أخطاء المرأة فى بيت زوجها
الشيخ جمال عبد الرحمن
وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وآله وصحبه، أما بعد
فإن المرأة في بيت زوجها ينبغي لها أن تحفظ زوجها في نفسها وماله؛ فتسعى إلى ما يرضيه، وتنأى عما يؤذيه، وهذا مطلب شرعي حتى تستقيم الحياة الزوجية بينهما، وكثير من النساء تجهل هذه الحقائق فلا تحسن معاملة زوجها، ومن ثَمَّ تقع في أخطاء كثيرة، من هذه الأخطاء
عدم مراعاة شعور زوجها فيما يحب ويكره مما لا يخالف الشرع المطهر
عَنْ زَيْنَبَ الثقفية امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنهما قَالَتْ كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ ، فَقَالَ تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ، وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْتَامٍ فِي حَجْرِهَا، فَقَالَتْ فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى الْبَابِ حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلالٌ، فَقُلْنَا سَلْ النَّبِيَّ أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ لِي فِي حَجْرِي، وَقُلْنَا لا تُخْبِرْ بِنَا، فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ نَعَمْ لَهَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ» متفق عليه
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت « كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى رَأْسِي، وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ، فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي؛ فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ الأَنْصَارِ فَدَعَانِي، ثُمَّ قَالَ إِخْ إِخْ لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ، وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ، وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ أَنِّي قَدْ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى، فَجِئْتُ الزُّبَيْرَ فَقُلْتُ لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ وَعَلَى رَأْسِي النَّوَى، وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَنَاخَ لأَرْكَبَ، فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ فَقَالَ وَاللَّهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ» متفق عليه
فانظر رحمك الله إلى هذا الموقف الجليل لأسماء رضي الله عنها، فإنها أبت أن تركب مع الرسول عندما تذكرت غيرة الزبير؛ وذلك حفاظًا على مشاعره، رضي الله عنه، مع أن الذي ستركب معه هو خير البرية ، والذي لا يوجد أدنى شك فيه، فآثرت أن تمشي هذه المسافة الطويلة، وتتحمل المشاق الجسيمة؛ حفاظًا على شعور زوجها
عدم القيام على خدمة الزوج أو خدمة الأولاد
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في «مجموع الفتاوى» «يجب على الزوجة خدمة زوجها، ورعاية أولادها، وتدبير أمور المنزل والمعيشة فيه؛ من طبخ وفرش، وعجن وتنظيف، وما إلى ذلك، وعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال
فخدمة البدوية ليست كخدمة التي تقيم في المدينة، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة، هذا هو الصواب في رأي العلماء
وعَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ رضي الله عنه أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتْ النَّبِيَّ فِي حَاجَةٍ، فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ «أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ كَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟ قَالَتْ مَا آلُوهُ إِلاَّ مَا عَجَزْتُ عَنْهُ قَالَ فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ؛ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ» أحمد وصححه الألباني
وقال الألباني الحديث ظاهر الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها، وخدمتها إياه في حدود استطاعتها، ومما لا شك فيه أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في منزله، وما يتعلق به من تربية أولاده ونحو ذلك؛ لقول النبي «والمرأة راعية عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِىَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ » متفق عليه واللفظ لمسلم
