حكم الإسلام في الرشوة
عن أبى حميد الساعدى رضي الله عنه قال : استعمل النبي صلي الله علية
وسلم رجلا من الأزد يقال له : "ابن اللتبية " على الصدقة ، فلما قدم
قال : هذا لكم ، وهذا أهدى إلى !!.
قال : فقام رسول الله صلي الله علية وسلم ،فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال
"أما بعد :
فإني أستعمل الرجل منكم علي العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول : هذا
لكم وهذا هدية أهديت لي ، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته
إن كان صادقا ؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله بحمله
يوم القيامة فلا أعرفن أحدكم منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء ، أو بقرة
لها خوار ، أو شاة تيعر "، ثم رفع يديه حتى رؤى بياض إبطيه يقول :
"اللهم هل بلغت ".
أخي المسام : في هذه " الوصية " يحذر النبي الكريم صلي الله عليه
وسلم من استغلال المناصب ، وينكح جماح كل من ولاه الله تعالى منصبا
عن أموال الناس وهداياهم ، ويبين فيها : أن من استعمل علي عمل فمد
يده لهدايا الناس أو أموالهم فهو آثم ومرتش
تعريف الرشوة :
الرشوة : ـ بفتح الراء وكسرها ـ هي ما يمده المحتاج من مصانعة ومالونحوه لنيل حاجة متعذرة .
"أو هي :ما يدفعه ظالم لأخذ حق ليس له ، أو لتفويت حق علي صاحبهانتقاما منه ومكرا به ، وللحصول علي مناصب ليس جديرا به ، أو عمل
ليس أهلا له .
والرشوة : مأخوذة من الرشا أو الرشاء وهو " الدلو " أو "الحبل الذييدلى ف البئر من أجل الحصول علي الباقية .
فهو يمد للحاكم حبال مودته الكاذبة من أجل أن ينال ما يريد منه بأيسرطريق ، وأخس وسيلة غير مبال بما يترتب علي ذلك من العواقب
المهلكة والجرائم المزرية بالأخلاق والقيم " .
وهى : ضرب من ضروب أكل أموال الناس بالباطل ، وهى ماحقة
للبركة ومزيلة لها .
والراشي: المعطي للرشوة .
والمرتشي : الآخذ لها .
والرائش : الوسيط بينهما .
تحريم الرشوة بالكتاب والسنة :
جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تحذر من الرشوة ، ومن أكلأموال الناس بالباطل :
- قال تعالى : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى
الحاكم لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ".
أي : لا تدلوا بأموالكم إلى الحاكم ، أي لا تصانعوهم بها ولا ترشوهم
ليقتطعوا لكم حقا لغيركم وأنتم تعلمون أنه لا يحل لكم .
- وعن أبى أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه
وسلم : "من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له عليها هدية فقد أتى بابا عظيما
من أبواب الربا ".
- وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال : " لعن رسول الله صلي الله
عليه وسلم الراشي والمرتشي في الحكم " .؟ رواه الترمذى وحسنه وابن
حبان في "صحيحة " والحاكم ، وزادوا : "والرائش " .
- وعن عبد اله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلي الله عليه
وسلم : " لعنه الله علي الراشي والمرتشي ".
- ومن الآثار قال ابن مسعود رضي الله عنه : " الرشوة في الحكم
كفر ، وهي بين لناس سحت ".
وعنه رضي الله عنه ، قال : " السحت أن تطلب لأخيك الحاجة فتقضي
فيهدى إليك هدية فتقبلها منه " .
أنواعها :
الرشوة ثلاثة أنواع :النوع الأول : ما يتوصل به إلى أخذ شيء بغير حق كالتي يدفعها
الجاهل الآثم ن لحاكم أو مسئول من أجل الحصول علي إعفاء من شيء
وجب عليه أداؤه ، أو للحصول علي شيء قبل أوانه ، أو من أجل ترويج
سلعة فاسدة ، أو من أجل أن يحظى بصيد ثمين في مزاد علني أو
مناقصة عالمية ، وما أشبه ذلك من الأمور التي يترتب عليها أكل أموال
الناس بالباطل . وهذا النوع هو من أشد الأنواع جرما وأعظمها إثما
وأكبرها خطرا على المجتمع .. قال الله تعالى : " ولا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحاكم لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم
وأنتم تعلمون " .
