هذه هي الفترة الخطيرة التي شكلت أهم وأبرز تحولات نشاط الإخوان السياسي والتي تفسر ما حدث في الساحة السياسية وما يحدث حتي الآن بعد أن أصبحت الجماعة اللاعب السياسي الرئيسي وأصبح لها حزب سياسي علني هو الحرية والعدالة.. وتفسر أيضا جذور الانقسامات التي تعرضت لها الجماعة رغم أنها لم تؤثر في قوتها باعتبارها ظاهرة قديمة اعتادت عليها".. هكذا يصف الكاتب حسنين كروم الفترة من عام 1971 وحتي 1987 في كتابه الجديد "التحركات السياسية للإخوان المسلمين.. 1971- 1987" الصادر عن دار المركز العربي الدولي للاعلام والذي يرصد فيه التحركات السياسية للإخوان خلال هذه الفترة باعتبارها شهدت المعطيات التي اوجدت النتائج التي تشهدها الساحة السياسية الآن بعد أن أصبحت الجماعة اللاعب الرئيسي علي المسرح السياسي.
وإذا كان حسنين كروم قد اعتمد في كتابه علي سرد شهادات عدد من الشخصيات التي ارتبطت بالإخوان بشكل مباشر دون تدخل منه فأن أهم وأخطر هذه الشهادات شهادة القيادي الإخواني المرحوم صالح أبو رقيق لأنها احتوت علي أسرار عديدة وهامة خاصة أن أبو رقيق كان أول شخص تولي مهمة الاتصال بين جماعة الإخوان وبين الرئيس السابق مبارك عن طريق مدير المخابرات العامة وقتها اللواء فؤاد نصار وتدخل قائد الجيش المشير عبد الحليم أبو غزالة بهدف السماح للإخوان بالعمل السياسي وتأسيس حزب.. واشتراط مبارك حصول الإخوان علي موافقة أمريكا وهذا ما حدث بالفعل حيث حدثت اتصالات بين الإخوان وبين المخابرات الأمريكية عن طريق وسيط إلا إنها رفضت إخراج الإخوان من قائمة المنظمات الإرهابية.
فؤاد نصار
يرصد الكاتب شهادة صالح أبو رقيق الذي تولي مسئولية الاتصال بنظام مبارك موضحا أنه بعد مقتل السادات عام 1981 حدثت تطورات مهمة فبعد أن عين فؤاد نصار مديرا للمخابرات العامة وكان محافظا لمرسي مطروح قبل ذلك - حيث تعيش قبائل أولاد علي والذي كان صالح أبو رقيق منهم - وكان الناس يمتدحون نصار لذا فكر صالح في الاتصال بهم علي أساس أن نصار بحكم منصبه الجديد في المخابرات تصله معلومات عن الإخوان من طرف واحد ووجد انه يجب أن يسمع له مباشرة فاتجه أبو رقيق إلي عرض الأمر علي صديق مشترك توسط لدي فؤاد نصار لمقابلته فقبل نصار أن يقابله في مكتبه بالمخابرات العامة وامتدت الجلسة الأولي ثلاث ساعات ونصف، شرح أبو رقيق فيها قضية الإخوان كلها وكان فؤاد نصار يسمع بانتباه.
ويقول أبو رقيق في شهادته: بعد ذلك قابلت فؤاد نصار مرة أخري وقال لي "ما تريدون إيصاله للرئيس اكتبوه" فكتبت مذكرة جاء فيها "كنا وما زلنا ننتظر من الرئيس محمد حسني مبارك وقد ولاه الله وليا لأمرنا وأصبح مسئولا أمام الله عن الكبير والصغير فينا وقد قال بأنه متدين غير متطرف بمعني انه يتقي الله ويخشاه كما قال إنه يكره الظلم بمعني أنه لا يقبله علي نفسه ويكره أن يقع علي احد من رعيته أن يسارع مشكورا وعند الله محمودا في رفع ما وقع علينا جماعة وأفرادا من الظلم الغاشم البين لا أن يغض الطرف عنا ويترك جهاز الأمن يداعبنا".
