لم يمر على إيران طوال تاريخها ما تمر عليه اليوم ونشاهده بأم أعييننا من التحديات والأزمات والمعاناة والانحرافات، وتغيير القيم و أزمة الهوية.
لقد كانت إيران في أكثر مراحلها التاريخية تتجه نحو الرقي والازدهار والأفضلية و الأولوية، وعلى سبيل المثال كان أسلافنا المتحضرون يموتون تحت مطارق الأفكار التافهة الوحشية البعيدة عن القيم الإنسانية في ظل المملكة الكسروية، فعندما أشرق عليهم نور الإسلام و تعرفوا على قيمه العليا دخلوا فيه بأذرع مفتوحة، و حيث تقدمهم الثقافي على العرب البدو الذين اختار الله لغتهم لغة الدين واصطفى رسوله - صلى الله عليه و آله و سلم- من بينهم، تقدموا عليهم أيضا في خدمة الإسلام حافلا بالبطولات والتضحيات النادرة في شتى الميادين، فكانوا يرون أنفسهم أحق بالدفاع عن الدين الذي نجوا بفضله من قيود الظلم والاستبداد وعبودية العباد إلى عبودية رب العباد.
و لما أحسوا أن بعض حكام وأمراء الدولة الأموية بدأوا يستغلون الدين في سبيل مصالحهم الشخصية وانحرفوا عن المسار الأصلي، ناصروا العباسيين الذين يرجع أصلهم إلى آل بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - حفاظاً على المبادئ العليا لهذا الدين الحنيف، آملين تطبيق أحكام الدين بشكل صحيح، فبدلوا الدولة الأموية إلى الدولة الجديدة بدل الأمويين، وأوصلوا العباسيين على مساند الحكم ورسخوا قوائم دولتهم!.
خلاصة القول: فإن تاريخ إيران و ما أنجزه أسلافنا الأمجاد في مدرسة الإسلام التي تربي الإنسانية و تقدم أروع النماذج للبشرية، لم يتراجع أبداً أمام التحديات والأفكار المرفوضة التي اجترها التاريخ ولم تهنها الأزمات التي تغير وتبدل الهوية!.
إن ظهور الحركات المقوضة الداعية إلى الخرافات وتحمل المذهب الشيعي الصفوي في القرن العاشر بالجبر والسيف على الشعب الإيراني ليس إلا لطخة عار وخزي في جبين تاريخ البشرية عموما، وفاجعة مؤلمة ومأسوية في تاريخ إيران، حيث كان بمثابة الخنجر القاتل المدمر الذي ألغى هوية إيران وجعلها تتراجع في المرحلة الحساسة التي تتنافس الأمم للرقي إلى الأمام و الازدهار وانحدرت من الصعود والمجد والإنجاز إلى وادي الهلاك و الدمار والخراب.
لحسن الحظ فإن الظاهرة التي تدعو إلى التقيد بمبادئ الصفوية والتجارة بالمذهب وترسيخ وترويج الأفكار التافهة، مع أنها حصدت أرواح الآلاف من البشر من مواطنينا، ولكنها لا تزال تواجه الصعوبات والتحديات الشديدة من قبل الشعب الإيراني الواعي وينحصر نموها في المناطق الريفية النائية المتخلفة التي تسيطر عليها الأمية [انظر: التشيع الصفوي والتشيع العلوي للدكتور/ علي شريعتي].
إن ظاهرة التشيع الصفوي المفروض على الشعب الإيراني منذ القرون بواسطة الملالي ورجال الدين المرتزقة الذين جعلوا الدين والمذهب مصدر رزق لهم نحو المكاسب الاقتصادية الضخمة، كانت لها آثارا سلبية وانحطاطاً و تقهقراً قوياً، إلى أن هيمن قبل ثلاثة عقود أناس من هذه الفئة على مقدرات الشعب وتمسكوا بزمام أمور البلاد بعد أن كانوا مسيطرين على الأسواق المذهبية.
