صباح الخير يا سيادة المشير. هل صليت الفجر اليوم؟ تقبل الله يا فندم.
بما أن ليلة أمس كانت ليلة الخامس والعشرين من رمضان هل فكرت أن تنظر إلى
قرص الشمس ساعة ظهوره لكى تتحرى ليلة القدر؟ إذا كنت قد فعلت ذلك أو لم
تفعله، فهل تعلم أن هناك آلاف الأمهات حرصن على أن يفعلنه بعد ليلة طويلة
سهرنها فى الصلاة وقراءة القرآن والدعاء على الظالم والابتهال إلى الله
ببركة هذه الليالى المفترجة أن يطلق سراح أبناءهن وينتقم ممن ظلمهن، وكلهن
أمل فى أن تصل دعواتهن إلى الله دون حجاب، كما وعد بذلك كل مظلوم، وهل
تعلم أن سيادتك هذه المرة ستكون هدفا لكل تلك الدعوات لأنك الذى تحكم مصر
الآن؟
أعلم أن الله عز وجل هو العالم بالأحوال، وفى يده وحده أن يقرر من هو
الظالم ومن هو المظلوم، ونعم بالله، لكننى أعلم أيضا أنك المسؤول عن أحوال
البلاد الآن، وأن من واجبى أن أعلمك أن هناك شبابا يتعرضون إلى الظلم على
أيدى رجالك، ربما لا تعلم ذلك لأنك لا تقرأ تقارير المنظمات الحقوقية،
ربما لأنهم يقولون لك إنها مغرضة وممولة من الخارج، وربما كان بعضها كذلك،
لكنى أعلم علم اليقين أن أغلبها أخذ على عاتقه منذ سنين طويلة أن ينحاز
إلى نصرة المظلومين وفضح الظالمين، وواجبك كحاكم يقتضى أن تصغى إلى ما
يقولونه وتحقق فيه، ربما أنت مهتم بما قد تراه أهم بكثير فى بلاد تعج
بالأزمات والمشكلات، لكن هل تذكرت معى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وهو
يخشى أن يسأله الله عن بغلة عثرت فى العراق لأنه لم يمهد لها الطريق، فى
أقوى اعتراف لحاكم فى التاريخ بالمسؤولية السياسية عن كل ما يقع فى عهده،
ألا تخشى أن يسألك الله عن مواطنين تعرضوا للتعذيب والإهانة وخضعوا
للمحاكمات العسكرية بسبب آرائهم السياسية التى مهما كان شططها وجموحها لا
تسقط عنهم حقهم فى أن يمثلوا أمام قاضى طبيعى مدنى؟ ومن قال إن كل من تم
إخضاعهم للقضاء العسكرى كانوا بلطجية فعلا أو خارجين على القانون لمجرد
أنهم ينتمون إلى بيئات شعبية فقيرة أو لأن وجوههم جار عليها سوء التغذية
أو لأن حظهم العثر أوقعهم مع ضابط لا يخاف الله؟
أرجو من سيادتك أن تقرأ الشهادات المفزعة التى نشرها مركز «النديم» عن
التعذيب الذى تعرض له مواطنون على أيدى الشرطة العسكرية وضباط السجن
الحربى، توقفت عند شهادة أدلى بها شاب تم اعتقاله من أمام جامع عمر مكرم
سب له الضباط الدين وشتموا أمه وضربه الجنود هو وزملاءه بالأحذية وقالوا
له عشان تبطلوا تقولوا يسقط المشير، فرد عليهم: الجيش غير المجلس وهو يعنى
لو المشير مات مصر هتموت، فرد العسكرى: المشير مابيموتش. هكذا رد العسكرى
عفويا، بينما لو فكر قليلا لتذكر أنك حتما ستموت، ولو سألك لقلت له إنك
ستموت، وكلنا سنموت وسنقف أمام الله الحق العادل ليسألنا عن أخطائنا
وذنوبنا. أعلم أن الهتاف بسقوطك يغضبك، دعنى أقل لك إنه لا يسعدنى أنا
شخصيا، ليس فقط تقديرا منى لشخصك ودورك فى الانحياز للثورة، بل لأننى
