قول الله تعالى:
قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
لَا شَرِيكَ لَهُ
الآية.
قال ابن كثير :
يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله ويذبحون له:
بأنه أخلص لله صلاته وذبيحته
لأن المشركين يعبدون الأصنام ويذبحون لها
فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف
عما هم فيه والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى .
قال مجاهد :
النسك الذبح في الحج والعمرة
وقال الثوري عن السدي عن سعيد بن جبير :
وَنُسُكِي ذبحي
وكذا قال الضحاك
وقال غيره وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي
أي: وما آتيه في حياتي وما أموت عليه من الإيمان والعمل الصالح
لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
خالصا لوجهه
لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ
الإخلاص
أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ
[ص-192]
أي من هذه الأمة لأن
إسلام كل نبي متقدم .
قال ابن كثير :
وهو كما قال، فإن جميع الأنبياء قبله كانت دعوتهم إلى الإسلام
وهو عبادة الله وحده لا شريك له . كما قال تعالى:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ
إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ
( الأنبياء - 25 )
وذكر آيات في هذا المعنى.
ووجه مطابقة الآية للترجمة:
أن الله تعالى تعبد عباده بأن يتقربوا إليه بالنسك
كما تعبدهم بالصلاة وغيرها من أنواع العبادات
فإن الله تعالى أمرهم أن يخلصوا جميع أنواع العبادة
له دون كل ما سواه، فإذا تقربوا إلى غير الله بالذبح
أو غيره من أنواع العبادة فقد جعلوا لله شريكا في عبادته
وهو ظاهر في قوله: لَا شَرِيكَ لَهُ
نفى أن يكون لله تعالى شريك في هذه العبادات
وهو بحمد الله واضح.
قال بن القيم رحمه الله:
إذا أصبح العبد و أمسى و ليس همه إلا الله وحده
تحمل الله عنه سبحانه حوائجه كلها ، و حمل عنه كل ما أهمه
و فرغ قلبه لمحبته ، و لسانه لذكره
و جوارحه لطاعته، و إن أصبح و أمسى و الدنيا همه
حمله الله همومها و غمومها و أنكادها
ووكله الى نفسه فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق
و لسانه عن ذكره بذكرهم و جوارحه عن طاعته بخدمتهم و أشغالهم
فهو يكدح كدح الوحوش فيخدمة غيره ..
فكل من أعرض عن عبودية الله و طاعته و محبته
بلي بعبودية المخلوق و محبته و خدمته .
يقول الله سبحانه وتعالى
في الآية الثالثة والخمسين بعد المائة من سورة الأنعام: ﴿هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ
وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
(153)﴾
نستنبط أيها الأخوة من أن كلمة:
﴿ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً ﴾
جاء الصراط مفرداً
ونستنبط من قوله تعالى:
﴿وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾
السبل جاءت جمع
فماذا نستنبط من أن كلمة صراطي مستقيماً جاءت مفردةً
وأن السبل جاءت جمعاً، نستنبط أن الباطل يتعدد
وأن الحق لا يتعدد، الحق واحد.
يعني من نقطتين لا تستطيع أن ترسم إلا خطاً مستقيماً واحداً
لو رسمت خطاً آخر يأتي فوق الأول
خطاً ثالث يأتي فوق الثاني
فبين نقطتين ليس في إمكانك أن ترسم إلا خطاً واحداً.
لذلك الحق لا يتعدد
لو أننا على حق لاجتمعنا
لو أن فلان وفلان وفلان أو أن الجماعة الفلانيه
والجماعة الفلانيه والجماعة الفلانيه والفئة الفلانيه، والفئة الفلانيه
لو أنهم على حق لاجتمعوا
فإذا تفرقوا منهم من هم على باطل
لأن الحق لا يتعدد.
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً ﴾
لذلك ربنا عز وجل قال:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً﴾
(سورة آل عمران: 103 )
ما الذي يجمعنا، كلكم يعلم ويرى ويسمع، رغم الماضي واحد
والمستقبل الواحد والآلام الواحدة
والآمال الواحدة، واللغة الواحدة، و، و، ويقتتلون.
ما الذي يجمع إذاً ؟
أن نكون جميعاً على حق
فإذا كان بعضنا على حق وبعضنا على باطل لا نجتمع.
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ﴾
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً﴾
إذاً الذي يجمعنا حقيقةً
يجمعنا قلباً وقالباً، هو أن نلتزم الحق جميعاً، فالحق يجمع
كيف أن خيط السبحة يجمع حباتها المتناثرة ؟
هذا الخيط يجمع
لولا هذا الخيط لما اجتمعت هذه الحبات.
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ﴾
ومعنى مستقيم، بمعنى الآخر
الخط المستقيم أقصر خط بين نقطتين، المنحني أطول
المنكسر أطول المتعرج أطول، المستقيم لا يتعدد
والمستقيم أقصر خط إلى الله عز وجل.
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾
هذا يذكرنا بأن الله سبحانه وتعالى
وحد كلمة النور وجمع كلمة الظلمات،
﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾
(سورة البقرة: 257 )
الباطل متعدد
إذاً ظلمات فوقها فوق بعض، الحق واحد
إلى النور
النور مفرد والصراط المستقيم مفرد.
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ﴾
طيب ما الذي نستفيده ثالثةً ؟
طيب الطريق مستقيم هناك مسلمون كثيرون
يعلمون أن دينهم هو الحق
وأن دينهم لم يتبدل ولم يتغير
وأن دينهم هو أقصر طريقٍ إلى الله
هذا كله يعلمونه
لكن ما الذي يقصرون فيه ؟
لا يتبعوه.
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً﴾
الحق لا يتعدد، وأقصر طريق إلى الله.
﴿فَاتَّبِعُوهُ﴾
فالإنسان لما
الله عز وجل قال:
﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)﴾
من هم المغضوب عليهم ؟
هم الذين عرفوا وانحرفوا
عرفوا وقصروا عرفوا ولم يسيروا
الضالون هم الذين ما عوفوا وهلكوا
المغضوب عليهم، هم الذين عرفوا وشقوا.
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ
وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾
الباطل لا يؤدي إلى الحق، يؤدي إلى الهلاك.
﴿أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾
(سورة البقرة: 221 )
الباطل يدعوا إلى الدنيا فقط
والدنيا إن وصلت إليها بالظلم والعدوان والبغي
هذا يوصلك إلى النار.
لذلك طريق الباطل ينتهي بصاحبه إلى النار.
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ
وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾
سبيل الله هو الوحيد إلى الجنة
فإذا اتبعت سبيلاً آخراً باطلاً
صرفك عن طريق الحق إلى طريق الباطل
وطريق الباطل إلى جهنم.
﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾
ثم يقول الله عز وجل: في الآية الواحدة والستين بعد المائة.
﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
أنت مسلم في عندك منهج دقيق
منهج في علاقتك مع ربك
منهج في علاقتك مع زوجتك، منهج في علاقتك مع أولادك
منهج في علاقات العمل، علاقات البيع والشراء
علاقات الهبا، حتى في منهج في علاقاتك مع من هم فوقك
من هم دونك، حتى في المناسبات مناسبات الفرح
مناسبات الحزن، هناك منهج تفصيلي
الإسلام منهج كامل.
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾
(سورة المائدة: 3 )