قال الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل إن الرئيس المصري السابق حسنى مبارك رد
على هيئة المحكمة من داخل قفص الاتهام، كأنه متهم بالاختلاس، وإنه كان
بإمكانه عندما أمسك بالميكروفون داخل القفص أن يقول كلمة مشرفة للتاريخ،
ومن خلالها يعتذر .. يشرح.. يسجل.. ينطق بكلمة يحترم بها نفسه.
وفى
الحوار الموسع الذي نشرته جريدة الأهرام اليوم الجمعة، تحدث هيكل عن بداية
عهد الرئيس السابق حسنى مبارك قائلاً: "إن واحدا من أول قراراته كان
الإفراج عن المعتقلين، ولقاء جماعة منهم حين خروجهم، ولقاء بعضهم فرادي معه
بعد ذلك، وكنت واحدا ممن انتقاهم وجلست معه بمفردنا يوم السبت الثاني من
ديسمبر 1981 لمدة ست ساعات متواصلة، وقد تحدثت معه بقلب مفتوح في كل ما
سألني عنه، وكان الرجل للأمانة راغبا في صلة بيننا، وكان بين عروضه تساؤل:
إذا كنت لا تريد أن تعود للصحافة المصرية، فلماذا لا تجيء للعمل في الحزب
الوطني؟! وأدهشني كلامه".
وأضاف: "ظللت بعدها علي اتصال ودي متقطع
بمبارك، وأغلبه علي التليفون، أو عن طريق أسامة الباز الذي كان ضمن هيئة
مكتبي لزمن طويل، ثم أصبح مدير مكتب الرئيس حسني مبارك ومستشاره فيما بعد".
واستكمل
الكاتب الكبير ذكرياته مع مبارك قائلاً: إنه بعد مرور عام كامل أي في
سبتمبر 1982 طلب مني رئيس تحرير المصور وقتها وصديقي وزميلي الأستاذ مكرم
محمد أحمد أن أكتب عن مبارك بعد سنة، وكتبت بالفعل مجموعة مقالات علي شكل
خطابات مفتوحة، وجاءني أسامة الباز باسم مبارك يسألني عن تأجيل النشر، لأن
النشر يحرج الرئيس بشدة في هذه الظروف، ووافقت، وإن كنت سألت أسامة إذا كان
الرئيس قرأها، فرد بالإيجاب، وقلت إن ذلك يكفيني لأنه عرف رأيي، ورأي ما
أتحدث فيه من وجهة نظري، وفي كل الأحوال لست أطلب إحراجه، وقد بقيت هذه
المقالات الست محظورة حتي نشرتها في جريدة المصري اليوم، وكانت محاولة
تقييم لسياسات الرجل، وفيها تحدثت عن ملامح فساد يزيد، وعن تصرفات وأخطاء
تتراكم، وعن بطء في القرار له خسائره، وعن صلاته بالعالم العربي مضطربة،
وعن علاقاته بالعالم الخارجي ينقصها التوازن.
وببعض من علامات الأسي علي
وجهه، تحدث قائلاً:" كان اعتقادي يتزايد مع الأيام بأن حركة وثورة العصر
الحديث تطرح مستقبلا جديدا مع جيل آخر في زمن مختلف، لكن تردي الأحوال مع
تراكم السنين وأثقالها في عهد مبارك كان يدعو كل مواطن إلي أن يقول كلمة
إذا واتته فرصة, وكذلك كتبت, ثم حدث أن بدأت الرقابة تطول بعض ما كتبت
بالحذف سطرا هنا وسطرين هناك".
وبتراكم خبرات السنين، أردف: كان واضحا
أمامي مع تقدم السنوات الأولي من الألفية الجديدة أن الأوضاع في مصر علي
طريق مسدود، فالسياسة المصرية في السنوات العشر الأخيرةلم يعد لها مطلب غير
التوريث، وقد تكيفت كل السياسات طبقا لهذا المطلب، وتعطلت مصر إلي درجة
أصبح فيها التغيير واجبا، وبدا فيها أن التغيير قادم.
وشرح قائلاً: سألت
نفسي عشرات المرات وأنا جالس أمام التليفزيون في أحد فنادق سردينيا: لماذا
قبل الرجل لنفسه هذه المهانة؟! وكان في مقدوره أن يمتنع عن حضور
المحاكمة؟! ثم لماذا رضي لنفسه أن يجلس علي هذا السرير؟! وأنا أعرف أنه
و قادر علي المشي، وعلي الجلوس بما يلائم وضع رجل حكم مصر ثلاثين
سنة، كذلك أدهشني أن الرجل عندما رد علي المحكمة، رد كأي متهم عادي، كموظف
سابق متهم بالاختلاس مثلا، ولم يحاول والميكروفون في يده أن يقول كلمة
مشرفة للتاريخ، يعتذر يشرح يسجل ينطق بكلمة يحترم بها نفسه.
