إصلاح ذات البين شعبة عظيمة من شعب الإيمان , لما فيه من الحفاظ على وحدة المسلمين ، وسلامة قلوبهم، وإن الإصلاح بين المتخاصمين يعتبر من أعظم وأجل الطاعات، وأفضل الصدقات، والمصلح بين الناس له أجر عظيم، وثواب كريم، إذا كان يبتغي بذلك مرضاة الله تعالى، فأجره يفوق ما يناله الصائم القائم، المشتغل بخاصة نفسه.
ولقد أمرنا بذلك في كتابه الكريم فقال: \" لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) سورة النساء ,وقال : \" وَالصُّلْحُ خَيْرٌ .. (128) سورة النساء .
قال محمد بن أيمن الرهاوي:إنَّ المكارم كلّها لو حُصِّلتْ * * * ردعتْ بجملتها إلى شَيئَينِ
تعظيم أمر الله جلَّ جلاله * * * والسَّعي في إصلاح ذات البَينِ
وهذه الرسالة تتحدث عن : تحذير الإسلام من التخاصم والتقاطع والتدابر , وفضل الإصلاح بين الناس , وقواعد وآداب الإصلاح بين الناس .
1- التحذير من التخاصم والتقاطع والتدابر :
حذر الإسلام من التخاصم والتهاجر والتقاطع بين المسلمين , فقال تعالى \" وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) ) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) سورة آل عمران.
وقال : \" مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) سورة الروم .
وعَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:لاَ تَبَاغَضُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا ، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ.
- وفي رواية : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : لاَ تَبَاغَضُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا ، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ ، يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا ، وَيَصُدُّ هَذَا ، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ. أخرجه مالك \"الموطأ\" 2639 . و\"الحُمَيدي\" 1183 و\"البُخَارِي\" 8/23(6065) (الأدب المفرد) 398. و\"أبو داود\" 4910 والتِّرْمِذِيّ\" 1935 .انظر حديث رقم : 4072 في صحيح الجامع .
\"الموطأ\" 566 و\"أحمد\" 2/268(8627) و\"الدارِمِي\" 1751 و\"البُخاري\" في \"الأدب المفرد\" 411. و\"مسلم\" 6636 .
وعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ.
- وفي رواية : أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ. أخرجه أحمد 6/444(28058) . والبخاري في الأدب المفرد 391 و\"أبو داود\"4919 .
2- فضل الإصلاح بين الناس :
كما حذر الإسلام من التخاصم والتهاجر والتدابر والتقاطع بين المسلمين , فقد أمرهم وحثهم على وجوب الإصلاح بينهم , قال تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ } الأنفال : 1 ، وقال تعالى : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا }الحجرات : 9 , وقال : \" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) سورة الحجرات .
وذلك حفاظاً على أمن الناس من الخلافات التي تفكك المجتمع ،وتقويض بنيانه المتماسك .
قال تعالى:\" مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85) سورة :النساء.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: \"من شفع شفاعة حسنة لصلح بين اثنين، استوجب الأجر\".الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج5 ص295.
ولقد جعل الإسلام الإصلاح بين الناس من أفضل الصدقات , عن أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ - أَوْ قَالَ : إِلَى الْمَسْجِدِ - صَدَقَةٌ.
- وفي رواية : كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ ، فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ. أخرجه أحمد 2/312(8096) و\"مسلم\" 2298 و\"ابن حِبَّان\" 472.
وقال الأوزاعي : ما خطوة أحب إلى الله عز وجل من خطوة من إصلاح ذات البين ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءة من النار .
والإصلاح يكون بين الأفراد وبين الجماعات ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالْحِجَارَةِ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ : اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ \" رواه البخاري 5/300 - ح2693.
ويكون بين الأزواج والزوجات ، جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي الْبَيْتِ فَقَالَ : أَيْنَ ابْنُ عَمِّك ؟ِ قَالَت:ْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ فَغَاضَبَنِي فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي ، فَقَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإِنْسَان:ٍ انْظُرْ أَيْنَ هُوَ فَجَاءَ فَقَال:َ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ وَأَصَابَهُ تُرَابٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُهُ عَنْهُ وَيَقُولُ: قُمْ أَبَا تُرَابٍ ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ \" رواه البخاري 1\\169.