وجاء في المذكرة أيضا "لم يكن مخطط الإخوان والقائمين عليهم التطلع إلي الحكم أو السعي إليه وهم علي استعداد لتقديم الضمانات علي ذلك.. وإنما كان وما يزال هدفهم تربية المجتمع تربية صحيحة من واقع الكتاب والسنة ومناصحة الحكام بالحكمة والموعظة الحسنة ومساندتهم في كل ما هو وطني فيما يرضي الله ولا يغضبه والأحداث من يوم خروجهم من السجون في عام 1971 إلي الآن تثبت بعدهم التام عن العنف بل كانوا وما زالوا عامل تهدئة للمتطرفين في حدود إمكانياتهم المتاحة".
وأضاف أبو رقيق "المفروض أن الإخوان المسلمين كأفراد في المجتمع يتحمل كل واحد منهم كفرد مسئوليته وحده طالما أن الدولة لم تسمح لهم حتي الآن بكيان شرعي علي أي صورة.. وأمام المخاطر التي تواجه البلد في الداخل والخارج وما وقع علي الإخوان من مظالم فادحة وصارخة نأمل أن تراجع الدولة موقفها من قرار الحل الذي بني علي باطل ومظالم وإيجاد صورة شرعية للجماعة تمكنهم من معالجة الأفكار الهدامة والمتطرفة وأزمة الأخلاق التي هي المنبع الحقيقي لكل ما نعانيه من أزمات".
وأضاف القيادي الإخواني عارضا مطالب الجماعة في المذكرة "نريد بكل الإخلاص والصدق أن تتاح لنا فرصة كجماعة للتعاون المجدي مع القائمين علي الحكم فيما يرضي الله ويعود بالخير علي ديننا ووطننا رئاسة وشعبا.. ودعونا نتكلم بصراحة أن الذي أصبحنا علي يقين منه هو أن رياح السموم التي تهب علينا بين الحين والآخر وخضع لها الحكام في العهود الغابرة تأتينا من قبل أعداء الإسلام الثالوث اللعين الصليبية والشيوعية والصهيونية.. والسؤال الهام الذي لم يرد علي خاطر أولئك الحكام هو: ما الذي يزعج هؤلاء وهم أعداء لنا في حركة الإخوان المسلمين.. وقضيتهم من تصحيح شئوننا الداخلية؟ والإجابة بديهية.. هي أنهم يعلمون أكثر من هؤلاء الحكام مدي صدق حركة الإخوان في إيجاد المواطن القوي المحصن ضد إغواءاتهم وعلي إيقاظ أمة الإسلام التي عاشوا علي تحطيمها وتمزيقها".
ويري أبو رقيق في المذكرة أن "الحل هنا في غاية البساطة وهو انه ما دام الحاكم مسلما فما عليه إلا أن يؤصل نفسه ليمسك بزمام الحركة الإسلامية وسينتقل ولاء العاملين فيها من قيادتها إلي رئيس الدولة والولاء هنا صادق لأنه تعبدي رضوخا لقوله تعالي "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" .. أما علاج هذا التيار الإسلامي القوي بالكبت والمصادرة والقمع بالسجون والمعتقلات والتعذيب فقد ثبت فشل مثل هذا النوع من العلاج وتضاعف خطره وتفاقم أمره إلي الحد البشع الذي رأيناه في المنصة وفي أسيوط".
ويضيف أبو رقيق: بعد كتابتي للمذكرة سلمتها للواء فؤاد نصار بتاريخ 25 أغسطس 1982 ليوصلها بدوره الي مبارك وقال لي "إننا سنشكل لجنة بخصوص قضيتكم".. وبالفعل شكلت اللجنة عام 1982 من الدكتور فؤاد محيي الدين رئيس الوزراء واللواء حسن ابو باشا وزير الداخلية واللواء فؤاد نصار مدير المخابرات العامة.. وقالت اللجنة لمبارك إن الإخوان المسلمين يريدون حزبا بينما نحن لم نطلب حزبا فقال لهم مبارك "مش كفاية الأحزاب الموجودة".
ويشير صالح ابو رقيق في شهادته التي تضمنها الكتاب أن فؤاد نصار قال له في مقابلة معه "ترجعوا من غير اسم" فرد عليه "كيف هذا والاسم سجل بالدم وبالمعتقلات والسجون والمشانق وأصبح اسما دوليا يطلق علي جميع التنظيمات الإخوانية في الخارج".. فقال له نصار "إنكم مقيدون في الغرب تحت قائمة الإرهاب ومن الخطر عليكم أن تأتوا بهذا الاسم "فرد أبو رقيق "هذه حقيقة ولكنها تحتاج الي تفنيد".
