تجذبني أشعار الحزن.. أقع عليها وأنا أعلم مفعولها
في قلبي.. كفراشة تحوم حول النار وهي لها مهلكة.. ولكن ثمّة لذّة تقبع في
تلك الكلمات.. تسحبني من عالمي إلى عوالم أُخرى أحبها..
قلت: لِم لا
تكمن روعة الكلمات إلا في عمق الألم؟!؟
قال: "قد احترفت شعوبنا الحزن
وتمتعها به.. ومن ذلك كم يهوى الشباب الأغاني الحزينة وكم يحبون الكلام عن
الخيانة والفراق والعذاب.. فهي إذاً ثقافة مجتمع وليست روعة الكلمة في
الحزن أو الألم.. فلو تعوّدنا على الفرح لوجدنا روعة الكلمة في الكلام
المفرح!"
توقّفت عند كلامه الذي أضاء لي نقطة لم أفكر بها من قبل.. هل
الأمر بات فعلاً ثقافة؟ أم أن النفس البشريّة تعجبها نبرات الحزن وأوتاره؟
وهل هذه المشاعر تعطِّل على الإنسان الرغبة في النهضة والإنجاز والتفاؤل أم
أنها مكمِّلة لشخصيته؟
لا شك أن الخصائص الشخصية للمرء تجعله يتقبّل
نبضات الحزن ويميل إليها.. فإن كان مرهف الإحساس ليِّن القلب فلربما هذا
يجعله أكثر إقبالاً على موائد الأدب الحزين من شخصٍ عقلانيّ حازم مفكِّر..
فتراه يتأثّر بأي حرف حنون وأي قصة فراق وأي موقف حزين ويتفاعل معه بكليّته
ولربما عاش معه لأيام.. فكيف إن كان هو صاحب الملحمة؟!
هل هذا ضعف؟
ربما يكون كذلك إن استسلم المرء لنوازع الحزن في داخله وأقعده ذلك عن
المسير والإنتاج.. ولكن إن لم يفعل فحسبه ذلك الفؤاد الغض الطريّ الذي
يحتوي كمّاً هائلاً من المشاعر تجاه الآخرين.. فيتألم لألمهم ويتفاعل مع
مشاكلهم ويندمج مع مَن حوله وكأنه المسؤول عن مآسيهم وكوارثهم.. هذه الطاقة
الهائلة من "الحب" الذي يحمله بين جوانحه يشعر أحياناً أن باستطاعته بثّها
للعالم أجمع.. ولو وزّعها عليهم لوسعتهم أجمعين.. هذا الشعور بحدّ ذاته
ينعش وجدانه ويزكّيه!
وبغض النظر عن الخصائص الشخصية.. أليس للواقع يدٌ
في ما يختلج في صدورنا من هموم وأسى.. فحال الأمّة ومقدّساتها وهيبتها
وأبنائها يندى له الجبين.. ما يجعل المسلم متوتر العصاب عند كل خطب جلل..
وفي كل يوم لنا مصاب!
حتى نحن أنفسنا لنا دور في جنوحنا للحزن..
فتقصيرنا في حقّ ربّنا وأمّتنا ودعوتنا يجعلنا نشعر بالصَغار..
فهنا
أسير.. وهنا قتيل.. وهنا مدّعي.. وهنا ظالم.. وهنا خائن!.. وهنا تهويد..
وهنا تدنيس.. وهنا حصار.. وهنا استبِداد.. وهنا دمار.. وهنا تكالب على
الأمّة! وهنا موت.. وهنا موت.. وهنا موت! وموت الأخلاق والإحساس والحب!
عالم
إيقاعه سريع.. خالٍ من الروحانية.. مُفعمٌ بالمادية.. مقلوب الموازين..
مضرّجٌ بالخيانة والكذب.. ومَن نتوسّم فيهم خيراً يطعنوننا في الصميم.. ثم
علينا أن نبتسم؟!
لا نيأس.. فإنه لا ييأس من رَوح الله إلا القوم
الكافرون.. ولا نكتئب.. ولكننا نتعس.. ولا نجلد الذات بل ننطلق بخطىً ثابتة
نحو الهدف ونحو الغاية الكبرى ألا وهي رضا الله جل وعلا والفوز بالجنّة..
ولكننا نتأثّر بأيّ حرف أو كلمة أو واقعة تُدغدغ حزننا الكامن في عمق
القلوب..
وتُرى.. هل الفرح مرتبط فقط بالرضا والقناعة والتسليم لله جل
وعلا فإن أدركناها سعدنا؟ إذاً لماذا لحظات السعادة قليلة في حياتنا حتى
ونحن متوكّلون مسلِّمون الأمر لله جل في علاه؟! هل بتنا فعلاً لا نفقه كنه
السعادة ولا نملك أدواتها؟! وتُرى لو كان وهج السعادة دائماً في حياتنا هل
كنا استمتعنا بها أم كنا اعتدنا عليها حتى لا نكاد نشعر بها؟!
لا
تقلِّدوني بعد هذا البوح وِسام الضعف.. إن أنا حزنت!
وسأبقى أتلذذ
بكلمات الألم.. حتى تنتفض أمّتي وتعود.. وحتى يكون إيابٌ إلى الله جل وعلا
لا رجوع عنه.. وحتى يكون عملٌ دؤوب لا كسل معه!
وسأحضِّر كفن الحزن..
لزمنٍ قريب.. يستحق أن نسعد فيه.. بإذنه!
في قلبي.. كفراشة تحوم حول النار وهي لها مهلكة.. ولكن ثمّة لذّة تقبع في
تلك الكلمات.. تسحبني من عالمي إلى عوالم أُخرى أحبها..
قلت: لِم لا
تكمن روعة الكلمات إلا في عمق الألم؟!؟
قال: "قد احترفت شعوبنا الحزن
وتمتعها به.. ومن ذلك كم يهوى الشباب الأغاني الحزينة وكم يحبون الكلام عن
الخيانة والفراق والعذاب.. فهي إذاً ثقافة مجتمع وليست روعة الكلمة في
الحزن أو الألم.. فلو تعوّدنا على الفرح لوجدنا روعة الكلمة في الكلام
المفرح!"
توقّفت عند كلامه الذي أضاء لي نقطة لم أفكر بها من قبل.. هل
الأمر بات فعلاً ثقافة؟ أم أن النفس البشريّة تعجبها نبرات الحزن وأوتاره؟
وهل هذه المشاعر تعطِّل على الإنسان الرغبة في النهضة والإنجاز والتفاؤل أم
أنها مكمِّلة لشخصيته؟
لا شك أن الخصائص الشخصية للمرء تجعله يتقبّل
نبضات الحزن ويميل إليها.. فإن كان مرهف الإحساس ليِّن القلب فلربما هذا
يجعله أكثر إقبالاً على موائد الأدب الحزين من شخصٍ عقلانيّ حازم مفكِّر..
فتراه يتأثّر بأي حرف حنون وأي قصة فراق وأي موقف حزين ويتفاعل معه بكليّته
ولربما عاش معه لأيام.. فكيف إن كان هو صاحب الملحمة؟!
هل هذا ضعف؟
ربما يكون كذلك إن استسلم المرء لنوازع الحزن في داخله وأقعده ذلك عن
المسير والإنتاج.. ولكن إن لم يفعل فحسبه ذلك الفؤاد الغض الطريّ الذي
يحتوي كمّاً هائلاً من المشاعر تجاه الآخرين.. فيتألم لألمهم ويتفاعل مع
مشاكلهم ويندمج مع مَن حوله وكأنه المسؤول عن مآسيهم وكوارثهم.. هذه الطاقة
الهائلة من "الحب" الذي يحمله بين جوانحه يشعر أحياناً أن باستطاعته بثّها
للعالم أجمع.. ولو وزّعها عليهم لوسعتهم أجمعين.. هذا الشعور بحدّ ذاته
ينعش وجدانه ويزكّيه!
وبغض النظر عن الخصائص الشخصية.. أليس للواقع يدٌ
في ما يختلج في صدورنا من هموم وأسى.. فحال الأمّة ومقدّساتها وهيبتها
وأبنائها يندى له الجبين.. ما يجعل المسلم متوتر العصاب عند كل خطب جلل..
وفي كل يوم لنا مصاب!
حتى نحن أنفسنا لنا دور في جنوحنا للحزن..
فتقصيرنا في حقّ ربّنا وأمّتنا ودعوتنا يجعلنا نشعر بالصَغار..
فهنا
أسير.. وهنا قتيل.. وهنا مدّعي.. وهنا ظالم.. وهنا خائن!.. وهنا تهويد..
وهنا تدنيس.. وهنا حصار.. وهنا استبِداد.. وهنا دمار.. وهنا تكالب على
الأمّة! وهنا موت.. وهنا موت.. وهنا موت! وموت الأخلاق والإحساس والحب!
عالم
إيقاعه سريع.. خالٍ من الروحانية.. مُفعمٌ بالمادية.. مقلوب الموازين..
مضرّجٌ بالخيانة والكذب.. ومَن نتوسّم فيهم خيراً يطعنوننا في الصميم.. ثم
علينا أن نبتسم؟!
لا نيأس.. فإنه لا ييأس من رَوح الله إلا القوم
الكافرون.. ولا نكتئب.. ولكننا نتعس.. ولا نجلد الذات بل ننطلق بخطىً ثابتة
نحو الهدف ونحو الغاية الكبرى ألا وهي رضا الله جل وعلا والفوز بالجنّة..
ولكننا نتأثّر بأيّ حرف أو كلمة أو واقعة تُدغدغ حزننا الكامن في عمق
القلوب..
وتُرى.. هل الفرح مرتبط فقط بالرضا والقناعة والتسليم لله جل
وعلا فإن أدركناها سعدنا؟ إذاً لماذا لحظات السعادة قليلة في حياتنا حتى
ونحن متوكّلون مسلِّمون الأمر لله جل في علاه؟! هل بتنا فعلاً لا نفقه كنه
السعادة ولا نملك أدواتها؟! وتُرى لو كان وهج السعادة دائماً في حياتنا هل
كنا استمتعنا بها أم كنا اعتدنا عليها حتى لا نكاد نشعر بها؟!
لا
تقلِّدوني بعد هذا البوح وِسام الضعف.. إن أنا حزنت!
وسأبقى أتلذذ
بكلمات الألم.. حتى تنتفض أمّتي وتعود.. وحتى يكون إيابٌ إلى الله جل وعلا
لا رجوع عنه.. وحتى يكون عملٌ دؤوب لا كسل معه!
وسأحضِّر كفن الحزن..
لزمنٍ قريب.. يستحق أن نسعد فيه.. بإذنه!