وبين الأقارب والأرحام ، حُدِّثَتْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ : وَاللَّهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ أَوْ لأحْجُرَنَّ عَلَيْهَا فَقَالَتْ أَهُوَ قَالَ هَذَا ؟ قَالُوا : نَعَم.ْ قَالَتْ : هُوَ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ أَنْ لا أُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَدًا ، فَاسْتَشْفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهَا حِينَ طَالَتْ الْهِجْرَةُ فَقَالَتْ : لا وَاللَّهِ لا أُشَفِّعُ فِيهِ أَبَدًا وَلا أَتَحَنَّثُ إِلَى نَذْرِي فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ كَلَّمَ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ وَهُمَا مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَقَالَ لَهُمَا أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ لَمَّا أَدْخَلْتُمَانِي عَلَى عَائِشَةَ فَإِنَّهَا لا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْذِرَ قَطِيعَتِي ، فَأَقْبَلَ بِهِ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُشْتَمِلَيْنِ بِأَرْدِيَتِهِمَا حَتَّى اسْتَأْذَنَا عَلَى عَائِشَةَ فَقَال: السَّلامُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ أَنَدْخُل ؟ُ قَ الَتْ عَائِشَة:ُ ادْخُلُوا ، قَالُوا كُلُّنَا . قَالَت:ْ نَعَم ادْخُلُوا كُلُّكُمْ . وَلا تَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُمَا ابْنَ الزُّبَيْرِ فَلَمَّا دَخَلُوا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الْحِجَابَ فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ وَطَفِقَ يُنَاشِدُهَا وَيَبْكِي وَطَفِقَ الْمِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنَاشِدَانِهَا إلاَّ مَا كَلَّمَتْهُ وَقَبِلَتْ مِنْهُ وَيَقُولانِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ مِنْ الْهِجْرَةِ فَإِنَّهُ لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيَالٍ فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنْ التَّذْكِرَةِ وَالتَّحْرِيجِ طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُمَا نَذْرَهَا وَتَبْكِي وَتَقُول:ُ إِنِّي نَذَرْتُ وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ فَلَمْ يَزَالا بِهَا حَتَّى كَلَّمَتْ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَتَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا \" أخرجه أحمد 4/327(19129) و\"البُخَارِي\" 8/25(6073 .
3- قواعد وآداب الإصلاح بين الناس .
هناك قواعد وآداب خاصة بمن يقوم بالإصلاح بين الناس منها :
1- أن يبتغي بهذا العمل وجه الله تعالى:
فال تعالى : \" إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35) سورة النساء .
قال الرازي وفي هذه الآية وجوه , الأول : إن يرد الحكمان خيرا وإصلاحا يوفق الله بين الحكمين حتى يتفقا على ما هو خير . الثاني : إن يرد الحكمان إصلاحا يوفق الله بين الزوجين . الثالث : إن يرد الزوجان إصلاحا يوفق الله بين الزوجين . الرابع : إن يرد الزوجان إصلاحا يوفق الله بين الحكمين حتى يعملا بالصلاح ، ولا شك أن اللفظ محتمل لكل هذه الوجوه . راجع : تفسير الرازي 1/ 597.
فليجعل المصلح شعاره قول الله تعالى \"إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ\" سورة : هود: 88.
2- الورع والديانة :
لا بد لمن يتصدر للإصلاح بين الناس من أن يكون دينا ورعا يخشى الله تعالى ويتقه , لأنه بقوله يبين الحلال من الحرام , ويرد الحقوق والأمانات إلى أهلها , ويحكم بين الناس بالعدل تصديقا وتطبيقا لقوله تعالى : \" إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) سورة النساء.
وعن ابْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ ، اثْنَانِ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ : رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ ، فَهُوَ فِي النَّارِ ، وَرَجُلٌ جَارَ فِي الْحُكْمِ ، فَهُوَ فِي النَّارِ.
- وفي رواية : الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ ، قَاضِيَانِ فِي النَّارِ ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ : رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ ، فَعَلِمَ ذَاكَ ، فَذَاكَ فِي النَّارِ ، وَقَاضٍ لاَ يَعْلَمُ ، فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ ، فَهُوَ فِي النَّارِ ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ ، فَذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ.