وعن أنس رضي الله عنه قال كان أصحاب رسول الله إذا زفوا امرأة إلى زوجها يأمرونها بخدمة الزوج ورعاية حقه وهذه سيدة نساء أهل الجنة فاطمة بنت رسول الله ، والتي كانت تخدم زوجها عليًّا، رضي الله عنه، حتى إنه قال « وإن فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ ، وَكَانَتْ مِنْ أَكْرَمِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ زَوْجَتِي فَجَرَتْ بِالرَّحَى حَتَّى أَثَّرَ الرَّحَى بِيَدِهَا، وَأَسْقَتْ بِالْقِرْبَةِ حَتَّى أَثَّرَتْ الْقِرْبَةُ بِنَحْرِهَا، وَقَمَّتِ الْبَيْتَ حَتَّى اغْبَرَّتْ ثِيَابُهَا، وَأَوْقَدَتْ تَحْتَ الْقِدْرِ حَتَّى دَنِسَتْ ثِيَابُهَا، فَأَصَابَهَا مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ » أحمد رقم
وهذه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه تقول «تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ، وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلا مَمْلُوكٍ، وَلا شَيْءٍ، غَيْرَ نَاضِحٍ وَغَيْرَ فَرَسِهِ؛ فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ، وَأَسْتَقِي الْمَاءَ، وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ، وَأَعْجِنُ، وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى رَأْسِي، وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ، حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ تَكْفِينِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي» متفق عليه ثلث فرسخ ثلاثة كيلو متر ونصف وفي رواية أخرى قالت « كُنْتُ أَخْدُمُ الزُّبَيْرَ خِدْمَةَ الْبَيْتِ وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ وَكُنْتُ أَسُوسُهُ فَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْخِدْمَةِ شَىْءٌ أَشَدَّ عَلَىَّ مِنْ سِيَاسَةِ الْفَرَسِ كُنْتُ أَحْتَشُّ لَهُ وَأَقُومُ عَلَيْهِ وَأَسُوسُهُ» مسلم
عدم الاهتمام بتربية الأولاد التربية الإسلامية الصحيحة
إن الأم التي لا تحاول تنشئة الأولاد تنشئة إسلامية على ما قال الله وقال رسوله ، وهذا حلال وهذا حرام، وهذا يُغضب الله وهذا يرضيه؛ أُمٌ تخلَّت عن مسئوليتها، بل قد تجرِّئ أولادها على بعض الأمور المحرمة كسماع الأغاني، ومشاهدة مناظر الفجور في التلفاز والفيديو، وتعوّدهم على الميوعة والخلاعة، وتتساهل معهم في شراء الملابس التي عليها صور ذوات الأرواح أو كلمات خبيثة، وغير ذلك
وتقيم لهم الأعياد البدعية كعيد الميلاد، وتحلق أبناءها حلاقة القزع التي نهى عنها النبي ، وفيها تشبه بغير المسلمين، ومن تشبه بقوم فهو منهم
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِىَّ رَأَى صَبِيًّا قَدْ حُلِقَ بَعْضُ شَعْرِهِ، وَتُرِكَ بَعْضُهُ؛ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ «احْلِقُوهُ كُلَّهُ، أَوِ اتْرُكُوهُ كُلَّهُ» أبو داود وصححه الألباني
ولما بعث النبي معاذًا إلى اليمن أوصاه؛ فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا بَعَثَ بِهِ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ «إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ؛ فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ» أحمد وصححه الألباني
العناد عند الخصام
فبعض النساء إذا غضب الزوج عليها لا تحاول استرضاءه أو خفض الجناح له؛ حتى تهدأ ثورته
فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ ، قَالَ «أَلا أُخْبِرُكُمْ بِرِجَالِكُمْ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ، وَالصِّدِّيقُ فِي الْجَنَّةِ، وَالشَّهِيدُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ، وَالرَّجُلُ يَزُورُ أَخَاهُ فِي نَاحِيَةِ الْمِصْرِ لا يَزُورُهُ إِلا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ أَلا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ كُلُّ وَلُودٌ وَدُودٌ، إِذَا غَضِبَتْ أَوْ أُسِيءَ إِلَيْهَا أَوْ غَضِبَ، أَيْ زَوْجُهَا، قَالَتْ هَذِهِ يَدِي فِي يَدِكَ لا أَكْتَحِلُ بِغُمْضٍ حَتَّى تَرْضَى» الطبراني في المعجم الصغير رقم وصححه الألباني
