يؤمن المسلم بوجوب محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وآل بيته وأفضليتهم على من سواهم من المؤمنين والمسلمين ، وأنهم فيما بينهم متفاوتون في الفضل ، وعلو الدرجة.
فأفضلهم الخلفاء الراشدون الأربعة : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، ثم العشرة المبشرون بالجنة ، وهم الراشدون الأربعة ، وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وأبو عبيدة عامر بن الجراح ، وعبد الرحمن بن عوف ، ثم أهل بدر ، ثم أهل بيعة الرضوان وكانوا ألفاً وأربعمائة صحابي رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، وتفصيل مسألة المفاضلة بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يمكن الرجوع إليها في كتب عقيدة أهل السنة والجماعة كالعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
كما يؤمن المسلم بوجوب إجلال أئمة الإسلام واحترامهم وتوقيرهم والتأدب معهم عند ذكرهم ، وهم أئمة الدين وأعلام الهدى كالقراء والفقهاء والمحدثين والمفسرين من التابعين وتابعي تابعيهم ، رحمهم الله ورضي عنهم اجمعين .
أما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته فإنه :
1_ يحبهم لحب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم لهم ، إذ أخبر تعالى أنه يحبهم ويحبونه في قوله : ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) ، كما قال في وصفهم : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه ) .
2_ يؤمن بأفضليتهم على غيرهم من سائر المؤمنين والمسلمين لقوله تعالى في ثنائه عليهم والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) .
3 _ أن يرى ان أبا بكر الصديق أفضل أصحاب رسول الله ومن دونهم على الإطلاق : وأن الذين يلونه في الفضل هم : عمر ثم عثمان ، ثم على رضي الله تعالى عنهم أجمعين وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر ولكن أخي وصاحبي ) . ولقول علي رضي الله عنه : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ولو شئت لسميت الثالث - يعني عثمان رضي الله عنهم أجمعين .
4 _ أن يقر بمزاياهم ، ويعترف بمناقبهم كمنقبة أبي بكر وعمر وعثمان في قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد وقد رجف بهم وهم فوقه : ( أسكن أحد إنما عليك نبي وصديق وشهيدان ) وكقوله لعلي رضي الله عنه : ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ ) وقوله : ( فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ) وكقوله للزبير بن العوام : ( إن لكل نبي حوارياً ، وإن حواري الزبير بن العوام ) . وكقوله في الحسن والحسين : ( اللهم أحبهما فإني أحبهما ) وكقوله لعبد الله بن عمر : ( إن عبد الله رجل صالح ) وكقوله لزيد بن حارثة : ( أنت أخونا ومولانا ) وقوله لجعفر بن أبي طالب : ( أشبهت خلقي وخُلقي ) وقوله لبلال بن رباح (سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة ) وكقوله في سالم مولى أبي حذيفة وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل : ( استقرئوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة ، وأُبي بن كعب ومعاذ بن جبل ) وكقوله في عائشة : (وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) وكقوله في الأنصار : ( لو أن الأنصار سلكوا وادياً أو شعباً لسلكت في وادي الأنصار ، ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار ) وقال : ( الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله ) وكقوله في سعد بن معاذ : ( اهتز العرش لموت سعد بن معاذ ) وكمنقبة أسيد بن حضير ، إذ كان مع أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة ، فلما خرجا ، وإذا نور بين أيديهما يمشيان فيه فلما تفرقا تفرق النور معهما وكقوله لأبي بن كعب : ( إن الله أمرني أن أقرأ عليك : لم يكن الذين كفروا، قال : وسماني ؟ قال : نعم فبكى أُبي ) وكقوله في خالد بن الوليد : (سيف من سيوف الله مسلول ) وكقوله في الحسن : ( ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ) وكقوله في أبي عبيدة : ( لكل أمة أمين وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح ) رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين .
5 _ يجب أن يكف لسانه عن الوقوع في أعراضهم فالوقوع في أعرضهم أشد حرمة من الوقوع في أعراض من دونهم من المسلمين ، و يسكت عن الخلاف الذي شجر بينهم ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبوا أصحابي ) وقوله : ( لا تتخذوهم غرضاً بعدي ) وقوله : ( فمن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه ) .
6 _ أن يؤمن بحرمة زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنهن طاهرات مبرآت ، وأن يترضى عنهن ، ويرى أن أفضلهن خديجة بنت خويلد ، وعائشة بنت أبي بكر وذلك لقول الله تعالى : ( النبي أولى بالمؤمنين من انفسهم وأزواجه أمهاتهم ) ، وأن من قذف عائشه رضي الله عنها بما برأها الله منه فهو كافر بالإجماع كما نقل ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره ، وأن من قذف أحد أمهات المؤمنين فهو كافر على الراجح من قولي أهل العلم .
وأما أئمة الإسلام من قراء ومحدثين وفقهاء فإنه :
1 _ يحبهم ويترحم عليهم ويستغفر لهم ويعترف لهم بالفضل ، لأنهم ذكروا في قول الله تعالى (والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) ، وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( خيرالناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ) . فعامة القراء والمحدثين والفقهاء والمفسرين كانوا من أهل هذه القرون الثلاثة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير . وقد أثنى الله على المستغفرين لمن سبقوا بالإيمان في قوله : ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ) فهو إذاً يستغفر لكل المؤمنين والمؤمنات .
2 _ لا يذكرهم إلا بخير ، ولا يعيب عليهم قولاً ولا رأياً ، ويعلم أنهم كانوا مجتهدين مخلصين فيتأدب معهم عند ذكرهم ، ويفضل رأيهم على رأي من بعدهم وما رأوه على ما رآه من اتى بعدهم من علماء وفقهاء ومفسرين ومحدثين ، ولا يترك قولهم إلا لقول الله ، او قول رسوله ، أو قول صحابته رضوان الله عليهم أجمعين .
3 _ أن ما دونه الأئمة الأربعة : مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة ، وما رأوه ، وقالوه من مسائل الدين والفقه ، والشرع هو مستمد من كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وليس لهم إلا ما فهموه من هذين الأصلين ، أو استنبطوه منهما ، أو قاسوه عليهما ، إذا أعوزهما النص منهما ، أو الإشارة أو الإيماء فيهما .
4 - يرى أن الأخذ بما دونه أحد هؤلاء الأعلام من مسائل الفقه والدين جائز ، وأن العمل به عمل بشريعة الله عز وجل ما لم يعارض بنص صريح صحيح من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا يترك قول الله ، أو قول رسوله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من خلقه كائناً من كان ، وذلك لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) . وقوله : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) وقوله : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) وقوله : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) .
5 _ يرى أنهم بشر يصيبون ويخطئون ، فقد يخطىء أحدهم الحق في مسألة ما من المسائل، لا عن قصد وعمد - حاشاهم - ولكن عن غفلة أو سهو ، أو لنسيان ، أو عدم إحاطة ، فلهذا المسلم لا يتعصب لرأي أحدهم دون آخر بل يتبع القول الذي يعضده الدليل ، ولا يرد قولهم إلا لقول الله ، أو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم .
6 _ يعذرهم فيما اختلفوا فيه من بعض مسائل الدين الفرعية ، ويرى ان اختلافهم لم يكن جهلاً منهم ، ولا عن تعصب لآرائهم ، وإنما كان : إما أن المخالف لم يبلغه الحديث ، أو رأى نسخ هذا الحديث الذي لم يأخذ به ، أو عارضه حديث آخر بلغه فرجحه عليه ، أو فهم منه ما لم يفهمه غيره ، إذ من الجائز ان تختلف الأفهام في مدلول اللفظ فيحمله كل على فهمه الخاص ، ومثال هذا ما فهمه الإمام الشافعي رحمه الله من نقض الوضوء بمس المرأة مطلقاً فهماً من قوله تعالى : ( أو لامستم النساء ) فقد فهم من ( أو لامستم ) المس ، ولم ير غيره فقال بوجوب الوضوء لمجرد مس المرأة ، وفهم غيره أن المراد من الملامسة في الآية الجماع فلم يوجبوا الوضوء بمجرد المس بل لا بد من قدر زائد كالقصد أو وجود اللذة . وقد يقول قائل : لم لا يتنازل الشافعي عن فهمه ليوافق باقي الأئمة ، ويقطع دابر الخلاف عن الأمة ؟
الجواب : أنه لا يجوز له أبداً أن يفهم عن ربه شيئاً لا يخالجه فيه أدنى ريب ، ثم يتركه لمجرد رأي او فهم إمام آخر ، فيصبح متبعاً لقول الناس تاركاً قول الله ، وهو من أعظم الذنوب عند الله سبحانه وتعالى .