أخرجه أبو داود (3573) و\"ابن ماجة\" 2315 والتِّرْمِذِيّ\" 1322م و\"النَّسائي\" ، في \"الكبرى\" 5891 ( صحيح ) انظر حديث رقم : 4298 في صحيح الجامع ..
3- العلم والفهم :
يجب على من يتصدى لمهمة الإصلاح بين الناس أن يكون على علم بأحكام الشريعة الإسلامية في القضية التي يصلح فيها وأن يكون على علم بأحوال من يصلح بينهم، حتى يقتصر تصرفه في حدود الشرع، ولأنه إذا كان جاهلاً بهذه الأمور فإنه سوف يفسد أكثر مما يصلح.
لا بد أن يوجِد للناس مفتين راسخين ، يُطْمَئَنُّ لدينهم وعلمهم لقوله تعالى : [وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ] 122 سورة التوبة .
وقع بين الأعمش وزوجته وحشة ، فسأل بعض أصحابه من الفقهاء أن يرضيها ويصلح ما بينهما .فدخل إليها وقال : إن أبا محمد شيخ كبير فلا يزهدنك فيه عمش عينيه، ودقة ساقيه ، وضعف ركبتيه ، وجمود كفيه .فقال له الأعمش: قبحك الله ، فقد أريتها من عيوبي ما لم تكن تعرفه. الراغب الأصفهاني :محاضرات الأدباء 1/494.
4- تحكيم شرع الله تعالى في الخلاف :
قال تعالى : \"وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) سورة الأحزاب .
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، إِلاَّ صُلْحًا حَرَّمَ حَلاَلاً ، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا ، وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ ، إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً ، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا.
- لفظ خالد بن مَخْلَد : الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، إِلاَّ صُلْحًا حَرَّمَ حَلاَلاً ، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا. أخرجه التِّرْمِذِي (1352) و\"ابن ماجة\"2353 .
5- الإصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة :
قال تعالى : \" ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) سورة النحل .
ولقد علمنا النبي، صلى الله عليه وسلم كيف تستخدم الموعظة في الإصلاح، ففي حديث البخاري عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قالت: ((سَمع رسولُ اللَّه صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ صوْتَ خُصومٍ بالْبابِ عالِية أَصواتُهُم، وإِذا أَحدُهُما يَستوْضِعُ الآخرَ ويَسْتَرْفِقُهُ في شيءٍ وهو يَقول: واللَّهِ لا أَفْعلُ فخرجَ عليْهِما رسولُ اللَّه صلَّى اللَّه عليهِ وسلَّم: فقال أيْن الْمُتَألّي على اللَّهِ لا يفعَلُ الْمَعْرُوف؟ فقال: أنا يا رسول اللَّهِ، فلَهُ أَيّ ذلك أَحَبّ)). ومعنى (يستوضع الآخر) أي يطلب منه الوضيعة، أي الحطيطة من الدَّين، (ويسترفقه) أي يطلب منه الرفق به. أخرجه البخاري، ومسلم.
روى مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: \"إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه\". \"مسلم: 2594\".
6- تحري العدل والإنصاف في الإصلاح بين الناس:
قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (المائدة: من الآية8). والعدل هو المساواة بين الطرفين دون تحيز أو محاباة، ومعنى قوله تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ) أي لا يحملنكم، و(شَنَآنُ قَوْمٍ) أي بغضهم.
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ:جَاءَ أَعْرَابِىٌّ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم يَتَقَاضَاهُ دَيْنًا كَانَ عَلَيْهِ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ لَهُ أُحَرِّجُ عَلَيْكَ إِلاَّ قَضَيْتَنِى فَانْتَهَرَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا وَيْحَكَ تَدْرِى مَنْ تُكَلِّمُ قَالَ إِنِّى أَطْلُبُ حَقِّى فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم هَلاَّ مَعَ صَاحِبِ الْحَقِّ كُنْتُمْ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَ لَهَا إِنْ كَانَ عِنْدَكِ تَمْرٌ فَأَقْرِضِينَا حَتَّى يَأْتِيَنَا تَمْرٌ فَنَقْضِيَكِ فَقَالَتْ نَعَمْ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَأَقْرَضَتْهُ فَقَضَى الأَعْرَابِىَّ وَأَطْعَمَهُ فَقَالَ أَوْفَيْتَ أَوْفَى اللَّهُ لَكَ فَقَالَ : \" أُولَئِكَ خِيَارُ النَّاسِ إِنَّهُ لاَ قُدِّسَتْ أُمَّةٌ لاَ يَأْخُذُ الضَّعِيفُ فِيهَا حَقَّهُ غَيْرَ مُتَعْتَعٍ\" أخرجه ابن ماجة 2426.
