إن نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا -صلى الله عليه وسلم- رسول الله، أما بعد:
فقد فرض الله عز وجل الحج على عباده؛ فقال تعالى: {وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران: 97]، وجعل هذا الفرض ركنا من الأركان التي يقوم الإسلام عليها، كما قال صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس ....»، وذكر منها «وحج البيت..» [رواه البخاري ومسلم].
وقد رصد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل المكافآت للحج، فقال صلى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه» [رواه البخاري]، «والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» [رواه البخاري].
ولا يخفى أن هذين الفضلين العظيمين مشروطان ببر الحج الذي بعض مظاهرة اجتناب الرفث والفسوق، ولكن ليس حقيقة الحج المبرور اجتناب الرفث والفسوق فقط بل حقيقته أيضا:
- الإخلاص: فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى....» [رواه البخاري]، وقد قال تعالى في بعض أعمال الحج: {لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ} [سورة الحج: 37].
- الاتباع وعدم الابتداع: فقلوب المؤمنين وعقولهم دائما متعلقة بهدى النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف لا يكونون كذلك، وقد قال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [سورة الأحزاب: 21]، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد» [رواه البخاري]، وفي رواية لمسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد». وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» [رواه مسلم].
وكذلك من بر الحج ألا يشق الإنسان على نفسه في الأعمال: فإنه {لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [سورة البقرة: 286]، وإنما {يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [سورة البقرة: 185]، وقال صلى الله عليه وسلم: «فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» [رواه البخاري].
ملخص أركان وواجبات الحج:
- أركان الحج:
1- الإحرام.
2- الوقوف بعرفة.
3-طواف الإفاضة.
4-السعي
- واجبات الحج:
1) الإحرام من الميقات: "للقادم من وراء الميقات، أما من كان دونها فيحرم من مكانه، أما في العمرة فإن من في مكة يخرج إلى الحل فيحرم منه".
2) الوقوف بعرفة إلى الغروب لمن وقف نهارا.
3) المبيت بمزدلفة
4) المبيت ليالي التشريق بمنى.
5) رمي الجمرات ( جمرة العقبة يوم النحر، والجمار الثلاث أيام التشريق بالترتيب).
6) الحلق أو التقصير.
7) نحر الهدي (للمتمتع والقارن دون المفرد).
8) طواف الوداع.
- أخطاء في الإحرام:
1) تأخير الإحرام لما بعد الميقات.
2) الاعتقاد خطئا أن الإحرام هو لبس ملابس الإحرام، والصواب أنه عقد نية الإحرام وأداء المناسك، أو أن الإحرام خاص بالكبار فقط فيبيحون للصغار محظورات الإحرام، وهذا خطأ كبير، أو أن الإحرام لابد أن يكون في المسجد الموجود عند الميقات.
3) اشتراط مواصفات لزي الإحرام ليست واجبة، كشرط الإحرام في النعلين، أو تحديد لون محدد للرجال أو النساء، أو ارتداء بعض النساء لما يشبه العمائم لترفع بها الخمار، وهو تكلف، وتحريم بعض النساء الحلي وهو جائز لهن.
4) مخالفة السنة، كالاضطباع من بداية الإحرام، وهو ليس سنة إلا في طواف القدوم فقط.
5) اشتراط أعمال عند الإحرام وهي لا تجب، مثل صلاة ركعتين بعد الإحرام في الميقات، أو الاغتسال.
6) اعتقاد بعض النساء أن الطهارة من الحيض والنفاس شرط في صحة الإحرام فيؤخرنها لحين الطهر، وهذا خطأ.
7 ) ارتكاب بعض محظورات الإحرام، كحلق بعض الرجال لرؤوسهم أو تغطيتها بعمامة أو ملاصق، أو ارتداء بعض النساء للنقاب أو القفاز، وهذا كله محظور.
8) عمل بعض المحرمات مطلقا، مثل ممن يحلق لحيته من الرجال، أو يهمل أمر ستر عورته جالسا أو نائما، أو من يصلى بعد العصر أو بعد الفجر وقت النهي، أو ارتداء بعض النساء لملابس معطرة أو ملفتة.
