فضيلة الشيخ محمد حسين يعقوب
رب العالمين، والصلاة السلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين.
كم يتملك الإنسان من أسى وحزن وحسرة حين يطالع أحوال المسلمين في هذه الأيام!! فكلمََّا لاحت في الأفق مسألة تمس شريعتهم لا تُعجب أعدائهم تراهم يلتمسون الأعذار ويتنكبون الطريق، لماذا يا قوم هذا الوهن؟ لماذا هذه النفسية المنهزمة دائماً؟ أما كفاهم غلبة عدوكم عليكم حتى تعودوا لدينكم، تعلون به الدنيا، وتشمخون بأنوفكم إنْ كنتم به مستمسكين، قال - تعالى -: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إنْ كنتم مؤمنين" آل عمران-139
لكن أصل البلية أنَّ المسلمين اليوم لم يعودوا يشعرون بأن دينهم هذا، دين عظيم، لم يعودوا يبصرون اعتداله ووسطيته، قال - تعالى -: "قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" الأنعام-161 وقال - جل وعلا -: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً" البقرة-143 ولا يرون كماله "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" المائدة-3 ولا ينظرون بإجلال لقوله قال: "إنَّ هذا الدين متين" (1) ولا يعرفون أنَّ أحكامه وشريعته مبنية على اليسر "إن الدين يسر" (2) فالإحساس بعظمة الإسلام له دور مهم في صياغة الأمة الإسلامية؛ ولذلك نرى هوان الإسلام على أصحابه في هذا العصر لعدم تعظيم الإسلام في نفوس المسلمين، وعدم تعظيمهم لشرائعه وشعائره، قال الله - تعالى -: "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" الحج-32 وإنَّما خفَّت عظمة الإسلام في نفوس المسلمين في هذا الزمان؛ نتيجة كثرة الأقلام المسعورة، والألسنة الحاقدة، والقلوب الخبيثة من المنتسبين إلى الإسلام الذين يهاجمون شريعته كلما واتتهم الفرصة، ونظرة عاجلة على مقالات كثيرة في الصحف تنبئك عن هذه الحملة المكثفة على عقائد المسلمين.
ومن أسفٍ أنْ دانت الأمور إلى أهل النفاق الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم في الرمية، وهؤلاء لا فقه لهم في الدين، يحكمون عقولهم التي تربت في كنف الغرب؛ للطعن في شريعة الإسلام، وقد قال: "خصلتان لا يجتمعان في منافق: حسن سمت ولا فقه في الدين" (3).
وقال: "الخير عادة، والشر لجاجة، ومن يرد الله به خيراً يفقه في الدين" (4).
إنَّ هذا الدين يحتاج أن يعاش؛ فإن الملايين المملينة من المسلمين الذين يعيشون تحت ضغط الظروف ومأساة الحصول على لقمة العيش السائغة لا يحتاجون إلى مجرد وعظهم وتذكيرهم بعظمة الإسلام بقدر ما يحتاجون إلى انتشالهم من ضغط الواقع الأليم؛ ليعيشوا الإسلام، إنِّه دين يحتاج أن نعيشه حقيقة، لا أن نتحدث عنه، ونعجب به ونتمناه، ونكتفي بذلك أحلاما وشعارات بل أن نعيشه حقيقة، فيعيش هو بنا وفينا ونعيش نحن نستمتع بعظمته في آفاق عالية؛ لذا كانت عظمة الصحابة أنهم استطاعوا أن ينزلوا بمثاليات الإسلام إلى أرض الواقع أو بتعبير أدق أن يرفعوا بالواقع إلى درجة المثالية.
أكتب هذا الكلام في أعقاب حج 1424 هـ ، بعد أحداث وقعت في منى عند رمى الجمرات هذا العام، وكالعادة تنظر إلى الجرائد والمجلات فكل من هب ودب ينتقد ويتشفى، ويقترح وينصح، ويلوم ويطعن، لكنني أرى الأمر فرصة لبيان عظمة الإسلام في استشهاد مئتين وأربعين حاجاً في ثياب إحرامهم، وهم يؤدون منسكا من المناسك، أقول وقد أمتن الله عليِّ بالحج هذا العام وبملء فمي وقلبي: ياليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما.
