الميكروباص في مصر .. كارثة على البلاد والعباد
هم دولة داخل الدولة .. لهم قوانينهم .. ولهم عرفهم الخاص .. ولهم لغتهم الخاصة .. بل ولهم من يحميهم و يذود عنهم .. انهم عفاريت الاسفلت .. سائقو الميكروباص.
في ظني أن هذه الفئة من المصريين تسببت في كارثة حقيقية لوطنهم دون أن يدرك هؤلاء نتائج أفعالهم والتي وصلت إلى حد تحذير الخارجية الأمريكية لرعاياها منهم كما سنرى فيما بعد .. فهؤلاء بسبب طريقة تعاملهم مع بعضهم ومع المواطنين تسببوا في نشر ما يمكن أن نطلق عليه "ثقافة المكيروباص".
وأصبح لهذه الثقافة - للأسف - مفرادات لغوية وإشارات وتعبيرات ولغة جسد، ولها أعرافها وقوانينها التي يتبعها الجميع بل ولها منجزاتها الخاصة التي يبتاهى بها أصحابها.
وتسببت هذه الثقافة - بما ينتج عنها من رعب وهلع لمن يتعامل مع صاحبها - في أن اعتمدها الملايين من المواطنين المصريين ممن هم مثلي ومثلك مواطنون لا يحميهم إلا القانون (الذي لا يلجأ إليه إلا الضعيف في ثقافة الميكروباص) أملاً في الحصول على قدر من الهيبة في نفوس الآخرين أو لحماية النفس على أقل تقدير، مثل الوصول بالصوت إلى أعلى طبقة تحتملها الأحبال الصوتية أو التلفظ ببعض الألفاظ النابية فيما يشبه التحذير لما قد يحدث لك بعد ذلك إن أنت تماديت في غيك مع أحد أصحاب هذه الثقافة، أو النظر بحدة ووقاحة في عين من أمامك أو وضع اليد في الجيب الخلفي للبنطلون بما يوحي إليك أن تتلفظ بالشهادة استعداداً للمطواة التي ستخرج في وجهك وتندفع الى أي مكان في جسدك.
ولعلنا لاحظنا أن العشرات من المصريين أصبحوا شديدي العنف والإثارة بمجرد اللمس وهي إحدى نواتج هذه الثقافة (إلى جانب الضغوط الاقتصادية بالطبع) وهو ما لم يكن خلق المصريين بحال في عقود خلت نترحم عليها إلى الآن.
أما المكيروباص في حد ذاته كوسيلة للنقل، فنظرا لأن الدولة لم تعد تهتم بتقديم خدمة محترمة أو مريحة للمواطن فقد تركته الدولة نهباً لبلطجية دولة الميكروباص يلتهمونه فريسة سهلة بدلاً من أن تزيد من عدد الاوتوبيسات مثلاً أو تحسن من حالتها المتردية أو أن تمد الخدمة إلى مناطق أكثر.
حقيقة أصبحت أشعر بالمهانة الشديدة إذا ما استقللت إحدى هذه السيارات ولذلك فقد توقفت عن استعمالها منذ فترة قريبة، إما لسوء تعامل السائقين مع الركاب وكأنهم عبيد، سواء في حشرهم للناس خاصة في المقعد الخلفي الذي من المفترض أنه لا يحمل إلا ثلاثة اشخاص فقط، أو لنزعهم مقاعد السيارة الأصلية واستبدالها بأخرى أصغر حجماً لتزيد في العدد بمقعد أو "كنبة" واحدة لزيادة الأجرة المتحصل عليها ولا يهم هل يستريح من يركب أم لا (مش عاجبك خد أجرتك وانزل .. أو .. مالكش أجرة ما دمنا اتحركنا) أو لتجزئتهم المسافات دون أن يجرؤ مواطن على الاعتراض (والا كنا اعترضنا على تحصيل قيمة جمع القمامة المحملة على فواتير الكهرباء مرتين ثم النزول إلى الشارع بفرحة غامرة لتنظيفه منها .. وسلم لى على إيجابية الفيس بوك) أو بسبب ما فعلناه نحن كمستخدمين لوسيلة النقل هذه بتدافعنا الهمجي على السيارات والقفز من الشبابيك لحجز مكان، ما تسبب في استهانتنا ببعضنا واستهانة أباطرة الميكروباص بنا إضافة إلى إمعانهم في إذلال الراكب مثل أن يدخل إلى الموقف خالياً ليجد المكان مزدحماً بالركاب فيغلق أبواب السيارة ويرفض التحرك (إلا لما يجليه مزاجه طبعا).