- أخطاء في التلبية:
1) التلبية بما لا يوافق السنة، وقول البعض: "اللهم إني أريد العمرة، أو أريد الحج، أو أريد الحج والعمرة.."، والصواب قول: "لبيك عمرة أو لبيك حجة، أو لبيك عمرة وحجة".
2) التلبية الجماعية.
3) بعض الرجال يسرون بالتلبية، وبعض النساء يجهرون بها.
4) التلبية مع عدم فهم معناها، أو دون تدبر المعنى، ومنهم من يهملها لفظا ومعنى وينشغل بالكلام العادي.
- أخطاء في المسجد الحرام:
1) الاعتقاد خطئا أن المسجد الحرام له أدعية وتحية تختلف عن بقية المساجد، والصواب أن أذكار المسجد الحرام وتحيته ركعتان مثل بقية المساجد، واعتقاد وجوب الدخول والخروج من باب معين.
2) البعض يصلي ركعتين تحية المسجد قبل الطواف، والبعض يطوف كلما دخل المسجد الحرام، والصواب أن طواف القدوم يكون عند دخول للمرة الأولى، ثم تكون صلاة التحية بعد الطواف، ثم إذا تكرر الدخول يكتفي بالركعتين و لا يجب الطواف.
3 ) إهمال بعض الحجاج آداب المساجد داخل المسجد الحرام فيرفعون أصواتهم، أو يمرون أمام المصلين المنفردين أو في النافلة، أو يبصقون تجاه القبلة أو على الأرض، أو يحجزون الأماكن لرفاقهم، و أصعب من ذلك مرور بعض النساء بين صفوف الرجال، أو اختلاطهن بهم.
أخطاء في الطواف:
1) في أدعية الطواف، فمنهم من يهمل الدعاء المسنون، ويدعو بأدعية مبتدعة كذلك يحدد دعاء لكل شوط، وكالذين يدعون بصوت جماعي، أو يجهرون بالدعاء.
2) تضييع شروط الطواف، كمن يطوف من غير وضوء، بل ومنهم من لا يهتم بالبدء من محازاة الحجر الأسود، ومنهم من يمرون داخل الحجر، أو هذا خطأ.
3) الإخلال بالسنن، مثل من يطوف دون اضطباع، أو يرمل الأشواط كلها، أو يمشيها كلها، أو يعكس في الرمل، والصواب أن يرمل أول ثلاث أشواط في يمشي الأربعة الباقية، ومنهم من يطوف عكس الاتجاه، ومنهم من لا يدعو أثناء الطواف، ومنه من يهمل استلام الحجر والركن أو يستلمهما باليسرى بدلا من اليمنى، ومنهم من يترك التكبير حين استلامهما.
4) الوقوع في البدع، مثل التلفظ بالنية عند الشروع في الطواف، ومثل تقبيل الركن الأيمن والسنة استلامه باليد، ومثل التمسح بجدران الكعبة، ومثل الدعاء عند مقام إبراهيم كل شوط ومنه رفع اليدين معا عند الحجر الأسود كهيئة الصلاة كل شوط، ومنه تقبيل اليد لمن أشار إليه من بعيد والسنة تقبيل العصا أو المحجن إن كان، أما اليد فيشار بها فقط. ومنها الانصراف بعد الطواف على الأقفية (بالظهر).
5) تعنت البعض، كمن يلزم نفسه بالطواف بمجرد وصوله إلى المسجد مهما كان متعبا، ومن يزاحم عند الحجر الأسود لاستلامه أو استلام الركن اليماني، والصواب أنه تكفيه الإشارة إليهما، ومنه التدافع في الطواف وإيذاء الحجاج الطائفين، وكالذي يعتقد أن تقبيل الحجر شرط لصحة الطواف.
6) العقائد الشركية، كمن يتبرك بالحجر أو الركن.
7) إهمال الآداب الإسلامية؛ فمنهم من يشتم أو يسب أو يجادل بغير حق، ومن الرجال والنساء من قد يختلطون في الطواف.
- أخطاء في ركعتي الطواف:
1) اعتقاد البعض خطئا أنهما لا تجزئان إلا خلف المقام بالقرب منه.