نعم والله، وما يضير هؤلاء وقد باتوا بمنى يوم التروية، ثم وقفوا بعرفة طيلة النهار ملبين داعين خاشعين متبتلين ضارعين هاتفين: لبيك اللهم لبيك.
أتو ربهم لابسين أكفانهم، ثم باتوا بمزدلفة، وأصبحوا بالمشعر الحرام يذكرون الله أشد ذكرهم وآباءهم لرمى حجرة العقبة ولم ينقطعوا بعد عن التلبية.
ما ضر هذا الحاج أن يلقى حتفه تحت أقدام إخوانه من الحجاج وهو يمتثلون قول الله: "وعجلت إليك ربى لترضى" طه-84
ما ضر هذا الحاج أن لقي حتفه رغم أنفه بعد أن غفر له ما تقدم من ذنبه عشية عرفه، فلقي الله طاهراً مطهرا نظيفا جميلا، أليس هذا بعض السر في لبسه لباس الإحرام كالكفن أصلاً.
إنها أيها الأخوة ليست دعوة لأن نموت هناك، وإنما تحليل من قلب يبصر عظمة الإسلام في كل المشاعر والمناسك المقدسة، ألا ترون أنَّ اجتماع مليونين من المسلمين في ملبس واحد بنداء وهتاف واحد في مشهد يأخذ بالألباب يحمل في طياته رسالة موجهة إلى كل العالم أنَّ المسلمين لبسوا أكفانهم وينادون ربهم أتيناك، فليعقلها عقلاء القوم؛ فتعود إلى المسلمين هيبتهم في النفوس.
ألا تعتبرون شهادة هذه العشرات من المسلمين في سبيل الله على صعيد منى يحمل رسالة أخطر وأهم إلى كل أعداء الإسلام في كل مكان، فالذين سَيُمنعون الفهم هناك سيعلمون يقيناًَ أن هؤلاء المسلمين؛ أرواحهم أرخص شيء عندهم، يبذلون أرواحهم التي هي أغلى عند غيرهم من الدنيا وما فيها ليرضى عنهم ربهم.
نعم هذه نظرة أهل العزة والاعتزاز بالإسلام، أما المتخاذلون المنهزمون نفسياً؛ فإنهم يسارعون إلى الاعتذار وإيجاد المبررات، ونحن نقول لقومنا قبل غيرهم. فما مائتان وما خمسمائة وما ألف وما آلاف! في جنب ما يُقتلون كل يوم على أرض فلسطين وفى العراق وفى أفغانستان، وفى كل أنحاء العالم من المسلمين من يضيع دمهم هدرا في خيانات بذيئة، ويباع دمهم هدرا من أجل دنيا رديئة، شتان الفرق!!
وكم نسبة المائتين بل والخمسمائة إلى حوادث الطرق من شباب أرعن لا يقدر المسئولية في سيارات جاءت بالربا المحرم، فضاعت السيارات وضاع أصحابها.
هل عرفتم الآن سر تهويل القضية في مائتي شهيد؛ راحوا في ثياب إحرامهم يلقون الله يوم القيامة ملبين؟! السر يا قومنا في ضعف تنظيم الإسلام في النفوس، وهزيمة نفسية منكرة أمام شبهات الأعداء، وعدم فهم للمشاعر المقدسة، إنها يا قومنا رسالة أرادها الله أن تصل إلى كل العالم، أننا قوم رخصت دماؤنا في سبيل إقامة مشاعر ديننا، رسالة إلى العلمنة في وسائل الإعلام، وإلى أهل الحجاب في فرنسا، وإلى أهل التعذيب في العراق، وأمثال هؤلاء كثير، إنها رسالة من ربنا إلى أعدائه أن للدين حماة ورعاة يبذلون أرواحهم سهلة، ومهجهم رخيصة من أجل إقامة شعائر الدين وفرائض الإسلام. وما خسر هؤلاء الشهداء شيئا، يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيماًً.