وليس أدل على استهتار هؤلاء بحياة المواطن إلا الأخبار التي نقرأها يومياً حول القبض على سائق مصاب بشلل الأطفال وآخر مبتور اليدين أو إحدى القدمين وهو يقود سيارة، أو تلك الوحوش الصغيرة التي تقود سيارات متهالكة في الحواري والشوارع الضيقة دون وجود رقيب أو حسيب عليهم .. ونحن نتعامل مع ذلك ببساطة واعتياد (كما اعتدنا الاهانة في أشياء أخرى) لنصل الى العمل أو الى الجهة التي نريدها.
ولعل الحظ قد اتعسك بمشاجرة بين اثنين من هؤلاء (أسأل الله ألا يكون معك أحد من نساء بيتك) لتسمع دروساً في فنون سب كل ما هو حي وميت ومقدس أو غير مقدس، إضافة الى ردود الأفعال المغالية في التطرف، فبعض هؤلاء المتصارعين يقضون مساءهم على مقهى يشربون ويأكلون وفي الصباح يقتل أحدهم زميله بكريك أو مفك أو مطواه لخلاف على الدور أو غرزة أخذ بها "نص جنيه بيتدحرج" (الراكب في لغتهم) وربما لسبب أتفه من ذلك، ولعلنا نذكر في هذا السياق تلك الحادثة التي قتل فيها ذلك الرجل العجوز دهساً لا لشيء إلا لاعتراضه على صدم أحد هؤلاء سيارته ورفضه لتركه يغادر المكان قبل حضور الشرطة .. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وأنا على يقين من أن السبب في كل هذا الافتراء والعنجهية و"النمردة" من هؤلاء هو حماية بعض أفراد الشرطة لهم (بل إني ركبت في يوم ما مع أحد مندوبي الشرطة يعمل على السيارة ليلاً ويلقى بالسلام على كل من يقف في لجنة تقابله بالاسم) سواء بالمعرفة الشخصية أو بغيرها (!!) وبالتالي فمن الصعب جداً أن تجده يتعامل مع الراكب باحترام لأن هذه النوعية ما إن تشعر بوجود سلطة أو (ظهر) لها تتفنن في إظهارها أمام الجميع وتستخدمها في أتفه الأمور .. ولعلك تساءلت كيف تسير هذه السيارة وهي محطمة في الشوارع أو كيف تسير وهي تطلق هذا الكم من الدخان في الطريق دون أن يوقفها أحد .. أظنك علمت الإجابة !!
والمشكلة أن الميكروباص مع أهميته في تخفيف حدة الزحام في القاهرة والمحافظات قد تحول إلى لعنة ومصدر للخطر وتهديد لسلامة الحياة حسبما نشرت الخارجية الأمريكية في تقريرها الذي حذرت فيه مواطنيها المسافرين لمصر من ركوبه "الميكروباص" لأنه خطر على حياة وصحة المواطن، كما أشار التقرير إلى ظاهرة متنامية في مصر تتضح بصفة خاصة في سائقي الميكروباص، وهي ظاهرة عدم احترامهم لإشارات المرور مما حدا بكاتب التقرير أن يصفهم بأنهم يعانون من "نفاذ صبر" إضافة إلى تحرش أغلبهم بالنساء سواء أجنبيات أو مصريات
وأشارت عدة دراسات إلى أن استفحال أزمة الميكروباص في مصر سببه عدة أمور منها الخوف من إلغاء أو تقليل تراخيص هذه السيارات مما سينتج عنه أزمة مرورية هائلة لم تشهد لها البلاد مثيل بسبب عدم تغطية كافة وسائل المواصلات الحكومية للنقاط الهامة التي يتطرق اليها خط سير وسيلة النقل هذه، إضافة إلى غياب دور الدولة وأجهزتها التنفيذية في محاسبة من ينتهك قواعد المرور بشفافية وحيادية (هل يستوي مع يعمل بهئية قضائية أو بجهاز الشرطة مع المواطن العادي إن هو خالف قواعد المرور؟؟).
كما أن إصدار التراخيص لهذه السيارات باستمرار دون دراسة للسعة المرورية التي تسير فيها أدى إلى شعور المواطن باختناق الطرق (وهو أمر حادث بالفعل) ، كما أن زيادة عدد هذه السيارات أدى الى خلق مواقف أو أماكن لانتظارهم بصورة تقترب من الأمر الواقع وهو ما فرض وجود قوانين خاصة بينهم لا يستطيع أكبر محافظ القضاء عليها لأنها ستظهر في مكان آخر مما يتسبب في مزيد من اختناق الطرق
وبما أننا نتحدث عن الميكروباص و"سنينه" أود أن أشير إلى كتاب الرائع حمدي عبد الرحيم (فصيل تحرير: أيام الديسك والميكروباص) والذي أسهب فيه وفصل بعبقرية أنواع سائقي الميكروباص في واحد من فصوله، أنقل اليكم بعضاً منه بتصرف
أنواع القادة:
الثوار: هؤلاء هم الذين حملوا ثورة الميكروباص على اكتافهم وقاموا بها، وهم في غاية الشراسة مع الركاب ويحتقرونهم دونما سبب ويحرص الواحد منهم على اتساخ جزء من جسده (الأظافر غالبا) او ملابسه (الياقة غالبا) الأمر الذي يحقق لهم ما يسمى بالرعب المبدئي لدى الزبون (حضرتك يعني) وهم نادراً ما يقودون السيارات حيث أصبحوا ملاكاً للسيارات.
