الذي خلقنا من عدم، وكبّرنا من صغر، وقوّانا من ضعف، وأسمعنا من صمم، وأغنانا من فقر، وعلّمنا من جهل، وأمّننا من خوف، وهدانا من ضلالة، أحمده - سبحانه - وأشكره، وبالشكر تنال الزيادة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد:
إن للباطل في هذا العصر صولة وجولة، وكلمة وموقف، فله خطط وبرامج وقنوات، وما انتفش الباطل وارتفعت كلمته إلا لتخاذل أهل الحق، ونكوصهم عن المواجهة، وإظهار محاسن الحق الذي يحملونه وينتسبون إليه.
إن أهل الباطل يدافعون عن باطلهم، ويبذلون في سبيل نشره وإقناع الناس به كل غال ونفيس.
وليس الأمر مقتصرا على الدعوة فقط، بل إنهم يبثون أتباعهم في صفوف الجماهير لتثبيتهم على الوفاء لهذا المبدأ الخبيث، والهدف القبيح، والغاية الخاسرة.
هل تذكرت أخي أن دينك هذا الذي تدين الله به مستهدف بعداء مرير وكيد طويل؟!.
واقرأ إن شئت كتاب "قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله" ولتقف على طرف من هذا العـداء!.
أخي: هل آلمتك مجازر المسلمين ورخص دمائهم، فإذا هي أرخص من ماء البحر، ومدن المسلمين تُباد، ودولهم تُبتلع؟!.
أخي الحبيب: ماذا قدمت لدين الله؟
سؤال يجب ألا نمل طرحه، وألا نسأم تكراره؛ لنحيي في القلوب قضية العمل لهذا الدين، هذا الدين الذي تعب من أجله آدم، وناح لأجله نوح، ورُمى في النار الخليل، وأُضجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس، ولبث في السجن بضع سنين، ونُشر بالمنشار زكريا، وذُبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضُّر أيوب، وزاد على المقدار بكاء داود، وسار مع الوحش عيسي، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد - صلى الله عليه وسلم -.
يقول - تعالى -: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)) آل عمران110.
وقال - تعالى -: ((انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) التوبة41.
أخي الحبيب: هل فتشتُ في أنفسنا وتساءلنا كم تبلغ مساحة الإسلام من خارطة اهتمامنا؟!
كـم نبـذل ونتعب ونهتم للدنيا؟! وفي المقابل كم نبذل ونتعب ونهتم للدين؟
ويحضرني قصة تلك المرأة النصرانية التي حضرت أحد المؤتمرات التي أقيمت للتعريف بالدين الإسلامي، وبعد سماعها لتعريف مختصر لخصائص هذا الدين ومميزاته، قالت: لئن كان ما ذكرتموه عن دينكم صحيحا إنكم لظالمون! فقيل لها: ولماذا؟ قالت: إنكم لم تعملوا على نشره بين الناس، والدعوة إليه!.
بل ذكر أحد الدعاة أنه كان في بعض دول أفريقيا في رحلة شاقة إلى قرية من القرى، وكانت السيارة تسير وسط غابة كثيفة، وكان الطريق وعراً، وعورة يستحيل معها أن تسرع السيارة أكثر من 20 كم في الساعة، وقد بلغ منا الإرهاق مبلغه، وكأن البعض قد ضاق صدره من طول الرحلة، وبدأ يتأفف من شدة الحر، وكثرة الذباب والغبار الذي ملأ جو السيارة، وفجأة يقول: شاهدنا على قارعة الطريق امرأة أوربية قد امتطت حماراً، وعلّقت صليباً كبيراً على صدرها، وبيدها منظار، وعند سؤالها عن سبب وجودها في هذه الغابة تبين أنها تدعو للصليب في كنيسة داخل القرية ولها سنتان، قال صاحبي: فقلنا: (اللهم إنا نعوذ بك من جلد الفاجر، وعجز الثقة).
أخي: هل بذلت جُهدا في خدمة دينك ولو كان قليلا؟ هل أهديت لقريب أو زميل شريطا بعد أن سمعته أو كتيبا بعد أن قرأته؟.
هذه المنكرات التي في مجتمعاتنا لم تنتشر في يوم وليله، ولكن انتشرت لأن واحدا فعل وواحد سكت وهما شريكان في الإثم، ولا ينجو إلا من نهى عن المنكر وأمر بالمعروف بمعروف.
فهل استشعرت وجوب مشاركتك في إزالة المنكر؟!
أخي المسلم: إن في مجالسنـا ومجتمعنا من يشوش على الناس مفاهيمهم، ويُلّبس عليهم دينهم، وينتقص أهل الصلاح منهم!.
فهل وقفت مُنافحا ومُدافعا بالتي هي أحسن؟!.
ماذا قدمت لدين الله؟
أخي: من لهذا الدين المتين -بعد رب العالمين- إلا أنت وأمثالك، ما لم تقم بالعبء أنت فمن يقوم به إذاً؟!
إن الغيرة على دين الله دليل على محبة الله، ودليل على الإيمان الصادق في قلب العبد، ومن لا يغار على محارم الله ضعيف الإيمان أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه فيما أخرجه الإمام مسلم بقُوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ).
