في مكان بعيد يحث تستطيع سماع
ردهم على الكتاب.
يختصر السياق القرآني في سورة النمل ما كان
من أمر ذهاب الهدهد وتسليمه الرسالة، وينتقل مباشرة إلى الملكة، وسط مجلس
المستشارين، وهي تقرأ على رؤساء قومها ووزرائها رسالة سليمان..
إنه يأمر في
خطابه أن يأتوه مسلمين.. هكذا مباشرة.. إنه يتجاوز أمر عبادتهم للشمس.. ولا
يناقشهم في فساد عقيدتهم.. ولا يحاول إقناعهم بشيء.. إنما يأمر فحسب..
أليس مؤيدا بقوة تسند الحق الذي يؤمن به..؟ لا عليه إذن أن يأمرهم
بالتسليم..
كان هذا كله واضحا من لهجة الخطاب القصيرة المتعالية
المهذبة في نفس الوقت..
طرحت الملكة على رؤساء قومها الرسالة..
وكانت عاقلة تشاورهم في جميع الأمور: (قَالَتْ
يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً
أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ).
كان رد فعل الملأ وهم
رؤساء قومها التحدي.. أثارت الرسالة بلهجتها المتعالية المهذبة غرور القوم،
وإحساسهم بالقوة. أدركوا أن هناك من يتحداهم ويلوح لهم بالحرب والهزيمة
ويطالبهم بقبول شروطه قبل وقوع الحرب والهزيمة (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ
وَالْأَ**** إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ).
أراد رؤساء قومها
أن يقولوا: نحن على استعداد للحرب.. ويبدو أن الملكة كانت أكثر حكمة من
رؤساء قومها.. فإن رسالة سليمان أثارت تفكيرها أكثر مما استنفرتها للحرب..
فكرت الملكة
طويلا في رسالة سليمان.. كان اسمه مجهولا لديها، لم تسمع به من قبل،
وبالتالي كانت تجهل كل شيء عن قوته، ربما يكون قويا إلى الحد الذي يستطيع
فيه غزو مملكتها وهزيمتها.
ونظرت الملكة حولها فرأت تقدم شعبها وثراءه،
وخشيت على هذا الثراء والتقدم من الغزو.. ورجحت الحكمة في نفسها على
التهور، وقررت أن تلجأ إلى اللين، وترسل إليه بهدية.. وقدرت في نفسها أنه
ربما يكون طامعا قد سمع عن ثراء المملكة، فحدثت نفسها بأن تهادنه وتشتري
السلام منه بهدية.. قدرت في نفسها أيضا إن إرسالها بهدية إليه، سيمكن رسلها
الذين يحملون الهدية من دخول مملكته، وإذا سيكون رسلها عيونا في مملكته..
يرجعون بأخبار قومه وجيشه، وفي ضوء هذه المعلومات، سيكون تقدير موقفها
الحقيقي منه ممكنا..
انتظرونا غدا باذن اللع تعالى
ومآيعبدون
جاء يوم.. وأصدر سليمان
أمره لجيشه أن يستعد.. بعدها، خرج سليمان يتفقد الجيش، ويستعرضه ويفتش
عليه.. فاكتشف غياب الهدهد وتخلفه عن الوقوف مع الجيش، فغضب وقرر تعذيبه أو
قتله، إلا إن كان لديه عذر قوي منعه من القدوم.
فجاء الهدهد ووقف على
مسافة غير بعيدة عن سليمان –عليه السلام- (فَمَكَثَ
غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن
سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) وانظروا كيف يخاطب
هذا الهدهد أعظم ملك في الأرض، بلا إحساس بالذل أو المهانة، ليس كما يفعل
ملوك اليوم لا يتكلم معهم أحد إلا ويجب أن تكون علامات الذل ظاهرة عليه.
فقال الهدهد أن أعلم منك بقضية معينة، فجئت بأخبار أكيدة من مدينة سبأ
باليمن. (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً) بلقيس (تَمْلِكُهُمْ) تحكمهم (وَأُوتِيَتْ مِن
كُلِّ شَيْءٍ) أعطاها الله قوة وملكا عظيمين
وسخّر لها أشياء كثيرة (وَلَهَا عَرْشٌ
عَظِيمٌ) وكرسي الحكم ضخم جدا ومرصّع بالجواهر
(وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ
مِن دُونِ اللَّهِ) وهم يعبدون الشمس (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ) أضلهم الشيطان (فَصَدَّهُمْ
عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)
أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ
الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا
تُعْلِنُونَ) يسجدون للشمس ويتركون الله سبحانه
وتعالى (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وذكر العرش هنا
لأنه ذكر عرش بلقيس من قبل، فحتى لا يغترّ إنسان بعرشها ذكر عرش الله
سبحانه وتعالى.
فتعجب سليمان من كلام الهدهد، فلم يكن شائعا
أن تحكم المرأة البلاد، وتعجب من أن قوما لديهم كل شيء ويسجدون للشمس،
وتعجب من عرشها العظيم، فلم يصدق الهدهد ولم يكذبه إنما (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)
وهذا منتهى العدل والحكمة. ثم كتب كتابا وأعطاه
للهدهد وقال له: (اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا
فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ)
ألق الكتاب عليهم وقف في مكان بعيد يحث تستطيع سماع
ردهم على الكتاب.
يختصر السياق القرآني في سورة النمل ما كان
من أمر ذهاب الهدهد وتسليمه الرسالة، وينتقل مباشرة إلى الملكة، وسط مجلس
المستشارين، وهي تقرأ على رؤساء قومها ووزرائها رسالة سليمان..
قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ
كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) (النمل)
هذا هو نص خطاب الملك سليمان لملكة سبأ..كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) (النمل)
إنه يأمر في
خطابه أن يأتوه مسلمين.. هكذا مباشرة.. إنه يتجاوز أمر عبادتهم للشمس.. ولا
يناقشهم في فساد عقيدتهم.. ولا يحاول إقناعهم بشيء.. إنما يأمر فحسب..
أليس مؤيدا بقوة تسند الحق الذي يؤمن به..؟ لا عليه إذن أن يأمرهم
بالتسليم..
كان هذا كله واضحا من لهجة الخطاب القصيرة المتعالية
المهذبة في نفس الوقت..
طرحت الملكة على رؤساء قومها الرسالة..
وكانت عاقلة تشاورهم في جميع الأمور: (قَالَتْ
يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً
أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ).
كان رد فعل الملأ وهم
رؤساء قومها التحدي.. أثارت الرسالة بلهجتها المتعالية المهذبة غرور القوم،
وإحساسهم بالقوة. أدركوا أن هناك من يتحداهم ويلوح لهم بالحرب والهزيمة
ويطالبهم بقبول شروطه قبل وقوع الحرب والهزيمة (قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ
وَالْأَ**** إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ).
أراد رؤساء قومها
أن يقولوا: نحن على استعداد للحرب.. ويبدو أن الملكة كانت أكثر حكمة من
رؤساء قومها.. فإن رسالة سليمان أثارت تفكيرها أكثر مما استنفرتها للحرب..
فكرت الملكة
طويلا في رسالة سليمان.. كان اسمه مجهولا لديها، لم تسمع به من قبل،
وبالتالي كانت تجهل كل شيء عن قوته، ربما يكون قويا إلى الحد الذي يستطيع
فيه غزو مملكتها وهزيمتها.
ونظرت الملكة حولها فرأت تقدم شعبها وثراءه،
وخشيت على هذا الثراء والتقدم من الغزو.. ورجحت الحكمة في نفسها على
التهور، وقررت أن تلجأ إلى اللين، وترسل إليه بهدية.. وقدرت في نفسها أنه
ربما يكون طامعا قد سمع عن ثراء المملكة، فحدثت نفسها بأن تهادنه وتشتري
السلام منه بهدية.. قدرت في نفسها أيضا إن إرسالها بهدية إليه، سيمكن رسلها
الذين يحملون الهدية من دخول مملكته، وإذا سيكون رسلها عيونا في مملكته..
يرجعون بأخبار قومه وجيشه، وفي ضوء هذه المعلومات، سيكون تقدير موقفها
الحقيقي منه ممكنا..
انتظرونا غدا باذن اللع تعالى