-
لماذا يخوض الوزراء الانتخابات؟!
يخوض
ثمانية وزراء في حكومة الحزب الوطني انتخابات مجلس الشعب القادمة.. حزب
الأغلبية دفع بهؤلاء مرة واحدة في خطوة جديدة تحسب للقيادات الحزبية التي
تفكر في تطعيم الحكومة بنبض الشارع..
صحافة المعارضة تقول: إن
الحكومة قررت خوض الانتخابات بالوزراء كي تحكم قبضتها علي الصناديق
بالتزوير.. فالعرف جري أن الوزير لايسقط.. والحقيقة أن هذا منطق معكوس..
فحكاية أن الوزير "ضامن" للنجاح غير حقيقية.. التجربة في مصر تثبت ذلك..
فقد سقط وزير الأوقاف السابق د.محمد علي محجوب أمام النائب مصطفي بكري..
وسقط
د.جمال السيد وزير الدولة للإنتاج الحربي.. ودخل د.أحمد جويلي وزير
التموين والتجارة الداخلية جولة إعادة في الدقي.. واضطرت د.آمال عثمان
وزيرة الشئون السابقة أن تقبل بتحدي مرتضي منصور لها في فرز صناديق الدائرة
التي ضمتهما معاً "الدقي" بطاقة بطاقة. حتي وقت متأخر من الليل.. واعترف
منصور بهزيمته وأن الانتخابات كانت نزيهة.. وذلك في التسعينيات..
الحكومة
لها سلطة كما تؤكد المعارضة.. لكن هذه السلطة لم تنقذ يوسف والي من السقوط
في الفيوم.. ولم يشفع تاريخ ومكانة وقيمة خالد محيي الدين في كفر شكر كي
ينجح..
الوزير يدخل الانتخابات بنفس القواعد والشروط المطبقة علي
الأعضاء.. يمر بالمجمع الانتخابي ثم استطلاعات الرأي.. لا فضل لوزير علي
مرشح آخر..
الحزب الوطني يعرف أن الانتخابات تحدي وقد قبله.. ويعرف
أن وزراءه لن يهبطوا دوائرهم بالباراشوت. أو يدخلوها علي خيول بيضاء..
إنها معركة حقيقية بين الحكومة والمعارضة.. إذا كان ثمانية وزراء سيدخلون
الانتخابات فهذا معناه أن الحزب يقدم "رُبع" حكومته للامتحان.. ليس هناك
شيء "يُحصن" الوزراء في الدوائر سوي الخدمات والسمعة الجيدة. وأحياناً اسم
العائلة أو الجذور..
الحزب لا يدخل الانتخابات بحملة لجمع
التوقيعات.. الوطني لا يتسول التأييد.. الحزب مؤسسة يخوض الامتحان
باستراتيجية واضحة.. الوزير النائب يستفيد من الدائرة قبل أن يستفيد منه
الناخبون.. الوزير يحصل علي معلومات من "فم أصحابها" عن المشاكل والأزمات
التي يعيشها المصريون.. "معلومات عن أبوها" كما كان الرئيس السادات يصفها..
معلومات تقوي الوزير وتفتح أمامه طرقاً جديدة لحل الأزمات..
الوزير
النائب يكون "بنك معلومات" في اجتماعات مجلس الوزراء.. يختلف كلامه
وتصريحاته عن كلام زميله الوزير العادي.. الوزير النائب يتحدث بلسان الناس
وهي أعلي درجات الديمقراطية.. الحزب يقدم وزراءه ليحوزوا ثقة الناس
بالخدمات التي يقدمونها.. وليس بالشعارات التي لا تسمن ولا تغني.. الحزب
واقعي.. يريد لوزرائه أن يعرفوا ما يحتاجه الناس قبل أن يحدثوهم عما قدموه
لهم.. هذه هي المعادلة..
