بسم الله الرحمن الرحيم
هذا المقال ينطبق على كل مباراة بين فريقين مسلمين
تسبب الفرقة بين المسلمين
رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد وآله وصحبه أجمعين
وبعد
يسر إخوانكم في المكتب الإعلامي لجماعة أنصار السنة (الهيئة الشرعية)
أن يقدموا لكم مقالاً سياسياً بعنوان :
(أمة لم يتجاوز همها الأقدام مصيرها أنْ تداس بالأقدام)
(تداعيات مباراة مصر والجزائر(
تفريغ المقال::
بسم الله الرحمن الرحيم
الذي شرفنا بالإسلام وأعزنا بالإيمان والصلاة والسلام على رسول الحق المبعوث بالصدق الذي من اتبع سنته علا ذكره ومن أعرض عنها ذل وهان وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم ملاقاة الملك الديّان, أما بعد :
لعل الأحداث التي أعقبت مباراة الجزائر ومصر بقدر ما تحمل من مجريات مؤسفة، ومواقف محزنة، وتفاصيل مخزية كما آلمتني وآذتني عندما رأيتها وتابعتها قد آلمت الملايين من المسلمين، كيف لا ؟ وهي أحداث لولا أنّها حصلت حقيقة، وقامت واقعاً، وشاهدناها بأم أعيننا لما صدقنا مخبراً بحصولها، فالأحداث كانت مؤلمة إلى درجة القسوة، ومروعة إلى درجة الرعب، وقاسية إلى حد إلحاق العطب والتلف تصعيد إعلامي غير مسبوق بين البلدين الشقيقين متخوم بالتهم المتبادلة، وممتلئ بالطعونات والانتقاصات التي لهما متناولة، وعاصفة بالتجريح والتهديد فاق فيها درجة التلويح، والمظاهرات الحافلة بالجماهير البشرية جابت أصقاع البلدين والبلاد الأخرى الضامة لجالياتهما، والتي رفعت فيها شعارات النصر وتحقيق المنى والوصول إلى الأهداف، وعمليات تخريبية دارت رحاها في مناطق متفرقة من البلدين مكاتب دمرت ومرافق أحرقت وأرواح زهقت وإصابات في مختلف الأمكنة انتشرت أحداث ومجريات دوت أصداها بين الخافقين لتصل مسامع الجميع وتطرق آذان أولي الأمر، فتململها لتحرك فيهم عنفوان القوة، وأصوات الحرب، وليحشدوا الحشود الكلامية، كما لو أنّ الحرب قامت بين البلدين، والسبب المهيج لكل تلك المصائب والدافع لجميع تلكم النوائب مضحك إلى درجة البكاء، ومحزن إلى حد السخرية والاستهجان، إنّه فوز الجزائر على مصر في السودان بهدف للا شيء وصعوده إلى نهائيات كأس العالم على حساب مصر، نعم إنها نتيجة مباراة كرة قدم هي التي أثارت كل هذه الزوابع، وأخرجت تلكم القوارع، فالمثير ليس اعتداءً على حقوق، وليس انتهاكاً لحرمات، وليست خيانة للدين أو للأمة، إنّها مجرد مباراة كرة قدم،وهنا تكمن المهزلة، مهزلة أمة كانت يوماً من الأيام تقود الدنيا، مهزلة أمة كانت يوماً تنشر الحق، وتدعو للفضيلة، وتبني حضارة، وتؤسس للقيم، وترسخ للأمجاد أمة كانت إذا تحركت فإنّما تتحرك للفضائل، وتنتفض لمحاربة الرذائل أمة كان شبابها يرفعون رايات الجهاد، همهم الأول والأخير مصلحة الأمة والوصول بها إلى الكرامة والشموخ، أمة خرّجت أجيالاً قادت العالم في ميادين العلم والمعرفة والأدب، والفنون، والرجولة، والأخلاق، والشجاعة، والبطولة أمة كان قادتها وولاة أمورها يثورون إذا انتهكت محارم الله، إذا تجاوز متهور على حدود الأمة وحاول مجرد محاولة أنْ يتعدى عليها كانوا يجهزون الجيوش، ويحشدون الأفواج ويجمعون كل ما توافر من إمكانات إذا سمعوا صرخة استغاثة من مكروب، ونداء طلب مساعدة من ملهوف كانوا يتعلقون بالمعالي، ويرتبطون بالمكارم، ويقودون الجموع إلى النجوم، ونصب أعينهم قوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}(آل عمران:110)، وشعارهم في العمل والتوجه للمجازفة :
إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم
ورائدهم في قيادة الجيل وتربيته :
هو الحق يحشد أبناءه ويعتد للموقف الفاصل
فهل يعقل عاقل أنّ أمة هذا كان شأنها، وتلك هي تطلعاتها، وأولئك هم قادتها، تنحدر لتصل إلى درجة من السفالة والضحالة بحيث تحركها كرة جلدية يركض وراءها واحد وعشرون شخصاً كما عرّفها رجل بسيط ؟!!!