المتطرفون: هم الأقرب للثوار ولا ترضيهم بعض ليونة قد يبديها بعض الثوار مع الركاب ويوقنون في داخلهم بأن الراكب الطيب هو الراكب الميت وعلاماتهم أنهم يقودون بسرعة جنونية وقد يتعقل إذا ما تصدى له أحد الركاب ليس عن ضعف أو جبن ولكن احتقاراً للمتحدث الذي لا يستحق إضاعة الوقت في التشاجر معه إلا إذا نهره الراكب بطريقة فظة.
الدجاج: ولعلك سمعت هذه الكلمات في موقف الميكروباص كثيراً (على الفرخة جه - سامي الفرخة وصل) وإياك أن تظن أن فلاناً هذا وديع كالفرخة، فإنما أطلق عليه أصحابه هذا الاسم لأنه كالفرخة يجلب القذارة معه في أقدامه أينما حل، والقذارة هنا -أعزكم الله- هو كل راكب ذو كرامة وشخصية أو رجل مرور محترم شريف لأن هذا (الفرخة) يتسسب بسلوكه وحمقه في الصدام المستمر معهم، وهو غالباً شخص مسجل خطر دائب الزيارة للسجن وهو المكان الذي يستريح فيه من عناء الدنيا إلى حين .. لذا فهو قادر بسهولة على فعل ما قد لا يخطر على بالك ولكي تواجهه اذهب معه إلى النهاية ولحظتها سيدرك أنك خطر وينكسر شره.
المتدينون: وهم يرتدون جلباباً أبيض نظيف ولهم لحى طويلة وصوت قوي وقور، وغالباً ما يتعاملون بود مع الركاب (اقول غالباً وليس دائما) لحرصهم على التخلق بخلق الإسلام كما أن عدد منهم على خلاف مع الدولة ولا يريد المزيد من المشاكل أو أن السيارة نفسها ملك لأخ آخر وسحبها بواسطة المرور قد يفتح أعين الحكومة عليهم ولكن للبعض الآخر تصرفات خاصة مع غير المحجبات وكلنا نعرفها طبعا.
المعاشات: وهو من خرج الى المعاش إما لخصخصة الحكومة للمكان الذي يعمل به أو لبلوغه سن التقاعد وهم غالباً هادئون و لايستطيعون الوقوف أمام الدجاجي أو الثائر اذا ما أحب أخذ مكانه في الدور.. وهم في الغالب أيضاً محترمون مع الزبائن.
الروش: كائن طويل الشعر غالباً يحدد لحيته بالفتلة ولا يحلق الباقي منها إلا عند الظروف .. لا يعرف شيئا عن التلقائية وأفعاله سابقة التجهيز وهي ترزح تحت وطأة تقليد نجوم الفيديو كليب، حيث يشعر وكأنه حسين فهمي زمانه وأن كل البنات تطارده من أجل وسامته !! وبالتالي تأتي تصرفاته في وجود حضراتهن وفقاً لذلك .
هو غالباً ما ينفرد بكابينة القيادة وإذا ما حاول أحدهم الجلوس بجواره يرد متأففاً: النفس .. هوا .. و ما ذاك إلا انتظاراً "للحتة الفرنساوي" (المرأة في لغتهم) التي ستجلس بجانبه وحده ليظل يتطلع اليها طوال الطريق وإن سمحت الظروف (ظروفها طبعاً) يمكن للحوار أن يبدأ ببعض الاستظراف من جانبه.
ومن علاماته المميزة شعره الغارق في الجيل رخيص الثمن وتعامله شديد الوقاحة مع الركاب والذي لا يتغير إلا في وجود "الحتة" حيث يصبح مهذباً بطريقة أقرب إلى الميوعة .. ويفوته عدة أشياء منها قذارة أسنانه وأظافره وياقة القميص والحذاء.
