«سعيت دوما نحو المعرفة والحقيقة، وآمنت بأنى لكى أتقرب إلى
الله، ليس هناك طريقة أفضل من ذلك من البحث عن المعرفة والحقيقة».. هكذا
عرف العالم المسلم ابن الهيثم طريقه إلى الله وإلى علم سارت على دربه
وخطواته البشرية فتوصلت لاكتشافات مهمة فى علوم الهندسة والفيزياء وعلم
الفلك والطب.
ولد أبوعلى بن الحسن بن الهيثم فى البصرة بالعراق سنة 965م، فى العصر
الذهبى للإسلام، وعرف بألقاب عديدة منها «البصرى»، و«الفيزيائى»، و«بطليموس
الثانى»، وارتحل إلى مصر، وعاش بها حتى فارق الحياة فى عام 1040م.
تركزت أبحاث ابن الهيثم فى علم البصريات على دراسة النظم البصرية، كما
أثبت أن النسبة بين زاوية السقوط وزاوية الانكسار ليست متساوية، مما أوضح
أن الضوء ينكسر عن تغير الوسط، مما أدى لمعرفة أن الكون حولنا ملىء
بالغازات.
وأثبت أن عملية الرؤية تتم من خلال انعكاس الضوء على العين وليس انعكاس
الضوء من العين على الأشياء، وتوصل إلى اختراع الكاميرا والتى كانت عبارة
عن صندوق كبير به فتحة صغيرة تدخل إليها الصورة، وتتثبت معكوسة على
الجدران، والتى اشتقّ الغرب اسمها من الكلمة العربية «قُمرة» ثم أصبحت
«كاميرا».
عميد كلية علوم القاهرة السابق، الدكتور أحمد جلال يقول «إن ابن الهيثم
من أبرز علماء العرب وله اكتشافات عظيمة فى البصريات، حيث اكتشف أن انكسار
الضوء يكون نتيجة لتغير الوسط الذى يسير فيه الضوء، وظهر على إثره بعض
النظريات الحديثة مثل نظرية الشرود الضوئى الذى يتم من خلال المنشور».
وأضاف جلال «اكتشافات بن الهيثم كانت الأساس الذى اعتمد عليه معظم علماء
أوروبا فى بناء حضارتهم»، مشيرا إلى أن «العالم المصرى أحمد زويل الحاصل
على جائزة نوبل فى الكيمياء استفاد من أبحاثه حيث سلط أشعة الليزر على
التفاعلات الكيميائية فى الجزيئات، وصورها بكاميرات دقيقة تمكنت من التقاط
ما يحدث فى جزء من مليون مليار جزء من الثانية».
كما أن الدكتور مصطفى السيد اعتمد عليه فى أبحاثه حينما استخدم الضوء
لعلاج السرطان من خلال تسليط شعاع من الضوء على جزيئات الذهب وتسخينها، مما
يؤدى إلى قتل الخلية السرطانية، نظراً لأن الذهب سيمتص أشعة الضوء».
وعرف عن ابن الهيثم حبه لمصر، حتى إنه قال فيها «لو كنت بمصر لعملت
بنيلها عملا يحصل النفع فى كل حالة من حالاته من زيادة ونقصان»، فوصل قوله
هذا إلى الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله، الذى دعاه إلى مصر لتنظيم
فيضانات النيل، وأمده بما يريد للقيام بهذا المشروع، وهى المهمة التى تطلبت
حينئذ بناء سد فى الموقع الحالى لسد أسوان، وبعد أن تفقّد الموقع أدرك عدم
جدوى هذا المشروع لضعف الإمكانات المتاحة فى ذاك الوقت، وخوفا من غضب
الخليفة، ادعى الجنون، فاحتجز بمنزله من عام 401 هـ/1011م حتى وفاة الحاكم
فى عام 411 هـ/1021م .
ابن الهيثم له أكثر من 200 كتاب ومن أشهر كتبه « المناظر» ذى السبعة
مجلدات، ويحتوى على نظريات مبتكرة فى علم الضوء والمبصرات، خالف فيه الكثير
من النظريات السائدة فى زمانه، وقد اثبت العلم الحديث صحة ما توصل إليه
هذا العالم، وأصبح مرجعا للكثير من علماء هذا العصر.
كما أن له مؤلفات عدة مهمة مثل كتب «ميزان الحكمة وتحليل المسائل
الهندسية» و«ارتفاعات الكواكب ورسالة فى الضوء»، كما كتب مخطوطة حول العثور
على اتجاه القبلة بالحساب غير أن أكثر هذه الكتب قد فُقدت فيما فقد من
تراثنا العلمى، وما بقى منها فقد ضمته مكتبات اسطنبول ولندن وغيرهما.