صفحة بيضاء
ويشير أبو رقيق إلي انه تقابل بعد ذلك مع المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع بناء علي طلبه عام 1982 وكان اللقاء طيبا حيث عرض قضيته وقال له أبو غزالة "سأنقل كلامك هذا إلي الرئيس بأمانة.. ولكن يجب أن تقابلوه "فقال له صالح "الرئيس قابل كل الناس إلا نحن ولا أدري لماذا؟".. فرد عليه أبو غزالة "برضه لازم تقابلوه".. وبعد ذلك - الكلام لأبو رقيق - رد المشير بواسطة احد أقاربه بأنه نقل الكلام للرئيس وأنه سيقابلهم قريبا وقريبا هذا امتد إلي الآن - أي إلي وقت كتابة شهادة أبو رقيق.
ويقول أبو رقيق.. لما وجدت أن اتصالي بمدير المخابرات سيغضب وزارة الداخلية طلبت مقابلة فؤاد علام الذي كان مسئولا عن نشاط الإخوان ودار بيننا حديث طويل وطلبت منه مقابلة اللواء حسن أبو باشا وزير الداخلية وبعد دقيقتين حدد لي موعدا وذهبت معه إلي مكتب الوزير وقابلني بترحاب وقلت له "سيادة الرئيس - أي مبارك - عفاه الله من مثالب السابقين.. وصفحتنا معه بيضاء وصفحته معنا بيضاء كذلك فنريد أن تظل هذه الصفحة بيضاء ناصعة".. وتناقشنا لمدة ساعتين وفي نهاية اللقاء قال لي "لا أستطيع أن أعدك بشيء" فقلت "وأنا لا أطلب منك شيئا ولكن لي رجاء واحد وهو أن سيادتك والسيد فؤاد علام تساعدانا".. ففهم الوزير ما أرمي اليه - والكلام لأبو رقيق - وتبسم ضاحكا وأصبح الجو هادئا وتحسنت معاملتهم لنا وتركونا في نشاطنا الهادئ إلي الآن - أي وقت كتابة شهادة أبورقيق.
المخابرات الأمريكية
وفي هذا الجانب تحديدا يستعين حسنين كروم بشهادة الدكتور محمود جامع الذي قال: كنت علي صلة قديمة مع صالح أبو رقيق وفي كثير من الأحيان وهو في طريقه إلي بلدته البحيرة كان يزورني في طنطا وكان المشير أبو غزالة يحبه كثيرا مشيرا إلي أن أبو غزالة كان أثناء المرحلة الثانوية عضوا في جماعة الإخوان المسلمين.. وأضاف جامع: كان أبو رقيق يشكو لي أيضا من الإخوان ومن المرشد العام عمر التلمساني لوجود حساسية شديدة بينهما.
وفي احد الأيام - كما يروي جامع - قال لي صالح أبو رقيق إنه كان مع أبو غزالة وقال له إن هناك أحزابا ستنشأ ولابد للإخوان أن يرجعوا وإنه سيتكلم مع الرئيس مبارك في ذلك الوقت.. فقلت لصالح: حسني مبارك لن يوافق لأنني اعرف شعوره نحو الإخوان منذ كان نائبا للسادات.. والإخوان في هذا الوقت كانوا يعدون فعلا لإنشاء حزب وصاغوا بالفعل برنامجه.
ويستكمل جامع: أخذني صالح معه إلي منزل أبوغزالة في حي مصر الجديدة بالقاهرة وعزمنا الرجل علي الغداء وكان إنسانا متواضعا وودودا ومثقفا ولا تملك إلا أن تحبه بسرعة وقال لصالح: تكلمت مع الرئيس بشأن السماح لكم بإنشاء حزب فقال لي: "هذا الأمر سيخلق لنا مشكلة مع الأمريكان خليهم يتصلوا بيهم ويجسوا نبضهم".. وصمت أبو غزالة ثم قال لصالح: "ما تخلي محمود جامع يتصل بالأمريكان ويجس نبضهم".. وقال لي صالح: "ما تحاول لصالح الجماعة".. فوافقت - والكلام لجامع - علي أساس أن لي صديقا مصريا يتنقل بين مصر وأمريكا والدول الأوروبية وله اتصالات مع أجهزة المخابرات الأمريكية والأوروبية وكان من الإخوان المسلمين عندما كان طالبا.