تروى كتب السير والتفسير أن بعض المسلمين المنافقين الذين لا ضمير لهم، من الذين مات ضميرهم وضعف دينهم ارتكب بعضهم جريمة سرقة ولما أحس انه قد اكتشف أو عرف ذهب ليخفى هذه السرقة عند يهودي ظناً منه أن هذا اليهودي خصم للإسلام إذاً فلنلصق فيه كل جريمة نرتكبها، أخفاها عند اليهودي ثم ذهب يصرخ هو وقومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون يا رسول الله إن فلاناً وفلاناً يتهموننا بالسرقة ونحن أبرياء والسرقة عند اليهودي ونحن عندنا الأدلة على ذلك، استغلوا خصومة اليهودي للإسلام فألصقوا فيه الجريمة وهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يوجه الإدانة لليهودي وأن أولئك الذين يتهمون هذا المسلم ميت الضمير ضعيف الدين قال لهم كيف تتهمون بيتاً مسلماً بالسرقة، لكن هذا الإسلام دين عظيم ويحتاج إلى عظماء ينتمون إليه ويحملونه، فتنزل القرآن فنزلت عشر آيات تقريباً إحقاقا للحق وإبطالا للباطل وتبرئة لهذا الإنسان المظلوم الذي هو خصم من خصوم الإسلام {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } سورة : النساء آية رقم : 105. ا نظر : تفسير ابن أبي حاتم 20 / 479.
7- التصور الواضح والمتكامل للقضية المتخاصم عليها:
فقبل التقدم بالمبادرة والنصح،ينبغي على من يقوم بالإصلاح أن يتصور القضية المتخاصم عليها تصوراً واضحاً ومتكاملاً , ولا يتحقق ذلك دون الاستماع إلى الطرفين المتخاصمين وإعطاء كل منهما الفرصة في التعبير والإفصاح عما في داخله من خلال الجلوس مع كل طرف على حدة. وفي هذا السياق فإن إجادة المصلح لحسن الاستماع تلعب دورا فاعلا في إفراغ النفوس من الغيظ والضغط، فيسري فيها شعور بالارتياح والهدوء.
قيل : إن الأرنب التقت تمرة ، فاختلسها الثعلب ، فأكلها فانطلقا يختصمان إلى الضب ، فقالت الأرنب : يا أبا الحسل ، فقال : سميعا دعوت ، قالت أتيناك لنختصم إليك قال: عادلا حكمتما ، قالت : فاخرج إلينا ، قال : في بيته يؤتي الحكم قالت : إني وجدت تمرة قال : حلوة فكليها ، قالت : فاختلسها الثعلب قال : لنفسه بغي الخير ، قالت فلطمته ، قال : بحقك أخذت ، قالت فلطمني ، قال : حر انتصر ، فاقض بيننا قال : قد قضيت.
8- اختيار الوقت المناسب للصلح :
وكذا من الآداب التي ينبغي أن يراعيها من يقوم بالإصلاح بين الناس أن يختار الوقت المناسب للصلح بين المتخاصمين حتى يؤتي الصلح ثماره ويكون أوقع في النفوس .
وأن يحذر من فشو الأحاديث وتسرب الأخبار والتشويش على الفهوم مما يفسد الأمور المبرمة والاتفاقيات الخيرة ، لأن من الناس من يتأذى من نشر مشاكله أمام الناس ، وكلما ضاق نطاق الخلاف كان من السهل القضاء عليه.
وأن يحسن الإنصات والاستماع للخصوم ,قال الشاعر :
إن بعض القول فن * * * فاجعل الإصغاء فنا
9- التقريب بين المتخاصمين :
عن أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بن أبي معيط وكانت من المهاجرات الأول التي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول \" لَيْسَ الْكَذابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي [ بدون تشديد بمعنى نقل ما فيه خير وصلاح وبالتشديد الإفساد ] خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا \" رواه البخاري .
