الحقيقة أن الإسلام
لا يعرف هذه القطيعة المدَّعاة بين الدين والسياسة
أو بين الدين والحياة
كما يزعم غلاة العلمانيين
او من جهال المسلمين
او من المتعلمين
او من اى احد
والهدف هو إقصاء "الدين" أو "الإسلام" عن حياة المسلمين..
وهو ما سمَّاه الأستاذ سيد قطب- رحمه الله-
"الفصام النكد"
يوم ابتدع أهل أوروبا في بداية عصر النهضة هذا الفصل
حيث نحَّوا "الدين" أو "الكنيسة" جانبًا..
وصار الدين عندهم وما زال قابعًا في ضمير الفرد.
والإسلام يدعونا ألا نكرر هذا الفصام النكد في حياتنا
ولا في قوانيننا ولا في أنظمتنا السياسية
إذ إنه لا يعرف ذلك ولا يقره
وكل مرجعيات الإسلام من القرآن والسنة وشواهد التاريخ
وسوابق الحكم الإسلامي على مختلف العصور والبلاد شاهدةٌ على ذلك.
فما معنى لا دين في السياسة..
هل تعني أن السياسة لا دين لها؟!
فلا تلتزم بالقيم والقواعد الدينية
وإنما هي "براجماتية" انتهازية تتبع المنفعة حيث كانت المنفعة المادية
والمنفعة الحزبية أو القومية والمنفعة الآنية
وترى أن المصلحة المادية العاجلة فوق الدين ومبادئه
وأن "الله" وأمره ونَهْيَه وحسابه لا مكان له في دنيا السياسة.
وهل هذه هي السياسة التي يأملها الناس والتي يصلح بها البشر؟!
الواقع أن الناس لا يصلحهم إلا سياسة تضبطها قيم الدين وقواعد الأخلاق
وتلتزم بمعاير الخير والشر وموازين الحق والباطل
والسياسة حين ترتبط بالدين-
أشد ما تعني العدل في الرعية والقسمة بالسوية
والانتصار للمظلوم على الظالم، وأخذ الضعيف حقه من القوي
وإتاحة فرص متكافئة للناس
ورعاية الفئات المسحوقة من المجتمع كاليتامى والمساكين وأبناء السبيل
ورعاية الحقوق الأساسية للناس بصفة عامة.
ودخول الدين في السياسة ليس
- كما يصوِّره الماديون والعَلمانيون-
شرًّا على السياسة وشرًّا على الدين نفسه
وخلاصة القول:
إن الدين الحق
إذا دخل في السياسة
دخل دخول الموجِّه للخير والهادي إلى الرشد المبين للحق..
العاصم من الضلال والغي..
فهو لا يرضى عن ظلم، ولا يتقاضى عن زيف
ولا يسكت عن غي.. ولا يقر تسلط الأقوياء على الضعفاء
ولا يقبل أن يعاقب السارق الصغير ويكرم السارق الكبير.
والدين إذا دخل في السياسة هداها إلى الغايات العليا للحياة وللإنسان:
توحيد الله.. وتزكية النفس.. وسموِّ الروح.. واستقامة الخلق.
وتحقيق مقاصد الله من خلق الإنسان:
عبادة الله وخلافته في الأرض وعمارتها بالحق والعدل
بالإضافة إلى ترابط الأسرة وتكافل المجتمع وتماسك الأمة
وعدالة الدولة وتعارف البشرية.
والدين كذلك يمنح رجال السياسة الحوافز التي تدفعهم إلى الخير
وتقفهم عند الحق
وتشجعهم على نصرة الفضيلة وإغاثة الملهوف
وتقوية الضعيف، والأخذ بيد المظلوم
والوقوف في وجه الظالم حتى يرتدع عن ظلمه.
والدين يمنح السياسي الضمير الحي أو النفس اللوامة
التي تزجره أن يأكل الحرام من المال أو يشجّع عليه..
أو يستحلَّ الحرام
أو يأكل المال العام بالباطل
أو يأخذ الرشوة باسم الهدية أو العمولة.
والدين يشجِّع الجماهير أن تقول كلمة الحق وتنصح للحاكم
وتحاسبه، وتقوِّمه إذا اعوجَّ
لا تخاف في الله لومة لائم
حتى لا يدخلوا فيما حذَّر منه القرآن
﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٢٥)﴾
(الأنفال).
وفيما حذَّر منه الرسول صلى الله عليه وسلم
"إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم".
والسياسي حين يعتصم بالدين
فإنما يعتصم بالعروة الوثقى
ويحجبه الدين عن مساوئ الأخلاق ورذائل النفاق..
فإذا حدَّث لا يكذب، وإذا وعد لم يخلف
وإذا اؤتمن لم يخن، وإذا عاهد لم يغدر، وإذا خاصم لم يفجر..
إنه مقيَّد بالمُثل والأخلاق والقيم.
وبعد..
- فهل تنجح الهجمات المحمومة في إبعاد الدين عن السياسة والحياة؟!
- وهل يستجيب الرأي العام لهذه الإسقاطات؟!
- وهل يقف أهل الخير والدعاة صامتين أمام هذه الهجمة؟!
- ولأنها دعوى دخيلة على طبيعة الإسلام
فلن تصل إلى أهدافها بإذن الله
﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ
فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨)﴾
(الأنبياء).