لقد ارتفع كبرياءهم وحرصهم وحبهم على الدنيا أضعافاً مضاعفة بعد ما جلسوا على مساند الحكم ورفعوا شعار، "تصدير الثورة"، فاتجهوا نحو التجارة بالدين والمذهب في البلدان المجاورة وفتح المحلات فيها مما أدى إلى أن تصبح إيران كغدة سرطانية في منطقة الشرق الأوسط وتشتهر بالوحشية المقيتة بين المجتمع الدولي بتصرفاتها المتناقضة وسياساتها غير السليمة والفاشلة، وزرع الرعب والخوف بين الأمم، فكانت نتيجة تلك التصرفات الخاطئة الشاذة الغير معقولة أن تطرح إيران مع تراثها العريق العظيم ضمن الدول المتخلفة أو ما يسمى بالعالم الثالث الذي يعادى وينقض فيه حقوق الإنسان والحرية، وباتت تعد من الدول الفقيرة المليئة بالفحشاء والفجائع مع النهج الاقتصادي الفاشل! وإن الدول التي كانت أكثر تخلفا من إيران وكانت تعاني من الأزمات السياسية العميقة وكانت محرومة من نعمة النفط الرخيصة كتركيا وماليزيا وغيرها من الدول، انضموا إلى قافلة الدول المتحضرة المتقدمة، هذا في الوقت الذي نحن نتجه نحو الطريق المغلق ونضرب على وجوهنا ورؤوسنا مع قراءة المرثية وهتاف " يا حسين"، وقد أدخلنا رؤوسنا تحت الرماد!.
فقدان القيم العقلانية:
في الحالة المضطربة والتي يمارس فيها رجال الدين التجارة بالدين والمذهب ضاعت وهتكت القيم الوطنية والعقلانية بشكل سيئ وغير مسبق!، إنهم يروجون في نسيج مجتمعنا كل يوم أفكارا سخيفة وفارغة وعقيمة، كالأحلام التي يحلمونها ليلا ونهارا فينجبون لنا أبناء الإمام! وما يعتقدونه بشأن بئر جمكران! وشد الخيوط على المرقد الذي يقدسونه ويتوسلون به، ويقضون حوائجهم منها! وقرع أبواب المساجد! وصناعة النوافذ الذهبية والفولاذية! وبناء القبب والقصور للأئمة وأبناء الأئمة وتقديسهم وغيرها من الخرافات.... !!.
لقد رأيتم منافسة رجال الدين مع نظام الرأس المالي وكيف يسارعون في جمع الأموال باسم الدين! فيحسن أن تلاحظوا أسواق البدعة أيضا وماذا يجري فيها:
غالبا ما نشاهد في إيران معركة الهيئات والمنظمات الحكومية ضد الخرافات!! على سبيل المثال:
"مرور إمام الزمان المهدي من جانب إحدى الهيئات الدينية بمنطقة " مهرشهر" بمدينة كرج، ونظره الخاص إلى إحدى الحسينيات على مستوى المحافظة، وتدفق الآلاف من المواطنين الذين يعتقدون هذه الخرافات لينظروا صورة الإمام التي نقشت في الجدار المقابل "للهيئة"، وقد تدخلت الشرطة وأغلقت أبواب الهيئة، كما عومل بعض الحضور بشدة، منها "شد الخيوط في الأشجار القديمة"، وقد أدى إلى قطع تلك الأشجار من قبل الحكومة: لقد قطعت شجرتين قديمتين في مدينة: "رضوانشهر" بمحافظة كيلان، كما قطعت شجرة واحدة في مدينة "قم"، ومن ترويج تلك الخرافات صناعة أبناء الإمام عبر الأحلام، و قراءة البخت وكتابة الأدعية.
قرع الباب:
هذا السلوك نموذج من الأعمال التي يقوم بها ما يسمى بالملتزمين!! ففي نهاية شهر صفر يقومون ببعض الطقوس لانجاز حاجاتهم! هذه الطقوس والسلوكيات تشتمل على ما يلي:
-: قرع أبواب سبعة من المساجد.
-: وإشعال الشموع خلف باب سبعة مساجد.