2) الإخلال بالسنة، فيطيل بعضهم الركعتين، أو يكثر من الركعات والسنة أنهما ركعتان قصيرتان.
3) الوقوع في البدع؛ فيجلس بعضهم بعد الركعتين يدعو ، ومنهم من يطيل هذا الدعاء، ومنهم من يرددون الدعاء جميعا بصوت مرتفع فيخالفون السنة ويشوشون على المصلين، ويشغلون المكان بعمل غير صالح.
- أخطاء في السعي:
1) في الذكر والدعاء، نجد البعض بنطق بالنية والبعض يخصص دعاء لكل شوط وهذان بدعتان.
2) وفي هيئة السعي، تجد البعض يرمل في جميع الشوط، بينما السنة أن يرمل بين العلمين الأخضرين فقط، ويمشي في بقية الشوط ونجد بعض النساء ويرملن وهو سنة للرجال فقط، ونجد البعض يضطبع في السعي كهيئته فيا لطواف وهذا خطأ، ونجد العض يبدأ السعي من المروة والصواب أن يبدأ بالصفا.
3) اعتقاد خطأ: كمن يظن أن الشوط هو الذهاب من الصفا إلى المروة ثم العودة، لكن الصواب أن الذهاب شوط والعودة شوط آخر ومنهم من يعتقد أن الطهارة والوضوء شرط في صحة السعي، وليس كذلك، ومن ذلك أن بعض النساء إذا كن حوائض أو في نفاس فإنهن لا يسعين والصواب أنه يجوز لهن السعي، ومنهم من يعتقد أن السعي يجب أن يتبع الطواف مباشرة مهما كان الحاج متعبا والصواب جواز الفضل، ومنهم من يعتقد أن السعي عبادة غير مرتبطة بالحج أو العمرة فيطوف من غيرها، والصواب أن السعي مرتبط بهما، وهو من دونهما بدعة.
4) الإخلال بالسنة، مثل من يصعد إلى الصفا ولا يستقبل القبلة ولا يدعو، أو يصعد فيهمل رفع اليدين، أو يرفعهما ولكن على هيئة التكبير في الصلاة والصواب أن يرفعهما على هيئة الدعاء.
5) يتساهل البعض فيسعى راكبا بدون عذر.
6) الوقوع في حرام، كمن يترك صلاة الجماعة ليتم السعي، أو يندفع فيضر بالحاج.
- أخطاء في منى يوم التروية:
1) إهمال البعض لهذا العمل، فيتوجهون إلى عرفة مباشرة، ومنهم من لا يثبت من مكانه إن كان في منى أو خارج حدودها.
2) مخالفة السنة، فمنهم من يترك التلبية في منى أو لا يجهر بها، ومنهم من يجمع الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء ويقصرهم، والصواب أن يقصر الرباعية مع صلاة كل فرض في وقتها ولا يجمع.
- أخطاء في يوم عرفة:
1) إهمال البعض فينزل خارج عرفة ولا يثبت من مكانه، وهذا خطأ يبطل الحج، كمن ينزل بالجزء الأمامي من مسجد نمرة، وهو خارج حدود عرفة، ومنهم من يهمل الدعاء وهو أفضل الدعاء.
2) مخالفة السنة، فمنهم من يترك التلبية أثناء السير إلى عرفة، ومنم من يترك التلبية أثناء السير إلى عرفة، ومنم من يصوم هذا اليوم على عرفة، ومنم من يتوجه أثناء الدعاء إلى جبل عرفة والصواب أن يتوجه إلى القبلة، ومنم من ينصرف مندفعا والسنة أن ينصرف بسكينة وخشوع.
3) اعتقاد البعض خطئا، وأنه لا يصح الوقوف بعرفة إلا بصعود الجبل، وهذا خطأ، أو أنه يجب صلاة الظهر والعصر مع الإمام في مسجد نمرة، وهذا خطأ، بل صلاتهما في أي محل بنمرة تجزئه وكذلك اعتقادهم أنه الوقوف في مسجد نمرة أفضل من غيره، والصواب أن عرفة كلها موقف.