وتحدث
الكاتب الكبير عن فترة ابتعاده عن مصر إبان ثورة 25 يناير، حتى استقرت
قدماه أرض الوطن من جديد، وهنا يذكر: حين عدت بعد غياب ستة أسابيع، رحت
أتقصي وأبحث ما فاتني، وتبدي لي أن ما جري كان قريبا مما توقعته، مع إضافات
في التفاصيل لا تغير كثيرا من الصورة العامة، ولعل أهم ما حدث في غيابي،
وقد شاهدته كما شاهده الملايين غيري علي شاشات التليفزيون هو ظهور الرئيس
السابق حسني مبارك في قاعة المحاكمة، ممددا علي سرير طبي، ويداه معقودتان
علي وجهه معظم الوقت، يريد تغطيته قدر ما يستطيع، وعيناه تلتفتان خلسة
للنظر إلي ما حوله.
وعقب لحظة صمت بادرت الأهرام بسؤاله: بماذا تعلق علي
وصف المجلس العسكري أن مصر في محنة ؟ وهنا رد: "المجلس الأعلي للقوات
المسلحة.. وأنا أفضل هذه التسمية علي الوصف الشائع بأنه "المجلس العسكري"
علي حق تماما حين قال في آخر بياناته إن الوطن في محنة، وهذا صحيح لسوء
الحظ، ولنأمل وندعو أنها محنة من نوع موجات الخماسين.. والخماسين موعدها
الربيع في الطبيعة كما نعرف والآن في السياسة كما نري..لكني أتوقف لحظة
أمام أوصاف هذا المجلس، وأعتقد بوجوب التوقف طويلا وطويلا جدا أمامها..
للتدقيق والتساؤل.. لسبب أساسي واضح هو أن وصف "المجلس الأعلي للقوات
المسلحة" يوحي بأنه تكليف بمهمة، ووصف "المجلس العسكري" يوحي بأنها قبضة
سلطة، وهذه ليست مسألة ألفاظ، لكنها مسألة نافذة في العمق، لأن اللفظ دلالة
معني.
واستكمل تفنيده للفصل بين الألفاظ، ودلالات المعنى، قائلاً: إذا
كان المجلس مكلفا بمهمة وليس ممسكا بقبضة سلطة، فلابد هنا من تحديد لا
يحتمل الالتباس، ومن وجهة نظري فإن التكليف بمهمة أصدق وأدق في وصف المجلس،
واعتقادي أن المهمة هي أمانة شرعية الدولة بتوجيه من الشعب في لحظة من
تاريخه شديدة الخطر وشديدة التأثير في المستقبل، وفي ظني أيضا أنه حدث في
وقت من الأوقات علي مسار الثورة خلط قاد إلي مشكلة نحن فيها الآن، لكن
المشكلة التي أتحدث عنها هذه اللحظة ليست الاضطرابات التي وقعت ليل الجمعة
الماضي، وتناقضت مع مليونية "تصحيح المسار" كما وصفها أصحابها، فقد سارت
تلك المليونية كما أريد لها، نظيفة عفيفة حتي نزل الليل، فإذا غيرهم يخرج
من المجهول، وإذا الأحوال تنقلب.
وحلل الفارق بين الثورة المصرية
والثورات التى حدثت فى فرنسا وأمريكا ثم شرح أسباب "25 يناير" قائلاً:
الثورة جاءت ضد نظام تنازل عن كونه نظام حكم إلي ميراث عائلة، وهي تحكم مع
أقارب وأصدقاء ومنتفعين وصلوا بالدولة إلي مجرد جماعات مصالح تباشر السلطة
اعتمادا علي قهر الأمن، مع انهيار كامل في قوائم نظام لم يعد دولة ولا شبه
دولة، وإنما أصبح بالتعبير السياسي "أوليجاركي" ( مجموعة مصالح تستند إلي
أمن حديدي)، ولذلك فإن إزاحة قمته تركت بعده أطلالا تتهاوي، وأرضا خلاء،
وأكاد أقول خرابا، حتي علي الناحية الاقتصادية من نهب أراضي الدولة،
التفريط في القطاع العام بسوء نية وسوء فعل، ثم بالاقتراض والديون حتي أصبح
حجم الدين العام في مصر أكبر من حجم الإنتاج السنوي فيها.