وفي رواية للنسائي ولها شواهد يتقوى بها «ونساؤكم من أهل الجنة الودود الولود العئود على زوجها، التي إذا غضبت جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها وتقول لا أذوق غمضًا حتى ترضى» النسائي وحسنه الألباني في صحيح الجامع
التقليل من الإنجاب والسعي لتحديد النسل لغير ضرورة
عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ َقَالَ إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وَإِنَّهَا لاَ تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا؟ قَالَ «لاَ» ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ، فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ» أبو داود وصححه الألباني
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ وَيَنْهَى عَنْ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا، وَيَقُولُ «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أحمد وصححه الألباني
فمقصود النكاح كثرة النسل الذي به مباهاة سيد المرسلين لسائر الأمم ولا مصلحة للأمة في تقليل نسلها
قال العلماء في الزواج فوائد خمسة الولد، وكسر الشهوة، وكثرة العشير، ومجاهدة النفس بالقيام بهن، ثم إن قصد المسلم بالزواج التناسل قربة يؤجر عليها من حسنُت نيته، وبيان ذلك من وجوه
أولاً موافقة محبة الله في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان
ثانيًا طلب محبة الرسول في تكثير من تحصل به المباهاة
ثالثًا طلب البركة وكثرة الأجر، ومغفرة الذنب بدعاء الولد الصالح له بعد موته
أما إذا اضطرت المرأة لتحديد النسل لعذر خاص بها؛ فإنه يجب عليها ما يأتي ألا تقطع النسل بالكلية وأن لا يكون الدافع إلى عدم الإنجاب هو خشية الفقر؛ لأن هذا سوء ظن بالله تعالى، وإن هذا من أفكار الجاهلية، وقد خاطبهم ربنا بقوله سبحانه وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ الأنعام
كما أن عليها ألا تستخدم طريقة ضارة بها أو بالزوج وألا تفعل ذلك بغير إذن الزوج
الإجهاض قصدًا من غير ضرورة
فلتعلم الأخت المسلمة أنها مؤتمنة شرعًا على ما خلق الله سبحانه وتعالى في رحمها من الحمل فلا ينبغي لها أن تكتمه قال الله تعالى وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ البقرة
كذلك لا ينبغي للأخت المسلمة أن تحتال على إسقاط الجنين، والتخلص منه بأي وسيلة، فإن الله سبحانه وتعالى رخَّص لها في إفطار رمضان إذا كان الصوم يشق عليها في حالة الحمل، أو إذا كان الصوم يضر بحملها، وعلى هذا فلنعلم أن ما شاع في هذا العصر من عمليات الإجهاض عمل محرم، وإذا كان الحمل قد نُفخت فيه الروح ومات بسبب الإجهاض؛ فإن ذلك يعتبر قتلاً للنفس التي حرم الله قتلها بغير حق، ورتَّب على ذلك أحكام المسئولية الجنائية من حيث وجوب الدية على تفصيل في مقدارها، ومن حيث وجوب الكفارة عند بعض الأئمة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين
وقد سمى بعض العلماء هذا العمل بالموؤدة الصغرى قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله في مجموع فتاويه «أما السعي لإسقاط الحمل؛ فلا يجوز ذلك، ما لم يتحقق موته، فإن تحقق ذلك جاز» اهـ
وقد قال العلماء «لا يجوز إسقاط الحمل في مختلف مراحله إلا لمبرر شرعي، وفي حدود ضيقة جدًّا إذا كان الحمل في الطور الأول، وهي مدة الأربعين، وكان في إسقاطه في هذه المدة خشية المشقة في تربية الأولاد أو خوف العجز عن تكاليف معيشتهم وتعليمهم، أو من أجل مستقبلهم أو اكفتاء بما لدى الزوجين من الأولاد؛ فغير جائز
ولا يجوز إسقاط الحمل إذا كان عَلَقة أو مضغة؛ حتى تقرّر لجنة طبية موثوقة أن استمراره خطر على سلامة أمه، بأن يخشى عليها الهلاك من استمراره، إذا تقرر ذلك جاز إسقاطه بعد استنفاد كافة الوسائل لتلافي تلك الأخطار
وذلك بعد استنفاد كافة الوسائل لإنقاذ حياتها، وإنما رُخِّص في الإقدام على إسقاطه بهذه الشروط دفعًا لأعظم الضررين وجلبًا لعظمى المصلحتين
قال الإمام ابن الجوزي في كتاب أحكام النساء ص ، «لما كان موضوع النكاح لطلب الولد، وليس من كل الماء يكون الولد، فإذا تكوَّن فقد حصل المقصود؛ فتعمُّد إسقاطه مخالفة لمراد الحكمة، إلا أنه إن كان ذلك في أول الحمل قبل نفخ الروح ففيه إثم كبير؛ لأنه مترق إلى الكمال، وسائر إلى التمام، إلا أنه أقل إثمًا من الذي نُفخ فيه الروح»