المستغني: ليس بسائق ولا يحب القيادة - أو هكذا يرسم الدور علينا - وهو ربما يكون ابن صاحب السيارة ويقودها بضغط من "الحاج" لمعرفة المكسب الحقيقي منها بعيداً عن نصب السائق، ويحرص المستغني طبعاً على افهام الركاب حقيقة وضعه الاجتماعي المتميز منها التحدث في المحمول ليفهم الركاب أنه خط وليس كارت كالعامة من الركاب مع وضع النظارات الشمسية فوق الرأس وأخد الأجرة من الركاب بحركة مستهينة دون النظر إليها، مع الحرص على قذفها في علبة المناديل الفارغة وكان الأمر لا يعنيه، ولا يلتفت للركاب أبداً ولا يحرص على وجود أي مجال للحوار المشترك معهم (من هم هؤلاء ليناقشهم) ويفقد المستغني أعصابه إذا ما ناداه غشيم من الركاب قائلاً: يا أسطى
المصري: مخلوق لهذه المهنة ويحب مهنته للغاية وبنظرة واحدة يفهم طبيعة الراكب معه .. علاقته بالزبون يحددها الزبون نفسه، فهو مهذب مع المهذب وغير ذلك مع من هو غير ذلك .. يصبر على الكبار من الرجال والنساء صعوداً وهبوطاً .. يتجنب المطبات إذا كان معه حوامل .. يستأذن الركاب بلطف إذا ما أراد إحضار لقيمات يقمن اوده طوال اليوم .. باختصار هو عملة نادرة.
وأدعوك عزيزي القارئ إلى محاولة تطبيق هذه التعريفات على من تركب معهم (إن كنت لا زلت تفعل وتستقل هذه المواصلة اللعينة) حرصاً على حياتك وحفاظاً على كرامتك.
بقي أن نقول إحقاقاً للحق أن حوالي 14 مليون مواطن في القاهرة الكبرى يستقلون وسائل النقل العامة منهم 3 ملايين مواطن يستقلون الميكروباص.
وحتى لا نكون دعاة انهزامية وسلبية، اليكم بعض الحلول المقترحة سواء مني أو ممن أهمهم الأمر فكتبوا عنه:
يجب إنشاء خط ساخن لتلقي شكاوي المواطنين بشأن وسيلة المواصلات هذه.
لا تتردد أبداً إذا ما خالف السائق الأصول معك أو إذا ما حاول تجزئة المسافة واذهب به إلى أقرب ضابط شرطة أو نقطة أمنية (حاول أن تجمع معك بعض الشرفاء ممن لم تقض المبيدات المسرطنة على رجولتهم).
تكثيف اللجان المرورية الخاصة بهذه النوعية من السيارات طالما أنها أضحت أمراً واقعاً لا فكاك منه إلا بعد أن يتغير الحال في مصر كلياً ونصبح شعباً راقياً متحضراً (يدي أولادنا وأولادكم طول العمر إن شاء الله!).
لا تستسلم لمن يتطاول عليك وإن كنت تخشى على حياتك فلا داعي للركوب مع هؤلاء من الأصل وانتظر الى أن يمن الله عليك بسائق محترم (معاشي أو مصري).
وأخيراً أترككم مع بعض الكلمات التي لابد وأنكم سمعتموها من السادة سائقي الميكروباص:
ملحوظة: يمكن إضافة جملة (مش عاجبك انزل) بجانب أي من العبارات الوادرة بالأسفل توضيحاً للمعنى !
خشوا جوا شوية يا حضرات .. والله العربية فاضية جوا (دي فاضية يا كداب .. دا أنا واقف على رجل واحدة).
كل واحد أجرته في ايده يا حضرات وياريت فكة (أصل الباشا ما بقاش يمد ايده ياخد الاجرة انت اللى ترفع إيدك بالإتاوة وممكن تروحله لحد عنده ويارب يقبلها منك!).
اخلصي يا مدام وانزلي (والست عجوزة وحالتها تصعب على الواحد بس علشان لازم ينجز علشان يلحق يجيب السواق التاني قبل ما يسبقه في الدور).
الكنبة اربعة يا بيه (ما انت لازم تتنزق ويتقطع نفسك علشان خاطر البيه يعمل قرشين كويسين آخر اليوم).
الأجرة موحدة يا بيه (نفسي أعرف مين اللى وحدها .. يعني تركب محطة زي عشرة .. عجبي ).
طيب العربية مش طالعة .. يالا انزلوا يا حضرات (دا لو واحد من الركاب حب يعمل فيها جدع ويحط راسه براس الباشا ).
الاجرة زادت يا حضرات .. البنزين غلى .. (وهو عربيته جاز أصلا ولو جدع ومش خايف على عيالك اعترض !!).
وطي الكاسيت شوية يا اسطى .. الكاسيت بايظ ما بيوطاش يا بيه (!!)