ويواصل جامع: بالفعل اتصلت بصديقي وعرضت عليه الأمر فقال لي موافق علي شرط أن يتصل أولا بالمخابرات المصرية ويخبرهم بالأمر ويأخذ الموافقة علي العملية.. وعاد صديقي بعد فترة وأخبرني أنه اتصل بالأمريكان ورفضوا و"المسألة مقفولة".. وبعدها أبلغت صالح أبو رقيق بالنتيجة كما أبلغت بها أيضا المرشد العام عمر التلمساني والمشير أبو غزالة.
ويستكمل صالح ابو رقيق شهادته قائلا " في هذه المرحلة اتخذ عمر التلمساني في كتاباته الخط المعتدل مما جعل الرئيس والحكومة مرتاحين وتركانا ننشط دون أن يكون لنا كيان قانوني".. وفي عام 1984 بدأت الاستعدادات لانتخابات مجلس الشعب ولم يكن هناك كيان قانوني نخوض تحته الانتخابات ونبلغ رأينا للشعب عن طريق المجلس.. وفي ذلك الوقت عرض علينا إبراهيم شكري رئيس حزب العمل أن ندخل المعركة الانتخابية علي قوائم حزب العمل ولكنه كان قد سافر إلي سوريا وقابل حافظ الأسد الذي هدم مدينة حماة علي سكانها ونكل بالإخوان تنكيلا لم يحدث من قبل فرفض الإخوان عرضه وفضلنا أن ندخل علي قوائم حزب الوفد الذي كان قد عرض علينا أن نترشح علي قوائمه.
ويواصل صالح سرد شهادته قائلا: في هذا الإطار حضرت المقابلة التي تمت بين فؤاد سراج الدين رئيس حزب الوفد وبين عمر التلمساني الذي قال لهم "إننا سندخل معكم الانتخابات متعاونين لا مندمجين ونحن نحاول أن يكون لنا كيان قانوني فإذا حصلنا عليه سننطوي تحته" وقلت لسراج الدين "نريد أن ننسق ونختار المرشحين الذين لهم ثقل في دوائرهم".. وبالفعل تكونت لجنة من فريد عبد الخالق ومحمد شمس الشناوي وحسني عبد الباقي ودخلوا في مفاوضات شاقة لتنسيق الترشيح في القوائم فضغط الوفد حتي لا يكون للإخوان أكثر من 19 دائرة وكانت النتيجة طيبة بفضل جهود الإخوان الذين حصلوا علي 58 مقعدا ونشطوا في مجلس الشعب ولكن حزب الوفد غطي علي هذا النشاط باعتبارهم أعضاء في الهيئة البرلمانية الوفدية.
ويضيف أبو رقيق: بعد الانتخابات تحرك أحمد الصباحي رئيس حزب الأمة واتصل بنا عن طريق وسيط لنستأنف الحديث حول موضوع انضمامنا للحزب.. وكانت قد تمت محاولة سابقة قبل أن نترشح علي قوائم الوفد ولكنها لم تنجح وفي الوقت نفسه اتصل بنا الشيخ صلاح أبو إسماعيل للتباحث في موضوع انضمامنا إلي حزب الأحرار.
ويشير صالح إلي أنه تولي هو والمستشار مأمون الهضيبي عملية التفاوض مع أحمد الصباحي في المرة الأولي وفاوضه في المرة الثانية بمفرده وطلب أن تكون اللجنة التنفيذية موزعة كالآتي 19 لحزب الأمة و8 للإخوان وأن يكون هو أمين التنظيم وتكون أمانة المرأة للأمة وهذا كلام غير مقبول لأن اللجنة التنفيذية من سلطاتها العزل والتعيين ومن هنا انقطعت المفاوضات معه.