النوع الثاني : ما يتوصل به إلى تفويت حق على صاحبه انتقاما منه بدافعمن الغيرة والحسد وما إلى ذلك . وهو قريب من النوع الأول بل هو
داخل فيه . وهل هناك شيء أكبر جرما من ظلم الأخ لأخيه بمثل هذه
الوسيلة المخزية المردية ؟! ليس في العالمين أخبث سريرة ، وأسوأ
سيرة من ذلكم المحتال على الحاكم ، لحماهم على تضييع الأمانة ،
وتفويت الحقوق على مستحقيها .
النوع الثالث : ما يتوصل به إلى منصب أو عمل وهو حرام بإجماعالأمة ....وتشتد الحرمة إذا كان الراشي ليس جديرا بهذا المنصب ، ولا
أهلا لذاك العمل " .
متى تجوز الرشوة:
أجاز العلماء دفع الرشوة من أجل رفع ظلم أو رد حق ، شريطة أن يتيقن
من أنه لا يستطيع التوصل إلى دف هذا الظلم أو ر هذا الحق إلا إذا دفع
رشوة لمن بيده القدرة علي ذلك . والإثم هنا يقع على الآخذ دون
المعطي . وذلك لأن المشقة تجلب التيسير .. والله تعالى يقول : " لا
يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ". ورفع
الحرج له أصل في أصل في الشريعة ، شريطة أن تقدر الضرورة
بقدرها . وقال تعالى : " فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن
الله غفور رحيم " . فهذه الآية عامة تشمل بعمومها كل مضطر معرض
للخطر المحقق ،والضرر المحدق . ولا يجوز أن تتسع دائرة الإباحة في
هذا الأمر لتشمل كل اضطرار فهناك ضر خفيف لا يقاوم إثم الرشوة وما
يترتب عليها من غضب وعقاب ! وبالجملة : فالإنسان أبصر بنفسه ،
وهو المسئول وحده عن تصرفه بين يدي الله يوم القيامة ، هل كان
معذورا أم لا ؟ والسعيد من أعد للسؤال جوابا . فإذا تعرض لدفع رشوة
وهو كاره ، ومضطر فلا جناح عليه عند جمهور العلماء ، ولكن عليه أن
يتبع السيئة بالحسنة . أما المرتشي فإن عليه من الوزر ما تقشعر منه
القلوب والأبدان . إن ذنب الرشوة لا يقل عن الربا لما فيها من استغلال
القوى للضعيف ، والحاكم للمحكوم ، ولما يترتب عليها من ضياع
للحقوق وإفساد للذمم وإغطاط الأخلاق .
وقال الحافظ الذهبي : ـرحمه الله تعالى ـ: "قال العلماء .... وإنما تلحقاللعنة الراشي إذا قصد بها أذية مسلم ، أو ينال بها ما لا يستحق . أما
إذا أعطى ليتوصل إلى حق له ويدفع عن نفسه ظلما فإنه غير داخل في
اللعنة . وأما الحاكم فالرشوة عليه حرام أبطل بها حقا أو دفع بها ظلما .
وقد روى من حديث آخر : " إن اللعنة على الرائش " أيضا وهو
الساعي بينهما ، وهما تابع للراشي في قصده ، إن كان خيرا لم تلحقه
اللعنة وإلا لحقته " وبالجملة : فالرشوة من أجل دفع الضرر ورد الحق
الضائع جائزة شرعا وعرفا بشرطين .
الأول : تيقنه من استحالة نيل حقوقه إلا بها (وتكون بقدر الضرورة
فقط ) .
والثاني : ألا يستحل ذلك ، بل يستنكره في نفسه على الأقل ، ويستغفر الله
تعالى .
أخي المسلم : لقد سمعت عن عقوبة الراشي والمرتشي والرائش فيالآخرة وهي اللعن والطرد من رحمة الله . وسمعت شيئا عن
مفاسدها فى المجتمع ، أفلا يكون في ذلك ، راعا عنها لكل مؤمن يخشى
الله ويخاف عقابه ، ولكل مخلص يحافظ علي دينه ومجتمعه ؟!. كيف
يرضي مسلم أن يعرض نفسه لغضب الله وعقوبته ؟ بل كيف يرضي أن
يخون دينه وأمانته ؟. هل يليق بمؤمن يعرف الله ويوقن باليوم الآخر أن
يسعى في فساد المجتمع وإبادته ؟!.