نعم .. لو أن فهمه من النص عارضه نص صريح من كتاب الله أو سنة لوجب عليه التمسك بدلالة النص الظاهرة ، ويترك ما فهمه من ذلك اللفظ الذي دلالته ليست نصاً صريحاً ولا ظاهراً ، إذ لو كانت دلالته قطعية لما اختلف فيها اثنان من عامة الأمة فضلاً عن الأئمة .
وأما ولاة أمور المسلمين فإنه :
1 _ يرى وجوب طاعتهم لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ) ، وقوله : ( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن عصى أميري فقد عصاني ) .
ولكن لا يرى طاعتهم في معصية الله عز وجل ، لأن طاعة الله مقدمة على طاعتهم في قوله تعالى : ( ولا يعصينك في معروف ) ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( إنما الطاعة في المعروف ) وقال أيضاً : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) وقوله : ( لا طاعة في معصية الله ) وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام : ( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) .
2 _ أن يجاهد وراءهم ويصلي خلفهم ، وإن فسقوا وارتكبوا المحرمات التي هي دون الكفر لقوله عليه الصلاة والسلام لمن سأله عن طاعة أمراء السوء : ( اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم ) . ولقول عبادة بن الصامت : ( بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، قال : إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان ) .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
فأفضلهم الخلفاء الراشدون الأربعة : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، ثم العشرة المبشرون بالجنة ، وهم الراشدون الأربعة ، وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، وأبو عبيدة عامر بن الجراح ، وعبد الرحمن بن عوف ، ثم أهل بدر ، ثم أهل بيعة الرضوان وكانوا ألفاً وأربعمائة صحابي رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، وتفصيل مسألة المفاضلة بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يمكن الرجوع إليها في كتب عقيدة أهل السنة والجماعة كالعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
كما يؤمن المسلم بوجوب إجلال أئمة الإسلام واحترامهم وتوقيرهم والتأدب معهم عند ذكرهم ، وهم أئمة الدين وأعلام الهدى كالقراء والفقهاء والمحدثين والمفسرين من التابعين وتابعي تابعيهم ، رحمهم الله ورضي عنهم اجمعين .
أما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته فإنه :
1_ يحبهم لحب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم لهم ، إذ أخبر تعالى أنه يحبهم ويحبونه في قوله : ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) ، كما قال في وصفهم : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه ) .
2_ يؤمن بأفضليتهم على غيرهم من سائر المؤمنين والمسلمين لقوله تعالى في ثنائه عليهم والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم ) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) .
3 _ أن يرى ان أبا بكر الصديق أفضل أصحاب رسول الله ومن دونهم على الإطلاق : وأن الذين يلونه في الفضل هم : عمر ثم عثمان ، ثم على رضي الله تعالى عنهم أجمعين وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر ولكن أخي وصاحبي ) . ولقول علي رضي الله عنه : خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ولو شئت لسميت الثالث - يعني عثمان رضي الله عنهم أجمعين .
