أرقى من البشر، وهو ما أثبتته حلقات المسلسل الكارتونى «أبونبيل وأبوقتادة»
الذى تبثه قناة الوطن الكويتية يوميا فى رمضان، وهو فكرة مستوحاة من حلقات
مشابهة تنشر فى صحيفة الوطن، من تأليف رسام الكاريكاتير الكويتى محمد
ثلاب، ويناقش فيها قضايا اجتماعية ببعض الإسقاطات السياسية، وفى إحدى حلقات
المسلسل كانت القضية المثارة فيها هى قيام بعض الكويتيين بالزواج من
مصريات ثم يتركونهن ويسافرون متجاهلين أبناءهم من هذه الزيجات للمصير
المجهول، إلا أن صانعى الحلقة حاولوا جاهدين أن يثبتوا الآثار السلبية لتلك
الظاهرة على حساب ما أظهروه على أنه طباع المصريين وأخلاقهم السيئة وتدهور
أحوالهم، مقارنة بأخلاق الكويتيين المثالية ومعيشتهم الراقية.
الإساءات التى وجهها المسلسل للمصريين كانت واضحة منذ بداية الحلقة التى
كانت بعنوان «نبيلة الهبيلة» وهى العبارة التى وضع أسفل منها صورة
للأهرامات وأبى الهول فى إشارة لمصر، ثم توالت التلميحات المسيئة فى حوار
زوجة كويتية مع زوجها حينما كانا يستعدان لمشاهدة برنامج تليفزيونى فقالت
له إن البرنامج «بيناقش قضية الشباب الكويتيين اللى هادينهم فى مصر »، على
حد وصف الزوجة التى علقت على ذلك بقولها «حسبى الله فيهم ما يخافون ربهم»
تقصد المصريين، ثم يبدأ البرنامج بصبى يقول إنه كويتى لأن أباه تزوج من
الكويت، ثم يظهر البرنامج والدته كفتاة مصرية تصطنع مشاعرها لتستدر عطف
المشاهدين، وتحكى قصتها مع الكويتى الذى تزوجها ثم هرب إلى بلده، وتحكى ذلك
بأسلوب رخيص، هنا يعلق المشاهد «أبونبيل» بأنه: «ماكو -مفيش- كويتى يخلى
عياله فى مصر وما يسأل عنهم».
ثم تتصاعد حدة الإساءات مع ظهور الفتاة بطلة الحلقة «نبيلة الهبيلة» التى
تبدو كأنها جمعت أسوأ الصفات التى يمكن أن يحملها طفل فى مثل عمرها، فهى
«مدعية وفهلوية وتحب الردح» وتتقن التسول، حيث تقول معرفة نفسها «أنا
كويتية وأبويا كويتى وأهلى سايبينى هنا فى الريف أكنس واغسل وأمسح»، وكأن
الريف أصبح شيئا تُعير به مصر، ولعل النية غير السليمة لصناع المسلسل فى
هذه النقطة هى التى أوقعتهم فى تناقض يعبر عن جهلهم، فأى ريف هذا الذى
تتحدث الفتاة عن معاناتها به، بينما فى نفس الحلقة يبحثون عن عنوانها فى
منطقة السيدة زينب التى تقع وسط المدينة.
الفتاة أيضا ظهرت كأن أى مبلغ من المال يكفى لإسكات صراخها، فعندما ظهرت فى
البرنامج وحكت قصتها، وخاف والدها الكويتى من الفضيحة، سكتت لمجرد أنه قال
لها إنه سيرسل إليها 2000 جنيه، أو عندما قالت لها «أم نبيل»: «باعطيكى 10
آلاف جنيه بس تقوليلى مين أبوكى»، وعندما ذهبت زوجته للبحث عنها فى مصر
بدأ فصل آخر من التشويه، حيث صور المشهد منطقة السيدة زينب بأنها عشوائية
وفى أسوأ حال، وبدت الزوجة ومرافقتاها كأنهن ملائكة هبطوا من السماء على
تلك الرقعة القذرة، كما جمع المشهد ثلاث شخصيات كرتونية لشباب مصريين هم
أسوأ مثل لشاب يمكن أن تراه فى حياتك «انتهازى، وليس فى وعيه بالكامل
ومريب، وينظر لكل غريب على أنه فريسة»، وذلك الشاب الذى يتحدث بلكنة غريبة
«يطجن» وهو يقول لها «تحبى تسمعى نكتة»، وبدا الشباب المصرى كالمتسولين
الذين يلتفون حول أى زائر خاصة لو كان خليجيا، كما أراد المسلسل أن يخبرنا.
أما ذروة الإساءة فكانت حينما حكى المسلسل أن «أم نبيل» الكويتية، أخذت
الفتاة للفندق «ونظفتها وغسلتها» بعدما لاحظت «قذارتها» وأبدت اشمئزازها
أكثر من مرة، حتى أنها قالت لزوجها وهى تعاتبه «صدقت إنك قليل الحيا.. تاخد
عليا مصرية وكمان فلاحة ها» كما قالت للفتاة بعد أن شمت رائحتها «ويش هادى
الريحة انتى ما تستحمين» فردت عليها الفتاة «لا ده أنا باستحمى كل يوم فى
الترعة»، وجميعها مشاهد تحمل إيحاءات تصور المصريات قليلات النظافة ولا
يعرفن شيئا عن الرقى، وتحول مثال شاذ ربما يكون مؤلف المسلسل قد رآه فى أحد
الشوارع المصرية، ليجعله فى هذا المسلسل نموذجا للمرأة المصرية.
النبرة المتعالية التى حاول صناع المسلسل أن يظهروها فى الحلقة نسفت جميع
القيم التى حاولوا أيضا أن يرسخوها، كنزاهة الشخصيات التى فى المسلسل، وصدق
عواطفهم وحبهم لفعل الخير، بينما كان سكان الدول الأخرى فى أغلب الحلقات
مثالا للسلبيات والنواقص التى يأنفها الكويتيون، حتى إن الفتاة فى آخر
المشاهد ترتعد وتصرخ لمجرد أن خيروها بين البقاء فى الكويت أو العودة لمصر،
فتقول «أنا عايزة أقعد هنا فى الكويت.. ده أنا من بطنها»، وهى نظرة لا
تليق لمسلسل من المفترض أنه يصحح مشاكل المجتمع ويقومها، لكنه يركن إلى
عيوب الآخرين ويحولها إلى مادة للهزل، وبهذه الطريقة يرسخ للعنصرية، وهو
تعال غير مبرر على شعوب أخرى ربما تكون أكثر تمدنا وحضارة ورسوخا فى
التاريخ، وهم بذلك دون أن يدروا يزرعون كراهية بين المصريين والكويتيين
ويدخلونهم فى حرب كلامية عرقية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، إنما هى نتاج
لطيش ورعونة صانعى المسلسل، ليتبادل الطرفان الشتائم مثلما حدث فى أزمة
الجزائر الأخيرة، وتتحول مصر إلى الأخت الكبرى التى فقدت عقلها ودارت على
إخوانها الصغار تتشاجر معهم وتناكفهم دون مبرر.
يتبقى بعد كل هذه الإساءات أن نذكر أنه فى حلقة سابقة من نفس المسلسل كان
هناك إيحاءات اعتبرتها الحكومة المغربية تحمل إساءة كبيرة لتاريخ وثقافة
المغرب، وتنال من كرامة المرأة المغربية، فتقدمت باحتجاج رسمى للكويت على
هذه الإساءات، مما دفع الأخيرة للاعتذار رسميا على ما ورد بالحلقة على لسان
مصدر كويتى مسؤول قال فيه «إن وزارة الخارجية تعرب عن أسفها الشديد لما
تضمنه ذلك البرنامج من إساءات» فهل يتحرك مسؤول مصرى للرد على الإساءات
التى وجهت للمصريين عامة وللمرأة المصرية التى أظهرها المسلسل بأنها قذرة
وانتهازية وتبيع نفسها وأطفالها من أجل المال؟