ثم يأتون في آخر ليلة من شهر صفر إلى تلك المساجد ويقبّلون أبوابها، ويقدمون التهاني إلى حضرة الزهراء.
وقد اتخذت الحكومة ووسائل الإعلام الحكومية موقفا شديدا ضد هذه السلوكيات و الطقوس!
ممكن تقول في نفسك: ما الفرق بين هذه الخرافات و ما تدعو إليه أصول المذهب الشيعي الصفوي؟ و لماذا تعتبر هذه البدع من الخرافات و غيرها تعتبر من أساس المذهب؟
عندما تنظر إلى ما وراء القصة تتضح لك الحقيقة.
الإجابة على هذا السؤال في جملة واحدة: لأن تلك المعتقدات لا تخدم مصالح الحكومة، وحتى يمكن أن تعمل ضد السلطة الحاكمة، والديكتاتور المستبد وشرعيته، كما لا ينزل الدسم من هذه المراسم والطقوس الجانبية إلى طعام رجال الدين، ولا تشعل فتيلة لهم و لحكومة الولي الفقيه!
أما تبرير هذه الأعمال عندهم بأنها من الخرافات! فلأنها لا توجد لها رواية ولا سند، كما أن هناك الكثير من الأعمال المفروضة التي تنتشر الآن في المجتمع الشيعي وتعد معيارا ومقياسا لمذهب الشيعة كالشهادة بإمامة علي - رضي الله عنه - في الأذان، ليس لها أي سند ولا رواية تثبت شرعيتها في الدين الإسلامي ولكن بعد ما شرعها الصفويون أصبحت من المعايير الثابتة في المذهب الشيعي.
مثال آخر: وجود الأعلام و التلال المنسوبة إلى الأئمة وأبناءهم واجتماع الناس حولهم أيام الحداد على الإمام الحسين، أو ضرب الرأس والظهر بالحربة والخنجر والسلاسل، ليس لها أي رواية أو سند تثبت مشروعيتها في الدين الإسلامي ولكنها اليوم أصبحت من الأمور المذهبية المشروعة في المذهب الشيعي ومن معاييرها الثابتة، والآن تمنع الحكومة ضرب النفس بالخنجر والحربة سداً من العواقب السلبية، ومن أجل الأمور الدعائية التي تصب في صالحها، فبالتالي فإن الفرق بين إشعال الشمعة خلف أبواب المساجد والكثير من الطقوس والسلوكيات الأخرى لدى الشيعة هو: لأن المقربين إلى السلطة الحاكمة لا يؤدون هذه الأعمال، لذلك تعتبر من الخرافات!
ومن ناحية الثقافة الرسمية والتي تعتبر الحكومة الدينية الإيرانية نفسها ممثلة لها وتنفذ سياساتها في هذا المجال، فإن كل ما يوافق معتقدات السلطة الحاكمة فإنها تعتبر معياراً وأساساً للمذهب، وكل ما خالف ذلك يعد من الخرافات.
فلو جاء شخص من الخارج وحكم مستخدما تلك المصطلحات فإنه يعد السلوكيات الدينية التي تأيدها السلطة الحاكمة " خرافة المعيار"، ويعد غيرها من السلوكيات، والمعتقدات التي يمارسها الآخرون، خرافات مخالفة لمعايير المذهب!
معنى "خرافة المعيار": هو ما تقف السلطة الحاكمة وراءها وتدافع عنها! أما الخرافات الأخرى تعد غير ذلك!
نتيجة هذه القيم المزدوجة والمعايير الغير منطقية وبروز البدع السوداء كنظرية ولاية الفقيه الاستبدادية، التي ترى سلطتها وحكمها محاذيا لحكم الله، وأنها تملك خيار الشعب مطلقا، سببت أن يثور السذج الذين يعتبرون هذه الفكرة الزائفة من الإسلام، ضد أعلى مدرسة فكرية في العالم التي تربي الإنسان، وتعده بل تربي الأجيال الحرة بقيمها الإنسانية العالية.
وأنه من المؤسف أن نرى الكثير من الشباب في المجتمع الإيراني يسعون إلى إحياء الأفكار الإمبراطورية الملكية، أو الزرتشتية عبدة النيران، والتي عاشت إيران قرونا تحت ظلال أفكارها الباطلة التي تخالف العقل السليم والفكر والحرية والإنسانية، وذاقت سنوات مديدة أسوء النكبات والأزمات والمأساة، وعجبا لهذه الفئة سريعة التأثر المتحمس في مجتمعنا أن يعيدوا ويجتروا تلك التجارب الفاشلة التي بقيت بقعة عار على جبين التاريخ الإيراني!
بالطبع أنا لا أريد أن أمد يد الإتهام إلى هذه الفئة الواعية المدركة! في الواقع يتحمل مسؤولية هذه الأزمة، هؤلاء رجال الدين الذين صنعوا و روّجوا المذهب الصفوي وأبعدوا الشعب عن الإسلام الأصيل وحملوا عليهم مذهبهم المليء بالخرافات، سوف يلعنهم تاريخ إيران إلى الأبد بما ارتكبوا، وها هي نحن نشاهد اليوم ردود الأفعال وثوران العقول التي انفلت عنانها ضد المعتقدات الخرافية والبدع المنسوبة للمذهب! و إنها فرصة، في زمن تواجه هويتنا أزمات عديدة أن يتحد ويتفق المفكرون وعقول ذات التفكير الحر الواعي وخبراء مجتمعنا ليكشفوا عن حقيقة الديكتاتور المستبد، ورجال الدين الذين يقدسون أنفسهم و يتاجرون بالدين الذين فطروا على خصال الصفويين، حتى تعود أمتنا إلى معرفة القرآن والدين الحنيف الذي هو أساس هويتنا الوطنية.
في رأيي فإن الطريق الوحيد لاستقرار البلاد والحفاظ على الكيان الوطني ونهوض الثقافة وبناء الدولة القوية والمتحضرة الرائدة في العالم ما ذكرته آنفا، ويا ليت نستطيع أن تنجو إيران، تلكم الهدية القيمة التي تركها لنا أسلافنا! موطن العلماء الجهابذة كالبخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي وغيرهم من المفكرين، قبل أن تغرق في المستنقع النتن المظلم.
لقد كانت إيران في أكثر مراحلها التاريخية تتجه نحو الرقي والازدهار والأفضلية و الأولوية، وعلى سبيل المثال كان أسلافنا المتحضرون يموتون تحت مطارق الأفكار التافهة الوحشية البعيدة عن القيم الإنسانية في ظل المملكة الكسروية، فعندما أشرق عليهم نور الإسلام و تعرفوا على قيمه العليا دخلوا فيه بأذرع مفتوحة، و حيث تقدمهم الثقافي على العرب البدو الذين اختار الله لغتهم لغة الدين واصطفى رسوله - صلى الله عليه و آله و سلم- من بينهم، تقدموا عليهم أيضا في خدمة الإسلام حافلا بالبطولات والتضحيات النادرة في شتى الميادين، فكانوا يرون أنفسهم أحق بالدفاع عن الدين الذي نجوا بفضله من قيود الظلم والاستبداد وعبودية العباد إلى عبودية رب العباد.
و لما أحسوا أن بعض حكام وأمراء الدولة الأموية بدأوا يستغلون الدين في سبيل مصالحهم الشخصية وانحرفوا عن المسار الأصلي، ناصروا العباسيين الذين يرجع أصلهم إلى آل بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - حفاظاً على المبادئ العليا لهذا الدين الحنيف، آملين تطبيق أحكام الدين بشكل صحيح، فبدلوا الدولة الأموية إلى الدولة الجديدة بدل الأمويين، وأوصلوا العباسيين على مساند الحكم ورسخوا قوائم دولتهم!.
خلاصة القول: فإن تاريخ إيران و ما أنجزه أسلافنا الأمجاد في مدرسة الإسلام التي تربي الإنسانية و تقدم أروع النماذج للبشرية، لم يتراجع أبداً أمام التحديات والأفكار المرفوضة التي اجترها التاريخ ولم تهنها الأزمات التي تغير وتبدل الهوية!.
إن ظهور الحركات المقوضة الداعية إلى الخرافات وتحمل المذهب الشيعي الصفوي في القرن العاشر بالجبر والسيف على الشعب الإيراني ليس إلا لطخة عار وخزي في جبين تاريخ البشرية عموما، وفاجعة مؤلمة ومأسوية في تاريخ إيران، حيث كان بمثابة الخنجر القاتل المدمر الذي ألغى هوية إيران وجعلها تتراجع في المرحلة الحساسة التي تتنافس الأمم للرقي إلى الأمام و الازدهار وانحدرت من الصعود والمجد والإنجاز إلى وادي الهلاك و الدمار والخراب.
لحسن الحظ فإن الظاهرة التي تدعو إلى التقيد بمبادئ الصفوية والتجارة بالمذهب وترسيخ وترويج الأفكار التافهة، مع أنها حصدت أرواح الآلاف من البشر من مواطنينا، ولكنها لا تزال تواجه الصعوبات والتحديات الشديدة من قبل الشعب الإيراني الواعي وينحصر نموها في المناطق الريفية النائية المتخلفة التي تسيطر عليها الأمية [انظر: التشيع الصفوي والتشيع العلوي للدكتور/ علي شريعتي].
إن ظاهرة التشيع الصفوي المفروض على الشعب الإيراني منذ القرون بواسطة الملالي ورجال الدين المرتزقة الذين جعلوا الدين والمذهب مصدر رزق لهم نحو المكاسب الاقتصادية الضخمة، كانت لها آثارا سلبية وانحطاطاً و تقهقراً قوياً، إلى أن هيمن قبل ثلاثة عقود أناس من هذه الفئة على مقدرات الشعب وتمسكوا بزمام أمور البلاد بعد أن كانوا مسيطرين على الأسواق المذهبية.
لقد ارتفع كبرياءهم وحرصهم وحبهم على الدنيا أضعافاً مضاعفة بعد ما جلسوا على مساند الحكم ورفعوا شعار، "تصدير الثورة"، فاتجهوا نحو التجارة بالدين والمذهب في البلدان المجاورة وفتح المحلات فيها مما أدى إلى أن تصبح إيران كغدة سرطانية في منطقة الشرق الأوسط وتشتهر بالوحشية المقيتة بين المجتمع الدولي بتصرفاتها المتناقضة وسياساتها غير السليمة والفاشلة، وزرع الرعب والخوف بين الأمم، فكانت نتيجة تلك التصرفات الخاطئة الشاذة الغير معقولة أن تطرح إيران مع تراثها العريق العظيم ضمن الدول المتخلفة أو ما يسمى بالعالم الثالث الذي يعادى وينقض فيه حقوق الإنسان والحرية، وباتت تعد من الدول الفقيرة المليئة بالفحشاء والفجائع مع النهج الاقتصادي الفاشل! وإن الدول التي كانت أكثر تخلفا من إيران وكانت تعاني من الأزمات السياسية العميقة وكانت محرومة من نعمة النفط الرخيصة كتركيا وماليزيا وغيرها من الدول، انضموا إلى قافلة الدول المتحضرة المتقدمة، هذا في الوقت الذي نحن نتجه نحو الطريق المغلق ونضرب على وجوهنا ورؤوسنا مع قراءة المرثية وهتاف " يا حسين"، وقد أدخلنا رؤوسنا تحت الرماد!.
فقدان القيم العقلانية:
في الحالة المضطربة والتي يمارس فيها رجال الدين التجارة بالدين والمذهب ضاعت وهتكت القيم الوطنية والعقلانية بشكل سيئ وغير مسبق!، إنهم يروجون في نسيج مجتمعنا كل يوم أفكارا سخيفة وفارغة وعقيمة، كالأحلام التي يحلمونها ليلا ونهارا فينجبون لنا أبناء الإمام! وما يعتقدونه بشأن بئر جمكران! وشد الخيوط على المرقد الذي يقدسونه ويتوسلون به، ويقضون حوائجهم منها! وقرع أبواب المساجد! وصناعة النوافذ الذهبية والفولاذية! وبناء القبب والقصور للأئمة وأبناء الأئمة وتقديسهم وغيرها من الخرافات.... !!.
لقد رأيتم منافسة رجال الدين مع نظام الرأس المالي وكيف يسارعون في جمع الأموال باسم الدين! فيحسن أن تلاحظوا أسواق البدعة أيضا وماذا يجري فيها:
غالبا ما نشاهد في إيران معركة الهيئات والمنظمات الحكومية ضد الخرافات!! على سبيل المثال:
"مرور إمام الزمان المهدي من جانب إحدى الهيئات الدينية بمنطقة " مهرشهر" بمدينة كرج، ونظره الخاص إلى إحدى الحسينيات على مستوى المحافظة، وتدفق الآلاف من المواطنين الذين يعتقدون هذه الخرافات لينظروا صورة الإمام التي نقشت في الجدار المقابل "للهيئة"، وقد تدخلت الشرطة وأغلقت أبواب الهيئة، كما عومل بعض الحضور بشدة، منها "شد الخيوط في الأشجار القديمة"، وقد أدى إلى قطع تلك الأشجار من قبل الحكومة: لقد قطعت شجرتين قديمتين في مدينة: "رضوانشهر" بمحافظة كيلان، كما قطعت شجرة واحدة في مدينة "قم"، ومن ترويج تلك الخرافات صناعة أبناء الإمام عبر الأحلام، و قراءة البخت وكتابة الأدعية.
قرع الباب:
هذا السلوك نموذج من الأعمال التي يقوم بها ما يسمى بالملتزمين!! ففي نهاية شهر صفر يقومون ببعض الطقوس لانجاز حاجاتهم! هذه الطقوس والسلوكيات تشتمل على ما يلي:
-: قرع أبواب سبعة من المساجد.
-: وإشعال الشموع خلف باب سبعة مساجد.
ثم يأتون في آخر ليلة من شهر صفر إلى تلك المساجد ويقبّلون أبوابها، ويقدمون التهاني إلى حضرة الزهراء.
وقد اتخذت الحكومة ووسائل الإعلام الحكومية موقفا شديدا ضد هذه السلوكيات و الطقوس!
ممكن تقول في نفسك: ما الفرق بين هذه الخرافات و ما تدعو إليه أصول المذهب الشيعي الصفوي؟ و لماذا تعتبر هذه البدع من الخرافات و غيرها تعتبر من أساس المذهب؟
عندما تنظر إلى ما وراء القصة تتضح لك الحقيقة.
الإجابة على هذا السؤال في جملة واحدة: لأن تلك المعتقدات لا تخدم مصالح الحكومة، وحتى يمكن أن تعمل ضد السلطة الحاكمة، والديكتاتور المستبد وشرعيته، كما لا ينزل الدسم من هذه المراسم والطقوس الجانبية إلى طعام رجال الدين، ولا تشعل فتيلة لهم و لحكومة الولي الفقيه!
أما تبرير هذه الأعمال عندهم بأنها من الخرافات! فلأنها لا توجد لها رواية ولا سند، كما أن هناك الكثير من الأعمال المفروضة التي تنتشر الآن في المجتمع الشيعي وتعد معيارا ومقياسا لمذهب الشيعة كالشهادة بإمامة علي - رضي الله عنه - في الأذان، ليس لها أي سند ولا رواية تثبت شرعيتها في الدين الإسلامي ولكن بعد ما شرعها الصفويون أصبحت من المعايير الثابتة في المذهب الشيعي.
مثال آخر: وجود الأعلام و التلال المنسوبة إلى الأئمة وأبناءهم واجتماع الناس حولهم أيام الحداد على الإمام الحسين، أو ضرب الرأس والظهر بالحربة والخنجر والسلاسل، ليس لها أي رواية أو سند تثبت مشروعيتها في الدين الإسلامي ولكنها اليوم أصبحت من الأمور المذهبية المشروعة في المذهب الشيعي ومن معاييرها الثابتة، والآن تمنع الحكومة ضرب النفس بالخنجر والحربة سداً من العواقب السلبية، ومن أجل الأمور الدعائية التي تصب في صالحها، فبالتالي فإن الفرق بين إشعال الشمعة خلف أبواب المساجد والكثير من الطقوس والسلوكيات الأخرى لدى الشيعة هو: لأن المقربين إلى السلطة الحاكمة لا يؤدون هذه الأعمال، لذلك تعتبر من الخرافات!