روى الشيخان عن أم كلثوم بنت عقبة قالت: \"سمعتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يُصلحُ بين الناس ويقول خيرًا، وينمى خيرًا\". \"البخاري حديث 2692- مسلم واللفظ له حديث 2605\".
قال الإمام النووي رحمه الله: ليس الكذاب المذموم الذي يصلح بين الناس، بل هذا محسن.
قال الشاعر:
ما أَكذَبَ الآمالِ عِندَ الحَيْنِ ... *** ... وَالسَيرُ في إِصلاحِ ذاتِ البَينِ
10- الصبر وعدم اليأس من الإصلاح :
كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري : ((رد الخصوم حتى يصطلحوا فإن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن))، (من تفسير القرطبي :ج5 ص384).
ولا يجعل المصلح من نفسه خصماً لأحد المتخاصمين ,فلربما اصطلحا وبقي العداء له , كما قال الشاعر :
كم صاحبٍ عاديتهُ في صاحبٍ * * * فتصالحا وبقيتَ في الأعداءِ
كما ينبغي على المتخاصمين أن لا يتجاوزا حدود الخصومة فقد نهى الإسلام عن الفجر في الخصومة , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ \" أخرجه البخارى (1/21 ، رقم 34) ، ومسلم (1/78 ، رقم 58) .
قال الحافظ ابن حجر الفجور هو : الميل عن الحق والاحتيال في رده. والمراد أنه إذا خاصم أحداً فعل كل السبل غير مشروعة ،واحتال فيها حتى يأخذ الحق من خصمه، وهو بذلك مائل عن الصراط المستقيم. ابن حجر: فتح الباري (1/90) .
ولقد سمى الله في كتابه الكريم الفجر في الخصومة لدداً قال تعالى :{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} سورة البقرة (204).
فالفجر في الخصومة يؤدي إلى : التحاسد والتباغض ,والتقاطع والتدابر .
ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الهوى في الخصومة لأخذ ما لا يحل له , فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ قِطْعَةً ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ.\".أخرجه ابن أبي شَيْبَة 7/234(22965) و\"أحمد\" 2/332(8375) و\"ابن ماجة\" 2318 و\"ابن حِبَّان\" 5071 .
فالمصلح كالقاضي يحكم بحسب الظاهر، تاركا إلى الله أمر الخفايا والسرائر، وقضاؤه بحسب الظاهر، لا يجعل الحرام في الباطن حلالا، قال تعالى : \" وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) سورة البقرة.
كما أن عليه قبول اعتذار من اعتذر إليه , وروي أن الحسين بن علي كان بينه وبين أخيه محمد بن الحنفية خصومة - عليهم رضوان الله - وبعد أيام كتب محمد بن الحنفية رسالة ضمنها اعتذاره منه، فما إن وصل الكتاب إلى الحسن حتى قام لساعته وذهب إلى أخيه محمد، فالتقلا به في منتصف الطريق، فتعانقا وبكيا وتصالحا. (ص 501/الحلال والحرام لأحمد عساف بتصرف).
قال الشاعر :
اِقْبَلْ مَعَاذِيْرَ مَنْ يَأْتِيْكَ مُعْتَذِراً * * إِنْ بَرَّ عِنْدَكَ فِيمَا قَالَ أَوْ فَجَرَا
فَقَدْ أَطَاعَكَ مَنْ أَرْضَاكَ ظَاهِرُهُ * * وَقَدْ أَجَلَّكَ مَنْ يَعْصِيْكَ مُسْتَتِرَا
خير الرجال الذي يغضي لصاحبه * * * ولو أراد انتصارا منه لأنتصرا
وقال آخر :
إن الكـريم إذا تمكن من أذى * * جاءته أخلاق الكـرام فأقلــعا
وترى اللئيم إذا تمكن من أذى * * يطغى فلا يبقي لصلح موضعا
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله\" رواه مسلم.
اللهم ألف بين قلوبنا , وأصلح ذات بيننا , واهدنا سبل السلام , ونجنا من الظلمات إلى النور ,وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن , وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم , واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها قابليها وأتمها علينا يا كريم .