الوزير النائب سيكون "مرجعية" لزملائه في
مجلس الوزراء.. سيتحدث بلسان الفلاحين والسواحلية وأهل المدن والريف
والصعيد.. 8 دوائر متنوعة سيمثلها الوزراء إذا نجحوا وأعتقد أن حكومة رُبع
وزرائها منتخب. ستكون حكومة "قوية" بمعلوماتها قبل أن تكون مسلحة
بإنجازاتها..
الوزير النائب دائماً يسبق بخطوة أو اثنتين.. وكما
قلت: الوزير النائب "مرجعية".. يسأله رئيس الوزراء عن الأحوال في دائرته
التي تكون نموذجاً مصغراً للمحافظة وأزماتها ومشاكلها فيعطيه الإجابة
والحل.. ويا حبذا لو كان الوزير النائب متواجداً طوال الوقت في الدائرة..
أو "خميس وجمعة".. ساعتها ستكون المعلومات والحلول من اقتراحات الناس
وتصديق الوزير..
الإخوان
علي أية حال المعركة ساخنة. ولن
يخشي الحزب الوطني الإخوان في هذه الدورة.. والأسباب كثيرة.. فمثلاً الناس
أدركت أن النائب يجب أن يقدم خدمات ولا يكفي أن يقول إنه "بتاع ربنا"..
الإسلام ليس حكراً علي الإخوان.. وهم ليسوا غُراً محجلين. ولكن بشر خطاءون .
مثلنا جميعاً.. ليس لهم قدسية.. وبالتالي عليهم واجبات ينبغي أن يؤدوها.
وليس لهم حصانة تُسقط عنهم الحساب..
وإذا كانوا حصلوا علي الأصوات
في 2005فذلك لأن الالتزام بالحزب الوطني لم يكن 100% وإنما صفر%. ولأن
الناخبين كانوا متضايقين من الحزب الوطني وبالتالي أعطوا الأصوات للمحظورة
انتقاماً وليس اقتناعاً.. الآن الوضع تغير..
صحيح أن حالة الضيق
مازالت موجودة عند الناس لكنه ليس مثل الضيق الذي كان موجوداً قبل 5
أعوام.. الخدمات أكثر.. الاستجابة أسرع.. صحيح هناك أزمات.. ولكن هناك
حلولاً.. الناس تشعر أن الحكومة تتحرك وتحاول.. تنجح وتفشل.. الناس تقارن
بين من يتحرك.. ومن يتكلم!!.. وبالتالي فإن الإخوان خسروا كثيرا من الأرض
التي وقفوا عليها قبل 5 أعوام..
ممكن جداً أن يفوز بعض نواب
المحظورة.. ليس لأنهم "بتوع ربنا" ولكن لأنهم نجحوا في التعامل مع الأهالي
علي أنهم أنداد وليسوا أسياداً عليهم.. المهمة الصعبة التي تواجه الإخوان
هي عدم وجود بديل لنوابهم الذين ثبتت عدم صلاحيتهم.. الإخوان ليسوا بالقوة
التي يُصورونها للناس لأنهم ظهروا علي حقيقتهم في الأداء البرلماني وفي
تقهقر الدوائر التي مثلوها..
علي أية حال المعركة صعبة. ومرشح
الوطني عموماً والوزراء خصوصاً يدخلون الانتخابات وهم مسلحون بعدة أشياء لا
يمكن الاستهانة بها.. 3 ملايين عضو.. "7700" وحدة حزبية.. استطلاعات رأي
في صالحهم.. مجمع انتخابي قوي ومحايد.. إنجازات في 29 محافظة.. ومع هذا لا
أحد يطمئن للانتخابات.. لذلك يستعد الوطني وقياداته ويخططون.. يجتهدون ولا
يتركون شيئاً للصدف!
وأعود للوزراء وفرصهم وأتحدث عن كل منهم في
عجالة فأقول: إن صديقي د.علي المصيلحي وزير التضامن يدخل انتخابات أبوكبير
للمرة الثانية.. قوة مصيلحي في أشياء كثيرة.. طبعاً ليست هناك أزمات
تموينية في دائرته.. لا نقص للخبز أو السكر أو المقررات.. لا أحد يستطيع
النصب علي مواطن في دائرة الوزير.. وهو الوحيد من الوزراء الذي أسقط المرشح
الإخواني أمامه من الضربة الأولي وفاز بحوالي 150 ألف صوت من إجمالي أصوات
الدائرة البالغ 210 آلاف ناخب..
دعاية الوزير لا تكاد تلحظها..
ورغم أنه ميسور الحال وصاحب "طين" أي أرض زراعية كبيرة. إلا أنه يري أن
خدماته هي خير دعاية له.. الوطني مطمئن إلي دائرة مصيلحي وفي بطنه "بطيخشة
صيفي".. بصراحة مين يقدر علي مصيلحي..
أمين أباظة وزير الزراعة
وضعه مختلف عن زميله مصيلحي.. الدائرة مشهورة بدائرة الباشوات .. وهي تابعة
لمركز منيا القمح. معقل الأباظية.. الدائرة احتكرتها عائلته منذ 1924 وحتي
الآن.. 86 عاماً أباظية.. والعائلة هي "الوحيدة" التي مثلها أعضاء من
الوطني "الراحل ماهر أباظة" والراحل وجيه أباظة. أحد الضباط الأحرار ومثلها
كذلك محمود أباظة شقيق الوزير أمين عن الوفد. ومثلهم أحمد أباظة والد وزير
الزراعة.. وعثمان أباظة وعزيز أباظة ومحمد أباظة وسامي أباظة وغيرهم..
الباشوات
أباظة لن يعتمد علي اسم العائلة فقط.. فقد قدم خدمات كثيرة طوال
السنوات الماضية.. قدمها وشقيقه "الوفدي" عضو البرلمان.. وهو مثال ونموذج
لارتباط العائلة وانتمائها.. الشرقية بها اثنان وزراء.. مصيلحي وأباظة..
وزير الزراعة عندما ينجح في دائرة ريفية فهذا أكبر دليل علي أن السياسة
الزراعية ليست سيئة.. لو شك الحزب الوطني بنسبة واحد في الألف في أن
السياسة الزراعية فاشلة لما وافق علي ترشيح أباظة في دائرة ريفية. حتي لو
كانت قاصرة علي الأباظية..
فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولي
تخوض الانتخابات في بورسعيد مسقط رأسها ومعقل عائلتها.. الحزب فكر في مرشحة
قوية لمقعد المرأة. فلم يجد خيراً منها.. خصوصاً أن وزارتها تملك تحويل
المحافظة لأكبر منطقة صناعية في المستقبل من خلال منح وقروض من البنك
الدولي.. فايزة تخوض الانتخابات بمفهوم تغيير ثقافة العمل في بورسعيد
"التاجر والبمبوطي أهلنا.. لكن ولادهم يستحقون أكثر مننا".. بورسعيد تحتاج
نظرة أخري وجديدة.. مضي عصر المدينة الحرة.. والمستقبل للميناء العالمي
والمدينة المليونية..
عبدالسلام المحجوب محافظ الإسكندرية السابق
والشهير بالمحبوب يخوض الانتخابات في دائرة الرمل.. ليس هناك شخص واحد في
الثغر يكره هذا المسئول الذي قضي فترة طويلة خدم فيها الإسكندرانية.. رجال
الأعمال كانوا يتسابقون لتنفيذ طلباته في الشوارع والكورنيش والنظافة.. لم
يرفض أي رجل أعمال طلباً له لأنه عمل للصالح العام.. اللجان النقابية في
المصانع الكبري بالعامرية والدخيلة وغيرها كانت تسعي لتنفيذ مقترحاته
وتطالب رجال الأعمال بالوقوف إلي جواره.. الوطني يختار عناصر تضمن النجاح..
مهما كانت قوة الإخوان في الإسكندرية لن يستطيعوا تحدي المحجوب..
"الدومينو" مقفولة في دائرة الرمل..
د.مفيد شهاب في الإسكندرية
أيضاً.. الشرقية بها وزيران ومثلها الإسكندرية.. وزيران في أعماق الدلتا..
وزميلاهما في الثغر.. بيئة ريفية وأخري ساحلية.. الحزب الوطني ينوع..
توجيهات "المعلم" صفوت الشريف و"جولات" جمال مبارك وتخطيط "المهندس" أحمد
عز أغلقت كل الثغرات أمام المنافسين.. خطة أشبه ب"الكاتانشيو" الإيطالية
التي كان يلعب بها المدرب العالمي هيلينو هيريرا في السبعينيات.. دفاع محكم
وهجوم ضاغط.. لذا لابد أن يحدث الاختراق..
د.مفيد شهاب ابن دائرة
محرم بك وابن ناظر المدرسة العباسية الثانوية وخريج جامعة الإسكندرية يشترك
مع د.مصيلحي ابن الشرقية في شيء أساسي وهو أنهما حتي الآن لم يفكرا في
الدعاية.. أبوكبير في الشرقية ومحرم بك بالإسكندرية لم تظهر فيهما دعاية
حتي الآن. وهو دليل علي تمكن الوزيرين..
د. سيد مشعل نائب حلوان
وزير الدولة للإنتاج الحربي "راسخ" في دائرته رغم شعبية الزميل مصطفي بكري
النائب في الدورة المنفضة عن الدائرة 25 الذي وجد نفسه أمام الوزير في
دائرته "24".. سيد مشعل وزير ابن بلد.وجدع وشهم.. أسلوب الدعاية لمشعل
وبكري أظهر عن دون قصد شخصية المتنافسين.. الصحفي قلق فبدأ دعايته مبكراً
في مدخل حلوان.. والوزير هادئ.. يقابل الناس كعادته بعد الإفطار.. يساعد
المناطق الفقيرة في دائرة بكري السابقة "24"..
وفي الوقت ذاته
يحاول أن يلعب الصحفي علي أرض الوزير في حلوان ووادي حوف.. المشكلة أن
إنجازات بكري في الدائرة 24 تمت معظمها بمساعدة الوزير وكان الصحفي يفخر
بذلك في افتتاح المشروعات.. لكن الآن الوضع اختلف. وعليه أن يبرهن علي أنه
قادر علي الإنجاز بعيداً عن الوزير..
مشعل خدم الدائرة عشرة
أعوام.. وأهم إنجازاته المركز العالمي لعلاج الأورام ومستشفي الإنتاج
الحربي المتطور الذي يعد بحق واحداً من أهم ثلاثة مستشفيات كبري في مصر..
مشعل يدخل المجمع الانتخابي بإنجازاته وهي كثيرة وقد ساندته استطلاعات
الرأي التي أجرتها أمانة السياسات..
ويخوض نصر علام وزير الري
معركة صعبة في جهينة بسوهاج. لعلها تكون أصعب معارك الوزراء. خصوصاً أن
خصمه د.محمد حمام قوي و"مأصل" في الدائرة.. أما وزير الري فيعتمد علي رغبة
أهالي جهينة في أن يكون لهم نائب بعد غياب 30 عاماً.. الوزير إذا ما فاز
سيكون خير نموذج علي أن العصبية والعائلة أحياناً ما يكون لها دور أقوي من
البرامج الانتخابية..
ويبقي د.يوسف بطرس غالي أشهر وزير مالية مصري
ومرشح الوطني في دائرة المعهد الفني بشبرا وهي دائرة صغيرة يكاد د.غالي
يعرف أهلها بالاسم. كما أن معظم ناخبيها أقباط.. "بطرس" هو كلمة السر في
شبرا.. الجميع حصلوا علي خدمات منه ووظائف.. المسلم قبل القبطي.. عائلته
تملك الأرض المقامة عليها الكاتدرائية الكبري بالعباسية.. لكن الأيام قد
تخفي مفاجآت لبطرس إذا ما قررت المعارضة خوض الانتخابات بمنطق مسلم وقبطي..
ونأمل ألا يحدث ذلك..