أعتبره هتافا غير عملى، ويمكن أن يؤثر على وحدة المؤسسة العسكرية التى من
مصلحة مصر وثورتها أن تظل قوية وموحدة أيا كانت أخطاء بعض قادتها، لكن دعنى
أسأل سيادتك: هل تعتقد أن الشاب الذى يهتف ضدك أو ضد المجلس العسكرى يفعل
ذلك لأن هناك شيئا شخصيا بينه وبينك أو بين قادة المجلس العسكرى؟ لماذا
لم يهتف هذا الشاب وغيره بهذه الهتافات عقب خلع مبارك فى الحادى عشر من
فبراير وحتى يوم تسعة مارس الذى بدأ فيه القيام بانتهاكات ضد حقوق الإنسان
بحق شباب لم يفعل شيئا سوى أن عبر عن آرائه السياسية التى لا يهدف من
ورائها إلا إلى جعل هذا الوطن أفضل؟ ما الذى حدث يا سيادة المشير؟ كيف
تبدلت الثقة؟ من هو المسؤول عن ذلك؟ وأيا كانت المبررات والظروف هل يوجد
ما يبرر قيام عساكر الشرطة العسكرية بضرب الشباب وإهانتهم، وهل يوجد ما
يبرر قيام مخبر بسجن الحضرة بإجبار الشباب على أن يزحفوا فوق أرضية الحمام
التى يملؤها البول بعد أن يكشفوا عوراتهم أمام بعض، هل قرأت سيادتك شهادة
الناشط محمد منصور الذى حكمت المحكمة العسكرية بتبرئته من تهمة الاعتداء
على المنطقة الشمالية العسكرية؟ إذا لم تكن قد قرأتها فأرجو أن تقرأها هى
وعشرات الشهادات الموثقة لشباب وفتيات آخرين، وهى شهادات قمت بنفسى بتسليم
بعضها إلى رئيس الوزراء وإلى قيادات عسكرية، ومع ذلك لم يحدث أى عقاب لمن
قام بهذه الأفعال الشنيعة.
أنا واحد من الذين يرون أن التصعيد ضد المجلس العسكرى أمر يضر أكثر مما
ينفع، لكننى أؤمن أيضا أن الساكت على الحق شيطان أخرس، وأن الله سيحاسبنى
لو سكت على إهانة كرامة إنسان وأنا مجرد كاتب، فكيف سيكون الحال مع
سيادتك وأنت المسؤول أمام الله عن كل ما يجرى فى مصر الآن؟ لا أدرى كيف
كان موقفك من كل ما كان يحدث فى أيام مبارك من تعذيب وانتهاكات لحقوق
الإنسان، ولا أريد أن أدرى فأنت يمكن أن تحاجج أمام الله بأن تلك لم تكن
مسؤوليتك، لكنك لن تستطيع أن تفعل ذلك الآن فأنت مسؤول عن كل مظلمة تحدث
فى مصر سواء كنت تعلم بها أو لأنك قصرت فى العلم بها. أنصحك مخلصا والله
حسبى وحسبك بألا تثق فى الأجهزة الأمنية التى ورثتها عن مبارك، فقد رأيت
ماذا فعلوا بمصر وإلى أين أوصلوها، اسمع من مواطنيك حكاياتهم مباشرة،
استقبلهم فى مكتبك ودعهم يحدثوك عما شاهدوه وعاشوه، لا تجعل بينك وبينهم
وسطاء فهم لن يكونوا وسطاء بينك وبين الله يوم الحساب، يشهد الله أننى لا
أريد من كلامى هذا بطولة فقد ولى زمن البطولات الفردية وأصبحنا نعيش فى عصر
بطولة الشعوب، كل ما أتمناه لك أن تدخل التاريخ بوصفك القائد العسكرى
الذى لم يكتف بتسليم السلطة إلى المدنيين بل حرص على كرامة المصريين وصان
حقوقهم وحمى حرياتهم، وإذا لم تكن مهتما بكتب التاريخ التى لن تنسى أبدا
كل ما يحدث الآن بخيره وشره، فاهتم بكتابك الذى يسجل حسناتك وسيئاتك قبل
أن تقرأه أمام الله يوم لا ينفع مال ولا بنون.
ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.