4 _ أن يقر بمزاياهم ، ويعترف بمناقبهم كمنقبة أبي بكر وعمر وعثمان في قول الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد وقد رجف بهم وهم فوقه : ( أسكن أحد إنما عليك نبي وصديق وشهيدان ) وكقوله لعلي رضي الله عنه : ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ ) وقوله : ( فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ) وكقوله للزبير بن العوام : ( إن لكل نبي حوارياً ، وإن حواري الزبير بن العوام ) . وكقوله في الحسن والحسين : ( اللهم أحبهما فإني أحبهما ) وكقوله لعبد الله بن عمر : ( إن عبد الله رجل صالح ) وكقوله لزيد بن حارثة : ( أنت أخونا ومولانا ) وقوله لجعفر بن أبي طالب : ( أشبهت خلقي وخُلقي ) وقوله لبلال بن رباح (سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة ) وكقوله في سالم مولى أبي حذيفة وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل : ( استقرئوا القرآن من أربعة : من عبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة ، وأُبي بن كعب ومعاذ بن جبل ) وكقوله في عائشة : (وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) وكقوله في الأنصار : ( لو أن الأنصار سلكوا وادياً أو شعباً لسلكت في وادي الأنصار ، ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار ) وقال : ( الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله ) وكقوله في سعد بن معاذ : ( اهتز العرش لموت سعد بن معاذ ) وكمنقبة أسيد بن حضير ، إذ كان مع أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة ، فلما خرجا ، وإذا نور بين أيديهما يمشيان فيه فلما تفرقا تفرق النور معهما وكقوله لأبي بن كعب : ( إن الله أمرني أن أقرأ عليك : لم يكن الذين كفروا، قال : وسماني ؟ قال : نعم فبكى أُبي ) وكقوله في خالد بن الوليد : (سيف من سيوف الله مسلول ) وكقوله في الحسن : ( ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ) وكقوله في أبي عبيدة : ( لكل أمة أمين وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح ) رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين .
5 _ يجب أن يكف لسانه عن الوقوع في أعراضهم فالوقوع في أعرضهم أشد حرمة من الوقوع في أعراض من دونهم من المسلمين ، و يسكت عن الخلاف الذي شجر بينهم ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبوا أصحابي ) وقوله : ( لا تتخذوهم غرضاً بعدي ) وقوله : ( فمن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه ) .
6 _ أن يؤمن بحرمة زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنهن طاهرات مبرآت ، وأن يترضى عنهن ، ويرى أن أفضلهن خديجة بنت خويلد ، وعائشة بنت أبي بكر وذلك لقول الله تعالى : ( النبي أولى بالمؤمنين من انفسهم وأزواجه أمهاتهم ) ، وأن من قذف عائشه رضي الله عنها بما برأها الله منه فهو كافر بالإجماع كما نقل ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره ، وأن من قذف أحد أمهات المؤمنين فهو كافر على الراجح من قولي أهل العلم .
وأما أئمة الإسلام من قراء ومحدثين وفقهاء فإنه :
1 _ يحبهم ويترحم عليهم ويستغفر لهم ويعترف لهم بالفضل ، لأنهم ذكروا في قول الله تعالى (والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) ، وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( خيرالناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ) . فعامة القراء والمحدثين والفقهاء والمفسرين كانوا من أهل هذه القرون الثلاثة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير . وقد أثنى الله على المستغفرين لمن سبقوا بالإيمان في قوله : ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ) فهو إذاً يستغفر لكل المؤمنين والمؤمنات .
2 _ لا يذكرهم إلا بخير ، ولا يعيب عليهم قولاً ولا رأياً ، ويعلم أنهم كانوا مجتهدين مخلصين فيتأدب معهم عند ذكرهم ، ويفضل رأيهم على رأي من بعدهم وما رأوه على ما رآه من اتى بعدهم من علماء وفقهاء ومفسرين ومحدثين ، ولا يترك قولهم إلا لقول الله ، او قول رسوله ، أو قول صحابته رضوان الله عليهم أجمعين .
3 _ أن ما دونه الأئمة الأربعة : مالك والشافعي وأحمد وأبو حنيفة ، وما رأوه ، وقالوه من مسائل الدين والفقه ، والشرع هو مستمد من كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وليس لهم إلا ما فهموه من هذين الأصلين ، أو استنبطوه منهما ، أو قاسوه عليهما ، إذا أعوزهما النص منهما ، أو الإشارة أو الإيماء فيهما .