وبالنسبة لحزب الأحرار - كما ورد في شهادة صالح أبو رقيق - فقد عرض علينا مصطفي كامل مراد رئيس الحزب أن يكون لنا النصف في جميع المراكز القيادية ولهم النصف واجتمع مندوبون عن الإخوان في الأقاليم ورفضت أغلبيتهم الانضمام إلي أي حزب وطالبوا بإنشاء حزب خاص بالإخوان.. وكان رأيي أن ننضم إلي حزب الأمة ونجعل من رخصته مظلة لنشاط الإخوان وحمايتهم لأنه حزب لا عضوية فيه وليس لهم فروع في اي محافظة وهذا يمكننا من تشكيل الفروع ولكن رأي الأغلبية كان رفض الانضمام إلي الأحرار أو الأمة.
وإذا كان حسنين كروم قد اعتمد في كتابه علي سرد شهادات عدد من الشخصيات التي ارتبطت بالإخوان بشكل مباشر دون تدخل منه فأن أهم وأخطر هذه الشهادات شهادة القيادي الإخواني المرحوم صالح أبو رقيق لأنها احتوت علي أسرار عديدة وهامة خاصة أن أبو رقيق كان أول شخص تولي مهمة الاتصال بين جماعة الإخوان وبين الرئيس السابق مبارك عن طريق مدير المخابرات العامة وقتها اللواء فؤاد نصار وتدخل قائد الجيش المشير عبد الحليم أبو غزالة بهدف السماح للإخوان بالعمل السياسي وتأسيس حزب.. واشتراط مبارك حصول الإخوان علي موافقة أمريكا وهذا ما حدث بالفعل حيث حدثت اتصالات بين الإخوان وبين المخابرات الأمريكية عن طريق وسيط إلا إنها رفضت إخراج الإخوان من قائمة المنظمات الإرهابية.
فؤاد نصار
يرصد الكاتب شهادة صالح أبو رقيق الذي تولي مسئولية الاتصال بنظام مبارك موضحا أنه بعد مقتل السادات عام 1981 حدثت تطورات مهمة فبعد أن عين فؤاد نصار مديرا للمخابرات العامة وكان محافظا لمرسي مطروح قبل ذلك - حيث تعيش قبائل أولاد علي والذي كان صالح أبو رقيق منهم - وكان الناس يمتدحون نصار لذا فكر صالح في الاتصال بهم علي أساس أن نصار بحكم منصبه الجديد في المخابرات تصله معلومات عن الإخوان من طرف واحد ووجد انه يجب أن يسمع له مباشرة فاتجه أبو رقيق إلي عرض الأمر علي صديق مشترك توسط لدي فؤاد نصار لمقابلته فقبل نصار أن يقابله في مكتبه بالمخابرات العامة وامتدت الجلسة الأولي ثلاث ساعات ونصف، شرح أبو رقيق فيها قضية الإخوان كلها وكان فؤاد نصار يسمع بانتباه.
ويقول أبو رقيق في شهادته: بعد ذلك قابلت فؤاد نصار مرة أخري وقال لي "ما تريدون إيصاله للرئيس اكتبوه" فكتبت مذكرة جاء فيها "كنا وما زلنا ننتظر من الرئيس محمد حسني مبارك وقد ولاه الله وليا لأمرنا وأصبح مسئولا أمام الله عن الكبير والصغير فينا وقد قال بأنه متدين غير متطرف بمعني انه يتقي الله ويخشاه كما قال إنه يكره الظلم بمعني أنه لا يقبله علي نفسه ويكره أن يقع علي احد من رعيته أن يسارع مشكورا وعند الله محمودا في رفع ما وقع علينا جماعة وأفرادا من الظلم الغاشم البين لا أن يغض الطرف عنا ويترك جهاز الأمن يداعبنا".
وجاء في المذكرة أيضا "لم يكن مخطط الإخوان والقائمين عليهم التطلع إلي الحكم أو السعي إليه وهم علي استعداد لتقديم الضمانات علي ذلك.. وإنما كان وما يزال هدفهم تربية المجتمع تربية صحيحة من واقع الكتاب والسنة ومناصحة الحكام بالحكمة والموعظة الحسنة ومساندتهم في كل ما هو وطني فيما يرضي الله ولا يغضبه والأحداث من يوم خروجهم من السجون في عام 1971 إلي الآن تثبت بعدهم التام عن العنف بل كانوا وما زالوا عامل تهدئة للمتطرفين في حدود إمكانياتهم المتاحة".
