اسم المقال : من ينقذ الأرثوذكس المصريين من الأنبا بيشوي؟
كاتب المقال: محمد مورو
تصريحات الأنبا بيشوي عن أن المسلمين في مصر ضيوف على المسيحيين الأرثوذكس، بمعنى أنهم جاءوا من الجزيرة العربيَّة، وأن أهل مصر الأصليين لم يسلموا، ومن ثم فإن على هؤلاء الضيوف أن يرحلوا عاجلًا أو آجلًا، على غرار ما يسمى بحرب التحرير الأسبانيَّة للقضاء على المسلمين في الأندلس، هو قول يخلو من المنطق والعقل وغير صحيح وغير مسئول ويتسم بالحماقة.
فليس من المعقول أن يصبح الغرباء أغلبيَّة تصل إلى 94% من سكان مصر، ويظل أهل البلد الأصليون أقلية تصل إلى 5% من الأرثوذكس و1% من باقي الطوائف النصرانية مثل البروتستانت والكاثوليك إلخ، وبديهي أن البروتستانت والكاثوليك متهمون بدورهم بأنهم أجانب، أي أن عشرات الملايين غرباء والـ 5% هم أهل البلاد الأصليون!
أضف إلى ذلك أن بعض الآراء الصحيحة من وجهة نظرنا تقول أن أهل مصر أصلا من العرب القادمين إلى مصر قبل الإسلام، وأن هؤلاء ظلوا على الديانة المصرية القديمة، وعندما جاء الغزو الروماني جاء معه برعايا من مختلف البلاد الخاضعة للحكم الروماني للعمل في جيش الرومان أو خدمتهم أو جهاز الدولة، وأن هؤلاء هم الأرثوذكس، بالإضافة طبعًا إلى من دخل في الأرثوذكسية –ديانة الدولة الرومانيَّة- من المصريين للعمل معهم في جهاز الدولة المصري الخاضع للحكم الروماني، أي أن الأرثوذكس هم أجانب أصلًا وليسوا مصريين، والقليل من المصريين الذين دخلوا في دين الرومان يعتبرون متعاونين مع الاحتلال!! وأن باقي المصريين الأغلبية الساحقة ظلُّوا على الديانة المصرية القديمة دخلوا في الإسلام دخلوا في الإسلام، وهكذا فإن المصريين الحقيقيين هم المسلمون، والغرباء هم الأرثوذكس وليس العكس.
وإذا جئنا إلى تصريحات الأنبا بيشوي بشأن أن الآيات القرآنيَّة المتصلة بالسيد المسيح في القرآن الكريم أُضيفت إلى القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، فهو قول ركيك لا يحتاج إلى الاهتمام، وهو لن يضر المسلمين شيئًا، فالمطلع على القرآن الكريم يدرك أن مساحة واسعة من القرآن اهتمت بنبي الله عيسى وأمه مريم عليهما السلام، وليست آية أو آيات، فضلا عن أن بيشوي نفسه لا يعرف شيئًا عن التاريخ وأن من المستحيل عقلًا الاقتناع بكلام بيشوي.
علينا بداية أن نبحث في ترتيب تصريحات بيشوي الحمقاء، فهي تواكبت مع محاولة حرق المصحف في الولايات المتحدة الأمريكيَّة، فهل هي إذن جزء من الحملة الدوليَّة ضد الإسلام، وإذا كان الأمر كذلك فلصالح من يتم هذا الأمر؟! وما هو الموقف القانوني للأنبا بيشوي إذا كان ذلك صحيحًا؟ وإذا كانت محاولات حرق المصحف المنسوبة للقس الأمريكي تيري جونز قد تم التعامل معها على أنها محاولة محدودة من كنيسة صغيرة جدًّا لا تمثِّل أحدًا في الولايات المتحدة، فإن تصريحات الأنبا بيشوي جاءت من رجل مسئول كبير في الكنيسة المصرية، أكثر من هذا فإن مسألة تحرير مصر من المسلمين التي كان يروِّجها بعض جماعات أقباط المهجر كان يقال عنها أنها تخاريف بعض الجماعات القبطيَّة العميلة للاستعمار والصهيونيَّة، وأنها لا تمثِّل الكنيسة المصرية، بل إن الكنيسة المصرية تستهجنها، واتضح الآن أن كبار مسئولي الكنيسة من حجم بيشوي صاحب النفوذ على قطاع كبير من الأرثوذكس المصريين يرددون نفس الكلام، فهل معنى ذلك أن الكنيسة كانت تخدعنا حينما كانت تدعي أنها لا تقر ممارسات بعض جماعات أقباط المهجر، أم أن تحولا مفاجئًا حدث في فكر بيشوي فقط، وما موقف الكنيسة في تلك الحالة رغم أنه من الصعب الاقتناع بأن بيشوي قد تغير فجأة، ولكن حتى إذا كان الأمر كذلك فإن خروجه على فكر الكنيسة يعني ضرورة إبعاده عن تلك الكنيسة، وإلا كانت المسألة مجرد تقسيم أدوار.
على أية حال علينا أن نحلل ونبحث في الأضرار التي أحدثها كلام بيشوي، وعلينا هنا أن نمعن التفكير قليلًا، فصحيح أن الرجل يثير فتنة طائفيَّة، وصحيح أن الرجل بتصرفه هذا قد أحرج الدولة المصريَّة، حيث ظهرت ضعيفة تجاه قطاع كبير من الشعب المصري، وأحرج إلى حد ما الأزهر الذي أصدر بيانًا ندد فيه بكلام بيشوي، وأحرج الميديا الثقافيَّة العلمانيَّة عمومًا، والتي كانت تدافع بالباطل عن ممارسات طائفيَّة، ولكن الضرر الحقيقي وقع وسيقع على المسيحيين الأرثوذكس المصريين؛ ذلك أن الرجل حين يدعو إلى إخراج المصريين المسلمين من بلادهم، فإن هؤلاء لن يقفوا متفرجين، وإذا كان هناك ضعف من الحكومة أو من المسلمين فإن هذا أمر مؤقت سيزول قريبًا أو بعيدًا، وإذا كان هناك استقواء بالأمريكان أو الظروف الدوليَّة فإن هذه الأمور مرشحة للتغيير، وعندما يحدث هذا التغيير في الموقف الدولي أو الداخلي فإن من سيدفع الثمن هم جمهور المسيحيين الأرثوذكس الذين لا ذنب لهم وليس بيشوي وحده، ومن ثم فإن الضرب على يد بيشوي بطريقة أو بأخرى هو لصالح جمهور المسيحيين الأرثوذكس المصريين ولصالح مستقبلهم.
وفي الحقيقة ولإبراء الذمة فإن السلوك الطائفي المرفوض ليس سلوك بيشوي وحده، فالكنيسة مثلا رفضت الانصياع لحكم المحكمة عدة مرات، بما يعني أنها دولة داخل الدولة، وكذا احتجزت عددًا من المسيحيَّات، وخاصة زوجات الرهبان بطريقة مريبة، وأيًّا كانت عقائد هؤلاء المحتجزات فإن احتجازهم في حد ذاته هو نوع من التعالي على الدولة وعلى المجتمع، ويضر بسمعة المسيحيين المصريين الأرثوذكس، وبسمعة الكنيسة المصريَّة ذاتها، وحتى لو أظهروهن بعد فترة فإن من الطبيعي أن يشك الناس في أن تلك الفترة تم استخدام عقاقير وضغوط وترغيب وترهيب، ومن ثم فإن تمرد الكنيسة على قيم حرية العقيدة قد أصبح أمرًا مسجَّلًا ولا يمكن غسل هذا العار لمدة طويلة.
المصدر:www.mohdat.com
[/size]