4) الانشغال بما لا يفيد من الكلام واللهو، وحجز الأماكن، أو إعادة الحاجيات للانصراف حتى من قبل العصر.
5) الوقوع في الحرام، مثل التصوير والتدخين والاستهزاء بالحجاج والسباب وغيره.
6 ) أثناء الانصراف، منهم من ينصرف مسرعا فيؤذي من حوله باندفاعه أو ببوق سيارته، ومنهم من يهمل التلبية أثناء الانصراف.
- أخطاء في مزدلفة:
1) إهمال البعض فلا يثبتون بمكانهم فينزلون خارج مزدلفة.
2 ) مخالفة السنة، فمنهم من يصلي المغرب والعشاء في الطريق إلى مزدلفة، والصواب أن يجمعهما قصرا فيها، ومنهم من يجمعهم ولكن يؤخرها حتى يخرج وقت العشاء، ومنم من يقضي الليل، ومنهم من لا ينتظر حتى الفجر فينصرف ليلا، ومنهم من يصلي الفجر قبل وقته، ومنهم من ينتظر حتى تشرق الشمس والصواب أن ينصرف قبل أن تطلع، ومنهم من يترك التلبية في طريقه إلى مزدلفة ثم فوقها ثم وهو منصرف عنها.
- أخطاء في رمي الجمرات:
1) اعتقاد البعض خطئا، أن الحصا لابد أن يكون من مزدلفة، أو أن الحصا لابد أن تصيب العمود القائم بالحوض، أو أنه يرمي الشياطين برمية الجمرات حتى أن البعض يطلق على الجمرات اسم "الشياطين"، ومنهم من يعتقد استحباب غسل الحصا.
2) الإهمال: فالبعض لا يهتم سواء وقع الحصا في الحوض أو خارجه، ومنهم من يوكل من يرمي عنه رغم قدرته على الرمي، هربا من الزحام.
3) مخالفة السنة؛ فمنهم من يرميها بعنف وصراخ وشتم، ومنهم من يرمي بأكثر من سبع، ومنهم من يكرر الرمي عدة مرات ومنهم من يرميها قبل الزوال وكل هذا خطأ.
- أخطاء عن ذبح الهدي:
1) مخالفة السنة؛ فمنهم من يذبح خارج الحرم، ومنهم من يذبح هديه ثم يرميه دون توزيعه أن نيابه أحد في التوزيع ومنهم من يذبح قبل يوم العيد.
2) الإهمال: فلا يهتم البعض باختيار الهدي المجزء فيذبح الهدي صغيرا أو معيبا.
3) تضييع سنن وأحكام الأضحية والزكاة.
- أخطاء عند الحلق والتقصير:
1) مخالفة السنة؛ فالبعض قد يقصر أو يحلق رأسه من جهة ويترك الباقي، وهذا منهي عنه ومنهم من يبدأ الحلق أو التقصير بالجهة اليسرى والصواب أن يبدأ باليمنى.
2) البعض يتحلل قبل الحلق، فإذا أنهى السعي تحلل ولبس ثيابه ثم حلق، والصواب أن الحلق يسبق التحلل الأول.
- أخطاء في طواف الوداع:
1) مخالفة السنة، فالبعض يطوف للوداع قبل أن يرمي الجمرات، بينما الواجب أن يكون طواف الوداع هو آخر أعمال الحج والمحرم. ومنه أن البعض بعد أن يطوف الوداع يبقى في مكة والصواب أنه مادام طاف للوداع ينصرف، ومنه أن البعض يطوف الوداع على هيئة طواف القدوم فيضطبع ويرمل ثلاثة أشواط ويمشي الأربعة، بينما ذلك من خصائص طواف القدوم فقط.
2) الوقوع في البدع، مثل من يدعو حين انصرافه بأدعية بدعية ليست من السنة، ومثل أن ينصرف بعد الطواف عن البيت بظهره حتى يخرج من الساحة أو المسجد، وهذا لا أصل له.
3) إهمال البعض لسنن الخروج من المسجد وهو منصرف عن المسجد الحرام، فينسى دعاء الخروج من المسجد، وكما سبق في أول الكلام، أن المسجد الحرام حكمه في التحية والآداب مثل بقية المساجد.
