هذا هو الأستاذ الشهيد سيد قطب
كتب: أحمد أحمد جاد
29/09/1431 الموافق 07/09/2010
مقدمة:
رب العالمين الرحمن الرحيم ، والصلاة و السلام على سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، وإمام المتقين وقائد المجاهدين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد .
فإنه حين عاش المسلمون في ظلال القرآن العظيم واهتدوا به واتبعوه .. فتح الله عليهم بركات من السماء والأرض ، ودانت لهم الأرض وعمّ الرخاء والصلاح والعدل ، وتحرر الإنسان من عبودية الإنسان .
ثم حدث استرخاء ، وتنازع على أطماع الدنيا .. ففشلوا وذهبت ريحهم ، فأصابهم الوهن وضاعت الخلافة .. وقد تعرض الدعاة إلى الله للأذى والتضييق والاضطهاد .. والتشويه وإلقاء الشبهات والاتهامات .. حتى لا يسمح لهم ..
وقد قيض الله لهذه الأمة علماء أفاضل ، أوذوا وتحملوا وصبروا لاستنقاذ المسلمين وإعادة الخلافة .. كل منهم أدلى بدلوه .. وكان من هؤلاء الشهيد سيد قطب الذي عاش في ظلال القرآن ، ووضع فيه خلاصة فكره .. وكانت المحن والشدائد فاتحة خير له ، إذ استثمرها في العيش مع القرآن واستخراج كنوزه التي تتجدد كما يتجدد الليل والنهار ، والشمس والقمر .
حياة سيد قطب الأدبية :
سيد قطب من مواليد 1906 ، وفي 1919 كان يخطب في مساجد القرية وينشد الشعر ، اتجه سيد قطب إلى الأدب وكان من تلاميذ العقاد .. وفي الأربعينات تبوَّأ مركز الصدارة في النقد الأدبي بخاصة ، ونشرت مقالاته النقدية في الصحف والمجلات .. ألَّفَ : كتب وشخصيات ، والنقد الأدبي أصوله ومناهجه ، فكان الناقد الأول في مصر في ذلك الحين .
كان لسيد قطب مواهب مثل : الذكاء والنبوغ وحب البحث والدراسة والتحليل .. وكان يمضي الساعات في القراءة والتأمل .. ثم يخرج بعد هذا بالتحليل الصائب ، ما ترك مجالاً من مجالات الأدب والفكر إلا تحدث فيه ، كان واسع الاطلاع ، ذا ثقافة عريضة وعقلية كبيرة .
اتجه إلى الكتابة عن الإسلام ، فأصدر : التصوير الفني في القرآن سنة 1945 ، ثم أصدر بعد ذلك عدة كتب تعالج أمراض المجتمع ، منها العدالة الاجتماعية في الإسلام .. فكان حرباً على الشيوعية والأوضاع التي تتحكم في البلاد .
وفي سنة 1951 ، ألّفَ : معركة الإسلام والرأسمالية ، وكتب فصل : في الإسلام خلاص ، أنه لا علاج لهذه الأمة إلا بالإسلام . ثم كتب في مجلة " المسلمون " مقالات : " في ظلال القرآن " ، ثم أعلن عن إصداره في أجزاء مستقلة ، وبدأ يظهر الجزء الأول من الظلال في سنة 1952 ، ثم اعتقل في سنة 1954 ، بعد أن أصدر ستة عشر جزءاً من الظلال .. ثم نشر بقية الأجزاء بعد التعديل فيها حتى تم " في ظلال القرآن " الذي بين أيدينا .
سيد قطب يتأمل في ظلال القرآن:
عاش سيد قطب يتأمل في ظلال القرآن مدة 25 عاماً ، يتأمل في الأنفس والآفاق ، في غاية الوجود كله ، والوجود الإنساني ، فأحس بنعمة الحياة والبركة في العمر .. يتأمل في التصوير الإسلامي الرفيع .. النظيف .. وفي التصورات الجاهلية .. وكيف تعيش في المستنقع الآسن وفي الدرك الهابط والظلام البهيم ، وعندها ذلك المرتع الزكي وذلك المرتقى العالي وذلك النور الوضيء .
لقد أيقن سيد قطب أن هذا الوجود ليس فلتة عابرة ولا مصادفة غير مقصودة .
رأى سيد قطب أن البشرية تعاني وتتخبط وتنحرف عن السنن الكونية وتتصادم مع الفطرة .. بعيداً عن ظلال القرآن ، ويقول في نفسه :
ـ أي شيطان يقود خطامها إلى هذا الجحيم .. يا حسرة على العباد !!
عاش يتأمل في حال المسلمين وبُعدهم عن كتاب ربهم ! وحال البشرية البائسة . ثم انتهى إلى قرار حاسم : أنه لا صلاح لهذه الأرض ، ولا راحة لهذه البشرية ، ولا طمأنينة لهذا الإنسان ، ولا رفعة له ولا بركة ولا طهارة ولا تناسق مع الكون ونظرة الحياة ، إلا بالرجوع إلى الله ... لابد للبشرية أن تعود بالحياة كلها إلى منهج الله ، والتحاكم إليه وحده في جميع حياتها .. وإلا فهو الفساد والشقاوة للناس ، والجاهلية التي تعبد الهوى من دون الله .
لقد جاء الإسلام واستلم قيادة البشرية بعد أن فسدت الأرض .. وأسنت الحياة .. وذاقت الويلات من القيادات الضالة المُضلة .
لقد أنشأ القرآن للبشرية تصوراً جديداً عن الوجود والحياة والقيم والنظم .. لقد حقق القرآن للبشرية المجتمع الفريد القدوة .. حققه واقعاً .. وكان هذا مولداً جديداً في تحرير الإنسان .
ثم ماذا ؟ ثم وقعت النكبة القاصمة ، ونُحيَ الإسلام عن القيادة .. لتتولاها الجاهلية مرة أخرى .
يرى سيد قطب أن الزمان قد استدار ، وأن الجاهلية عادت من جديد ، ويجب أن يعود الإسلام من جديد ، وبالطريق الذي بدأ به أول مرة .
كيف تفهم القرآن ؟
بدأ سيد قطب قراءة القرآن بقصد المتعة العقلية والأدبية .. وبعد أن عاد من أمريكا واتصل بالإخوان .. وعاش محنة السجن ، وتذوّق حلاوة القرآن ، بدأ يتذكر نزوله في مكة والجاهلية تعذب المؤمنين ، فأدرك أن فهم القرآن ليس فقط في معرفة الألفاظ والعبارات .. أو مجرد تفسيره ، وإنما العيش معه في الظروف التي صاحبت نزوله ، والجماعة المسلمة تتلقاه ، وهي في الشدة والمحنة ، وهي تجاهد به المشركين في مكة ، فقرأ القرآن بقصد العمل والحركة به .
كان يرى أن فهم القرآن يأتي من التحرك به والعيش في ظلاله والصبر على مشاق الطريق ، ومواجهة الجاهلية بنصوصه ، وهذا هو الميدان الصحيح ، أما مجرد المعرفة والثقافة ، فهذا ضياع للجهد والعمر .
يقول سيد :
ـ إن هذا القرآن لا يكشف أسراره إلا للذين يخوضون به المعركة ويجاهدون به .. ومن ثم يتذوقونه ويدركونه ، لأنهم يجدون أنفسهم مخاطبين به خطاباً مباشراً كما خوطبت به الجماعة الأولى فتذوّقته وأدركته وتحركت به (الظلال : 1894 بتصرف) .
ويقول :
ـ والذين يتلمسون معاني القرآن ودلالاته وهم قاعدون ، يدرسونه دراسة بيانية فنية لا يجدون من حقيقته شيئاً .. إن حقيقة هذا القرآن لا تتكشف للقاعدين أبداً ، وإن سره لا يتجلى لمن يؤثرون السلامة والراحة مع العبودية لغير الله والدينونة للطاغوت من دون الله ! (الظلال : 1864بتصرف) .
ويقول :
ـ إن الذين يواجهون الجاهلية الطاغية ... والبشرية الضالة ؛ لردها إلى الإسلام من جديد ، والذين يكافحون الطاغوت في الأرض ليخرجوا الناس من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده ، هؤلاء وحدهم الذين يفقهون هذا القرآن ؛ لأنهم يعيشون في مثل الجو الذي نزل فيه .. ويتذوقون في أثناء الحركة والجهاد ما تعنيه نصوصه ، لأنهم يجدون هذه المعاني ممثلة في أحداث ووقائع .. وهذا فضل من الله كبير . (الظلال : 1948 بتصرف) .
سيد قطب في أمريكا :
ذهب سيد قطب إلى أمريكا في بعثة لزيارة الجامعات والمعاهد العلمية هناك ، حيث يطّلع على المناهج الفنية في التربية والتعليم ليطبقها على وزارة المعارف آنذاك عند عودته إلى مصر .. وكان الغرض من هذه البعثة إبعاده عن مصر وإفساده أخلاقياً وفكرياً ، وحتى يعود أداة طيعة لتنفيذ ما يراد منه .. ولكن الله ثبّته .
درس المجتمع الأمريكي وسجل ملاحظاته .. وكشف عن الانحطاط الخلقي هناك ، وكان كثير من الشباب المثقف يجعل المجتمع الأمريكي مثله الأعلى .
وفي أمريكا تأثر بدعوة الإخوان المسلمين ، وذلك عندما تمّ اغتيال الإمام حسن البنا بإيعاز من الدول الاستعمارية في فبراير 1949 .. حيث شاهد مظاهر الفرح والشماتة في المنتديات وأجهزة الإعلام هناك .. وقد خرجوا يتبادلون التهاني ويرقصون ؛ لأنهم تخلّصوا من رجل خطير على الغرب وأمريكا .
وقد أدهش سيد رحمه الله أنه لا يعرف حسن البنا وهو من مصر ! وهذا شأنه في أمريكا والغرب ، فقرر أنه إذا عاد إلى مصر فسوف ينضم إلى جماعة الإخوان المسلمين .
إن أمريكا تحرص على عدم مهاجمة الإسلام مباشرة .. لكنها تهاجم المتمسكين بالإسلام الذين يريدون عودة الخلافة الإسلامية ، وهؤلاء تصفهم بالإرهاب ، أما عامة المسلمين الذين لا يهمهم من يحكمهم ، فهي تمدحهم طالما أن ولاءهم لأمريكا وليس لغيرها .
يقول سيد رحمه الله :
ـ إن الإسلام الذي يريده الأمريكان وحلفاؤهم في الشرق الأوسط ليس هو الإسلام الذي يقاوم الاستعمار أو الطغيان .. إنهم لا يريدون للإسلام أن يحكم !
أعداء المسلمين يخدعون المسلمين :
يقول سيد قطب :
ـ إن أعداء المسلمين لا يملكون أن يغلبوا الفطرة البشرية التي تجد في قرارتها الإيمان بوجود الله .. إنهم لا يفلحون في هذا ، إنما يفلحون في تحويل هذا الدين إلى مشاعر وشعائر ، وطرده من واقع الحياة ، وإيهام المعتقدين به أنهم يمكن أن يظلوا مؤمنين بالله ، مع إن هناك أرباباً أخر يُشرّعون لحياتهم من دون الله .. وهم يستهدفون الإسلام قبل كل دين لأنهم يعرفون من تاريخهم أنهم لم يغلبهم إلا هذا الدين ، وأنهم غالبوا أهله طالما أهله لا يحكمونه في حياتهم مع توهمهم أنهم لا يزالون مسلمين !! إنهم يئسوا أن يحولوا الناس إلى الإلحاد عن طريق المذاهب المادية ، كما يئسوا كذلك من تحويلهم إلى ديانات أخرى عن طريق التبشير أو الاستعمار ، ذلك أن الفطرة البشرية تنفر من الإلحاد وترفضه .. وأن الديانات الأخرى لا تجرؤ على اقتحام قلب عرف الإسلام ..! (الظلال : 1032 بتصرف) .
وفي موضع آخر ، يقول :
ـ إن أعداء الإسلام في الحقيقة يحاربون المسلمين بسبب انتمائهم للإسلام ، لكنهم لا يقولون هذا في الواقع .. إنهم يريدون تخدير وعي المسلمين ؛ لأنهم بعد فشلهم في الحروب الصليبية السافرة ، كان لابد من خداع المسلمين فأشاعوا بين ورثة المسلمين أن قضية الدين والحرب الدينية قد انتهت ، وإنما الصراع اليوم على المادة ! على الموارد والأسواق والاستغلال فحسب ! ويطمئن هؤلاء ، الذين يستعمرون أوطان المسلمين ، إلى استنامة هؤلاء لهذا التخدير ، وبذلك يأمنون غضبة المسلمين لله وللعقيدة .. وعملاء المستعمرين في الوطن الإسلامي يقولون القول نفسه . (الظلال : 924 بتصرف) .