رب العالمين، والصلاة السلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين.
كم يتملك الإنسان من أسى وحزن وحسرة حين يطالع أحوال المسلمين في هذه الأيام!! فكلمََّا لاحت في الأفق مسألة تمس شريعتهم لا تُعجب أعدائهم تراهم يلتمسون الأعذار ويتنكبون الطريق، لماذا يا قوم هذا الوهن؟ لماذا هذه النفسية المنهزمة دائماً؟ أما كفاهم غلبة عدوكم عليكم حتى تعودوا لدينكم، تعلون به الدنيا، وتشمخون بأنوفكم إنْ كنتم به مستمسكين، قال - تعالى -: "ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إنْ كنتم مؤمنين" آل عمران-139
لكن أصل البلية أنَّ المسلمين اليوم لم يعودوا يشعرون بأن دينهم هذا، دين عظيم، لم يعودوا يبصرون اعتداله ووسطيته، قال - تعالى -: "قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" الأنعام-161 وقال - جل وعلا -: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً" البقرة-143 ولا يرون كماله "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" المائدة-3 ولا ينظرون بإجلال لقوله قال: "إنَّ هذا الدين متين" (1) ولا يعرفون أنَّ أحكامه وشريعته مبنية على اليسر "إن الدين يسر" (2) فالإحساس بعظمة الإسلام له دور مهم في صياغة الأمة الإسلامية؛ ولذلك نرى هوان الإسلام على أصحابه في هذا العصر لعدم تعظيم الإسلام في نفوس المسلمين، وعدم تعظيمهم لشرائعه وشعائره، قال الله - تعالى -: "ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" الحج-32 وإنَّما خفَّت عظمة الإسلام في نفوس المسلمين في هذا الزمان؛ نتيجة كثرة الأقلام المسعورة، والألسنة الحاقدة، والقلوب الخبيثة من المنتسبين إلى الإسلام الذين يهاجمون شريعته كلما واتتهم الفرصة، ونظرة عاجلة على مقالات كثيرة في الصحف تنبئك عن هذه الحملة المكثفة على عقائد المسلمين.
ومن أسفٍ أنْ دانت الأمور إلى أهل النفاق الذين يمرقون من الدين كما يمرق السهم في الرمية، وهؤلاء لا فقه لهم في الدين، يحكمون عقولهم التي تربت في كنف الغرب؛ للطعن في شريعة الإسلام، وقد قال: "خصلتان لا يجتمعان في منافق: حسن سمت ولا فقه في الدين" (3).
وقال: "الخير عادة، والشر لجاجة، ومن يرد الله به خيراً يفقه في الدين" (4).
إنَّ هذا الدين يحتاج أن يعاش؛ فإن الملايين المملينة من المسلمين الذين يعيشون تحت ضغط الظروف ومأساة الحصول على لقمة العيش السائغة لا يحتاجون إلى مجرد وعظهم وتذكيرهم بعظمة الإسلام بقدر ما يحتاجون إلى انتشالهم من ضغط الواقع الأليم؛ ليعيشوا الإسلام، إنِّه دين يحتاج أن نعيشه حقيقة، لا أن نتحدث عنه، ونعجب به ونتمناه، ونكتفي بذلك أحلاما وشعارات بل أن نعيشه حقيقة، فيعيش هو بنا وفينا ونعيش نحن نستمتع بعظمته في آفاق عالية؛ لذا كانت عظمة الصحابة أنهم استطاعوا أن ينزلوا بمثاليات الإسلام إلى أرض الواقع أو بتعبير أدق أن يرفعوا بالواقع إلى درجة المثالية.
أكتب هذا الكلام في أعقاب حج 1424 هـ ، بعد أحداث وقعت في منى عند رمى الجمرات هذا العام، وكالعادة تنظر إلى الجرائد والمجلات فكل من هب ودب ينتقد ويتشفى، ويقترح وينصح، ويلوم ويطعن، لكنني أرى الأمر فرصة لبيان عظمة الإسلام في استشهاد مئتين وأربعين حاجاً في ثياب إحرامهم، وهم يؤدون منسكا من المناسك، أقول وقد أمتن الله عليِّ بالحج هذا العام وبملء فمي وقلبي: ياليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما.