على هيئة المحكمة من داخل قفص الاتهام، كأنه متهم بالاختلاس، وإنه كان
بإمكانه عندما أمسك بالميكروفون داخل القفص أن يقول كلمة مشرفة للتاريخ،
ومن خلالها يعتذر .. يشرح.. يسجل.. ينطق بكلمة يحترم بها نفسه.
وفى
الحوار الموسع الذي نشرته جريدة الأهرام اليوم الجمعة، تحدث هيكل عن بداية
عهد الرئيس السابق حسنى مبارك قائلاً: "إن واحدا من أول قراراته كان
الإفراج عن المعتقلين، ولقاء جماعة منهم حين خروجهم، ولقاء بعضهم فرادي معه
بعد ذلك، وكنت واحدا ممن انتقاهم وجلست معه بمفردنا يوم السبت الثاني من
ديسمبر 1981 لمدة ست ساعات متواصلة، وقد تحدثت معه بقلب مفتوح في كل ما
سألني عنه، وكان الرجل للأمانة راغبا في صلة بيننا، وكان بين عروضه تساؤل:
إذا كنت لا تريد أن تعود للصحافة المصرية، فلماذا لا تجيء للعمل في الحزب
الوطني؟! وأدهشني كلامه".
وأضاف: "ظللت بعدها علي اتصال ودي متقطع
بمبارك، وأغلبه علي التليفون، أو عن طريق أسامة الباز الذي كان ضمن هيئة
مكتبي لزمن طويل، ثم أصبح مدير مكتب الرئيس حسني مبارك ومستشاره فيما بعد".
واستكمل
الكاتب الكبير ذكرياته مع مبارك قائلاً: إنه بعد مرور عام كامل أي في
سبتمبر 1982 طلب مني رئيس تحرير المصور وقتها وصديقي وزميلي الأستاذ مكرم
محمد أحمد أن أكتب عن مبارك بعد سنة، وكتبت بالفعل مجموعة مقالات علي شكل
خطابات مفتوحة، وجاءني أسامة الباز باسم مبارك يسألني عن تأجيل النشر، لأن
النشر يحرج الرئيس بشدة في هذه الظروف، ووافقت، وإن كنت سألت أسامة إذا كان
الرئيس قرأها، فرد بالإيجاب، وقلت إن ذلك يكفيني لأنه عرف رأيي، ورأي ما
أتحدث فيه من وجهة نظري، وفي كل الأحوال لست أطلب إحراجه، وقد بقيت هذه
المقالات الست محظورة حتي نشرتها في جريدة المصري اليوم، وكانت محاولة
تقييم لسياسات الرجل، وفيها تحدثت عن ملامح فساد يزيد، وعن تصرفات وأخطاء
تتراكم، وعن بطء في القرار له خسائره، وعن صلاته بالعالم العربي مضطربة،
وعن علاقاته بالعالم الخارجي ينقصها التوازن.
وببعض من علامات الأسي علي
وجهه، تحدث قائلاً:" كان اعتقادي يتزايد مع الأيام بأن حركة وثورة العصر
الحديث تطرح مستقبلا جديدا مع جيل آخر في زمن مختلف، لكن تردي الأحوال مع
تراكم السنين وأثقالها في عهد مبارك كان يدعو كل مواطن إلي أن يقول كلمة
إذا واتته فرصة, وكذلك كتبت, ثم حدث أن بدأت الرقابة تطول بعض ما كتبت
بالحذف سطرا هنا وسطرين هناك".
وبتراكم خبرات السنين، أردف: كان واضحا
أمامي مع تقدم السنوات الأولي من الألفية الجديدة أن الأوضاع في مصر علي
طريق مسدود، فالسياسة المصرية في السنوات العشر الأخيرةلم يعد لها مطلب غير
التوريث، وقد تكيفت كل السياسات طبقا لهذا المطلب، وتعطلت مصر إلي درجة
أصبح فيها التغيير واجبا، وبدا فيها أن التغيير قادم.
وشرح قائلاً: سألت
نفسي عشرات المرات وأنا جالس أمام التليفزيون في أحد فنادق سردينيا: لماذا
قبل الرجل لنفسه هذه المهانة؟! وكان في مقدوره أن يمتنع عن حضور
المحاكمة؟! ثم لماذا رضي لنفسه أن يجلس علي هذا السرير؟! وأنا أعرف أنه
و قادر علي المشي، وعلي الجلوس بما يلائم وضع رجل حكم مصر ثلاثين
سنة، كذلك أدهشني أن الرجل عندما رد علي المحكمة، رد كأي متهم عادي، كموظف
سابق متهم بالاختلاس مثلا، ولم يحاول والميكروفون في يده أن يقول كلمة
مشرفة للتاريخ، يعتذر يشرح يسجل ينطق بكلمة يحترم بها نفسه.