وأضاف أبو رقيق "المفروض أن الإخوان المسلمين كأفراد في المجتمع يتحمل كل واحد منهم كفرد مسئوليته وحده طالما أن الدولة لم تسمح لهم حتي الآن بكيان شرعي علي أي صورة.. وأمام المخاطر التي تواجه البلد في الداخل والخارج وما وقع علي الإخوان من مظالم فادحة وصارخة نأمل أن تراجع الدولة موقفها من قرار الحل الذي بني علي باطل ومظالم وإيجاد صورة شرعية للجماعة تمكنهم من معالجة الأفكار الهدامة والمتطرفة وأزمة الأخلاق التي هي المنبع الحقيقي لكل ما نعانيه من أزمات".
وأضاف القيادي الإخواني عارضا مطالب الجماعة في المذكرة "نريد بكل الإخلاص والصدق أن تتاح لنا فرصة كجماعة للتعاون المجدي مع القائمين علي الحكم فيما يرضي الله ويعود بالخير علي ديننا ووطننا رئاسة وشعبا.. ودعونا نتكلم بصراحة أن الذي أصبحنا علي يقين منه هو أن رياح السموم التي تهب علينا بين الحين والآخر وخضع لها الحكام في العهود الغابرة تأتينا من قبل أعداء الإسلام الثالوث اللعين الصليبية والشيوعية والصهيونية.. والسؤال الهام الذي لم يرد علي خاطر أولئك الحكام هو: ما الذي يزعج هؤلاء وهم أعداء لنا في حركة الإخوان المسلمين.. وقضيتهم من تصحيح شئوننا الداخلية؟ والإجابة بديهية.. هي أنهم يعلمون أكثر من هؤلاء الحكام مدي صدق حركة الإخوان في إيجاد المواطن القوي المحصن ضد إغواءاتهم وعلي إيقاظ أمة الإسلام التي عاشوا علي تحطيمها وتمزيقها".
ويري أبو رقيق في المذكرة أن "الحل هنا في غاية البساطة وهو انه ما دام الحاكم مسلما فما عليه إلا أن يؤصل نفسه ليمسك بزمام الحركة الإسلامية وسينتقل ولاء العاملين فيها من قيادتها إلي رئيس الدولة والولاء هنا صادق لأنه تعبدي رضوخا لقوله تعالي "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" .. أما علاج هذا التيار الإسلامي القوي بالكبت والمصادرة والقمع بالسجون والمعتقلات والتعذيب فقد ثبت فشل مثل هذا النوع من العلاج وتضاعف خطره وتفاقم أمره إلي الحد البشع الذي رأيناه في المنصة وفي أسيوط".
ويضيف أبو رقيق: بعد كتابتي للمذكرة سلمتها للواء فؤاد نصار بتاريخ 25 أغسطس 1982 ليوصلها بدوره الي مبارك وقال لي "إننا سنشكل لجنة بخصوص قضيتكم".. وبالفعل شكلت اللجنة عام 1982 من الدكتور فؤاد محيي الدين رئيس الوزراء واللواء حسن ابو باشا وزير الداخلية واللواء فؤاد نصار مدير المخابرات العامة.. وقالت اللجنة لمبارك إن الإخوان المسلمين يريدون حزبا بينما نحن لم نطلب حزبا فقال لهم مبارك "مش كفاية الأحزاب الموجودة".
ويشير صالح ابو رقيق في شهادته التي تضمنها الكتاب أن فؤاد نصار قال له في مقابلة معه "ترجعوا من غير اسم" فرد عليه "كيف هذا والاسم سجل بالدم وبالمعتقلات والسجون والمشانق وأصبح اسما دوليا يطلق علي جميع التنظيمات الإخوانية في الخارج".. فقال له نصار "إنكم مقيدون في الغرب تحت قائمة الإرهاب ومن الخطر عليكم أن تأتوا بهذا الاسم "فرد أبو رقيق "هذه حقيقة ولكنها تحتاج الي تفنيد".