أيعقل أنّ أمة الشرف والعز والكرامة تربط مصيرها بقطعة جلد ؟!!! أيعقل هذا يا أصحاب العقول أم يا ترى هل يصدّق ؟!!!!!.
وإذا ما طوينا صفحة التاريخ المشرقة لأمة رضعت الأمجاد، وتربت على الفضيلة، ونشأت على المكارم، وترعرعت على الشجاعة، وبلغت على العز والكرامة لنفتح صفحتها الحالية، ونرى المكتوب فيها فسنجد ما تشيب له رؤوس الولدان، وتدك له أقوى البنيان، سنجد تمزقاً منقطع النظير وتشرذماً تأنفه حتى الحمير، وتخلفاً على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية حتى غدا يستصغر شأنها الحقير قبل الكبير، وسنجد أراضيها محتلة مغتصبة تداعت عليها أمم الأرض فنهبت خيراتها، وأذلت كبرياءها، وأحكمت إخضاعها، وقطعتها قطعاً صغيرة ضعيفة، سهل السيطرة عليها وسنجد حرمات منتهكة وأعراضا مغتصبة وحقوقا مسلوبة إذا سمعنا صوتاً فلن نسمع سوى أنين الثكالى، وبكاء اليتامى وصرخات المستغيثين، وصيحات المعذبين المقهورين، وإذا لمسنا فلن نلمس سوى دموع الضعفاء المكسورين، وبقايا أياد مكسورة، وعظام منخورة، وعيون مقلوعة، وجثث هامدة متناثرة الأشلاء، وإذا ما بحثنا عن الحال وكيف تعيش الجموع، وما هو موردهم في الربوع، فلن نرى سوى الفقر المدقع، والحلم الضائع، وتردي الحياة برمتها، وانحدار مخيف في مستوى الثقافة ووضع للعلم على الهامش، والنظر للتاريخ على أنّه أسطورة، وللتطور على أنه أضغاث أحلام وللحضارة على أنّها نجم لا يرى إلا لمعانه، ولا يمكن الوصول إليه .
فإذا كانت هذه هي الأمة بتاريخها وحاضرها، وإذا كان الحال على هذه الصورة ... فبماذا يمكن أن نصف حال أبنائها الذين تحرك مقدراتهم، وتدير دفة تطلعاتهم قطعة جلدية تتقاذفها الأقدام ؟ تحت أيّ بند يمكن أنْ نصنفها ؟ وما الذي يتوقع لها إنْ لم تتدارك وتصحح مسارها وتصوب توجهاتها ؟
إنّ أقل ما نصف به حالهم هو ( يا أمة ضحكت من جهلها الأمم ) .....
فأمة تحركها كرة المطاط وقطعة الجلد، وتعلّق مصيرها بها وتربط أمجادها بدحرجتها أمة غمست بالجهل وغطست بالتخلف وحالها يصيب الرائي بالعجب .
فالعجب كل العجب مِن أمة كانت فيما مضى من الزمان تتطلع للنجوم لتقطفها فتنظم منها عقود عز وقلائد فخر وأطواق كرامة ومجد باتت في حاضره محنية الرأس تتطلع إلى قدم تركل جلدة لتبحث فيها عن مجد وعز وكرامة .
والعجب كل العجب من أمة عشقت الشرف وعانقت السيف وتمسكت بالقلم وتزينت بالأدب والعلم وتعلقت بالشجاعة والكرم وارتبطت بالفخار والتقدم غدت غثاءا يقذفه السيل تتعلق بالكرة وترتبط بقدم ملاعبها وتتزين بألوان فرقها وتعشق رؤية مبارياتها، وتعانق الفائزين بها .