وتحدث
الكاتب الكبير عن فترة ابتعاده عن مصر إبان ثورة 25 يناير، حتى استقرت
قدماه أرض الوطن من جديد، وهنا يذكر: حين عدت بعد غياب ستة أسابيع، رحت
أتقصي وأبحث ما فاتني، وتبدي لي أن ما جري كان قريبا مما توقعته، مع إضافات
في التفاصيل لا تغير كثيرا من الصورة العامة، ولعل أهم ما حدث في غيابي،
وقد شاهدته كما شاهده الملايين غيري علي شاشات التليفزيون هو ظهور الرئيس
السابق حسني مبارك في قاعة المحاكمة، ممددا علي سرير طبي، ويداه معقودتان
علي وجهه معظم الوقت، يريد تغطيته قدر ما يستطيع، وعيناه تلتفتان خلسة
للنظر إلي ما حوله.
وعقب لحظة صمت بادرت الأهرام بسؤاله: بماذا تعلق علي
وصف المجلس العسكري أن مصر في محنة ؟ وهنا رد: "المجلس الأعلي للقوات
المسلحة.. وأنا أفضل هذه التسمية علي الوصف الشائع بأنه "المجلس العسكري"
علي حق تماما حين قال في آخر بياناته إن الوطن في محنة، وهذا صحيح لسوء
الحظ، ولنأمل وندعو أنها محنة من نوع موجات الخماسين.. والخماسين موعدها
الربيع في الطبيعة كما نعرف والآن في السياسة كما نري..لكني أتوقف لحظة
أمام أوصاف هذا المجلس، وأعتقد بوجوب التوقف طويلا وطويلا جدا أمامها..
للتدقيق والتساؤل.. لسبب أساسي واضح هو أن وصف "المجلس الأعلي للقوات
المسلحة" يوحي بأنه تكليف بمهمة، ووصف "المجلس العسكري" يوحي بأنها قبضة
سلطة، وهذه ليست مسألة ألفاظ، لكنها مسألة نافذة في العمق، لأن اللفظ دلالة
معني.
واستكمل تفنيده للفصل بين الألفاظ، ودلالات المعنى، قائلاً: إذا
كان المجلس مكلفا بمهمة وليس ممسكا بقبضة سلطة، فلابد هنا من تحديد لا
يحتمل الالتباس، ومن وجهة نظري فإن التكليف بمهمة أصدق وأدق في وصف المجلس،
واعتقادي أن المهمة هي أمانة شرعية الدولة بتوجيه من الشعب في لحظة من
تاريخه شديدة الخطر وشديدة التأثير في المستقبل، وفي ظني أيضا أنه حدث في
وقت من الأوقات علي مسار الثورة خلط قاد إلي مشكلة نحن فيها الآن، لكن
المشكلة التي أتحدث عنها هذه اللحظة ليست الاضطرابات التي وقعت ليل الجمعة
الماضي، وتناقضت مع مليونية "تصحيح المسار" كما وصفها أصحابها، فقد سارت
تلك المليونية كما أريد لها، نظيفة عفيفة حتي نزل الليل، فإذا غيرهم يخرج
من المجهول، وإذا الأحوال تنقلب.
وحلل الفارق بين الثورة المصرية
والثورات التى حدثت فى فرنسا وأمريكا ثم شرح أسباب "25 يناير" قائلاً:
الثورة جاءت ضد نظام تنازل عن كونه نظام حكم إلي ميراث عائلة، وهي تحكم مع
أقارب وأصدقاء ومنتفعين وصلوا بالدولة إلي مجرد جماعات مصالح تباشر السلطة
اعتمادا علي قهر الأمن، مع انهيار كامل في قوائم نظام لم يعد دولة ولا شبه
دولة، وإنما أصبح بالتعبير السياسي "أوليجاركي" ( مجموعة مصالح تستند إلي
أمن حديدي)، ولذلك فإن إزاحة قمته تركت بعده أطلالا تتهاوي، وأرضا خلاء،
وأكاد أقول خرابا، حتي علي الناحية الاقتصادية من نهب أراضي الدولة،
التفريط في القطاع العام بسوء نية وسوء فعل، ثم بالاقتراض والديون حتي أصبح
حجم الدين العام في مصر أكبر من حجم الإنتاج السنوي فيها.