وصل اللهم وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين
فقد فرض الله عز وجل الحج على عباده؛ فقال تعالى: {وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [سورة آل عمران: 97]، وجعل هذا الفرض ركنا من الأركان التي يقوم الإسلام عليها، كما قال صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس ....»، وذكر منها «وحج البيت..» [رواه البخاري ومسلم].
وقد رصد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل المكافآت للحج، فقال صلى الله عليه وسلم: «من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه» [رواه البخاري]، «والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» [رواه البخاري].
ولا يخفى أن هذين الفضلين العظيمين مشروطان ببر الحج الذي بعض مظاهرة اجتناب الرفث والفسوق، ولكن ليس حقيقة الحج المبرور اجتناب الرفث والفسوق فقط بل حقيقته أيضا:
- الإخلاص: فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى....» [رواه البخاري]، وقد قال تعالى في بعض أعمال الحج: {لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ} [سورة الحج: 37].
- الاتباع وعدم الابتداع: فقلوب المؤمنين وعقولهم دائما متعلقة بهدى النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف لا يكونون كذلك، وقد قال تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [سورة الأحزاب: 21]، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد» [رواه البخاري]، وفي رواية لمسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد». وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» [رواه مسلم].
وكذلك من بر الحج ألا يشق الإنسان على نفسه في الأعمال: فإنه {لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [سورة البقرة: 286]، وإنما {يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [سورة البقرة: 185]، وقال صلى الله عليه وسلم: «فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» [رواه البخاري].
ملخص أركان وواجبات الحج:
- أركان الحج:
1- الإحرام.
2- الوقوف بعرفة.
3-طواف الإفاضة.
4-السعي
- واجبات الحج:
1) الإحرام من الميقات: "للقادم من وراء الميقات، أما من كان دونها فيحرم من مكانه، أما في العمرة فإن من في مكة يخرج إلى الحل فيحرم منه".
2) الوقوف بعرفة إلى الغروب لمن وقف نهارا.
3) المبيت بمزدلفة
4) المبيت ليالي التشريق بمنى.
5) رمي الجمرات ( جمرة العقبة يوم النحر، والجمار الثلاث أيام التشريق بالترتيب).
6) الحلق أو التقصير.
7) نحر الهدي (للمتمتع والقارن دون المفرد).
8) طواف الوداع.
- أخطاء في الإحرام:
1) تأخير الإحرام لما بعد الميقات.
2) الاعتقاد خطئا أن الإحرام هو لبس ملابس الإحرام، والصواب أنه عقد نية الإحرام وأداء المناسك، أو أن الإحرام خاص بالكبار فقط فيبيحون للصغار محظورات الإحرام، وهذا خطأ كبير، أو أن الإحرام لابد أن يكون في المسجد الموجود عند الميقات.
3) اشتراط مواصفات لزي الإحرام ليست واجبة، كشرط الإحرام في النعلين، أو تحديد لون محدد للرجال أو النساء، أو ارتداء بعض النساء لما يشبه العمائم لترفع بها الخمار، وهو تكلف، وتحريم بعض النساء الحلي وهو جائز لهن.
4) مخالفة السنة، كالاضطباع من بداية الإحرام، وهو ليس سنة إلا في طواف القدوم فقط.
5) اشتراط أعمال عند الإحرام وهي لا تجب، مثل صلاة ركعتين بعد الإحرام في الميقات، أو الاغتسال.
6) اعتقاد بعض النساء أن الطهارة من الحيض والنفاس شرط في صحة الإحرام فيؤخرنها لحين الطهر، وهذا خطأ.
7 ) ارتكاب بعض محظورات الإحرام، كحلق بعض الرجال لرؤوسهم أو تغطيتها بعمامة أو ملاصق، أو ارتداء بعض النساء للنقاب أو القفاز، وهذا كله محظور.
8) عمل بعض المحرمات مطلقا، مثل ممن يحلق لحيته من الرجال، أو يهمل أمر ستر عورته جالسا أو نائما، أو من يصلى بعد العصر أو بعد الفجر وقت النهي، أو ارتداء بعض النساء لملابس معطرة أو ملفتة.
- أخطاء في التلبية:
1) التلبية بما لا يوافق السنة، وقول البعض: "اللهم إني أريد العمرة، أو أريد الحج، أو أريد الحج والعمرة.."، والصواب قول: "لبيك عمرة أو لبيك حجة، أو لبيك عمرة وحجة".
2) التلبية الجماعية.
3) بعض الرجال يسرون بالتلبية، وبعض النساء يجهرون بها.
4) التلبية مع عدم فهم معناها، أو دون تدبر المعنى، ومنهم من يهملها لفظا ومعنى وينشغل بالكلام العادي.
- أخطاء في المسجد الحرام:
1) الاعتقاد خطئا أن المسجد الحرام له أدعية وتحية تختلف عن بقية المساجد، والصواب أن أذكار المسجد الحرام وتحيته ركعتان مثل بقية المساجد، واعتقاد وجوب الدخول والخروج من باب معين.
2) البعض يصلي ركعتين تحية المسجد قبل الطواف، والبعض يطوف كلما دخل المسجد الحرام، والصواب أن طواف القدوم يكون عند دخول للمرة الأولى، ثم تكون صلاة التحية بعد الطواف، ثم إذا تكرر الدخول يكتفي بالركعتين و لا يجب الطواف.
3 ) إهمال بعض الحجاج آداب المساجد داخل المسجد الحرام فيرفعون أصواتهم، أو يمرون أمام المصلين المنفردين أو في النافلة، أو يبصقون تجاه القبلة أو على الأرض، أو يحجزون الأماكن لرفاقهم، و أصعب من ذلك مرور بعض النساء بين صفوف الرجال، أو اختلاطهن بهم.
أخطاء في الطواف:
1) في أدعية الطواف، فمنهم من يهمل الدعاء المسنون، ويدعو بأدعية مبتدعة كذلك يحدد دعاء لكل شوط، وكالذين يدعون بصوت جماعي، أو يجهرون بالدعاء.
2) تضييع شروط الطواف، كمن يطوف من غير وضوء، بل ومنهم من لا يهتم بالبدء من محازاة الحجر الأسود، ومنهم من يمرون داخل الحجر، أو هذا خطأ.
3) الإخلال بالسنن، مثل من يطوف دون اضطباع، أو يرمل الأشواط كلها، أو يمشيها كلها، أو يعكس في الرمل، والصواب أن يرمل أول ثلاث أشواط في يمشي الأربعة الباقية، ومنهم من يطوف عكس الاتجاه، ومنهم من لا يدعو أثناء الطواف، ومنه من يهمل استلام الحجر والركن أو يستلمهما باليسرى بدلا من اليمنى، ومنهم من يترك التكبير حين استلامهما.
4) الوقوع في البدع، مثل التلفظ بالنية عند الشروع في الطواف، ومثل تقبيل الركن الأيمن والسنة استلامه باليد، ومثل التمسح بجدران الكعبة، ومثل الدعاء عند مقام إبراهيم كل شوط ومنه رفع اليدين معا عند الحجر الأسود كهيئة الصلاة كل شوط، ومنه تقبيل اليد لمن أشار إليه من بعيد والسنة تقبيل العصا أو المحجن إن كان، أما اليد فيشار بها فقط. ومنها الانصراف بعد الطواف على الأقفية (بالظهر).
5) تعنت البعض، كمن يلزم نفسه بالطواف بمجرد وصوله إلى المسجد مهما كان متعبا، ومن يزاحم عند الحجر الأسود لاستلامه أو استلام الركن اليماني، والصواب أنه تكفيه الإشارة إليهما، ومنه التدافع في الطواف وإيذاء الحجاج الطائفين، وكالذي يعتقد أن تقبيل الحجر شرط لصحة الطواف.
6) العقائد الشركية، كمن يتبرك بالحجر أو الركن.
7) إهمال الآداب الإسلامية؛ فمنهم من يشتم أو يسب أو يجادل بغير حق، ومن الرجال والنساء من قد يختلطون في الطواف.
- أخطاء في ركعتي الطواف:
1) اعتقاد البعض خطئا أنهما لا تجزئان إلا خلف المقام بالقرب منه.