هم دولة داخل الدولة .. لهم قوانينهم .. ولهم عرفهم الخاص .. ولهم لغتهم الخاصة .. بل ولهم من يحميهم و يذود عنهم .. انهم عفاريت الاسفلت .. سائقو الميكروباص.
في ظني أن هذه الفئة من المصريين تسببت في كارثة حقيقية لوطنهم دون أن يدرك هؤلاء نتائج أفعالهم والتي وصلت إلى حد تحذير الخارجية الأمريكية لرعاياها منهم كما سنرى فيما بعد .. فهؤلاء بسبب طريقة تعاملهم مع بعضهم ومع المواطنين تسببوا في نشر ما يمكن أن نطلق عليه "ثقافة المكيروباص".
وأصبح لهذه الثقافة - للأسف - مفرادات لغوية وإشارات وتعبيرات ولغة جسد، ولها أعرافها وقوانينها التي يتبعها الجميع بل ولها منجزاتها الخاصة التي يبتاهى بها أصحابها.
وتسببت هذه الثقافة - بما ينتج عنها من رعب وهلع لمن يتعامل مع صاحبها - في أن اعتمدها الملايين من المواطنين المصريين ممن هم مثلي ومثلك مواطنون لا يحميهم إلا القانون (الذي لا يلجأ إليه إلا الضعيف في ثقافة الميكروباص) أملاً في الحصول على قدر من الهيبة في نفوس الآخرين أو لحماية النفس على أقل تقدير، مثل الوصول بالصوت إلى أعلى طبقة تحتملها الأحبال الصوتية أو التلفظ ببعض الألفاظ النابية فيما يشبه التحذير لما قد يحدث لك بعد ذلك إن أنت تماديت في غيك مع أحد أصحاب هذه الثقافة، أو النظر بحدة ووقاحة في عين من أمامك أو وضع اليد في الجيب الخلفي للبنطلون بما يوحي إليك أن تتلفظ بالشهادة استعداداً للمطواة التي ستخرج في وجهك وتندفع الى أي مكان في جسدك.
ولعلنا لاحظنا أن العشرات من المصريين أصبحوا شديدي العنف والإثارة بمجرد اللمس وهي إحدى نواتج هذه الثقافة (إلى جانب الضغوط الاقتصادية بالطبع) وهو ما لم يكن خلق المصريين بحال في عقود خلت نترحم عليها إلى الآن.
أما المكيروباص في حد ذاته كوسيلة للنقل، فنظرا لأن الدولة لم تعد تهتم بتقديم خدمة محترمة أو مريحة للمواطن فقد تركته الدولة نهباً لبلطجية دولة الميكروباص يلتهمونه فريسة سهلة بدلاً من أن تزيد من عدد الاوتوبيسات مثلاً أو تحسن من حالتها المتردية أو أن تمد الخدمة إلى مناطق أكثر.
حقيقة أصبحت أشعر بالمهانة الشديدة إذا ما استقللت إحدى هذه السيارات ولذلك فقد توقفت عن استعمالها منذ فترة قريبة، إما لسوء تعامل السائقين مع الركاب وكأنهم عبيد، سواء في حشرهم للناس خاصة في المقعد الخلفي الذي من المفترض أنه لا يحمل إلا ثلاثة اشخاص فقط، أو لنزعهم مقاعد السيارة الأصلية واستبدالها بأخرى أصغر حجماً لتزيد في العدد بمقعد أو "كنبة" واحدة لزيادة الأجرة المتحصل عليها ولا يهم هل يستريح من يركب أم لا (مش عاجبك خد أجرتك وانزل .. أو .. مالكش أجرة ما دمنا اتحركنا) أو لتجزئتهم المسافات دون أن يجرؤ مواطن على الاعتراض (والا كنا اعترضنا على تحصيل قيمة جمع القمامة المحملة على فواتير الكهرباء مرتين ثم النزول إلى الشارع بفرحة غامرة لتنظيفه منها .. وسلم لى على إيجابية الفيس بوك) أو بسبب ما فعلناه نحن كمستخدمين لوسيلة النقل هذه بتدافعنا الهمجي على السيارات والقفز من الشبابيك لحجز مكان، ما تسبب في استهانتنا ببعضنا واستهانة أباطرة الميكروباص بنا إضافة إلى إمعانهم في إذلال الراكب مثل أن يدخل إلى الموقف خالياً ليجد المكان مزدحماً بالركاب فيغلق أبواب السيارة ويرفض التحرك (إلا لما يجليه مزاجه طبعا).