والعجب كل العجب من أمة كانت تنفق أوقاتها في مرضاة الله وفي نشر الخير ومحاربة الشر وأصحابه وفي إنشاء حضارة الحب والفضيلة والصدق وإرساء قيم العدل والوفاء والحق أضحت تضيّع الأوقات فيما لا طائل تحته ولا نائل وتنزفه في الفارغ من الأعمال والشواغل وتلقي به كأرخص بضاعة في سلة مهملات مباراة خدّاعة ،لن تقدم ولن تؤخر ولن يجني منها ناظريها إلا متعة زائفة يعقبها الألم وتلحقها الحسرة على ما ضاع .
والعجب كل العجب من أمة هي الآن ومنذ زمن في المصائب غارقة، وفي الهموم غاطسة، و بالمذلة مطوقة وبالانتكاسات معروفة وبالنكبات مشهورة وبالضياع موسومة وبالتخلف مرسومة وبالتردي والتأخر معلومة تبحث عن الإنقاذ في قطعة جلد لن تزيدها إلاّ سفلا ولن تحصّل منها سوى على الخيبة والخسران .
والعجب كل العجب من أمة تعيش الفقر واقعاً وتتخذ الجوع رفيقاً والعوز صاحباً والحاجة سميراً تنفق أموالها دون حساب على ما لا جدوى منه ولا فائدة، وعلى لعبة هي الخاسر الأكبر فيه دون أن تلحظ في ثناياه أي عائدة .
والعجب كل العجب من أمة غابت شمسها بغيوم الاحتلال، وفقدت بريقها بفعل قذارته ،وانعدم تأثيرها بسطوته وتجبّره تحاول نسيان تلك الحقيقة بسكر من كأس مباراة كرة قدم، هل تعتبر في الميزان، اوتعد في المعيار .
أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفي مطرق خجلا من امسك المنصرم
عجباً لكم يا من فعلتم ما يندى له الجبين بعد المباراة ألم تستحوا من أنفسكم وقد أصبحتم مسخرة على لسان العالم وعلى رأسه أعداؤكم ؟ فالصهاينة مثلاً في القناة العاشرة لتلفزيونها لم تخف سعادتها خلال التعليق على التوترات التي أعقبت المباراة وأعربت القناة الصهيونية عن شماتتها الكبيرة بالاضطرابات المتفاقمة بين بعض القطاعات من مشجعي البلدين على خلفية المباراة وأعلنت القناة أنّها تتمنى أنْ تشتعل الأمور أكثر وأكثر، وأنْ تحدث مواجهات مشابهة بين فريق لحركة فتح وآخر لحركة حماس، بغرض الخلاص من الحركتين، بحسب ما جاء على القناة الصهيونية.
ألم تخجلوا وأنتم تتلاعب بكم قنوات الإعلام المدعومة من أعدائكم والمسيطر عليها من قبلكم ؟ ألم تعلموا أنّ وسائل الإعلام الصهيونية قد استغلت حالة الغضب المحتدمة بين جماهير كرة القدم في مصر والجزائر حيث تناولت صحيفة (معاريف) المسألة، وأشار (يعقوب زيو) محرر الصحيفة للشئون الرياضية في تقريره إلى أنّ المباراة بمثابة مباراة حياة أو موت لفريقي البلدين من أجل الصعود، وتحدثت (معاريف) عن حالة الغضب المحتدمة بين فريقي البلدين مشيرة إلى أنّ بعض التفاصيل الصغيرة أصبحت في الأيام الأخيرة الماضية عناوين للصحف المصرية والجزائرية على حد سواء، فالإعلام المأجور في كلتا الدولتين له دور الأفعى في بث السم في قلوب أبناء الأمة، فهذا الإعلام يقتات على تهييج مشاعر الجماهير سواء بحق أو بباطل، وأكبر دليل أنه نجح في الوصول إلى أكبر نتيجة يمكن أنْ يحصلها من استلاب فؤاد الجماهير، حتى أنّ بعض تلك الجماهير مات متأثراً بهدف دخل في مرمى فريقه في وقت يقتل المسلمون على أيدي الصهاينة كل يوم دون أنْ يتفتت عليهم قلب تعلق بالجلدة المتدحرجة فماسمعنا باحدهم مات كمداً على مجازر اليهود في غزة منذ شهور، ولم نسمع عمن انفطر لبه وفؤاده جزعاً على احتلال العراق وقتل أهله وتشريدهم.