4 - يرى أن الأخذ بما دونه أحد هؤلاء الأعلام من مسائل الفقه والدين جائز ، وأن العمل به عمل بشريعة الله عز وجل ما لم يعارض بنص صريح صحيح من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا يترك قول الله ، أو قول رسوله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من خلقه كائناً من كان ، وذلك لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) . وقوله : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) وقوله : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) وقوله : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) .
5 _ يرى أنهم بشر يصيبون ويخطئون ، فقد يخطىء أحدهم الحق في مسألة ما من المسائل، لا عن قصد وعمد - حاشاهم - ولكن عن غفلة أو سهو ، أو لنسيان ، أو عدم إحاطة ، فلهذا المسلم لا يتعصب لرأي أحدهم دون آخر بل يتبع القول الذي يعضده الدليل ، ولا يرد قولهم إلا لقول الله ، أو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم .
6 _ يعذرهم فيما اختلفوا فيه من بعض مسائل الدين الفرعية ، ويرى ان اختلافهم لم يكن جهلاً منهم ، ولا عن تعصب لآرائهم ، وإنما كان : إما أن المخالف لم يبلغه الحديث ، أو رأى نسخ هذا الحديث الذي لم يأخذ به ، أو عارضه حديث آخر بلغه فرجحه عليه ، أو فهم منه ما لم يفهمه غيره ، إذ من الجائز ان تختلف الأفهام في مدلول اللفظ فيحمله كل على فهمه الخاص ، ومثال هذا ما فهمه الإمام الشافعي رحمه الله من نقض الوضوء بمس المرأة مطلقاً فهماً من قوله تعالى : ( أو لامستم النساء ) فقد فهم من ( أو لامستم ) المس ، ولم ير غيره فقال بوجوب الوضوء لمجرد مس المرأة ، وفهم غيره أن المراد من الملامسة في الآية الجماع فلم يوجبوا الوضوء بمجرد المس بل لا بد من قدر زائد كالقصد أو وجود اللذة . وقد يقول قائل : لم لا يتنازل الشافعي عن فهمه ليوافق باقي الأئمة ، ويقطع دابر الخلاف عن الأمة ؟
الجواب : أنه لا يجوز له أبداً أن يفهم عن ربه شيئاً لا يخالجه فيه أدنى ريب ، ثم يتركه لمجرد رأي او فهم إمام آخر ، فيصبح متبعاً لقول الناس تاركاً قول الله ، وهو من أعظم الذنوب عند الله سبحانه وتعالى .
نعم .. لو أن فهمه من النص عارضه نص صريح من كتاب الله أو سنة لوجب عليه التمسك بدلالة النص الظاهرة ، ويترك ما فهمه من ذلك اللفظ الذي دلالته ليست نصاً صريحاً ولا ظاهراً ، إذ لو كانت دلالته قطعية لما اختلف فيها اثنان من عامة الأمة فضلاً عن الأئمة .
وأما ولاة أمور المسلمين فإنه :
1 _ يرى وجوب طاعتهم لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اسمعوا وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ) ، وقوله : ( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومن عصى أميري فقد عصاني ) .
ولكن لا يرى طاعتهم في معصية الله عز وجل ، لأن طاعة الله مقدمة على طاعتهم في قوله تعالى : ( ولا يعصينك في معروف ) ولأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( إنما الطاعة في المعروف ) وقال أيضاً : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) وقوله : ( لا طاعة في معصية الله ) وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام : ( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) .
2 _ أن يجاهد وراءهم ويصلي خلفهم ، وإن فسقوا وارتكبوا المحرمات التي هي دون الكفر لقوله عليه الصلاة والسلام لمن سأله عن طاعة أمراء السوء : ( اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم ) . ولقول عبادة بن الصامت : ( بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، قال : إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان ) .
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها ، وخير أيامنا يوم لقائك ، واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم في جنتك وجوارك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.