صفحة بيضاء
ويشير أبو رقيق إلي انه تقابل بعد ذلك مع المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع بناء علي طلبه عام 1982 وكان اللقاء طيبا حيث عرض قضيته وقال له أبو غزالة "سأنقل كلامك هذا إلي الرئيس بأمانة.. ولكن يجب أن تقابلوه "فقال له صالح "الرئيس قابل كل الناس إلا نحن ولا أدري لماذا؟".. فرد عليه أبو غزالة "برضه لازم تقابلوه".. وبعد ذلك - الكلام لأبو رقيق - رد المشير بواسطة احد أقاربه بأنه نقل الكلام للرئيس وأنه سيقابلهم قريبا وقريبا هذا امتد إلي الآن - أي إلي وقت كتابة شهادة أبو رقيق.
ويقول أبو رقيق.. لما وجدت أن اتصالي بمدير المخابرات سيغضب وزارة الداخلية طلبت مقابلة فؤاد علام الذي كان مسئولا عن نشاط الإخوان ودار بيننا حديث طويل وطلبت منه مقابلة اللواء حسن أبو باشا وزير الداخلية وبعد دقيقتين حدد لي موعدا وذهبت معه إلي مكتب الوزير وقابلني بترحاب وقلت له "سيادة الرئيس - أي مبارك - عفاه الله من مثالب السابقين.. وصفحتنا معه بيضاء وصفحته معنا بيضاء كذلك فنريد أن تظل هذه الصفحة بيضاء ناصعة".. وتناقشنا لمدة ساعتين وفي نهاية اللقاء قال لي "لا أستطيع أن أعدك بشيء" فقلت "وأنا لا أطلب منك شيئا ولكن لي رجاء واحد وهو أن سيادتك والسيد فؤاد علام تساعدانا".. ففهم الوزير ما أرمي اليه - والكلام لأبو رقيق - وتبسم ضاحكا وأصبح الجو هادئا وتحسنت معاملتهم لنا وتركونا في نشاطنا الهادئ إلي الآن - أي وقت كتابة شهادة أبورقيق.
المخابرات الأمريكية
وفي هذا الجانب تحديدا يستعين حسنين كروم بشهادة الدكتور محمود جامع الذي قال: كنت علي صلة قديمة مع صالح أبو رقيق وفي كثير من الأحيان وهو في طريقه إلي بلدته البحيرة كان يزورني في طنطا وكان المشير أبو غزالة يحبه كثيرا مشيرا إلي أن أبو غزالة كان أثناء المرحلة الثانوية عضوا في جماعة الإخوان المسلمين.. وأضاف جامع: كان أبو رقيق يشكو لي أيضا من الإخوان ومن المرشد العام عمر التلمساني لوجود حساسية شديدة بينهما.
وفي احد الأيام - كما يروي جامع - قال لي صالح أبو رقيق إنه كان مع أبو غزالة وقال له إن هناك أحزابا ستنشأ ولابد للإخوان أن يرجعوا وإنه سيتكلم مع الرئيس مبارك في ذلك الوقت.. فقلت لصالح: حسني مبارك لن يوافق لأنني اعرف شعوره نحو الإخوان منذ كان نائبا للسادات.. والإخوان في هذا الوقت كانوا يعدون فعلا لإنشاء حزب وصاغوا بالفعل برنامجه.
ويستكمل جامع: أخذني صالح معه إلي منزل أبوغزالة في حي مصر الجديدة بالقاهرة وعزمنا الرجل علي الغداء وكان إنسانا متواضعا وودودا ومثقفا ولا تملك إلا أن تحبه بسرعة وقال لصالح: تكلمت مع الرئيس بشأن السماح لكم بإنشاء حزب فقال لي: "هذا الأمر سيخلق لنا مشكلة مع الأمريكان خليهم يتصلوا بيهم ويجسوا نبضهم".. وصمت أبو غزالة ثم قال لصالح: "ما تخلي محمود جامع يتصل بالأمريكان ويجس نبضهم".. وقال لي صالح: "ما تحاول لصالح الجماعة".. فوافقت - والكلام لجامع - علي أساس أن لي صديقا مصريا يتنقل بين مصر وأمريكا والدول الأوروبية وله اتصالات مع أجهزة المخابرات الأمريكية والأوروبية وكان من الإخوان المسلمين عندما كان طالبا.
