الغرب وأكذوبة الحريم الإسلامي
وقد بدأ تدوين كلمة الحريم في التاريخ الغربي عام 1634م، لتعبر عن ذلك المكان الذي تعيش فيه النساء المسلمات فقط بما فيهن من زوجات، جواري خادمات، عبيد ويحتوي كذلك على سلالتهن من الأطفال. وهو المكان الغير مسموح فيه لاستقبال الرجال الغرباء.
وقد بُني هذا الاعتقاد ولا زال جارياً حتى اللحظة من قصص ألف ليلة وليلة المترجمة إلى عدة لغات، ومن أيام الدولة العثمانية، حيث يحظى السلطان الكبير بمئات النساء ويشمل مكان الحريم أيضاً والدة السلطان، ونساء السلطان، وبناته، وبعض أقارب العائلة، والخادمات، والعبيد.
لكن أحد متاحف إستانبول العريقة، ومعظمها أقيم في حقبة السيطرة العلمانية على تركيا يكشف هذه الكذبة التي حاول الغرب إلصاقها بنا، يلفت النظرَ في المتحف أنّ "القطع الأثرية" المعروضة في معظمها هي ممّا أبدعته أيدي الصناع والفنانين من أهل البلد - المسلمين بأغلبيتهم- في العهد العثماني، أو ما ورد إلى مقرّ السلطنة على سبيل الهدية، إلاّ ما كان يتعلّق بالحريم، الذي يُفترض أنّ منظمي المتحف يريدون أن يعطوا من خلاله صورة "تأريخية" عمّا كان في عهد الدولة العثمانية، هنا كانت جميع اللوحات المعروضة دون استثناء من ريشة رسّامين إيطاليين، بل هي قطع من وحي خيالهم، بما في ذلك صورة وحيدة "مزعومة" لابنة السلطان، في وضع لا يوجد ما يوثّق أنّها كانت عليه أمام أنظار "الرسام الإيطالي".
كما أن قسم "الحريم" هو الوحيد الذي يقع في بناء حديث الإنشاء على نقيض البناء الرئيسي التاريخي لجميع أنحاء القصر الأخرى، حسب الصورة التي كانت متفقة مع ما نشرته كتابات غربية عن أوضاع المسلمين ونسائهم، ابتداء مما يُفترض أنه كان في العهد العثماني، وصولا إلى افتراءات عن العهد النبوي تتناقض مع الموثّق من السيرة المطهرة والتاريخ الإسلامي الأول.
والغرب يرد على نفسه، فقد كشف استطلاع للرأي أجراه معهد جالوب ونشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن المسلمات لا يشكين من الحجاب ولا يشعرن بالقمع في الدول التي تدين بالإسلام غير أنهن يرغبن في الإدلاء بأصواتهن في الانتخابات لمن يخترنه من المرشحين.
وأظهر الاستطلاع الذي أجري عام 2005 على شكل مقابلات فردية شملت عينة من نحو ثمانية آلاف امرأة أن أكبر نسبة من النساء اللاتي يرغبن في التصويت بحرية سجلت في لبنان (97%) ثم مصر والمغرب (95%).
ولم تشك أي من النساء من الحجاب أو البرقع ولم تذكر معظمهن مشكلاتهن الشخصية على اعتبار أن بلادهن تعاني من مشكلات أكثر خطورة بكثير مثل العنف المرتبط بالتطرف والفساد والمواقف غير الموحدة للدول الإسلامية.
الغربيون يحاولون إلصاق هذه الفرية بنا ونسوا من جانبهم أن الرجل الغربي لا يحب الارتباط بعقد زواج، ويفضل أن يعيش مع صديقته في بيتها وعلى نفقتها في معظم الحالات بدون زواج ، شهوراً أو سنين، ولا ينفق عليها، بل هي تنفق عليه، وقد يغادر البيت متى شاء، أو قد يطلب منها مغادرة بيته، إن كانت تعيش معه في بيته، ولهذا فالمرأة عندهم تعيش في قلق وخوف شديدين، وتخشى أن يرتبط صديقها بامرأة ثانية ويطردها، ثم لا تجد صديقاً آخر. ولا تستطيع مطالبته بالزواج منها لأنها تخشى من موقف يتخذه، وتبذل كل السبل؛ من تقديم خدمات وإنفاق مال وإنجاب أطفال ولكن لا تنجح في إقناعه بالزواج منها، فتعيش في قلق وخوف دائمين، وتشعر بالوحدة لأنه ليس لها زوج يساعدها على أعباء الحياة، وليس لها أهل أو وجودهم وعدمه سواء، فتتعذب وتشقى هي وأبناؤها.
مفكرو الغرب وفلاسفته هم الذين نادوا بذلك واسسوه ورسخوه، فها هو الفليسوف "ماركيوز هربرت " يؤكد على اعتناق الغرائز الجنسية وإطلاق الحرية الجنسية بلا حدود، سواء من ناحية الكم أو الكيف، أي حتى حرية الشذوذ، بل وتمجيده باعتباره ثورة وتمردا ضد قمع الجنس، وضد مؤسسات القمع الجنسي، معتبرا التحرر الجنسي عنصرا مكملا ومتمما لعملية التحرر الاجتماعي ورافضا ربط الجنس بالتناسل والإنجاب.
واتفقت الحركات النسوية التي منشؤها الغرب على أن المرأة هي المالكة الوحيدة لجسدها وبالتالي فهي حرة، تتصرف فيه جنسيا كما تشاء مع من تشاء، ووفق ما تشاء، واعتبرت التعبير الحر عن الجنس هو جزء من الحرية، حتى لو اتخذ شكل الشذوذ الجنسي أو السحاقي، أو اتخذ شكل احتراف البغاء، طالما خلا هذا الاحتراف من الاستغلال التجاري!
وكان من نتيجة ذلك أن نسبة العزوف عن الزواج في الغرب ارتفعت حتى وصلت إلى 85% في أمريكا، وصار ثلث أطفال أمريكا يولدون خارج الزواج و41% من أولاد بريطانيا كذلك، وارتفع معدل الأم التي ترعى أولادها وحدها إلى 10 مليون امرأة سنة 2003م بعد أن كانت 3 مليون سنة 1970م، وازدادت نسبة الزنا من سن عشر سنوات والحمل من هذه السن المبكرة بشكلٍ خطيرٍ فحملت 12 ألف و901 بنت بين الـ10- 15 عامًا، سنة 2003م في أمريكا.