فإذا تعمدتِ إسقاط ما فيه روح كان كقتل مؤمن، وقد قال الله تعالى وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ التكوير ،
سؤال المرأة زوجها الطلاق من غير سبب شرعي
بعض النساء هداهن الله تطلب الطلاق من زوجها بلا سبب شرعي، فهذه المرأة لا تعلم الوعيد في الآخرة الذي ينتظرها إن فعلت ذلك، فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلاَقًا في غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» أبو داود وصححه الألباني
قال المباركفوري رحمه الله كما في تحفة الأحوذي قوله من غير بأس أي من غير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة؛ فهي بذلك تهدم بنيانًا عامرًا، أو تشتت أسرة؛ فكان هذا التهديد الخطير بحرمانها من الجنة
وعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ قَالَ «الْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ» الترمذي وصححه الألباني
وقال «وَمَا مِنِ امْرَأَةٍ تَسْأَلُ زَوْجَهَا الطَّلاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَتَجِدُ رِيحَ أَوْ قَالَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» البيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني
فطلاق المرأة له من المساوئ والإفساد ما جعل إبليس لعنه الله يفرح بطلاق الزوج والزوجة أكثر من فرحه بالوقوع في الزنا والسرقة والقتل؛ وذلك لعظم الفساد المتحقق في أثر هذا الطلاق من فساد الأولاد والمجتمع بأسره، ولتحذر المرأة أيضًا شياطين الإنس الذين يريدون إفساد حياتها الزوجية، وشياطين الإنس اليوم أشد مكرًا ودهاءً من شياطين الجن
خروج المعتدةمن بيت زوجها
يظن كثير من الناس جهلاً وظلمًا أن المرأة يجوز لها أن تخرج من بيت زوجها إذا وقع الطلاق، وأن تُمضي وقت العدة في بيت غير بيت زوجها، وهذا خطأ كبير وجهل بالدين، كذلك تظن كثير من النساء أنه يجوز لهن الخروج من بيت الزوجية عند سماع كلمة الطلاق، أو يجب عليهن الخروج، وهذا أيضًا خطأ فاحش ومخالفة صريحة لأمر الله سبحانه وتعالى، بل لا يجوز أن يُخرج الرجل امرأته من بيتها بعد أن يُعلِمها بالطلاق إلا إذا انتهت عدتها؛ وذلك كله تحقيقًا لقوله تعالى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا الطلاق ، وكذلك لا يجوز للمرأة أن تخرج بنفسها مغاضبة لزوجها نافرة منه إذا طلقها؛ وذلك لقوله تعالى وَلاَ يَخْرُجْنَ
عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ وَهِيَ أُخْتُ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِِّ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا في بَنِي خُدْرَةَ؛ فَإِنَّ زَوْجَهَا خَرَجَ في طَلَبِ أَعْبُدٍ لَهُ أَبَقُوا، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِطَرَفِ الْقَدُّومِ لَحِقَهُمْ فَقَتَلُوهُ قالت فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ أَنْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي فَإِنِّي لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلاَ نَفَقَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ « نَعَمْ » قَالَتْ فَخَرَجْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ، أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، دَعَانِي أَوْ أَمَرَ بِي فَدُعِيتُ لَهُ، فَقَالَ «كَيْفَ قُلْتِ» فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْتُ مِنْ شَأْنِ زَوْجِي قَالَتْ فَقَالَ «امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» قَالَتْ فَاعْتَدَدْتُ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا قَالَتْ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَسَأَلَنِى عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ أبو داود وصححه الألباني
قال أبو عيسى الترمذي هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي ، لم يروا للمعتدة أن تنتقل من بيت زوجها حتى تنقضي عدتها، وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم للمرأة أن تعتد حيث شاءت، وإن لم تعتد في بيت زوجها قال أبو عيسى والقول الأول أصح سنن الترمذي
وآخر دعوانا أن
رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصجبه أجمعين