وفي موضع آخر ، يقول :
ـ أعداء هذا الدين يحرصون على رفع لافتة إسلامية على الأوضاع التي يُعدُّونها لسحق حركات البعث الإسلامي الجديدة ؛ لتكون هذه اللافتة الخادعة مانعة من الانطلاق الحقيقي لمواجهة الجاهلية القابعة وراء تلك اللافتة الكاذبة ، والسُّذج من المسلمين يُخدعون في هذه اللافتة .. إن هذا الدين يغلب دائماً عندما يصل الوعي بحقيقته وحقيقة الجاهلية .. إن نقطة البدء في أية حركة إسلامية هي تعرية الجاهلية من ردائها الزائف وإظهارها على حقيقتها من الشرك والكفر . (الظلال : 1648 بتصرف) .
سيد قطب وقضية العنف:
يدعي البعض أن الأستاذ سيد ، رحمه الله ، فقيه العنف .. وفكره أساس جماعات العنف ، وهذا غير صحيح . ففي تفسيره للآية رقم (77) من سورة النساء ، يقول :
" لماذا لم يأذن الله للمسلمين في مكة بالانتصار من الظالم والرد على العدوان ودفع الأذى بالقوة ، وكثير منهم كان يملك هذا .. ثم يقول : ربما لأن الفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد وضبط أعصاب ، ولأن الدعوة السلمية أشد أثراً وأنفذ .. وقد يدفع القتال إلى زيادة العناد وإلى نشأة ثارات دموية .. ويتحول الإسلام من دعوة إلى ثارات ، واجتناباً إلى إنشاء معركة ومقتلة داخل كل بيت .."
فهل بعد هذا البيان الصريح يُقال عنه فقيه العنف ؟! (الظلال : 713 ، 714 بتصرف) .
سيد قطب والوحدة الوطنية:
ويدعي البعض أن سيد قطب يُفرق بين أبناء الوطن الواحد ، وهذا غير صحيح لأنه عند تفسيره للآية (5) من سورة المائدة ، يقول :
" وهنا نطّلع على صفحة من صفحات السماحة الإسلامية في التعامل مع غير المسلمين ، ممن يعيشون في المجتمع الإسلامي " في دار الإسلام " ، أو تربطهم به روابط الذمة والعهد من أهل الكتاب " .
" إن الإسلام لا يكتفي بأن يترك لهم حريتهم الدينية ، ثم يعتزلهم ، فيصبحوا في المجتمع الإسلامي مجفوين معزولين ، أو منبوذين ، إنما يشملهم بجو من المشاركة الاجتماعية ، والمودة ، والمجاملة ، والخلطة ، فيجعل طعامهم حلاً للمسلمين وطعام المسلمين حِلاَ لهم كذلك ، ليتم التزاور والتضايف والمؤاكلة والمشاربة ، وليظل المجتمع كله في ظل المودة والسماحة ، وكذلك يجعل العفيفات من نسائهم وهن المحصنات بمعنى العفيفات الحرائر طيبات للمسلمين ، ويَقْرِن ذكرهن بذكر الحرائر العفيفات من المسلمات ، وهي سماحة لم يشعر بها إلا أتباع الإسلام من بين سائر أتباع الديانات والنِّحل .. وهكذا يبدو أن الإسلام هو المنهج الوحيد الذي يسمح بقيام مجتمع عالمي ، لا عزلة فيه بين المسلمين وأصحاب الديانات الكتابية ، ولا حواجز بين أصحاب الديانات المختلفة التي تظلها راية المجتمع الإسلامي فيما يختص بالعِشرة والسلوك .." (الظلال : 848 بتصرف) .
سيد قطب وقضية التكفير :
استنبط بعض الشباب فكر التكفير من كتابات سيد قطب وهذا غير صحيح للأسباب الآتية:
أولاً : أن سيد قطب صرح بعبارات واضحة أن من نطق بالشهادتين فهو مسلم وذلك في مواضع من الظلال منها :
عند تفسيره للآية (94) من سورة النساء ، قال :
" يأمر الله المسلمين إذا خرجوا غزاة أن لا يبدءوا بقتال أحد أو قتله حتى يتبينوا ، وأن يكتفوا بظاهر الإسلام في كلمة اللسان ، إذ لا دليل هنا يناقض كلمة اللسان " . (الظلال : 737).
وعند تفسيره للآية (57) من سورة الفرقان ، قال :
" .. ليست هناك تلاوة ولا نذر ولا قربان يقدمه المسلم ، وهو يدخل في الجماعة المسلمة بكلمات ينطق بها لسانه ويعتقد بها قلبه ، وهذه ميزة الإسلام " . (الظلال : 2575)
وبما أن البلاد الإسلامية تنطق بالشهادتين .. عُلم أنه لم يكفر أي شخص أو أي مجتمع منها ومن يقول بذلك فقوله ادعاء يحتاج إلى دليل .
ثانياً : إنما هو نفي الإسلام عمن لم يحرم ما حرم الله بعد علمه بالتحريم وإنكاره وجحوده :
فقد قال في تفسيره للآية (276) من سورة البقرة ما يلي :
".. ما من شك أن الذين يُحلّون ما حرم الله ينطبق عليهم وصف الكفر والإثم ولو قالوا بألسنتهم ألف مرة : لا إله إلا الله محمد رسول الله ؛ فالإسلام ليس كلمة باللسان إنما هو نظام حياة ومنهج عمل . وإنكار جزء منه كإنكار الكل وليس في حرمة الربا شبهة ". (الظلال : 328) .
ونفى الإسلام كذلك عمن يرفض تحكيم كتاب الله ويعرض عنه :
فقد قال في تفسيره للآية (23) من سورة آل عمران ما يلي :
" لا إسلام بغير استسلام لله وطاعة رسوله واتباع منهجه وتحكيم كتابه ..."
ثم يقول :
" والكفار هم الذين لا يقبلون التحاكم إلى كاتب الله " . (الظلال : 377).
هذا وقد وردت عبارات أخرى مرسلة ، وهذه تحمل على ما سبق .
ثالثاً : أن المعروف عن سيد قطب أنه كان أديباً ، وكتب الظلال بأسلوب أدبي رقيق ، فيه شفافية .. وحساسية عالية .. ولم يكتب في ظلال القرآن أحكاماً فقهية ، وإنما كل ما كتبه عبارة عن خواطر في ظلال القرآن .. قال ، رحمه الله ، في مقدمة الطبعة الأولى :
" يرى فريق من قراءة هذه الظلال أنها لون من تفسير القرآن ، وقد يرى فريق أنها محاولة لشرح ذلك الدستور الإلهي .. أما أنا فلم أتعمد شيئاً من هذا كله وما جاوزت أن أسجل خواطري وأنا أحيا في تلك الظلال ".
رابعاً : أن الأستاذ محمد قطب ، حفظه الله ، نشر في مجلة المجتمع الكويتية بالعدد (271) في 21/10/1975 ، أن كلام سيد قطب ليس مقصوداً به إصدار أحكام على الناس ، وقال :
ـ لقد سمعته أكثر من مرة يقول : نحن دعاة ولسنا قضاة .. ويقول : إن الحكم على الناس يستلزم قرينة قاطعة لا تقبل الشك .. نحن دعوة مهمتها بيان الحقائق للناس لا إصدار الأحكام عليهم .
خامساً : سألت السيدة زينب الغزالي الأستاذ سيد قطب قبل اعتقاله في يوليو 1965 ، عما ورد في الظلال من عبارات يستخدمها بعض الشباب في تكفير الآباء ، فأكد لها أنه لا يتعرض للأحكام الشرعية ، فهذه يختص بها الفقهاء وهي مفصلة في كتب الفقه . من هذا نفهم أنه لم يكتب الظلال على أنه كتاب في الفقه ، وهذا واضح في كتابه الظلال كما سبق بيانه .
سادساً : الذي يراجع تحقيقات النيابة مع سيد قطب وأصحابه يجد أنه لم يُكفر الأفراد أو المجتمع .
سابعاً : في شهادة له نشرت بجريدة آفاق عربية في 2/9/2004 ، كتب المهندس فؤاد علي ، الذي كان في قاعة اتهام واحدة مع الأستاذ سيد قطب وكانا معاً في قفص اتهام واحد ، وأثناء الاستراحة التقى المهندس فؤاد والدكتور محمد الجزار الأستاذ سيد قطب وسألاه عن رأيه في تكفير المجتمع والأفراد .. يقول المهندس فؤاد : فيشهد الله أنه احمر وجهه وقال من يستطيع أن يقول إن هذا المجتمع كافر وأفراده كافرون ؟! إن شرط الحكم على كفر أي إنسان هو إقراره بالكفر بمعنى أنه يبلغه عن الإسلام بلاغاً مبيناً فيصر على رفضه وفي هذه الحالة لابد أن تبلغه أن رفضك هذا كفر ، فيقر بهذا . وقد سألناه : أليس ما نشر في الجرائد عن الإسلام وعن جماعة الإخوان المسلمين يعتبر بلاغاً مبيناً ؟ فأجاب : بل هو بلاغ مسيء .
ونظراً لأن قضية التكفير قد أثيرت في المعتقل بعد 1965 ، فقد رأى الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين حينئذ أن يحسم هذه القضية في كتابه : " دعاة لا قضاة " ، موضحاً عدم تكفير من نطق بالشهادتين والحكم له بالإسلام .. وهو بحث قيم وجيد وحاسم لأي خلاف من هذا القبيل .
فهرس محتويات الظلال :
إن سيد قطب تكلم في ظلال القرآن عن موضوعات وأبحاث هامة وكثيرة ومختلفة ، وهي خلاصة فكره وجهده وخبرته " على مدى 25 عاماً قضاها في الصحبة الواعية لدراسة القرآن ..". (الظلال : 1422) .
وقد اطلع على التفاسير وواجه النظريات الهدامة وكشف كيد الأعداء ومؤامراتهم في مواجهة المسلمين .. ووضع الحلول .. إلا أنه لم يسعفه الوقت فيما أظن لكي يعمل فهرساً يحوي أبحاث وموضوعات الظلال الهامة .
ونظراً لأن الظلال عبارة عن ستة مجلدات في حوالي 4012 صفحة من الحجم الكبير ، وأن الفهرس الموجود الآن في آخر كل مجلد ، لم يذكر موضوعات ، وإنما ذكر أجزاء القرآن وما يحويه كل جزء من مقاطع ، كل مقطع يحتوي على بعض آيات لها هدف واحد أو محور واحد ، مع عدم ذكر ما يحويه كل مقطع من موضوعات ، وأن الباحث عن موضوع معين عليه أن يلقي نظرة على المجلدات الستة ، ويبذل جهداً حتى يعثر على الموضوع الذي يريده ، وكذا حين يطلب جمع الموضوعات المتشابهة التي تخدم فكرة معينة أو موضوعاً واحداً .. وهذا أمر يستحيل على القارئ العادي .
من أجل ذلك وغير ذلك .. فقد استخرت الله تعالى في كتابة " فهارس في ظلال القرآن " ؛ خدمة لقراء الظلال مبيناً أرقام صفحات السور والأجزاء ومقاطع الآيات وما تحتويه هذه المقاطع من موضوعات .. وذلك حتى يسهل على القارئ معرفة أي موضوع واستخراجه بسهولة من الظلال .
وقد جعلت هذه الفهارس في قسمين :
القسم الأول : يحتوي على موضوعات الظلال حسب ترتيب أرقام الصفحات وسور القرآن وأجزائه ، والمنهج الذي سار عليه صاحب ظلال القرآن .
القسم الثاني : خاص بالموضوعات المتشابهة على أبواب الفقه ، ذلك ليسهل على الباحث معرفة جميع الموضوعات التي تخدم فكرة واحدة أو موضوعاً واحداً .
موضوعات يجب مراعاتها :
1 ـ إن الأستاذ سيد كان يكتب للسورة مقدمة تحوي شخصية السورة ومستهدفاتها ومحورها والنواحي الأدبية وخطوطها وموضوعاتها الرئيسية .. ثم يدخل بعد ذلك في تفصيل الآيات . فالقارئ إذا أراد موضوعاً معيناً من هذاالفهرس عليه أن يقرأ مقدمة السورة أو مقدمة الدرس أو المقطع وذلك لزيادة التحقق .
2 ـ إن الأستاذ سيد حين يتكلم في موضوع معين في صفحة معينة قد يدخل في ظلال آية بعدها ثم يعود إلى الموضوع الأول .. لذا وجب التنويه .
3 ـ إن هذه الفهارس أخذت بياناتها من الطبعة الأخيرة للظلال ، فمن كانت عنده الطبعة القديمة فعليه أن يرجع إلى السورة والجزء والآيات .. أما أرقام الصفحات فهي مختلفة .
وهذا جهدي ... وإن كنت أودُّ أن يكون أفضل من ذلك ، لكن يبقى الكمال لله وحده .. سائلاً المولى عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصاً له وحده ، نافعاً للناس عامة .
والله المستعان . وآخر دعوانا أن رب العالمين .