2) الإخلال بالسنة، فيطيل بعضهم الركعتين، أو يكثر من الركعات والسنة أنهما ركعتان قصيرتان.
3) الوقوع في البدع؛ فيجلس بعضهم بعد الركعتين يدعو ، ومنهم من يطيل هذا الدعاء، ومنهم من يرددون الدعاء جميعا بصوت مرتفع فيخالفون السنة ويشوشون على المصلين، ويشغلون المكان بعمل غير صالح.
- أخطاء في السعي:
1) في الذكر والدعاء، نجد البعض بنطق بالنية والبعض يخصص دعاء لكل شوط وهذان بدعتان.
2) وفي هيئة السعي، تجد البعض يرمل في جميع الشوط، بينما السنة أن يرمل بين العلمين الأخضرين فقط، ويمشي في بقية الشوط ونجد بعض النساء ويرملن وهو سنة للرجال فقط، ونجد البعض يضطبع في السعي كهيئته فيا لطواف وهذا خطأ، ونجد العض يبدأ السعي من المروة والصواب أن يبدأ بالصفا.
3) اعتقاد خطأ: كمن يظن أن الشوط هو الذهاب من الصفا إلى المروة ثم العودة، لكن الصواب أن الذهاب شوط والعودة شوط آخر ومنهم من يعتقد أن الطهارة والوضوء شرط في صحة السعي، وليس كذلك، ومن ذلك أن بعض النساء إذا كن حوائض أو في نفاس فإنهن لا يسعين والصواب أنه يجوز لهن السعي، ومنهم من يعتقد أن السعي يجب أن يتبع الطواف مباشرة مهما كان الحاج متعبا والصواب جواز الفضل، ومنهم من يعتقد أن السعي عبادة غير مرتبطة بالحج أو العمرة فيطوف من غيرها، والصواب أن السعي مرتبط بهما، وهو من دونهما بدعة.
4) الإخلال بالسنة، مثل من يصعد إلى الصفا ولا يستقبل القبلة ولا يدعو، أو يصعد فيهمل رفع اليدين، أو يرفعهما ولكن على هيئة التكبير في الصلاة والصواب أن يرفعهما على هيئة الدعاء.
5) يتساهل البعض فيسعى راكبا بدون عذر.
6) الوقوع في حرام، كمن يترك صلاة الجماعة ليتم السعي، أو يندفع فيضر بالحاج.
- أخطاء في منى يوم التروية:
1) إهمال البعض لهذا العمل، فيتوجهون إلى عرفة مباشرة، ومنهم من لا يثبت من مكانه إن كان في منى أو خارج حدودها.
2) مخالفة السنة، فمنهم من يترك التلبية في منى أو لا يجهر بها، ومنهم من يجمع الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء ويقصرهم، والصواب أن يقصر الرباعية مع صلاة كل فرض في وقتها ولا يجمع.
- أخطاء في يوم عرفة:
1) إهمال البعض فينزل خارج عرفة ولا يثبت من مكانه، وهذا خطأ يبطل الحج، كمن ينزل بالجزء الأمامي من مسجد نمرة، وهو خارج حدود عرفة، ومنهم من يهمل الدعاء وهو أفضل الدعاء.
2) مخالفة السنة، فمنهم من يترك التلبية أثناء السير إلى عرفة، ومنم من يترك التلبية أثناء السير إلى عرفة، ومنم من يصوم هذا اليوم على عرفة، ومنم من يتوجه أثناء الدعاء إلى جبل عرفة والصواب أن يتوجه إلى القبلة، ومنم من ينصرف مندفعا والسنة أن ينصرف بسكينة وخشوع.
3) اعتقاد البعض خطئا، وأنه لا يصح الوقوف بعرفة إلا بصعود الجبل، وهذا خطأ، أو أنه يجب صلاة الظهر والعصر مع الإمام في مسجد نمرة، وهذا خطأ، بل صلاتهما في أي محل بنمرة تجزئه وكذلك اعتقادهم أنه الوقوف في مسجد نمرة أفضل من غيره، والصواب أن عرفة كلها موقف.
4) الانشغال بما لا يفيد من الكلام واللهو، وحجز الأماكن، أو إعادة الحاجيات للانصراف حتى من قبل العصر.
