اعداد / الشيخ جمال عبد الرحمن
الواحد الأحد الفرد الصمد، والصلاة والسلام على نبينا محمد أما بعد
فإن الحج ركن من أركان الإسلام تهفو إليه القلوب المسلمة المؤمنة الموحدة على اختلاف أجناسها وتعدد ألوانها وقبائلها وأنسابها قائلة لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك مستجيبة لذلك النداء الذي أذَّن به الخليل إبراهيم عليه السلام؛ فجاءت قوافل المؤمنين من كل فج عميق ليطوفوا بالبيت العتيق رجالاً ونساءً، صغارًا وكبارًا فهنيئًا لهؤلاء جميعًا
وأنت أيتها الأخت المسلمة هنيئًا لك هذه الاستجابة، وإقدامك على هذه الطاعة، وقد تركتِ خلفك الأهل والأصحاب والأولاد والأحباب؛ طمعًا فيما عند خالقك الوهاب التواب ورغبة في نيل عظيم الأجر والثواب، وأملاً في التخلص من الذنوب والأوزار كما أخبر بذلك النبي فقال «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» متفق عليه و«الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» متفق عليه
جاءت إحدى النساء من شرق آسيا قاصدة الحج، فلما علمت بأن الطائرة هبطت في مطار جدة لم تصدق نفسها وهي محرمة بأنها وصلت أرض الحجاز، فما أن نزلت من الطائرة حتى خَرَّتْ ساجدة على رصيف المطار، وأطالت السجود، فلما نبهها العامل للنهوض وجدها لا تنهض، فإذا هي من شدة الشوق وغمرة السعادة ولهفة الحنين قد غادرت الدنيا وفارقت الحياة، لتلقى ربها ساجدة ملبية مُحْرمة، ولتبعث يوم القيامة ملبية، فما أحلاها ميتة صاغها الشوق إلى لقاء الله، ليس فقط في بيته المحرم، وإنما في دار كرامته إن شاء الله
وقد أخبر من كان يرافق هذه العجوز أنها كانت تدخر نفقات الحج منذ سنة رحمها الله رحمة واسعة
رسائل إلى المرأة في الحج
ألا ما أعظمها من عبادة يمحو بها الله الخطيئات، ويهدم ما قبلها من السيئات، ويرفع بها الدرجات وما أجلّها من طاعة وفريضة ينبغي أن تحرص المسلمة على أدائها بالكيفية التي شرعها الله عز وجل وكما أدَّاها رسول الله الذي قال «خذوا عني مناسككم» مسلم
…وعونًا لك أيتها الأخت في حج مبرور موافق للسنة؛ أحببنا أن نلخص لك بعض أحكام الحج التي تتعلق بالمرأة
أولاً هناك أمور لا بد من مراعاتها قبل الشروع في الحج
استئذان الزوج
يستحب للزوجة أن تستأذن زوجها في حجة الفريضة، فإن أذن لها وإلا خرجت بغير إذنه ولا يجوز للرجل أن يمنع زوجته من حج الفريضة؛ إذا تمت شروطه وتيسر لها فعله؛ لأن الحج يجب على الفور ولا يجوز تأخيره مع القدرة
أما في الحج النفل أي التطوع فللزوج أن يمنع زوجته من ذلك، ولا يجوز لها الحج تطوعًا إلا بإذنه
وليس للوالد أو الأم منع ابنتهما من حج الفرض، وليس للبنت طاعة والديها في ترك فرض الحج؛ إذا تيسر لها وكان لها محرم
السفر مع محرم
من شروط وجوب الحج على المرأة وجود محرم لها؛ إذ يحرم على المرأة أن تسافر بدون محرم، يستوي في ذلك المرأة الشابة والعجوز، والجميلة والشوهاء، وسواء كانت ستسافر في طائرة أم في سيارة؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع الرسول يقول «ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم» متفق عليه
تنبيه المرأة المعتدة لوفاة زوجها لا تخرج للحج؛ لأن الله تعالى نهى المعتدات عن الخروج من بيوتهن
قال العلماء الحج بدون مَحرم مُحرَّم لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله يقول وهو يخطب «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإنني قد اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا، فقال النبي انطلق فحج مع امرأتك» متفق عليه
فلا يجوز للمرأة السفر بدون محرم، والمحرم من تحرم عليه المرأة على التأبيد بنسب أو سبب مباح، ويشترط أن يكون بالغًا عاقلاً، وأما الصغير فلا يكون محرمًا، وغير العاقل لا يكون محرمًا أيضًا، والحكمة من وجود المحرم مع المرأة حفظها وصيانتها، حتى لا تعبث بها أهواء مَن لا يخافون الله عز وجل ولا يرحمون عباد الله
ولا فرق بين أن يكون معها نساء أو لا، أو تكون آمنة أو غير آمنة، حتى ولو ذهبت مع نساء من أهل بيتها وهي آمنة غاية الأمن، فإنه لا يجوز لها أن تسافر بدون محرم؛ وذلك لأن النبي لما أمر الرجل بالحج مع امرأته لم يسأله ما إذا كان معها نساء وهل هي آمنة أم لا، فلما لم يستفسر عن ذلك؛ دلَّ على أنه لا فرق، وهذا هو الصحيح
وقد تساهل بعض الناس في وقتنا الحاضر، فسوَّغ أن تذهب المرأة في الطائرة بدون محرم، وهذا لا شك أنه خلاف النصوص العامة الظاهرة، والسفر في الطائرة كغيره تعتريه الأخطار؛ فإن المسافرة في الطائرة إذا شيَّعها محرمها في المطار؛ فإنه ينصرف بمجرد دخولها صالة الانتظار، وهي وحدها بدون محرم
وعلى المسلمة الحاجَّة التوبة إلى الله تعالى والإخلاص فيها؛ لقول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا ، وكذلك توصي وصيتها إن كان لها شيء توصي به لقول النبي «ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين، وله شيء يريد أن يوصي فيه، إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه» قال ابن عمر رضي الله عنهما «ما مرت عليَّ ليلة منذ سمعت رسول الله قال ذلك، إلا وعندي وصيتي» متفق عليه
وعلى المرأة المحرمة أن تتجنب لبس النقاب والقفازين لقوله «لا تتنقب المحرمة، ولا تلبس القفازين» البخاري
وليس المقصود من تجنب لبس النقاب عدم ستر الوجه؛ إنما المقصود عدم وضع الساتر الملاصق للوجه كالبرقع وغيره؛ لقول عائشة رضي الله عنها «كان الرُّكْبَان يمرون بنا ونحن مع رسول الله محرمات، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه» أبو داود وصححه الألباني في مشكاة المصابيح
وكذلك عقد النكاح فلا يجوز تزويج المحرمة؛ لقوله «لا يَنكح المحرم، ولا يُنكح ولا يخطب» مسلم ومتى تزوج المحرم أو تزوجت المحرمة؛ فالنكاح باطل
وكذلك الجماع ومقدماته من لمس بشهوة أو تقبيل أو غيره والجماع في الفرج قبل التحلل الأول يوجب فساد حج الرجل والمرأة جميعًا
فإذا ارتكبت المرأة المُحْرِمة شيئًا من هذه المحظورات فلها ثلاث حالات
أن تكون ناسية أو جاهلة أو مكرهة أو نائمة، فلا شيء عليها لا إثم ولا فدية ولا فساد نسك؛ لقوله تعالى ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا البقرة لكن متى زال العذر فعَلِمت الجاهلة وذُكِّرت الناسية واستيقظت النائمة؛ وجب عليها التخلي عن المحظور
أن ترتكب المحظور متعمدة، ولكن لعذر؛ فعليها ما يترتب على ارتكاب المحظور ولا إثم عليها؛ لقوله تعالى ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية صيام أو صدقة أو نسك البقرة
أن تفعل المحظور عمدًا بلا عذر يبيحه؛ فعليها ما يترتب على فعل المحظور مع الإثم لباس المرأة المحرمة
قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المرأة ممنوعة مما مُنع الرجال منه يعني محظورات الإحرام إلا لبس اللباس، وهذه بعض الأحكام التي تتعلق بلباس المرأة المحرمة
المرأة تحرم بما شاءت من الثياب؛ إذ ليس للإحرام بالنسبة للمرأة ملابس مخصوصة كما تظن بعض النساء، ولكن يجب أن تتصف ثيابها بالصفات الشرعية كأن تكون فضفاضة غير ضيقة، وسميكة غير شفافة، والأفضل أن تكون غير لافتة للنظر، أي ليست بثياب زينة؛ منعًا للفتنة عندما تختلط بالرجال في بعض المناسك
ويحرم على المرأة المحرمة لبس القفازين والنقاب، ولكن إن مرَّ بها الرجال الأجانب وجب عليها تغطية وجهها بغطاء الرأس؛ لعموم الأدلة على وجوب ستر المرأة وجهها حال وجود الرجال الأجانب بالقرب منها كما كانت نساء السلف يفعلن
كما يحرم على المرأة المحرمة لبس الثياب المطيبة، لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت وهي محرمة «لا تلثم ولا تتبرقع ولا تلبس ثوبًا بورس ولا زعفران» أورده البخاري معلقًا مجزومًا به
وليس للون الأخضر مزية على غيره من الألوان وللمرأة المحرمة أن تغير ثيابها التي أحرمت بها أو تستبدلها بأخرى نظيفة ومن تبرقعت في الإحرام جاهلة للحكم أو ناسية للإحرام؛ فلا شيء عليها وحجتها أو عمرتها صحيحة إنما الفدية على المتعمد العالم بالحكم الذاكر له ويجوز للمرأة أن تلبس الجوارب وهي محرمة، بل هي أفضل للمرأة وأستر لقدميها
تنبيه يحدث أن بعض النساء تترك الإحرام من الميقات إذا مرت به حائضًا أو نفساء، وتدخل مكة بدون إحرام، وهذا خطأ بيِّن، والصواب أن تحرم، ثم تدخل مكة محرمة، وتنتظر محرمة حتى تطهر فتغتسل وتكمل عمرتها أو حجها، ومن وقعت في هذا الخطأ؛ فعليها فدية إن لم ترجع إلى الميقات وتحرم منه كما سبق بيانه
ويشترط لصحة الطواف الطهارة الكبرى والصغرى ، فلا يجوز للمرأة أن تطوف بالبيت وهي حائض أو نفساء أو بغير وضوء، قال رسول الله لعائشة وقد حاضت وهي في الحج «افعلي كما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري» متفق عليه
كما لا ترمل المرأة في الطواف، ولا تضطبع، ويُستحب لها أن لا تدنو من البيت حال طواف الرجال وازدحامهم ولا ينبغي لها أن تزاحم الرجال عند الحجر الأسود، ولا يجوز لها أن تكشف وجهها أمام الرجال الأجانب لتقبيل الحجر؛ لأن في ذلك مفسدة وفتنة كبيرة
والرَّمَل هو الإسراع في الطواف مع تقارب الخطى، والاضطباع هو كشف الكتف الأيمن أثناء طواف القدوم وهو للرجال فقط
وتجتهد المرأة أن يكون طوافها في الأوقات التي يقل فيها زحام الرجال ما استطاعت
وعند سعي المرأة لا يُشترط الطهارة لصحة السعي ولكن تستحب ولا تركض المرأة بين العلمين أو الميلين الأخضرين، وهو ما يسمى بالهرولة؛ لأنها مأمورة بالاستتار وبعد الانتهاء من السعي تقصر المرأة شعرها قدر أنملة، وهي عقلة الأصبع، من جميع ضفائرها إن كان لها أكثر من ضفيرة، وبهذا تتحلل من عمرتها، وتحل لها جميع محظورات الإحرام
ولا يجوز للمرأة أن تكشف شعرها أمام الرجال الأجانب من أجل أن تقصر من شعرها، بل يجب أن تذهب إلى مكان لا يراها فيه الرجال كي تقصر من شعرها
وإذا كانت ليلة المبيت بمزدلفة؛ فإن ذلك مشروع في حق النساء كما هو مشروع في حق الرجال، ولكن رُخص للمرأة الضعيفة والثقيلة والمسنة أن تخرج من مزدلفة بعد منتصف الليل إلى منى لترمي جمرة العقبة قبل الزحام، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت استأذنت سودة أم المؤمنين رسول الله ليلة المزدلفة أن تدفع قبله أي تخرج من مزدلفة قبل طلوع الفجر وقبل حطمة الناس أي زحمتهم وكانت امرأة ثبطة فأذن لها متفق عليه ومعنى ثبطة أي بطيئة الحركة لعظم جسمها
ولا بأس بخروج محارم المرأة معها وإن كانوا أقوياء، وكذلك من معه ضعفة كالصبية أو المرضى وكبار السن من مزدلفة قبل طلوع الفجر لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال «بعثني رسول الله في الضعفة من جمع أي مزدلفة بليل» مسلم
بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد تنحر هديها إن تيسر
ثم تقصر من شعرها، وبأدائها لهذا النسك يكون قد حل لها كل شيء من محظورات الإحرام إلا الجماع، وهذا يسمى بالتحلل الأول
ثم تذهب إلى مكة فتطوف بالبيت طواف الإفاضة، وتصلي ركعتين خلف المقام وإلا ففي أي مكان من المسجد، وتسعى بعد ذلك سعي الحج
فإن حاضت المرأة قبل طواف الإفاضة أو كانت حائضًا ولم تطهر؛ فإنها تنتظر حتى تطهر، لأنه لا يجوز للحائض أن تطوف بالبيت، فإن اضطرت للرجوع إلى بلدها، ولا تتمكن من البقاء والرجوع مرة أخرى إلى مكة؛ جاز لها أن تأخذ دواءً يرفع عنها الدم حتى تطوف وهي طاهر
وبعد انتهاء أيام الرمي سواء للمتعجلة أو المتأخرة؛ يجب أن تأتي مكة فتطوف طواف الوداع عند إرادتها مغادرة مكة، إلا أنها إذا كانت حائضًا أو نفساء؛ سقط عنها طواف الوداع ولا شيء عليها فتنصرف راجعة إلى بلدها
و رب العالمين
المصدر الرحمة المهداة www.mohdat.com