ومن ناحية الثقافة الرسمية والتي تعتبر الحكومة الدينية الإيرانية نفسها ممثلة لها وتنفذ سياساتها في هذا المجال، فإن كل ما يوافق معتقدات السلطة الحاكمة فإنها تعتبر معياراً وأساساً للمذهب، وكل ما خالف ذلك يعد من الخرافات.
فلو جاء شخص من الخارج وحكم مستخدما تلك المصطلحات فإنه يعد السلوكيات الدينية التي تأيدها السلطة الحاكمة " خرافة المعيار"، ويعد غيرها من السلوكيات، والمعتقدات التي يمارسها الآخرون، خرافات مخالفة لمعايير المذهب!
معنى "خرافة المعيار": هو ما تقف السلطة الحاكمة وراءها وتدافع عنها! أما الخرافات الأخرى تعد غير ذلك!
نتيجة هذه القيم المزدوجة والمعايير الغير منطقية وبروز البدع السوداء كنظرية ولاية الفقيه الاستبدادية، التي ترى سلطتها وحكمها محاذيا لحكم الله، وأنها تملك خيار الشعب مطلقا، سببت أن يثور السذج الذين يعتبرون هذه الفكرة الزائفة من الإسلام، ضد أعلى مدرسة فكرية في العالم التي تربي الإنسان، وتعده بل تربي الأجيال الحرة بقيمها الإنسانية العالية.
وأنه من المؤسف أن نرى الكثير من الشباب في المجتمع الإيراني يسعون إلى إحياء الأفكار الإمبراطورية الملكية، أو الزرتشتية عبدة النيران، والتي عاشت إيران قرونا تحت ظلال أفكارها الباطلة التي تخالف العقل السليم والفكر والحرية والإنسانية، وذاقت سنوات مديدة أسوء النكبات والأزمات والمأساة، وعجبا لهذه الفئة سريعة التأثر المتحمس في مجتمعنا أن يعيدوا ويجتروا تلك التجارب الفاشلة التي بقيت بقعة عار على جبين التاريخ الإيراني!
بالطبع أنا لا أريد أن أمد يد الإتهام إلى هذه الفئة الواعية المدركة! في الواقع يتحمل مسؤولية هذه الأزمة، هؤلاء رجال الدين الذين صنعوا و روّجوا المذهب الصفوي وأبعدوا الشعب عن الإسلام الأصيل وحملوا عليهم مذهبهم المليء بالخرافات، سوف يلعنهم تاريخ إيران إلى الأبد بما ارتكبوا، وها هي نحن نشاهد اليوم ردود الأفعال وثوران العقول التي انفلت عنانها ضد المعتقدات الخرافية والبدع المنسوبة للمذهب! و إنها فرصة، في زمن تواجه هويتنا أزمات عديدة أن يتحد ويتفق المفكرون وعقول ذات التفكير الحر الواعي وخبراء مجتمعنا ليكشفوا عن حقيقة الديكتاتور المستبد، ورجال الدين الذين يقدسون أنفسهم و يتاجرون بالدين الذين فطروا على خصال الصفويين، حتى تعود أمتنا إلى معرفة القرآن والدين الحنيف الذي هو أساس هويتنا الوطنية.
في رأيي فإن الطريق الوحيد لاستقرار البلاد والحفاظ على الكيان الوطني ونهوض الثقافة وبناء الدولة القوية والمتحضرة الرائدة في العالم ما ذكرته آنفا، ويا ليت نستطيع أن تنجو إيران، تلكم الهدية القيمة التي تركها لنا أسلافنا! موطن العلماء الجهابذة كالبخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي وغيرهم من المفكرين، قبل أن تغرق في المستنقع النتن المظلم.