ويواصل جامع: بالفعل اتصلت بصديقي وعرضت عليه الأمر فقال لي موافق علي شرط أن يتصل أولا بالمخابرات المصرية ويخبرهم بالأمر ويأخذ الموافقة علي العملية.. وعاد صديقي بعد فترة وأخبرني أنه اتصل بالأمريكان ورفضوا و"المسألة مقفولة".. وبعدها أبلغت صالح أبو رقيق بالنتيجة كما أبلغت بها أيضا المرشد العام عمر التلمساني والمشير أبو غزالة.
ويستكمل صالح ابو رقيق شهادته قائلا " في هذه المرحلة اتخذ عمر التلمساني في كتاباته الخط المعتدل مما جعل الرئيس والحكومة مرتاحين وتركانا ننشط دون أن يكون لنا كيان قانوني".. وفي عام 1984 بدأت الاستعدادات لانتخابات مجلس الشعب ولم يكن هناك كيان قانوني نخوض تحته الانتخابات ونبلغ رأينا للشعب عن طريق المجلس.. وفي ذلك الوقت عرض علينا إبراهيم شكري رئيس حزب العمل أن ندخل المعركة الانتخابية علي قوائم حزب العمل ولكنه كان قد سافر إلي سوريا وقابل حافظ الأسد الذي هدم مدينة حماة علي سكانها ونكل بالإخوان تنكيلا لم يحدث من قبل فرفض الإخوان عرضه وفضلنا أن ندخل علي قوائم حزب الوفد الذي كان قد عرض علينا أن نترشح علي قوائمه.
ويواصل صالح سرد شهادته قائلا: في هذا الإطار حضرت المقابلة التي تمت بين فؤاد سراج الدين رئيس حزب الوفد وبين عمر التلمساني الذي قال لهم "إننا سندخل معكم الانتخابات متعاونين لا مندمجين ونحن نحاول أن يكون لنا كيان قانوني فإذا حصلنا عليه سننطوي تحته" وقلت لسراج الدين "نريد أن ننسق ونختار المرشحين الذين لهم ثقل في دوائرهم".. وبالفعل تكونت لجنة من فريد عبد الخالق ومحمد شمس الشناوي وحسني عبد الباقي ودخلوا في مفاوضات شاقة لتنسيق الترشيح في القوائم فضغط الوفد حتي لا يكون للإخوان أكثر من 19 دائرة وكانت النتيجة طيبة بفضل جهود الإخوان الذين حصلوا علي 58 مقعدا ونشطوا في مجلس الشعب ولكن حزب الوفد غطي علي هذا النشاط باعتبارهم أعضاء في الهيئة البرلمانية الوفدية.
ويضيف أبو رقيق: بعد الانتخابات تحرك أحمد الصباحي رئيس حزب الأمة واتصل بنا عن طريق وسيط لنستأنف الحديث حول موضوع انضمامنا للحزب.. وكانت قد تمت محاولة سابقة قبل أن نترشح علي قوائم الوفد ولكنها لم تنجح وفي الوقت نفسه اتصل بنا الشيخ صلاح أبو إسماعيل للتباحث في موضوع انضمامنا إلي حزب الأحرار.
ويشير صالح إلي أنه تولي هو والمستشار مأمون الهضيبي عملية التفاوض مع أحمد الصباحي في المرة الأولي وفاوضه في المرة الثانية بمفرده وطلب أن تكون اللجنة التنفيذية موزعة كالآتي 19 لحزب الأمة و8 للإخوان وأن يكون هو أمين التنظيم وتكون أمانة المرأة للأمة وهذا كلام غير مقبول لأن اللجنة التنفيذية من سلطاتها العزل والتعيين ومن هنا انقطعت المفاوضات معه.
وبالنسبة لحزب الأحرار - كما ورد في شهادة صالح أبو رقيق - فقد عرض علينا مصطفي كامل مراد رئيس الحزب أن يكون لنا النصف في جميع المراكز القيادية ولهم النصف واجتمع مندوبون عن الإخوان في الأقاليم ورفضت أغلبيتهم الانضمام إلي أي حزب وطالبوا بإنشاء حزب خاص بالإخوان.. وكان رأيي أن ننضم إلي حزب الأمة ونجعل من رخصته مظلة لنشاط الإخوان وحمايتهم لأنه حزب لا عضوية فيه وليس لهم فروع في اي محافظة وهذا يمكننا من تشكيل الفروع ولكن رأي الأغلبية كان رفض الانضمام إلي الأحرار أو الأمة.