المصدر : رابطة أدباء الشام
كتب: أحمد أحمد جاد
29/09/1431 الموافق 07/09/2010
مقدمة:
رب العالمين الرحمن الرحيم ، والصلاة و السلام على سيد المرسلين ، وخاتم النبيين ، وإمام المتقين وقائد المجاهدين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد .
فإنه حين عاش المسلمون في ظلال القرآن العظيم واهتدوا به واتبعوه .. فتح الله عليهم بركات من السماء والأرض ، ودانت لهم الأرض وعمّ الرخاء والصلاح والعدل ، وتحرر الإنسان من عبودية الإنسان .
ثم حدث استرخاء ، وتنازع على أطماع الدنيا .. ففشلوا وذهبت ريحهم ، فأصابهم الوهن وضاعت الخلافة .. وقد تعرض الدعاة إلى الله للأذى والتضييق والاضطهاد .. والتشويه وإلقاء الشبهات والاتهامات .. حتى لا يسمح لهم ..
وقد قيض الله لهذه الأمة علماء أفاضل ، أوذوا وتحملوا وصبروا لاستنقاذ المسلمين وإعادة الخلافة .. كل منهم أدلى بدلوه .. وكان من هؤلاء الشهيد سيد قطب الذي عاش في ظلال القرآن ، ووضع فيه خلاصة فكره .. وكانت المحن والشدائد فاتحة خير له ، إذ استثمرها في العيش مع القرآن واستخراج كنوزه التي تتجدد كما يتجدد الليل والنهار ، والشمس والقمر .
حياة سيد قطب الأدبية :
سيد قطب من مواليد 1906 ، وفي 1919 كان يخطب في مساجد القرية وينشد الشعر ، اتجه سيد قطب إلى الأدب وكان من تلاميذ العقاد .. وفي الأربعينات تبوَّأ مركز الصدارة في النقد الأدبي بخاصة ، ونشرت مقالاته النقدية في الصحف والمجلات .. ألَّفَ : كتب وشخصيات ، والنقد الأدبي أصوله ومناهجه ، فكان الناقد الأول في مصر في ذلك الحين .
كان لسيد قطب مواهب مثل : الذكاء والنبوغ وحب البحث والدراسة والتحليل .. وكان يمضي الساعات في القراءة والتأمل .. ثم يخرج بعد هذا بالتحليل الصائب ، ما ترك مجالاً من مجالات الأدب والفكر إلا تحدث فيه ، كان واسع الاطلاع ، ذا ثقافة عريضة وعقلية كبيرة .
اتجه إلى الكتابة عن الإسلام ، فأصدر : التصوير الفني في القرآن سنة 1945 ، ثم أصدر بعد ذلك عدة كتب تعالج أمراض المجتمع ، منها العدالة الاجتماعية في الإسلام .. فكان حرباً على الشيوعية والأوضاع التي تتحكم في البلاد .
وفي سنة 1951 ، ألّفَ : معركة الإسلام والرأسمالية ، وكتب فصل : في الإسلام خلاص ، أنه لا علاج لهذه الأمة إلا بالإسلام . ثم كتب في مجلة " المسلمون " مقالات : " في ظلال القرآن " ، ثم أعلن عن إصداره في أجزاء مستقلة ، وبدأ يظهر الجزء الأول من الظلال في سنة 1952 ، ثم اعتقل في سنة 1954 ، بعد أن أصدر ستة عشر جزءاً من الظلال .. ثم نشر بقية الأجزاء بعد التعديل فيها حتى تم " في ظلال القرآن " الذي بين أيدينا .
سيد قطب يتأمل في ظلال القرآن:
عاش سيد قطب يتأمل في ظلال القرآن مدة 25 عاماً ، يتأمل في الأنفس والآفاق ، في غاية الوجود كله ، والوجود الإنساني ، فأحس بنعمة الحياة والبركة في العمر .. يتأمل في التصوير الإسلامي الرفيع .. النظيف .. وفي التصورات الجاهلية .. وكيف تعيش في المستنقع الآسن وفي الدرك الهابط والظلام البهيم ، وعندها ذلك المرتع الزكي وذلك المرتقى العالي وذلك النور الوضيء .
لقد أيقن سيد قطب أن هذا الوجود ليس فلتة عابرة ولا مصادفة غير مقصودة .
رأى سيد قطب أن البشرية تعاني وتتخبط وتنحرف عن السنن الكونية وتتصادم مع الفطرة .. بعيداً عن ظلال القرآن ، ويقول في نفسه :
ـ أي شيطان يقود خطامها إلى هذا الجحيم .. يا حسرة على العباد !!
عاش يتأمل في حال المسلمين وبُعدهم عن كتاب ربهم ! وحال البشرية البائسة . ثم انتهى إلى قرار حاسم : أنه لا صلاح لهذه الأرض ، ولا راحة لهذه البشرية ، ولا طمأنينة لهذا الإنسان ، ولا رفعة له ولا بركة ولا طهارة ولا تناسق مع الكون ونظرة الحياة ، إلا بالرجوع إلى الله ... لابد للبشرية أن تعود بالحياة كلها إلى منهج الله ، والتحاكم إليه وحده في جميع حياتها .. وإلا فهو الفساد والشقاوة للناس ، والجاهلية التي تعبد الهوى من دون الله .
لقد جاء الإسلام واستلم قيادة البشرية بعد أن فسدت الأرض .. وأسنت الحياة .. وذاقت الويلات من القيادات الضالة المُضلة .
لقد أنشأ القرآن للبشرية تصوراً جديداً عن الوجود والحياة والقيم والنظم .. لقد حقق القرآن للبشرية المجتمع الفريد القدوة .. حققه واقعاً .. وكان هذا مولداً جديداً في تحرير الإنسان .
ثم ماذا ؟ ثم وقعت النكبة القاصمة ، ونُحيَ الإسلام عن القيادة .. لتتولاها الجاهلية مرة أخرى .
يرى سيد قطب أن الزمان قد استدار ، وأن الجاهلية عادت من جديد ، ويجب أن يعود الإسلام من جديد ، وبالطريق الذي بدأ به أول مرة .
كيف تفهم القرآن ؟
بدأ سيد قطب قراءة القرآن بقصد المتعة العقلية والأدبية .. وبعد أن عاد من أمريكا واتصل بالإخوان .. وعاش محنة السجن ، وتذوّق حلاوة القرآن ، بدأ يتذكر نزوله في مكة والجاهلية تعذب المؤمنين ، فأدرك أن فهم القرآن ليس فقط في معرفة الألفاظ والعبارات .. أو مجرد تفسيره ، وإنما العيش معه في الظروف التي صاحبت نزوله ، والجماعة المسلمة تتلقاه ، وهي في الشدة والمحنة ، وهي تجاهد به المشركين في مكة ، فقرأ القرآن بقصد العمل والحركة به .
كان يرى أن فهم القرآن يأتي من التحرك به والعيش في ظلاله والصبر على مشاق الطريق ، ومواجهة الجاهلية بنصوصه ، وهذا هو الميدان الصحيح ، أما مجرد المعرفة والثقافة ، فهذا ضياع للجهد والعمر .
يقول سيد :
ـ إن هذا القرآن لا يكشف أسراره إلا للذين يخوضون به المعركة ويجاهدون به .. ومن ثم يتذوقونه ويدركونه ، لأنهم يجدون أنفسهم مخاطبين به خطاباً مباشراً كما خوطبت به الجماعة الأولى فتذوّقته وأدركته وتحركت به (الظلال : 1894 بتصرف) .
ويقول :
ـ والذين يتلمسون معاني القرآن ودلالاته وهم قاعدون ، يدرسونه دراسة بيانية فنية لا يجدون من حقيقته شيئاً .. إن حقيقة هذا القرآن لا تتكشف للقاعدين أبداً ، وإن سره لا يتجلى لمن يؤثرون السلامة والراحة مع العبودية لغير الله والدينونة للطاغوت من دون الله ! (الظلال : 1864بتصرف) .
ويقول :
ـ إن الذين يواجهون الجاهلية الطاغية ... والبشرية الضالة ؛ لردها إلى الإسلام من جديد ، والذين يكافحون الطاغوت في الأرض ليخرجوا الناس من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده ، هؤلاء وحدهم الذين يفقهون هذا القرآن ؛ لأنهم يعيشون في مثل الجو الذي نزل فيه .. ويتذوقون في أثناء الحركة والجهاد ما تعنيه نصوصه ، لأنهم يجدون هذه المعاني ممثلة في أحداث ووقائع .. وهذا فضل من الله كبير . (الظلال : 1948 بتصرف) .
سيد قطب في أمريكا :
ذهب سيد قطب إلى أمريكا في بعثة لزيارة الجامعات والمعاهد العلمية هناك ، حيث يطّلع على المناهج الفنية في التربية والتعليم ليطبقها على وزارة المعارف آنذاك عند عودته إلى مصر .. وكان الغرض من هذه البعثة إبعاده عن مصر وإفساده أخلاقياً وفكرياً ، وحتى يعود أداة طيعة لتنفيذ ما يراد منه .. ولكن الله ثبّته .
درس المجتمع الأمريكي وسجل ملاحظاته .. وكشف عن الانحطاط الخلقي هناك ، وكان كثير من الشباب المثقف يجعل المجتمع الأمريكي مثله الأعلى .
وفي أمريكا تأثر بدعوة الإخوان المسلمين ، وذلك عندما تمّ اغتيال الإمام حسن البنا بإيعاز من الدول الاستعمارية في فبراير 1949 .. حيث شاهد مظاهر الفرح والشماتة في المنتديات وأجهزة الإعلام هناك .. وقد خرجوا يتبادلون التهاني ويرقصون ؛ لأنهم تخلّصوا من رجل خطير على الغرب وأمريكا .
وقد أدهش سيد رحمه الله أنه لا يعرف حسن البنا وهو من مصر ! وهذا شأنه في أمريكا والغرب ، فقرر أنه إذا عاد إلى مصر فسوف ينضم إلى جماعة الإخوان المسلمين .
إن أمريكا تحرص على عدم مهاجمة الإسلام مباشرة .. لكنها تهاجم المتمسكين بالإسلام الذين يريدون عودة الخلافة الإسلامية ، وهؤلاء تصفهم بالإرهاب ، أما عامة المسلمين الذين لا يهمهم من يحكمهم ، فهي تمدحهم طالما أن ولاءهم لأمريكا وليس لغيرها .
يقول سيد رحمه الله :
ـ إن الإسلام الذي يريده الأمريكان وحلفاؤهم في الشرق الأوسط ليس هو الإسلام الذي يقاوم الاستعمار أو الطغيان .. إنهم لا يريدون للإسلام أن يحكم !
أعداء المسلمين يخدعون المسلمين :
يقول سيد قطب :
ـ إن أعداء المسلمين لا يملكون أن يغلبوا الفطرة البشرية التي تجد في قرارتها الإيمان بوجود الله .. إنهم لا يفلحون في هذا ، إنما يفلحون في تحويل هذا الدين إلى مشاعر وشعائر ، وطرده من واقع الحياة ، وإيهام المعتقدين به أنهم يمكن أن يظلوا مؤمنين بالله ، مع إن هناك أرباباً أخر يُشرّعون لحياتهم من دون الله .. وهم يستهدفون الإسلام قبل كل دين لأنهم يعرفون من تاريخهم أنهم لم يغلبهم إلا هذا الدين ، وأنهم غالبوا أهله طالما أهله لا يحكمونه في حياتهم مع توهمهم أنهم لا يزالون مسلمين !! إنهم يئسوا أن يحولوا الناس إلى الإلحاد عن طريق المذاهب المادية ، كما يئسوا كذلك من تحويلهم إلى ديانات أخرى عن طريق التبشير أو الاستعمار ، ذلك أن الفطرة البشرية تنفر من الإلحاد وترفضه .. وأن الديانات الأخرى لا تجرؤ على اقتحام قلب عرف الإسلام ..! (الظلال : 1032 بتصرف) .
وفي موضع آخر ، يقول :
ـ إن أعداء الإسلام في الحقيقة يحاربون المسلمين بسبب انتمائهم للإسلام ، لكنهم لا يقولون هذا في الواقع .. إنهم يريدون تخدير وعي المسلمين ؛ لأنهم بعد فشلهم في الحروب الصليبية السافرة ، كان لابد من خداع المسلمين فأشاعوا بين ورثة المسلمين أن قضية الدين والحرب الدينية قد انتهت ، وإنما الصراع اليوم على المادة ! على الموارد والأسواق والاستغلال فحسب ! ويطمئن هؤلاء ، الذين يستعمرون أوطان المسلمين ، إلى استنامة هؤلاء لهذا التخدير ، وبذلك يأمنون غضبة المسلمين لله وللعقيدة .. وعملاء المستعمرين في الوطن الإسلامي يقولون القول نفسه . (الظلال : 924 بتصرف) .
وفي موضع آخر ، يقول :
ـ أعداء هذا الدين يحرصون على رفع لافتة إسلامية على الأوضاع التي يُعدُّونها لسحق حركات البعث الإسلامي الجديدة ؛ لتكون هذه اللافتة الخادعة مانعة من الانطلاق الحقيقي لمواجهة الجاهلية القابعة وراء تلك اللافتة الكاذبة ، والسُّذج من المسلمين يُخدعون في هذه اللافتة .. إن هذا الدين يغلب دائماً عندما يصل الوعي بحقيقته وحقيقة الجاهلية .. إن نقطة البدء في أية حركة إسلامية هي تعرية الجاهلية من ردائها الزائف وإظهارها على حقيقتها من الشرك والكفر . (الظلال : 1648 بتصرف) .
سيد قطب وقضية العنف:
يدعي البعض أن الأستاذ سيد ، رحمه الله ، فقيه العنف .. وفكره أساس جماعات العنف ، وهذا غير صحيح . ففي تفسيره للآية رقم (77) من سورة النساء ، يقول :
" لماذا لم يأذن الله للمسلمين في مكة بالانتصار من الظالم والرد على العدوان ودفع الأذى بالقوة ، وكثير منهم كان يملك هذا .. ثم يقول : ربما لأن الفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد وضبط أعصاب ، ولأن الدعوة السلمية أشد أثراً وأنفذ .. وقد يدفع القتال إلى زيادة العناد وإلى نشأة ثارات دموية .. ويتحول الإسلام من دعوة إلى ثارات ، واجتناباً إلى إنشاء معركة ومقتلة داخل كل بيت .."
فهل بعد هذا البيان الصريح يُقال عنه فقيه العنف ؟! (الظلال : 713 ، 714 بتصرف) .
سيد قطب والوحدة الوطنية:
ويدعي البعض أن سيد قطب يُفرق بين أبناء الوطن الواحد ، وهذا غير صحيح لأنه عند تفسيره للآية (5) من سورة المائدة ، يقول :
" وهنا نطّلع على صفحة من صفحات السماحة الإسلامية في التعامل مع غير المسلمين ، ممن يعيشون في المجتمع الإسلامي " في دار الإسلام " ، أو تربطهم به روابط الذمة والعهد من أهل الكتاب " .
" إن الإسلام لا يكتفي بأن يترك لهم حريتهم الدينية ، ثم يعتزلهم ، فيصبحوا في المجتمع الإسلامي مجفوين معزولين ، أو منبوذين ، إنما يشملهم بجو من المشاركة الاجتماعية ، والمودة ، والمجاملة ، والخلطة ، فيجعل طعامهم حلاً للمسلمين وطعام المسلمين حِلاَ لهم كذلك ، ليتم التزاور والتضايف والمؤاكلة والمشاربة ، وليظل المجتمع كله في ظل المودة والسماحة ، وكذلك يجعل العفيفات من نسائهم وهن المحصنات بمعنى العفيفات الحرائر طيبات للمسلمين ، ويَقْرِن ذكرهن بذكر الحرائر العفيفات من المسلمات ، وهي سماحة لم يشعر بها إلا أتباع الإسلام من بين سائر أتباع الديانات والنِّحل .. وهكذا يبدو أن الإسلام هو المنهج الوحيد الذي يسمح بقيام مجتمع عالمي ، لا عزلة فيه بين المسلمين وأصحاب الديانات الكتابية ، ولا حواجز بين أصحاب الديانات المختلفة التي تظلها راية المجتمع الإسلامي فيما يختص بالعِشرة والسلوك .." (الظلال : 848 بتصرف) .
سيد قطب وقضية التكفير :
استنبط بعض الشباب فكر التكفير من كتابات سيد قطب وهذا غير صحيح للأسباب الآتية:
أولاً : أن سيد قطب صرح بعبارات واضحة أن من نطق بالشهادتين فهو مسلم وذلك في مواضع من الظلال منها :
عند تفسيره للآية (94) من سورة النساء ، قال :
" يأمر الله المسلمين إذا خرجوا غزاة أن لا يبدءوا بقتال أحد أو قتله حتى يتبينوا ، وأن يكتفوا بظاهر الإسلام في كلمة اللسان ، إذ لا دليل هنا يناقض كلمة اللسان " . (الظلال : 737).
وعند تفسيره للآية (57) من سورة الفرقان ، قال :
" .. ليست هناك تلاوة ولا نذر ولا قربان يقدمه المسلم ، وهو يدخل في الجماعة المسلمة بكلمات ينطق بها لسانه ويعتقد بها قلبه ، وهذه ميزة الإسلام " . (الظلال : 2575)
وبما أن البلاد الإسلامية تنطق بالشهادتين .. عُلم أنه لم يكفر أي شخص أو أي مجتمع منها ومن يقول بذلك فقوله ادعاء يحتاج إلى دليل .
ثانياً : إنما هو نفي الإسلام عمن لم يحرم ما حرم الله بعد علمه بالتحريم وإنكاره وجحوده :
فقد قال في تفسيره للآية (276) من سورة البقرة ما يلي :
".. ما من شك أن الذين يُحلّون ما حرم الله ينطبق عليهم وصف الكفر والإثم ولو قالوا بألسنتهم ألف مرة : لا إله إلا الله محمد رسول الله ؛ فالإسلام ليس كلمة باللسان إنما هو نظام حياة ومنهج عمل . وإنكار جزء منه كإنكار الكل وليس في حرمة الربا شبهة ". (الظلال : 328) .
ونفى الإسلام كذلك عمن يرفض تحكيم كتاب الله ويعرض عنه :
فقد قال في تفسيره للآية (23) من سورة آل عمران ما يلي :
" لا إسلام بغير استسلام لله وطاعة رسوله واتباع منهجه وتحكيم كتابه ..."
ثم يقول :
" والكفار هم الذين لا يقبلون التحاكم إلى كاتب الله " . (الظلال : 377).
هذا وقد وردت عبارات أخرى مرسلة ، وهذه تحمل على ما سبق .
ثالثاً : أن المعروف عن سيد قطب أنه كان أديباً ، وكتب الظلال بأسلوب أدبي رقيق ، فيه شفافية .. وحساسية عالية .. ولم يكتب في ظلال القرآن أحكاماً فقهية ، وإنما كل ما كتبه عبارة عن خواطر في ظلال القرآن .. قال ، رحمه الله ، في مقدمة الطبعة الأولى :
" يرى فريق من قراءة هذه الظلال أنها لون من تفسير القرآن ، وقد يرى فريق أنها محاولة لشرح ذلك الدستور الإلهي .. أما أنا فلم أتعمد شيئاً من هذا كله وما جاوزت أن أسجل خواطري وأنا أحيا في تلك الظلال ".
رابعاً : أن الأستاذ محمد قطب ، حفظه الله ، نشر في مجلة المجتمع الكويتية بالعدد (271) في 21/10/1975 ، أن كلام سيد قطب ليس مقصوداً به إصدار أحكام على الناس ، وقال :
ـ لقد سمعته أكثر من مرة يقول : نحن دعاة ولسنا قضاة .. ويقول : إن الحكم على الناس يستلزم قرينة قاطعة لا تقبل الشك .. نحن دعوة مهمتها بيان الحقائق للناس لا إصدار الأحكام عليهم .
خامساً : سألت السيدة زينب الغزالي الأستاذ سيد قطب قبل اعتقاله في يوليو 1965 ، عما ورد في الظلال من عبارات يستخدمها بعض الشباب في تكفير الآباء ، فأكد لها أنه لا يتعرض للأحكام الشرعية ، فهذه يختص بها الفقهاء وهي مفصلة في كتب الفقه . من هذا نفهم أنه لم يكتب الظلال على أنه كتاب في الفقه ، وهذا واضح في كتابه الظلال كما سبق بيانه .
سادساً : الذي يراجع تحقيقات النيابة مع سيد قطب وأصحابه يجد أنه لم يُكفر الأفراد أو المجتمع .
سابعاً : في شهادة له نشرت بجريدة آفاق عربية في 2/9/2004 ، كتب المهندس فؤاد علي ، الذي كان في قاعة اتهام واحدة مع الأستاذ سيد قطب وكانا معاً في قفص اتهام واحد ، وأثناء الاستراحة التقى المهندس فؤاد والدكتور محمد الجزار الأستاذ سيد قطب وسألاه عن رأيه في تكفير المجتمع والأفراد .. يقول المهندس فؤاد : فيشهد الله أنه احمر وجهه وقال من يستطيع أن يقول إن هذا المجتمع كافر وأفراده كافرون ؟! إن شرط الحكم على كفر أي إنسان هو إقراره بالكفر بمعنى أنه يبلغه عن الإسلام بلاغاً مبيناً فيصر على رفضه وفي هذه الحالة لابد أن تبلغه أن رفضك هذا كفر ، فيقر بهذا . وقد سألناه : أليس ما نشر في الجرائد عن الإسلام وعن جماعة الإخوان المسلمين يعتبر بلاغاً مبيناً ؟ فأجاب : بل هو بلاغ مسيء .
ونظراً لأن قضية التكفير قد أثيرت في المعتقل بعد 1965 ، فقد رأى الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين حينئذ أن يحسم هذه القضية في كتابه : " دعاة لا قضاة " ، موضحاً عدم تكفير من نطق بالشهادتين والحكم له بالإسلام .. وهو بحث قيم وجيد وحاسم لأي خلاف من هذا القبيل .
فهرس محتويات الظلال :
إن سيد قطب تكلم في ظلال القرآن عن موضوعات وأبحاث هامة وكثيرة ومختلفة ، وهي خلاصة فكره وجهده وخبرته " على مدى 25 عاماً قضاها في الصحبة الواعية لدراسة القرآن ..". (الظلال : 1422) .
وقد اطلع على التفاسير وواجه النظريات الهدامة وكشف كيد الأعداء ومؤامراتهم في مواجهة المسلمين .. ووضع الحلول .. إلا أنه لم يسعفه الوقت فيما أظن لكي يعمل فهرساً يحوي أبحاث وموضوعات الظلال الهامة .
ونظراً لأن الظلال عبارة عن ستة مجلدات في حوالي 4012 صفحة من الحجم الكبير ، وأن الفهرس الموجود الآن في آخر كل مجلد ، لم يذكر موضوعات ، وإنما ذكر أجزاء القرآن وما يحويه كل جزء من مقاطع ، كل مقطع يحتوي على بعض آيات لها هدف واحد أو محور واحد ، مع عدم ذكر ما يحويه كل مقطع من موضوعات ، وأن الباحث عن موضوع معين عليه أن يلقي نظرة على المجلدات الستة ، ويبذل جهداً حتى يعثر على الموضوع الذي يريده ، وكذا حين يطلب جمع الموضوعات المتشابهة التي تخدم فكرة معينة أو موضوعاً واحداً .. وهذا أمر يستحيل على القارئ العادي .
من أجل ذلك وغير ذلك .. فقد استخرت الله تعالى في كتابة " فهارس في ظلال القرآن " ؛ خدمة لقراء الظلال مبيناً أرقام صفحات السور والأجزاء ومقاطع الآيات وما تحتويه هذه المقاطع من موضوعات .. وذلك حتى يسهل على القارئ معرفة أي موضوع واستخراجه بسهولة من الظلال .
وقد جعلت هذه الفهارس في قسمين :
القسم الأول : يحتوي على موضوعات الظلال حسب ترتيب أرقام الصفحات وسور القرآن وأجزائه ، والمنهج الذي سار عليه صاحب ظلال القرآن .
القسم الثاني : خاص بالموضوعات المتشابهة على أبواب الفقه ، ذلك ليسهل على الباحث معرفة جميع الموضوعات التي تخدم فكرة واحدة أو موضوعاً واحداً .
موضوعات يجب مراعاتها :
1 ـ إن الأستاذ سيد كان يكتب للسورة مقدمة تحوي شخصية السورة ومستهدفاتها ومحورها والنواحي الأدبية وخطوطها وموضوعاتها الرئيسية .. ثم يدخل بعد ذلك في تفصيل الآيات . فالقارئ إذا أراد موضوعاً معيناً من هذاالفهرس عليه أن يقرأ مقدمة السورة أو مقدمة الدرس أو المقطع وذلك لزيادة التحقق .
2 ـ إن الأستاذ سيد حين يتكلم في موضوع معين في صفحة معينة قد يدخل في ظلال آية بعدها ثم يعود إلى الموضوع الأول .. لذا وجب التنويه .
3 ـ إن هذه الفهارس أخذت بياناتها من الطبعة الأخيرة للظلال ، فمن كانت عنده الطبعة القديمة فعليه أن يرجع إلى السورة والجزء والآيات .. أما أرقام الصفحات فهي مختلفة .
وهذا جهدي ... وإن كنت أودُّ أن يكون أفضل من ذلك ، لكن يبقى الكمال لله وحده .. سائلاً المولى عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصاً له وحده ، نافعاً للناس عامة .
والله المستعان . وآخر دعوانا أن رب العالمين .
المصدر : رابطة أدباء الشام