وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله سلم أما بعد،،
لا شك في حرص الشرع الشريف على طهاره القلوب وتزكيه النفوس من الأمراض التي تمرضها فتبعد العبد عن رحمه الله وفضله كأمراض الكبر والعجب وحب الرياسه والعلو والرياء أمراض مهلكه حرمها الشرع وسد الطرق المؤديه إليها.
ولا شك أيضا في ضعف النفس البشرية وتقلب قلب العبد بين إقبال وإدبار وقوة ولين فسرعان ما يتأثر بما يعرض له في الفتن.
وقد قال تعالى "وخلق الإنسان ضعيفا" ..و قال تعالي " إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا الا المصلين "
وتامل وصف الحكيم العليم للإنسان الضعيف الذى هو قليل الصبر شديد الحرص سريع التأثر والتقلب بتقلب الأحوال ولا يخلو إنسان من حبه لنفسه وإعجابه بها- إلا ما رحم ربى- لذا تجده يسر إذا مدح ولو بباطل ويغضب إذا ذم ولو بحق- لذلك مدح الشرع التواضع وذم الكبر وسد الطرق المؤديه إليه ومن ذلك أن الشريعة نهت عن التمادح كما في الحديث " حثو في وجه المداحين التراب" قال الألبانى صحيح الأدب المفرد 340 وفى الحديث الأخر "أن رجلا مدح أخاه في وجهه عند النبى سلم فقال ويحك قطعت ظهر أو عنق أخيك, إذا كان أحدكم مادحا أخاه ولابد فليقل أحسبه كذلك والله حسيبه ولا يزكى على الله أحداً" البخارى.
ولما مدح رجل رجلا أمام رسول الله وكان الرجل يصلى فقال فأخذت أطريه هذا فلان وهذا... فقال أمسك لا تسمعه فتهلكه" الأدب المفرد 341 وحسن الألبانى
والعله من المنع من التمادح لا شك أنها الخوف على الممدوح أن يدخله إعجاب بنفسه أو كبر ولا شك أيضا أن تقبيل اليد والرأس له نفس الأثر في النفس إن لم يكن أشد لذلك لم يكن هذا من عاده الصحابه مع النبى سلم..... يقول العلامة الألبانى: وقد صح عنه سلم تقبيل بعض الناس ليده ولم ينكر ذلك عليهم فدل على جواز تقبيل يد العالم وقد فعل ذلك السالف مع أفاضلهم.
لكن ليس معنى ذلك أن يتخذ العلماء تقبيل الناس لأيديهم عاده . فلا يلقاهم أحد الا قبل يدهم – كما يفعل هذا بعضهم- فإن ذلك خلاف هديه سلم قطعا لأنه لم يفعل ذلك معه إلا القليل من الصحابه الذى لا يعرفون هديه سلم وما هو أحب إليه ولذلك لم يرد أن المقربين من العارفين به مثل أبى بكر وغيره من العشره المبشرين بالجنة كانوا يقبلون يده الشريفه وهذا خلاف ما عليه بعض المشايخ. ولو لم يكن في عادتهم هذه إلا تقبيح السنه القوليه والعمليه التي حض عليها رسول الله سلم ألا وهى المصافحة لكفى. ومن العجيب أن بعضهم يغضب أشد الغضب إذا لم تقبل يده. وما هو الا شئ جائز فقط . ولا يغضب مطلقا إذا تركت المصافحة مع أنها مستحبه وفيها أجر كبير. وما ذلك إلا من آثار حب النفس واتباع الهوى. نسأل الله الحماية والسلامه. أ هـ الضعيفة تحت رقم 574
وقد يقول قائل هونا لا تعجل علينا ألم يمدح النبى سلم أناسا فى وجوههم: نعم الرجل أبى بكر نعم الرجل عمر.... ومدح بقية العشره ومدح عمرو بن تغلب وعمرو بن العاص وثابت بن قيس إلى غير ذلك أقول نعم وهذا ما استدل به العلماء على جواز المدح في الوجه ولكن بشرط أن يؤمن على الممدوح الفتنه ووجه الجمع بين الأدله كما قال الامام النووى رحمه الله : إن كان الممدوح عنده كمال ايمان وبقية ورياضة نفس ومعرفة تامة بحيث لا يفتنن ولا يغتر بذلك ولا تلعب به نفسه فليس بحرام ولا مكروه. وإن خيف عليه شئ من هذه الامور كره مدحه في وجهه كراهة شديدة وعلى هذا التفصيل تنزل الأحاديث المختلطة في ذلك 1. هـ
وللمدح أحوال كما قال ابن عثيمين منها.
- أن يكون فيه- في المدح – خير وتشجيع له على الأوصاف الحميده...
- أن تمدحه لتبين فضله بين الناس – ليعرف حقه ويقتدى به...
- أن يكون فيه إطراء ووصف بما لا يستحقه فهذا محرم وكذب.
- أن يمدحه بما هو فيه لكن يخشى عليه أن يغتز بنفسه ويزهو فهذا أيضا محرم لا يجوز 1. هـ باختصار وتصرف.
فالخلاصة ان المدح وتقبيل الرأس واليد أيضا جائز إذا امنت الفتنه على الممدوح وأينا يؤمن عليه الفتنه فقد تقل الأمام الامام الذهبى في السير عن ابى بكر بن عياش قال للحسن بن الحسن بالمدينة ما أبقت الفتنه منك: فقال وأى فتنه رأيتنى فيها؟ قال رأيتهم يقبلون يدك ولا تمنعهم 1. هـ
وإنا لنرى في هذا الزمان بعدا عن منهج السلف في ذلك فتجد من يبالغ في مدح الدعاة والعلماء خاصة في المجامع وعند التقديم في المجالس بل ربما يبالغ في مدح صغار طلبه العلم والشباب مما يخشى عليه الفتنه وليس معنى ذلك أن يعامل أهل الفضل والعلم بالجفاء بل لابد من معرفة حقهم بلا إفراط ولا تفريط ولا ينصح أن يكون تقبيل اليد شائعا بل ينبغى على أهل العلم أن يبينوا أن يدور بين الجواز بشروط و الكراهه والتحريم.... والسلامه لا يعدلها شئ ولابد أن نلفت النظر بأن هناك من يبالغ في مدح عالم أو داعيه في مجمع ويسكت عن مدح من هو أفضل منه أو مثله ولا يوفيه حقه مما يسبب المفاسد فلزم التنويه.