إن الرشوة : " تطمس الحق ، وتحجب العدل ، وتكون سببا في ضياعالحقوق وإعطاء من لا يستحق ما ليس له ، كما تساعد على إخفاء
الجرائم ، وتستر القبائح ، وتقلب الوقائع . وقد تقدم غير الكفء على
الكفء ، وترفع الخامل ،وتخفض المجد ، وتنفع الغنى القادر وتضر
الفقير المحتاج وقد تجلب لبلاد المسلمين المواد الفاسدة والمخدرة
والسموم والمحرمات وتتيح التجسس ويحل الغش محل الإخلاص ،
والخيانة محل الأمانة ... وما ترتب على ذلك من المفاسد والآثار البالغة
السوء على الأفراد والجماعات والأمة الإسلامية ، ولهذا كانت الرشوة
في نظر أهل الدنيا جريمة يعاقب عليها القانون ، وخيانة وطنية ، وهي
في نظر الشرع إثم عظيم ، وقد تكون وسيلة للكفرـوالعياذ بالله ـ إذا
أحلت حراما وحرمت حلالا وهذا ما ينطق به الواقع المؤلم !!!. فما
فشت الرشوة في أمة إلا وحل فيها الغش محل النصح ، والخيانة محل
الأمانة ، والخوف محل الأمن ، والظلم محل العدل . فالرشوة مهدرة
للحقوق ،معطلة للمصالح ، مجرئة للظلمة والمفسدين . ما فشت في
مجتمع إلا وآنت بهلاكه"
. والخلاصة :
- 1ـ التحذير من الرشوة والإعانة عليها .قال تعالى : "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ".
- 2ـ الرشوة سبب مباشر لعدم إجابة الدعاء ، لأن الحرام يوصد
أبواب السماء أمام الداعي !! وفى "صحيح مسلم "حين ذكر النبي
صلي الله علية وسلم " الرجل يطيل السفر أشعت أغير يمد يديه إلى
السماء يا رب ، وطعمه من حرام ، ومشربه من حرام ، وملبسة من
حرام ، وغذى بالحرام فأنى يستجاب لذلك ؟!".
- 3ـ الرشوة سبب مباشر لدخول النار . ففي " صحيح البخاري ":
أن رسول الله سلم قال : "إن رجالا يتخوضون في مال
الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ". وعن ابن مسعود رضي الله عنه
قال : "إن الله عز وجل قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم ، وإن
الله عز وجل يعطى الدنيا من يجب ومن لا يجب ، ولا يعطى الدين إ من
أجب ، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ، والذي نفسي بيده لا يسلم عبد
حتى يسلم قلبه ولسانه ، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه ، ولا يكسب
مالا من حرام فينفق منه فيبارك فيه ، ولا يتصدق به فيقبل منه ، ولا
يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار . إن الله لا يمحو السيئ
بالسيئ،ولكن يمحو السيئ بالحسن . إن الخبيث لا يمحو الخبيث ".
- 4 ـ الرائش يعين المرتشي على الظلم ، والله تعالى يقول : " ولا
تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم
لا تنصرون ". وقال مكحول الدمشقي ـ رحمه الله تعالى ـ: "ينادى مناد
يوم القيامة : أين الظلمة وأعوانهم ؟ فما يبقى أحد مد لهم حبرا أو حبر
لهم دواة أو برى لهم قلما فما فوق ذلك إلا حضر معهم فيجمعون في
تابوت من نار فيلقون في جهنم " .
- 5 ـ الرشوة تؤدى إلى اختلال ميزان العدالة في المجتمع ،
وإحداث خلل فيه ، قد يؤدى إلى ضياعه وانهياره . قال الشيخ الإسلام
ابن تيمية -رحمه الله تعالى-:" إن الله تعالى ينصر الدولة العادلة وإن
كانت كافرة ، ويخذل الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة!".
- 6- الهدايا التي تقدم للموظفين من الرعية ، تعد رشوة مقنعة ، لذا
أنكر النبي سلم على " ابن اللتبية " قائلا : " أفلا جلس
في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا ؟ والله لا يأخذ أحد
منكم شيئا بغير حق إلا لقي الله يحمله يوم القيامة." الحديث
- 7ـ وجوب محاسبة الموظفين والقائمين على أعمال داخل الدولة أو
خارجها من جهة ولاة الأمور إذا حدث تجاوز كما فعل النبي صلي الله
عليه وسلم مع " ابن اللتبية "