عندما ساق ابن القيم رحمه الله أقوال العلماء في تأويل قوله تعالى: -
{وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ
فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}
[المائدة، آية 44]
كان مما قاله – في هذا الشأن –
" ومنهم من تأول الآية على ترك الحكم بما أنزل الله جاحداً له
وهو قول عكرمة، وهو تأويل مرجوح، فإن نفس جحوده كفر
سواء حكم به أو لم يحكم.
وقال العلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله
الصورة الأولى من الكفر الأكبر فى الحكم بغير ما أنزل الله:
أن يجحد الحاكمُ بغير ما أنزل الله أحقيّة حُكمِ الله ورسوله
وهو معنى ما رُوي عن ابن عباس
واختاره ابن جرير أنّ ذلك هو جحودُ ما أنزل اللهُ من الحُكم الشرعي
وهذا ما لا نزاع فيه بين أهل العلم
فإنّ الأصول المتقررة المتّفق عليها
بينهم أنّ مَنْ جَحَدَ أصلاً من أصول الدين أو فرعًا مُجمعًا عليه
أو أنكر حرفًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم
قطعيًّا
فإنّه كافرًا الكفرَ الناقل عن الملّة.
وقال الشيخ ياسر برهامى فى تعليقه على هذا الكلام:
من هذا النوع أيضاً أي من يجحد المعلوم من الدين بالضرورة
من يقول
لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين
وأن السياسة نظام الحكم ونظام الحكم لا دخل بالدين به
وأن الدين علاقة شخصية بين العبد وربه تبارك وتعالى
ويعتقد أن الدين شعائر فقط وينكر أحكام الله في الحدود
والمعاملات والأموال والدماء
وغيرها مثل إنكار قطع يد السارق وجلد الزاني وحرمة الربا
والقول بأن هذه الأمور ليست من الدين
هذا كله كفر بالإجماع لا نزاع فيه بين المسلمين
هل هذا النوع يدخل فيه التفرقة بين النوع والعين ؟
قضية التفرقة بين النوع والعين و النية على انتشار العلم
حيث قيدنا معلوم من الدين بالضرورة
لبيان انتشار الأمر وذلك تكفير
نوع العين مثل دائرتين يجتمعان ويفترقان
فإذا كان الأمر منتشراً معلوماً بين الناس كلهم
قد علم بالضرورة بمعنى بلا بحث ولا استدلال
وكل الناس يعلمون ذلك فقد انطبقت الدائرتان
وأصبح كل من قال بهذا القول خارجاً من الملة في باب إقامة الحجة .
وقال العلامة بن باز رحمه الله:
عندما سئل عمن يقول:
لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين
فقال -رحمه الله-:
"فصل الدين عن السياسة كفر مستقل، وكررها مرات"
وقال الشيخ محمد إسماعيل
فى شرحه لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
(تنقض عرى الإسلام عروة عروة
فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها
فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة)
فمن المسلمات التي لا يقول بعكسها إلا من ليس له حظ في الإسلام
أن الإسلام دين ودولة
فالحكم والسياسة
-كما قال النبي صلى الله عليه وسلم-
من عرى هذا الدين .
لاسياسة في الدين ولا دين في السياسة!
نحاول أن نفهم هنا مغزى هذه العبارة التعيسة النفيسة في التعس.
فهذه المقولة حسب ما نفهمها
مقولة فاسدٌ عابث
يريد أن يعبث بخلق الله ويسوسهم بهواه المريض.
قال تعالى:
" يَادَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ
فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى
فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ(26)"
(ص).
إذا كان من المتعارف عليه في
"عالم ما دون الدواب"
الحديث أن السياسة تعني تياسة وخسة ونجاسة
نعم فالدين أطهر من التعامل به مع الناس في الداخل والخارج بمفهوم
"عالم ما دون الدواب"
بمفهوم المقامرين المرابين المخادعين إخوان الشياطين
لأن دين الله واضح صريح ليس به خديعة
و خُبْث وغَش وزور ونفاق وظلم وجور وتلاعب بالألفاظ
ديننا لا يأمرنا بما تأمر به سياسة الغاب والذئاب
سياسة عالم مادون الدواب
سياسة اللصوص وقطاع الطرق، ومعهم حق في ذلـك.
الدين طاهر ظاهر بإذن الله سيظهر لينقي الأجواء الفاسدة من حولنا.
قال تعالى:
"وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(21)"
(يوسف).
إن السياسي الذي لا يضع منهج الله نبراساً يهتدي به
وينحيه ويتبع منهج
"عالم مادون الدواب"
سيتحول و بقدرة الله من سياسي إلى تياسي
أي سيسوس الناس بعقلية "
تَيـس" يُفَكر في السفاد والعلف ويهوي العبث.
نحن نريد أن نساس بالدين
ويسود شأننا كله في الداخل والخارج
نريد أن تكون له السيادة يا أيها السادة المحترمين الكرام الأعزة.
قال تعالى:
" ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ(48)
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ(49)
إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ(50)"
(الدخان).
وأخر دعوانا أن رب العالمين
ولا عدوان إلا على الظالمين
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار.
انا ضد العلمانية
انا ضد الليبرالية
انا ضد اى شىء يخالف دين الاسلام