نعم والله، وما يضير هؤلاء وقد باتوا بمنى يوم التروية، ثم وقفوا بعرفة طيلة النهار ملبين داعين خاشعين متبتلين ضارعين هاتفين: لبيك اللهم لبيك.
أتو ربهم لابسين أكفانهم، ثم باتوا بمزدلفة، وأصبحوا بالمشعر الحرام يذكرون الله أشد ذكرهم وآباءهم لرمى حجرة العقبة ولم ينقطعوا بعد عن التلبية.
ما ضر هذا الحاج أن يلقى حتفه تحت أقدام إخوانه من الحجاج وهو يمتثلون قول الله: "وعجلت إليك ربى لترضى" طه-84
ما ضر هذا الحاج أن لقي حتفه رغم أنفه بعد أن غفر له ما تقدم من ذنبه عشية عرفه، فلقي الله طاهراً مطهرا نظيفا جميلا، أليس هذا بعض السر في لبسه لباس الإحرام كالكفن أصلاً.
إنها أيها الأخوة ليست دعوة لأن نموت هناك، وإنما تحليل من قلب يبصر عظمة الإسلام في كل المشاعر والمناسك المقدسة، ألا ترون أنَّ اجتماع مليونين من المسلمين في ملبس واحد بنداء وهتاف واحد في مشهد يأخذ بالألباب يحمل في طياته رسالة موجهة إلى كل العالم أنَّ المسلمين لبسوا أكفانهم وينادون ربهم أتيناك، فليعقلها عقلاء القوم؛ فتعود إلى المسلمين هيبتهم في النفوس.
ألا تعتبرون شهادة هذه العشرات من المسلمين في سبيل الله على صعيد منى يحمل رسالة أخطر وأهم إلى كل أعداء الإسلام في كل مكان، فالذين سَيُمنعون الفهم هناك سيعلمون يقيناًَ أن هؤلاء المسلمين؛ أرواحهم أرخص شيء عندهم، يبذلون أرواحهم التي هي أغلى عند غيرهم من الدنيا وما فيها ليرضى عنهم ربهم.
نعم هذه نظرة أهل العزة والاعتزاز بالإسلام، أما المتخاذلون المنهزمون نفسياً؛ فإنهم يسارعون إلى الاعتذار وإيجاد المبررات، ونحن نقول لقومنا قبل غيرهم. فما مائتان وما خمسمائة وما ألف وما آلاف! في جنب ما يُقتلون كل يوم على أرض فلسطين وفى العراق وفى أفغانستان، وفى كل أنحاء العالم من المسلمين من يضيع دمهم هدرا في خيانات بذيئة، ويباع دمهم هدرا من أجل دنيا رديئة، شتان الفرق!!
وكم نسبة المائتين بل والخمسمائة إلى حوادث الطرق من شباب أرعن لا يقدر المسئولية في سيارات جاءت بالربا المحرم، فضاعت السيارات وضاع أصحابها.
هل عرفتم الآن سر تهويل القضية في مائتي شهيد؛ راحوا في ثياب إحرامهم يلقون الله يوم القيامة ملبين؟! السر يا قومنا في ضعف تنظيم الإسلام في النفوس، وهزيمة نفسية منكرة أمام شبهات الأعداء، وعدم فهم للمشاعر المقدسة، إنها يا قومنا رسالة أرادها الله أن تصل إلى كل العالم، أننا قوم رخصت دماؤنا في سبيل إقامة مشاعر ديننا، رسالة إلى العلمنة في وسائل الإعلام، وإلى أهل الحجاب في فرنسا، وإلى أهل التعذيب في العراق، وأمثال هؤلاء كثير، إنها رسالة من ربنا إلى أعدائه أن للدين حماة ورعاة يبذلون أرواحهم سهلة، ومهجهم رخيصة من أجل إقامة شعائر الدين وفرائض الإسلام. وما خسر هؤلاء الشهداء شيئا، يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيماًً.