كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة
إن تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا أما بعد:
فهذه المقولة (كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة) على قدر قلة مفرداتها إلا أنها تعنى الكثير المهم .
إن الناظر اليوم إلى حال المسلمين وما آل إليه أمرهم ليتقطع قلبه فرقا على هذا الحال ،هذا الحال لأمة قال عنها رب الأمم والناس(كنتم خير أمة أخرجت للناس... )
أمة سادت الدنيا بأسرها وحكمت الأرض شرقها وغربها على اتساع رقعتها ودروبها.
أمة حملت النور إلى أمم طال ليلها واستبد الظلام والجهل بعقولها .
أمة تنفست بدينها وعبير شرعها أمم طبقت على أنفاسها رزايا الجور وبلايا الانحلال والطغيان.
أمة كان الرجل فيهم بألف رجل ، رجال عرفوا قدر المسؤولية، فهم الذين عرفوا وعقلوا لماذا كنا خير أمة أخرجت للناس فاستكملوا الآية السابقة علما ثم عملا(.....تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ).
فالناظر إلى هذا الحال ممن يحب هذا الدين تكاد تذهب نفسه على ذلك حسرات ،فيسرع مطالبا بتوحيد كلمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها مناديا : أيها المسلمون يا من تربون على المليار عددا أين أنتم ؟ ألم تجمعكم ملة واحدة؟ أليس ربكم واحد ؟ و قرآنكم واحد ؟ ورسولكم واحد؟ ألا ترون إخوانكم المستضعفين في فلسطين وفى الشيشان والعراق وأفغانستان والتركستان .ألم يحن الميعاد للم الشمل والإتحاد؟؟
وينادى الناس جميعهم مطالبين بنبذ الفرقة و الاختلاف وترك القوميات وإلقاء الخلافات المذهبية جانبا وطرح كل ما من شأنه دب الوهن والشتات جانبا ولو على حساب أي شئ غاليا قبل الرخيص.
وهنا تحدث الفاجعة ...
ولا تحدث الفاجعة إلا من قلة العلم فالمتأمل إلى كل مصيبة مرت بأمة الإسلام على مر تاريخها سيجد أن الحياد عن الحق بسبب نقص العلم كان سببا في كل المصائب التي حلت بديار المسلمين.
أقول إن قلة التفقة في الدين عند أصحاب دعاوى التقريب بين كافة الطوائف الإسلامية على اختلاف مذاهبها وأرائها أدى إلى مصيبة كبرى -( ولا أقدح قدحا مطلقا في هؤلاء القوم فهم لم يريدوا إلا الإصلاح ما استطاعوا وفى الكثير منهم من الخير ما لا يعلمه إلا الله).
هذه المصيبة ألا وهى التنازل عما يعتقده البعض فرعيات مع أنها من صميم أصول العقيدة التي قد تقدح في إسلام الفرد نفسه .فقد يضطر الداعي إلى التنازل ولو لحين ولو عن مبدأ صغير من مبادئ عقيدة الولاء والبراء. وذلك من منطلق أن ذلك المبدأ البسيط (وذلك من وجهة نظر الداعي) ليس بالسبب الذي يمنع من تقارب الأفكار .
وأنه يمكن تنحية بعض الأمور جانبا لحين التحاور بشأن النقاط الهامة الأخرى ناسيا أن دين الله واحد لا يتجزأ.
وبعد ذلك التحاور يبدأ الطرفان في ما يدعونه تقاربا. ويدخل فى دين الله من ليس فيه ويدخل في دين الله أيضا ما ليس منه ، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ووالله ثم والله الذي لا إله غيره يكون ذلك وبالا على الدين الحق ، فإن الحق قد يتيه في الباطل ويختفي الطريق القويم وما ذلك إلا لأن من قام بذلك هم ممن حسبوا على المسلمين علماء، فتشرأب الفتن التي تدع الحليم حيرانا ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم.
وهنا أتسائل : أيترك أصحاب البدع والملل المنحرفة معتقداتهم التي درجوا عليها جيلا بعد جيل وحاربوا بها الإسلام وأهله قرونا عديدة وآجالا مديدة وبذلوا في سبيل ذلك الغالي والنفيس والأنفس والمهج والدم والأرض والبلاد لأجل أن يتقاربوا (بمعنى آخر يتنازلوا ) مع من هم ألد أعدائهم (وهم أهل السنة والجماعة) ؟ وبهذه السهولة ؟ .
إن أصحاب المذاهب هؤلاء فعلوا بالمسلمين الأفاعيل :
* ألم يقتل الخوارج (الذين يدعون الإسلام) الخليفة الراشد صهر رسول الله وصاحبه أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يقرأ القرآن؟؟؟
* ألم يتسبب المعتزلة (الذين يدعون الإسلام) في قتل العلماء الأجلاء من أهل لسلف الصالح لما أظهروا فتنة خلق القران ( كمحمد بن يونس من أصحاب أحمد وغيرهم الكثير) وعذبوا إمام أهل السنة الإمام الجليل ( أحمد بن حنبل )رحمه الله تعالى ؟ وأفسدوا العقول والدين وأدخلوا في دين الله ما ليس فيه ؟؟
* ألم يتسبب الصوفية ( الذين يدعون الإسلام ) في خراب عقول المسلمين بما ابتدعوه في دين الله من معتقدات وفلسفات وعبادات ما هي من دين الله، فضلوا وأضلوا؟؟
* أما الشيعة الروافض وما أدراك من الروافض ؟؟
فهم من فعل بالمسلمين الأفاعيل حقا.
هؤلاء هم الذين يعجز القلم عن حصر ما لو حمل على ظهور الدواب من كذب وافتراء وقتل واستباحة للمقدسات واستحلال ما حرم الله وابتداع في الدين وفساد في البلاد -أقول ما لو حمل على ظهور الدواب لناءت بحمله .
إني والله لا أفترى على هؤلاء كذبا ولكني أعلم أنهم هم الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا.
وهم الذين قاتلهم أصحاب رسول الله تعالى ( كالخوارج مثلا )
وهم من قبل ذلك الذين حذرنا منهم حبيبنا المصطفى فقال( إياكم ومحدثات الأمور فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلاله وكل ضلاله وصاحبها فى النار)وهو صلى الله عليه وسلم الذي حذرنا من إتباع أصحاب الطرق وقال أن على جانبي الطريق المستقيم طرق أخرى على كل منها داع يدعوا إليها فمن استجاب له أخذه معه إلى النار .
وأخيرا هم الذين حذرنا منهم ربنا فقال تعالى في سورة الأنعام (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون).واني أود أن اطرح تساؤلا : هب أن دولة ما لديها جنودا مشتتين في أصقاع العلم شرقا وغربا وفى كافة البلاد وكانت تلك البلاد منها الموبوء بالأوبة المعدية ومنها السليم ، ثم طلب من هذه الدولة أن تستجمع قواها وجنودها لخوض حرب مصيرية سيقف عليها مصير تلك الدولة . أمن الحكمة أن تقوم هذه الدولة بجمع كافة جنودها واضعة الصحيح مع السقيم ؟ المريض مع السليم ؟بدون معالجة لأولئك الذين أصيبوا بالوباء كي لا يصيبوا غيرهم فيضيع الجيش بل وتضيع البلاد كلها بسبب التسرع واللاحكمة في القرار.
أمن الحكمة وضع الفاكهة التالفة مع الأخرى الجيدة فى سلة واحدة بحجة أنة تكون الفاكهة كثيرة تعجب الناس؟؟ قطعا ستصيب التالفة السليمة. كما يعدى السقيم الصحيح.
يلزم علينا أولا تصحيح المفاهيم للناس وتعريفهم بدينهم القويم وبعقيدتهم السليمة كي يكونوا لبنات صالحات يبنى بها البنيان بلا عوج أو ميل فهذا يضعف البناء لا يقويه.
ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة ، فلقد مكث رسول الله فى قومه ما يعلمهم إلا عقيدتهم مدة ثلاث عشرة سنة. وما أنزل علي من أركان الإسلام سوي الشهادتين والصلاة ..أما كافة العبادات من فروض وسنن ومستحبات وغير ذلك لم يؤمر بها المسلمون إلا بعد هجرتهم إلى المدينة.
أي أن المدة المستغرقة في تعليم الناس أسس عقيدتهم و توحيدهم لله توحيدا سليما كانت أكبر من المدة التي تعلم فيها الناس كافة العبادات والمعاملات من فروض وسنن وغيرها ،وما ذلك إلا لما في العقيدة السليمة من أهمية لا تقاربها أهمية لصلاح دين الله وإقامته كما يحب ربنا ويرضى.
ولهذا فإنه من صميم الحكمة أن نخلص العبادة لله وحده وأن نتابع رسول الله على ما كان عليه ثم نجتمع على ذلك - وليس على أي شيء سواه – وندعوا غيرنا إلى ما كان عليه هدى النبي وسلفه الصالح وألا نقبل أبدا إلا من كان مسلما حقا على نهج النبي وليس غيره ونلقى من سوى ذلك من المبتدعين فى دين الله في مهملات التاريخ فالله سبحانه تعالى سيكون حسبنا عليهم وهو نعم الوكيل .
عندئذ فقط سيمكن لنا في الأرض وترجع أمه الإسلام إلى ما كانت عليه وتقر بذلك العيون وتسكن بذلك القلوب ويشف الله صدور قوم مؤمنين. فهي سنة الله في كونه ولن تتبدل أو تتغير.
وصدق إذن من قال ( كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة )
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
و رب العالمين