وليس أدل على استهتار هؤلاء بحياة المواطن إلا الأخبار التي نقرأها يومياً حول القبض على سائق مصاب بشلل الأطفال وآخر مبتور اليدين أو إحدى القدمين وهو يقود سيارة، أو تلك الوحوش الصغيرة التي تقود سيارات متهالكة في الحواري والشوارع الضيقة دون وجود رقيب أو حسيب عليهم .. ونحن نتعامل مع ذلك ببساطة واعتياد (كما اعتدنا الاهانة في أشياء أخرى) لنصل الى العمل أو الى الجهة التي نريدها.
ولعل الحظ قد اتعسك بمشاجرة بين اثنين من هؤلاء (أسأل الله ألا يكون معك أحد من نساء بيتك) لتسمع دروساً في فنون سب كل ما هو حي وميت ومقدس أو غير مقدس، إضافة الى ردود الأفعال المغالية في التطرف، فبعض هؤلاء المتصارعين يقضون مساءهم على مقهى يشربون ويأكلون وفي الصباح يقتل أحدهم زميله بكريك أو مفك أو مطواه لخلاف على الدور أو غرزة أخذ بها "نص جنيه بيتدحرج" (الراكب في لغتهم) وربما لسبب أتفه من ذلك، ولعلنا نذكر في هذا السياق تلك الحادثة التي قتل فيها ذلك الرجل العجوز دهساً لا لشيء إلا لاعتراضه على صدم أحد هؤلاء سيارته ورفضه لتركه يغادر المكان قبل حضور الشرطة .. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وأنا على يقين من أن السبب في كل هذا الافتراء والعنجهية و"النمردة" من هؤلاء هو حماية بعض أفراد الشرطة لهم (بل إني ركبت في يوم ما مع أحد مندوبي الشرطة يعمل على السيارة ليلاً ويلقى بالسلام على كل من يقف في لجنة تقابله بالاسم) سواء بالمعرفة الشخصية أو بغيرها (!!) وبالتالي فمن الصعب جداً أن تجده يتعامل مع الراكب باحترام لأن هذه النوعية ما إن تشعر بوجود سلطة أو (ظهر) لها تتفنن في إظهارها أمام الجميع وتستخدمها في أتفه الأمور .. ولعلك تساءلت كيف تسير هذه السيارة وهي محطمة في الشوارع أو كيف تسير وهي تطلق هذا الكم من الدخان في الطريق دون أن يوقفها أحد .. أظنك علمت الإجابة !!
والمشكلة أن الميكروباص مع أهميته في تخفيف حدة الزحام في القاهرة والمحافظات قد تحول إلى لعنة ومصدر للخطر وتهديد لسلامة الحياة حسبما نشرت الخارجية الأمريكية في تقريرها الذي حذرت فيه مواطنيها المسافرين لمصر من ركوبه "الميكروباص" لأنه خطر على حياة وصحة المواطن، كما أشار التقرير إلى ظاهرة متنامية في مصر تتضح بصفة خاصة في سائقي الميكروباص، وهي ظاهرة عدم احترامهم لإشارات المرور مما حدا بكاتب التقرير أن يصفهم بأنهم يعانون من "نفاذ صبر" إضافة إلى تحرش أغلبهم بالنساء سواء أجنبيات أو مصريات
وأشارت عدة دراسات إلى أن استفحال أزمة الميكروباص في مصر سببه عدة أمور منها الخوف من إلغاء أو تقليل تراخيص هذه السيارات مما سينتج عنه أزمة مرورية هائلة لم تشهد لها البلاد مثيل بسبب عدم تغطية كافة وسائل المواصلات الحكومية للنقاط الهامة التي يتطرق اليها خط سير وسيلة النقل هذه، إضافة إلى غياب دور الدولة وأجهزتها التنفيذية في محاسبة من ينتهك قواعد المرور بشفافية وحيادية (هل يستوي مع يعمل بهئية قضائية أو بجهاز الشرطة مع المواطن العادي إن هو خالف قواعد المرور؟؟).
كما أن إصدار التراخيص لهذه السيارات باستمرار دون دراسة للسعة المرورية التي تسير فيها أدى إلى شعور المواطن باختناق الطرق (وهو أمر حادث بالفعل) ، كما أن زيادة عدد هذه السيارات أدى الى خلق مواقف أو أماكن لانتظارهم بصورة تقترب من الأمر الواقع وهو ما فرض وجود قوانين خاصة بينهم لا يستطيع أكبر محافظ القضاء عليها لأنها ستظهر في مكان آخر مما يتسبب في مزيد من اختناق الطرق
وبما أننا نتحدث عن الميكروباص و"سنينه" أود أن أشير إلى كتاب الرائع حمدي عبد الرحيم (فصيل تحرير: أيام الديسك والميكروباص) والذي أسهب فيه وفصل بعبقرية أنواع سائقي الميكروباص في واحد من فصوله، أنقل اليكم بعضاً منه بتصرف
أنواع القادة:
الثوار: هؤلاء هم الذين حملوا ثورة الميكروباص على اكتافهم وقاموا بها، وهم في غاية الشراسة مع الركاب ويحتقرونهم دونما سبب ويحرص الواحد منهم على اتساخ جزء من جسده (الأظافر غالبا) او ملابسه (الياقة غالبا) الأمر الذي يحقق لهم ما يسمى بالرعب المبدئي لدى الزبون (حضرتك يعني) وهم نادراً ما يقودون السيارات حيث أصبحوا ملاكاً للسيارات.