والأدهى والأمرّ أنْ تظهر القنوات الرياضية مشاهد لبنات المسلمين، يرتدين العاري من الثياب ويقمن بحركات غير أخلاقية، أثناء أو بعد المباراة، كأنّ هذا العرض ليس عرض المسلمين فالمصري يقول انظروا لبنات الجزائر وحركاتهن، والجزائري يقول انظروا لبنات مصر وحركاتهن، فإننا لله وإنا إليه راجعون ... شاهت الوجوه، وتاهت العقول فإلى متى تبقى هذه الأمة أضحوكة ومتى تصحو من سباتها ؟
إنّ مصير أمة تتعلق بالأقدام، وتربط مصيرها به لا ينتظر لها سوى السقوط المخزي المذل وسيداس عليها عاجلا أو آجلاً وستؤول يقيناً إلى الحضيض، ونحن بذلك لا نحارب الكرة كرياضة، ولكن نرفض كما يرفض أي عاقل حصيف أنْ تكون هي الأمل للشعوب ومصدر العز للأمم، وسببا للشقاق والعداء، ووسيلة للتفاخر والتعالي، ومقصداً للوصول، ومظنة للنصر ومعياراً للولاء والبراء ، والحب والكراهية .
لذلك نقولها وكلنا إشفاق على أمتنا، أفيقي يا أمة الأمجاد والعزة والفخار من الغفلة قبل فوات الأوان، فو الله إنّ الحشود مستعدة لأكل قصعتك ، ولا تكوني غثاءً كغثاء السيل، تجمع أبناءك الطبلة وتفرقهم العصا فتقعي في المحذور ويصيبك الويل والثبور وانظروا يا أبناء الأمة إلى أعدائكم وكيف يعملون، وإلى ماذا يسعون، إلى اليهود وهم يحشّدون الحشود لهدم الأقصى وبناء الهيكل المزعوم تمهيداً لاستقبال المسيح، وإلى الصليبيين وأعوانهم وهم يحتلون العراق، ويبيدون الأخضر واليابس في كل مكان من أرضه تمهيداً لنزول المسيح، وأنتم أين أنتم من كل هذا أنتم في تيه المباريات غارقون، و في جب اللهو واللعب غائبون، والعجب العجاب أنّ مقدراتكم الاقتصادية سواءً في مصر أو الجزائر ستضيع تحت أقدام لاعبي كرة القدم في حالة فوز هذا الفريق أو ذاك، في وقت يحتاج فيه الكثير من المسلمين و من شباب البلدين لما تقوم به حاجاته الضرورية من مأكل وملبس، ومنكح، فبالله عليكم أيهدر مال المسلمين في هذه التفاهات في وقت لو تمّ استثمار نفس الأموال في بناء مصانع أو إيجاد فرص عمل لكفى آلاف الشباب من البلدين مئونة العيش طوال الحياة .
أمتنا الغالية عليك أنْ تأخذي بقوة على أيدي الإعلام الهابط الذي أثار الفتنة والفرقة التي تستوجب علينا غضب الرب، هذا الإعلام الهابط الذي لا يسر به إلا كل حاقد ولا يحتضنه إلا كل خائن والأيدي الخفية تشير إلى نفسها، وارجعوا إلى تصريحات الإعلام اليهودي لتعرفوا المراد .
يا أمة الإسلام الغالية ... يا شعب مصر الحبيب ... يا شعب الجزائر الحبيب :
اتقوا الله في أنفسكم ولا تتعرضوا لما يسخط الله جلّ وعلا، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ... فتفرقكم يسخط ربكم ويفرح عدوكم، ويحزن والله له قلب من يحبكم، وانظروا إلى أسلافكم واقتدوا بهم، واعلموا أنّ عزكم وشرفكم وتمكينكم والسبب المخرج من مآسيكم هو كتاب الله جلّ وعلا:{لَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ}(الأنبياء: 10)، فتمسكوا به واعملوا بتعاليمه فالمعرض عنه لن يعيش إلا حياة الخيبة، والضيق والحسرة والخسران:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}(طه : 124)، فهذه هي الخسارة الحقيقة ،وذلك هو الفوز المبين، وليست نتيجة مباراة كرة قدم، فارجعوا إلى رشدكم وتمسكوا بما يرجع عزكم ومجدكم الغابر، وينجيكم من ذلكم وخوركم الحاضر السافر، والله المستعان وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وآخر دعوانا أنْ
رب ّ العالمين
بقلم الأستاذ
محمد الفارس
عضو المكتب السياسي
لجماعة أنصار السنة (الهيئة الشرعية)
12 ذي الحجة 1430 هـ
أخوكم حسانين دحروج