5) الوقوع في الحرام، مثل التصوير والتدخين والاستهزاء بالحجاج والسباب وغيره.
6 ) أثناء الانصراف، منهم من ينصرف مسرعا فيؤذي من حوله باندفاعه أو ببوق سيارته، ومنهم من يهمل التلبية أثناء الانصراف.
- أخطاء في مزدلفة:
1) إهمال البعض فلا يثبتون بمكانهم فينزلون خارج مزدلفة.
2 ) مخالفة السنة، فمنهم من يصلي المغرب والعشاء في الطريق إلى مزدلفة، والصواب أن يجمعهما قصرا فيها، ومنهم من يجمعهم ولكن يؤخرها حتى يخرج وقت العشاء، ومنم من يقضي الليل، ومنهم من لا ينتظر حتى الفجر فينصرف ليلا، ومنهم من يصلي الفجر قبل وقته، ومنهم من ينتظر حتى تشرق الشمس والصواب أن ينصرف قبل أن تطلع، ومنهم من يترك التلبية في طريقه إلى مزدلفة ثم فوقها ثم وهو منصرف عنها.
- أخطاء في رمي الجمرات:
1) اعتقاد البعض خطئا، أن الحصا لابد أن يكون من مزدلفة، أو أن الحصا لابد أن تصيب العمود القائم بالحوض، أو أنه يرمي الشياطين برمية الجمرات حتى أن البعض يطلق على الجمرات اسم "الشياطين"، ومنهم من يعتقد استحباب غسل الحصا.
2) الإهمال: فالبعض لا يهتم سواء وقع الحصا في الحوض أو خارجه، ومنهم من يوكل من يرمي عنه رغم قدرته على الرمي، هربا من الزحام.
3) مخالفة السنة؛ فمنهم من يرميها بعنف وصراخ وشتم، ومنهم من يرمي بأكثر من سبع، ومنهم من يكرر الرمي عدة مرات ومنهم من يرميها قبل الزوال وكل هذا خطأ.
- أخطاء عن ذبح الهدي:
1) مخالفة السنة؛ فمنهم من يذبح خارج الحرم، ومنهم من يذبح هديه ثم يرميه دون توزيعه أن نيابه أحد في التوزيع ومنهم من يذبح قبل يوم العيد.
2) الإهمال: فلا يهتم البعض باختيار الهدي المجزء فيذبح الهدي صغيرا أو معيبا.
3) تضييع سنن وأحكام الأضحية والزكاة.
- أخطاء عند الحلق والتقصير:
1) مخالفة السنة؛ فالبعض قد يقصر أو يحلق رأسه من جهة ويترك الباقي، وهذا منهي عنه ومنهم من يبدأ الحلق أو التقصير بالجهة اليسرى والصواب أن يبدأ باليمنى.
2) البعض يتحلل قبل الحلق، فإذا أنهى السعي تحلل ولبس ثيابه ثم حلق، والصواب أن الحلق يسبق التحلل الأول.
- أخطاء في طواف الوداع:
1) مخالفة السنة، فالبعض يطوف للوداع قبل أن يرمي الجمرات، بينما الواجب أن يكون طواف الوداع هو آخر أعمال الحج والمحرم. ومنه أن البعض بعد أن يطوف الوداع يبقى في مكة والصواب أنه مادام طاف للوداع ينصرف، ومنه أن البعض يطوف الوداع على هيئة طواف القدوم فيضطبع ويرمل ثلاثة أشواط ويمشي الأربعة، بينما ذلك من خصائص طواف القدوم فقط.
2) الوقوع في البدع، مثل من يدعو حين انصرافه بأدعية بدعية ليست من السنة، ومثل أن ينصرف بعد الطواف عن البيت بظهره حتى يخرج من الساحة أو المسجد، وهذا لا أصل له.
3) إهمال البعض لسنن الخروج من المسجد وهو منصرف عن المسجد الحرام، فينسى دعاء الخروج من المسجد، وكما سبق في أول الكلام، أن المسجد الحرام حكمه في التحية والآداب مثل بقية المساجد.
وصل اللهم وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين