الصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين محمد علية أفضل الصلاة والتسليم وعلى آل وصحبة أجمعين ، وبعد،
اخترنا لكم في هذا العدد الذي نسأل الله أن يبارك فيه من تفسير ابن كثير هذه الآيات المباركات لتعلم وإياكم ما فيها من أوامر وما فيها من نواهي
وقوله تعالى: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} يعني المقانع يعمل لها صفات ضاربات على صدورهن لتواري ما تحتها من صدرها وترائبها، ليخالفن شعار نساء أهل الجاهلية، فإنهن لم يكن يفعلن ذلك، بل كانت المرأة منهن تمر بين الرجال مسفحة بصدرها لا يواريه شيء وربما أظهرت عنقها وذوائب شعرها وأقرطة آذانها، فأمر اللّه المؤمنات أن يستترن في هيئاتهن وأحوالهن، كما قال تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين}، وقال في هذه الآية الكريمة:
{وليضربن بخمرهن على جيوبهن}
والخمر جمع خمار: وهو ما يخمر به أي يغطى به الرأس، وهي التي تسميها الناس المقانع، قال سعيد بن جبير {وليضربن} وليشددن {بخمرهن على جيوبهن} يعني على النرح والصدر فلا يرى منه شيء، وروى البخاري عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: يرحم اللّه نساء المهاجرات الأول لما أنزل اللّه {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} شققن مروطهن فاختمرن بها. وروى ابن أبي حاتم عن صفية بنت شيبة قالت: بينا نحن عند عائشة قالت: فذكرنا نساء قريش وفضلهن، فقالت عائشة رضي اللّه عنها: إن لنساء قريش لفضلاً وإني واللّه ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقاً لكتاب اللّه ولا إيماناً بالتنزيل، ولقد أنزلت سورة النور: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل اللّه إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابته، فما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها المرحل، فاعتجرت به تصديقاً وإيماناً بما أنزل اللّه من كتابه، فأصبحن وراء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معتجرات كأنهن على رؤوسهن الغربان (أخرجه ابن أبي حاتم وأبو داود). وقال ابن جرير عن عائشة قالت: يرحم اللّه النساء المهاجرات الأول، لما أنزل اللّه:
{وليضربن بخمرهن على جيوبهن}
شققن أكتف مروطهن فاختمرن بها،
قال تعالى
يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ
وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًۭا رَّحِيمًۭا
يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم تسليما أن يأمر النساء المؤمنات المسلمات - خاصة أزواجه وبناته لشرفهن - بأن يدنين عليهم من جلابيبهن ليتميزن عن سمات نساء الجاهلية وسمات الإماء والجلباب هو الرداء فوق الخمار قاله ابن مسعود وعبيدة وقتادة والحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وعطاء الخراساني وغير واحد وهو بمنزلة الإزار اليوم قال الجوهري الجلباب الملحفة قالت امرأة من هذيل ترثي قتيلا لها: تمشي النسور إليه وهي لاهية مشي العذارى عليهن الجلابيب قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أمر الله نساء المومنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة.
وقال محمد بن سيرين سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل "يدنين عليهن من جلابيبهن "فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى وقال عكرمة تغطي ثغرة نحرها بجلبابها تدنيه عليها .
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو عبد الله الطبراني فيما كتب إلي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن خيثم عن صفية بنت شيبه عن أم سلمة قالت لما نزلت هذه الآية "يدنين عليهن من جلابيبهن "خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو صالح حدثني الليث حدثنا يونس بن يزيد قال وسألناه يعني الزهري هل على الوليدة خمار متزوجة أو غير متزوجة؟ قال عليها الخمار إن كانت متزوجة وتنهى عن الجلباب لأنه يكره لهن أن يتشبهن بالحرائر المحصنات وقد قال الله تعالى }
يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن{
وروي عن سفيان الثوري أنه قال: لا بأس بالنظر إلى زينة نساء أهل الذمة وإنما نهي عن ذلك لخوف الفتنة لا لحرمتهن واستدل بقوله تعالى "ونساء المؤمنين "وقوله "ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين "
أي إذا فعلن ذلك عرفهن أنهن حرائر لسن بإماء ولا عواهر .
قال السدي في قوله تعالى }يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين {قال كان ناس من فساق أهل المدينة يخرجون بالليل حين يختلط الظلام إلى طرق المدينة فيعرضون للنساء وكانت مساكن أهل المدينة ضيقة فإذا كان الليل خرج النساء إلى الطرق يقضين حاجتهن فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن فإذا رأوا المرأة عليها جلباب قالوا هذه حرة فكفوا عنها فإذا رأوا المرأة ليس عليها جلباب قالوا هذه أمة فوثبوا عليها .
وقال مجاهد يتجلين فيعلم أنهن حرائر فلا يتعرض لهن فاسق بأذى ولا ريبة وقوله تعالى "وكان الله غفورا رحيما "أي لما سلف في أيام الجاهلية حيث لم يكن عندهن علم بذلك.
وختاماً :نسأل الله أن يحفظ على نساء المسلمين حجابهن ودينهن وأن يجعلهن من المسلمات القانتات التائبات العابدات العفيفات وأن يحميهن من نداء المفسدين لهن بدعوى الحقوق والتحرير إن ولي ذلك والقادر عليه
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته