ما الحكم في امرأة تأبى زوجها في رمضان نتيجة انشغالها بالعبادة والقُرب من الله ؟. | |
الجواب | أولاً : شهر رمضان مناسبة عظيمة للعابدين ليزيدوا في عباداتهم ، وللعاصين أن يتركوا ما هم عليه من معاصٍ ويصطلحوا مع ربهم عز وجل بتركها والإكثار من الطاعة فيه لبداية طيبة لحياة أخرى غير التي كانوا عليها . وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بفضيلة الصيام والقيام والاعتكاف في هذا الشهر ، كما أن فيه ليلة – وهي ليلة القدر – جعلها الله تعالى خيراً من ألف شهر . وعليه : فلا يُنكر على من أراد استغلال أيام هذا الشهر لطاعة ربه ، فالنفوس فيه مهيأة لقراءة القرآن وطاعة الرحمن ، وسواء كان ذلك من الرجال أم من النساء . فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) رواه البخاري ( 37 ) ومسلم ( 760 ) . ثانياً : يجب أن تعلم المرأة أن لزوجها عليها حقّاً عظيماً ، فلا يجوز لها أن تضرب بهذه الحقوق عرض الحائط ، ولا يجوز لها أن تعارض حق زوجها بما تؤديه من نافلة العبادات . فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا , وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ ) . رواه ابن ماجه (1853) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" ( 1938 ) . " القَتَب للجمل كالإكاف لغيره ، ومعناه : الحث لهن على مطاوعة أزواجهن ، وأنه لا ينبغي لهن الامتناع في هذه الحالة ، فكيف في غيرها ؟ "حاشية السندي على ابن ماجه" . ولعظم حق الزوج أُمرت المرأة باستئذانه قبل قيامها ببعض التطوعات التي قد تتعارض مع حقه ، ومنها : 1. صوم النافلة : فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( لا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ ) رواه البخاري ( 4896 ) ومسلم ( 1026 ) . قال النووي رحمه الله : " هذا محمول على صوم التطوع والمندوب الذي ليس له زمن معين , وهذا النهي للتحريم صرح به أصحابنا , وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام , وحقه فيه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي " انتهى . " شرح مسلم " ( 7 / 115 ) . 2. الخروج للمسجد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِذَا اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلا يَمْنَعْهَا ) رواه البخاري ( 4940 ) ومسلم ( 442 ) . ثالثاً : ويجب على الزوج أن يتقي الله في امرأته ، وأن لا يكلفها فوق طاقتها ، إذ كثير من الرجال يشغلون نساءهم نهاراً بالطبخ ، وليلاً بالحلويات ، فتضيع الأيام والليالي على المرأة ، فلا تحسن استغلال نهار صومها بطاعة ، ولا ليله بعبادة ، ومن حق الزوجة على زوجها أن يكون لها نصيب من عبادات هذا الشهر وطاعاته ، فلا يمنعها من قراءة القرآن ، ولا من قيام الليل ، وأن يكون ذلك بتنسيق بينهما لئلا يحصل تعارض بين حقه وطاعة ربها وعبادته ، وهذا – طبعاً – في عبادات النوافل ، أما الفرائض فليس للزوج منعها منها . وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع نسائه هو حثهن على الطاعة والعبادة ، وخاصة في العشر الأواخر من رمضان . فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ , وَأَحْيَا لَيْلَهُ , وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ) رواه البخاري ( 1920 ) ومسلم ( 1174 ) . وإذا عرف كل واحد من الزوجين ما له وما عليه استراحا من الشقاق والنزاع غالباً , وإذا علما أن مثل هذه المناسبة قد لا تتكرر في حياتهما إلا قليلاً زاد ذلك من حرصهما على استغلال أيام رمضان ولياليه أحسن استغلال . ونسأل الله تبارك وتعالى أن يؤلف بين قلوبكما ، وأن يعينكما على طاعته وحسن عبادته . والله أعلم |