حكم إحراق النفس احتجاجاً على الظلم
أ.د. ناصر العمر | 14/2/1432 هـ
رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد تناقلت الأنباء بعد أحداث تونس تكرار محاولة إحراق النفس في عدد من البلدان العربية؛ اقتداءً بمن أحرق نفسه في تونس، ومن المعلوم من الدين بالضرورة سوء عاقبة الظلم وتحريمه بالنصوص القطعية من الكتاب والسنة، ومن ذلك ما ثبت في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا" رواه مسلم.
والأمة تعيش مظالم عظيمة في كثير من بلاد المسلمين، ولا يجوز السكوت على هذه المظالم الخاصة والعامة فضلاً عن إقرارها أو تأييدها، بل يجب السعي الجاد لرفعها عن الشعوب والأفراد بكل وسيلة شرعية ممكنة؛ لأن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده، {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25]، لكن مع هذا فلا يجوز أن يكون قتل النفس من أساليب رفع الظلم، فإن شرف الغاية لا يبرر الوسيلة المحرمة؛ لأن قتل النفس من أكبر الذنوب كما في نصوص الكتاب والسنة، قال سبحانه: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29]، وقال سبحانه: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195].
وقتل النفس يدخل في ذلك، فنفس الإنسان ليست ملكاً له؛ بل هو مؤتمن عليها ومطالب بالمحافظة عليها حتى يلقى ربه.
وقد ثبت في الصحيح عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من حلف بملة سوى الإسلام كاذبا فهو كما قال، ومَن قتل نفسه بشيء عُذِّب به يوم القيامة، ومَن رمى مؤمناً بكفر فهو كَقَتْله، ولعْن المؤمن كقتله" رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعنها في النار". رواه البخاري، وأحمد.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبداً" رواه مسلم.
بل كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي على قاتل نفسه كما ثبت في الصحيح عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص، فلم يصلِّ عليه" رواه مسلم.
ونصوص العلماء قديماً وحديثاً ظاهرة متضافرة على تحريم هذا العمل، وبيان عِظَم جُرم مرتكبه، فلا يجوز قتل النفس تعبيراً عن الغضب، أو طلباً لرفع الظلم، وإنما يكون إزالة الظلم بالطرق والأساليب الشرعية التي لا يترتب عليها مفاسد أعظم مما يراد زواله.
فمن الأساليب المحرمة قتل النفس وانتهاك الأعراض وإتلاف الأموال والإخلال بالأمن، ومن القواعد المقررة في الشريعة أن (الغاية الشريفة لا تبرر الوسيلة المحرمة).
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا" رواه البخاري، ومن الضرورات التي جاءت الشرائع السماوية بالمحافظة عليها الحفاظ على الأنفس والأموال والأعراض؛ لذا فعلى العلماء والدعاة والموجهين أن يبينوا للناس حرمة ذلك، قال سبحانه: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة:32].
وعلى وسائل الإعلام أن تبصر الناس بسوء هذا العمل في العاجل والآجل.
حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، وأصلح أحوال المسلمين وولاتهم، وهداهم للالتزام بشرعه؛ فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وكفى الله المسلمين شر الظالمين أينما كانوا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتب ناصر بن سليمان العمر
الثلاثاء 14 صفر 1432هـ
أ.د. ناصر العمر | 14/2/1432 هـ
رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد تناقلت الأنباء بعد أحداث تونس تكرار محاولة إحراق النفس في عدد من البلدان العربية؛ اقتداءً بمن أحرق نفسه في تونس، ومن المعلوم من الدين بالضرورة سوء عاقبة الظلم وتحريمه بالنصوص القطعية من الكتاب والسنة، ومن ذلك ما ثبت في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا" رواه مسلم.
والأمة تعيش مظالم عظيمة في كثير من بلاد المسلمين، ولا يجوز السكوت على هذه المظالم الخاصة والعامة فضلاً عن إقرارها أو تأييدها، بل يجب السعي الجاد لرفعها عن الشعوب والأفراد بكل وسيلة شرعية ممكنة؛ لأن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده، {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:25]، لكن مع هذا فلا يجوز أن يكون قتل النفس من أساليب رفع الظلم، فإن شرف الغاية لا يبرر الوسيلة المحرمة؛ لأن قتل النفس من أكبر الذنوب كما في نصوص الكتاب والسنة، قال سبحانه: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29]، وقال سبحانه: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195].
وقتل النفس يدخل في ذلك، فنفس الإنسان ليست ملكاً له؛ بل هو مؤتمن عليها ومطالب بالمحافظة عليها حتى يلقى ربه.
وقد ثبت في الصحيح عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من حلف بملة سوى الإسلام كاذبا فهو كما قال، ومَن قتل نفسه بشيء عُذِّب به يوم القيامة، ومَن رمى مؤمناً بكفر فهو كَقَتْله، ولعْن المؤمن كقتله" رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعن نفسه يطعنها في النار". رواه البخاري، وأحمد.
وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبداً" رواه مسلم.
بل كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي على قاتل نفسه كما ثبت في الصحيح عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص، فلم يصلِّ عليه" رواه مسلم.
ونصوص العلماء قديماً وحديثاً ظاهرة متضافرة على تحريم هذا العمل، وبيان عِظَم جُرم مرتكبه، فلا يجوز قتل النفس تعبيراً عن الغضب، أو طلباً لرفع الظلم، وإنما يكون إزالة الظلم بالطرق والأساليب الشرعية التي لا يترتب عليها مفاسد أعظم مما يراد زواله.
فمن الأساليب المحرمة قتل النفس وانتهاك الأعراض وإتلاف الأموال والإخلال بالأمن، ومن القواعد المقررة في الشريعة أن (الغاية الشريفة لا تبرر الوسيلة المحرمة).
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في بلدكم هذا ، في شهركم هذا" رواه البخاري، ومن الضرورات التي جاءت الشرائع السماوية بالمحافظة عليها الحفاظ على الأنفس والأموال والأعراض؛ لذا فعلى العلماء والدعاة والموجهين أن يبينوا للناس حرمة ذلك، قال سبحانه: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة:32].
وعلى وسائل الإعلام أن تبصر الناس بسوء هذا العمل في العاجل والآجل.
حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، وأصلح أحوال المسلمين وولاتهم، وهداهم للالتزام بشرعه؛ فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وكفى الله المسلمين شر الظالمين أينما كانوا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتب ناصر بن سليمان العمر
الثلاثاء 14 صفر 1432هـ