المتطرفون: هم الأقرب للثوار ولا ترضيهم بعض ليونة قد يبديها بعض الثوار مع الركاب ويوقنون في داخلهم بأن الراكب الطيب هو الراكب الميت وعلاماتهم أنهم يقودون بسرعة جنونية وقد يتعقل إذا ما تصدى له أحد الركاب ليس عن ضعف أو جبن ولكن احتقاراً للمتحدث الذي لا يستحق إضاعة الوقت في التشاجر معه إلا إذا نهره الراكب بطريقة فظة.
الدجاج: ولعلك سمعت هذه الكلمات في موقف الميكروباص كثيراً (على الفرخة جه - سامي الفرخة وصل) وإياك أن تظن أن فلاناً هذا وديع كالفرخة، فإنما أطلق عليه أصحابه هذا الاسم لأنه كالفرخة يجلب القذارة معه في أقدامه أينما حل، والقذارة هنا -أعزكم الله- هو كل راكب ذو كرامة وشخصية أو رجل مرور محترم شريف لأن هذا (الفرخة) يتسسب بسلوكه وحمقه في الصدام المستمر معهم، وهو غالباً شخص مسجل خطر دائب الزيارة للسجن وهو المكان الذي يستريح فيه من عناء الدنيا إلى حين .. لذا فهو قادر بسهولة على فعل ما قد لا يخطر على بالك ولكي تواجهه اذهب معه إلى النهاية ولحظتها سيدرك أنك خطر وينكسر شره.
المتدينون: وهم يرتدون جلباباً أبيض نظيف ولهم لحى طويلة وصوت قوي وقور، وغالباً ما يتعاملون بود مع الركاب (اقول غالباً وليس دائما) لحرصهم على التخلق بخلق الإسلام كما أن عدد منهم على خلاف مع الدولة ولا يريد المزيد من المشاكل أو أن السيارة نفسها ملك لأخ آخر وسحبها بواسطة المرور قد يفتح أعين الحكومة عليهم ولكن للبعض الآخر تصرفات خاصة مع غير المحجبات وكلنا نعرفها طبعا.
المعاشات: وهو من خرج الى المعاش إما لخصخصة الحكومة للمكان الذي يعمل به أو لبلوغه سن التقاعد وهم غالباً هادئون و لايستطيعون الوقوف أمام الدجاجي أو الثائر اذا ما أحب أخذ مكانه في الدور.. وهم في الغالب أيضاً محترمون مع الزبائن.
الروش: كائن طويل الشعر غالباً يحدد لحيته بالفتلة ولا يحلق الباقي منها إلا عند الظروف .. لا يعرف شيئا عن التلقائية وأفعاله سابقة التجهيز وهي ترزح تحت وطأة تقليد نجوم الفيديو كليب، حيث يشعر وكأنه حسين فهمي زمانه وأن كل البنات تطارده من أجل وسامته !! وبالتالي تأتي تصرفاته في وجود حضراتهن وفقاً لذلك .
هو غالباً ما ينفرد بكابينة القيادة وإذا ما حاول أحدهم الجلوس بجواره يرد متأففاً: النفس .. هوا .. و ما ذاك إلا انتظاراً "للحتة الفرنساوي" (المرأة في لغتهم) التي ستجلس بجانبه وحده ليظل يتطلع اليها طوال الطريق وإن سمحت الظروف (ظروفها طبعاً) يمكن للحوار أن يبدأ ببعض الاستظراف من جانبه.
ومن علاماته المميزة شعره الغارق في الجيل رخيص الثمن وتعامله شديد الوقاحة مع الركاب والذي لا يتغير إلا في وجود "الحتة" حيث يصبح مهذباً بطريقة أقرب إلى الميوعة .. ويفوته عدة أشياء منها قذارة أسنانه وأظافره وياقة القميص والحذاء.
المستغني: ليس بسائق ولا يحب القيادة - أو هكذا يرسم الدور علينا - وهو ربما يكون ابن صاحب السيارة ويقودها بضغط من "الحاج" لمعرفة المكسب الحقيقي منها بعيداً عن نصب السائق، ويحرص المستغني طبعاً على افهام الركاب حقيقة وضعه الاجتماعي المتميز منها التحدث في المحمول ليفهم الركاب أنه خط وليس كارت كالعامة من الركاب مع وضع النظارات الشمسية فوق الرأس وأخد الأجرة من الركاب بحركة مستهينة دون النظر إليها، مع الحرص على قذفها في علبة المناديل الفارغة وكان الأمر لا يعنيه، ولا يلتفت للركاب أبداً ولا يحرص على وجود أي مجال للحوار المشترك معهم (من هم هؤلاء ليناقشهم) ويفقد المستغني أعصابه إذا ما ناداه غشيم من الركاب قائلاً: يا أسطى
المصري: مخلوق لهذه المهنة ويحب مهنته للغاية وبنظرة واحدة يفهم طبيعة الراكب معه .. علاقته بالزبون يحددها الزبون نفسه، فهو مهذب مع المهذب وغير ذلك مع من هو غير ذلك .. يصبر على الكبار من الرجال والنساء صعوداً وهبوطاً .. يتجنب المطبات إذا كان معه حوامل .. يستأذن الركاب بلطف إذا ما أراد إحضار لقيمات يقمن اوده طوال اليوم .. باختصار هو عملة نادرة.
وأدعوك عزيزي القارئ إلى محاولة تطبيق هذه التعريفات على من تركب معهم (إن كنت لا زلت تفعل وتستقل هذه المواصلة اللعينة) حرصاً على حياتك وحفاظاً على كرامتك.
بقي أن نقول إحقاقاً للحق أن حوالي 14 مليون مواطن في القاهرة الكبرى يستقلون وسائل النقل العامة منهم 3 ملايين مواطن يستقلون الميكروباص.
وحتى لا نكون دعاة انهزامية وسلبية، اليكم بعض الحلول المقترحة سواء مني أو ممن أهمهم الأمر فكتبوا عنه:
يجب إنشاء خط ساخن لتلقي شكاوي المواطنين بشأن وسيلة المواصلات هذه.
لا تتردد أبداً إذا ما خالف السائق الأصول معك أو إذا ما حاول تجزئة المسافة واذهب به إلى أقرب ضابط شرطة أو نقطة أمنية (حاول أن تجمع معك بعض الشرفاء ممن لم تقض المبيدات المسرطنة على رجولتهم).
تكثيف اللجان المرورية الخاصة بهذه النوعية من السيارات طالما أنها أضحت أمراً واقعاً لا فكاك منه إلا بعد أن يتغير الحال في مصر كلياً ونصبح شعباً راقياً متحضراً (يدي أولادنا وأولادكم طول العمر إن شاء الله!).
لا تستسلم لمن يتطاول عليك وإن كنت تخشى على حياتك فلا داعي للركوب مع هؤلاء من الأصل وانتظر الى أن يمن الله عليك بسائق محترم (معاشي أو مصري).
وأخيراً أترككم مع بعض الكلمات التي لابد وأنكم سمعتموها من السادة سائقي الميكروباص:
ملحوظة: يمكن إضافة جملة (مش عاجبك انزل) بجانب أي من العبارات الوادرة بالأسفل توضيحاً للمعنى !
خشوا جوا شوية يا حضرات .. والله العربية فاضية جوا (دي فاضية يا كداب .. دا أنا واقف على رجل واحدة).
كل واحد أجرته في ايده يا حضرات وياريت فكة (أصل الباشا ما بقاش يمد ايده ياخد الاجرة انت اللى ترفع إيدك بالإتاوة وممكن تروحله لحد عنده ويارب يقبلها منك!).
اخلصي يا مدام وانزلي (والست عجوزة وحالتها تصعب على الواحد بس علشان لازم ينجز علشان يلحق يجيب السواق التاني قبل ما يسبقه في الدور).
الكنبة اربعة يا بيه (ما انت لازم تتنزق ويتقطع نفسك علشان خاطر البيه يعمل قرشين كويسين آخر اليوم).
الأجرة موحدة يا بيه (نفسي أعرف مين اللى وحدها .. يعني تركب محطة زي عشرة .. عجبي ).
طيب العربية مش طالعة .. يالا انزلوا يا حضرات (دا لو واحد من الركاب حب يعمل فيها جدع ويحط راسه براس الباشا ).
الاجرة زادت يا حضرات .. البنزين غلى .. (وهو عربيته جاز أصلا ولو جدع ومش خايف على عيالك اعترض !!).
وطي الكاسيت شوية يا اسطى .. الكاسيت بايظ ما بيوطاش يا بيه (!!)