أرأيت أخي الحبيب إلى البحر العظيم ذو الأمواج الهائلة، إنه يفور غيرةً لانتهاك محارم الله؛ فقد أخرج الإمام أحمد عن عُمَر بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ((لَيْسَ مِنْ لَيْلَةٍ إِلَّا وَالْبَحْرُ يُشْرِفُ فِيهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى الْأَرْضِ يَسْتَأْذِنُ اللَّهَ فِي أَنْ يَنْفَضِخَ عَلَيْهِمْ أي على عصاة بني آدم-فَيَكُفُّهُ اللَّهُ - عز وجل -كرما منه ورحمة))، كل ذلك غيرة على محارم الله.
ماذا قدمت لدين الله؟
أخي الحبيب: هل تعلم أنه في عام واحد بلغ ما جمعته المنظمات التنصيرية مبلغا قدره (193) مليار دولار أمريكي! وقد بلغ عدد المنظمات التنصيرية (23300) منظمة عاملة، وبلغ عدد المنظمات التنصرية التي ترسل منصرين إلى الخارج (4500) منظمة.
وبلغ عدد نسخ الإنجيل التي تم توزيعها خلال عام واحد فقط (178، 317، 000) كتابا، وبلغ عدد الإذاعات والمحطات التليفزيونية التنصيرية (3200) إذاعة ومحطة تلفزة مختصة بالتنصير.
أسلحة الإعلام مدججة لطمس نور فطرة الله التي فطر الله الناس عليها، فهذه مسلسلات، وتلكم أفلام وبرامج وأغنيات.. تُذبح فيها الفضيلة، ويُطمس فيها الشرف، حتى صار القُبح عُرفاً والباطل عادة.
ماذا قدمت لدين الله؟
تأمل في الهدهد، ذلكم الطائر الأعجم حين كان في مملكة على رأسها نبي، لم يفهم من ذلك أنه قد أخذ إجازة من أجل ألا يعمل لدين الله.
الهدهد تحرك ليعمل للدين؟ لقد شاهد الهدهد قوما يعبدون الشمس من دون الله، فماذا فعل؟ إنه لم يقف موقفا سلبيا، وإنما ذهب وتحرك وتقصى، وألقى بالنبأ إلى سليمان - عليه السلام -، باذلا بذلك كل وسعه في تغيير المنكر.
لقد فعل الهدهد ذلك كله دون تكليف مسبق، أو تنفيذ لأمر صادر، وجلب للقيادة المؤمنة خبرا أدى إلى دخول أمة كاملة في الإسلام.
ماذا قدمت لدين الله؟:
فالعمل للدين ليس مؤقت بوقت ولا محدداً بزمان ولا مكان وإنما هو وظيفة العمر كله.
أخي المسلم: ليس القيام بأمر الله والدفاع عن الدين والغيرة هو من شأن العلماء وحدهم، بل هو شأن كل مسلم، فكل مسلم بانتمائه للإسلام عامل للدين، ومهما كان فيه من خطأ ومهما اعتراه من تقصير فينبغي أن لا يضيفَ إلى أخطائِه خطأً آخرَ وهو القعود عن العمل للدين.
ولعلَ عمله للدين أن يطفئ حرارة الذنوب وتكاثر السيئات.
ماذا قدمت لدين الله؟:
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أوائل اهتماماته صِيَاغَةُ الشَّخصية الدعوية التي تحمل هَمَّ الدين وتبذُل له. وكان أول من دعاه النبي صلى الله عليه وسلم للإسلام هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي تحرك من أول يوم ينشر هذا الدين حتى دخل بجهوده الدعوية في أول الأمر خمسة مّن المبشرين بالجنة.
وهذا الداعية الكويتي عبد الرحمن السميط يدعو إلى الله في أدغال أفريقيا فيُسلم على يديه ثلاثة ملايين شخص.
وهذه امرأة تدعو بالمراسلة على شبكة الانترنت ويُسلم على يديها الآلاف وهي امرأة مقعدة لا يتحرك مها إلا رأسها.
وهاهو شاب مصري يهتدي على يديه عبر الانترنت ما يزيد على خمسمائة من النصارى.
قال - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن دَعا إلى هُدى كان له من الأجرِ مِثلُ أجورِ مَن تَبِعَه، لا ينقص ذلك من أجورِهم شيئًا)) رواه مسلم.
واهتِداءُ رجلٍ واحدٍ بسَبَب دعوتك ونصيحتك خيرٌ لك من أنفَسِ الأموال، يقول - عليه الصلاة والسلام -: ((فوَالله، لأن يهدِيَ الله بكَ رَجلاً واحدًا خيرٌ لك مِن حُمُر النَّعَم)) متفق عليه.
وهكذا العلماء والدعاة في كل زمان وحين هم الأئمة الأعلام، الأمة بهم تهتدي، والناس بحسن دعوتهم تقتدي، هم الأنوار التي تنجلي بهم غياهب الظلمة، هم نجوم الأمة اللامعة، وشموسها الساطعة، بالعلماء العاملين والدعاة الصادقين يحفظ دين الأمة وتشاد معالم الملة وترفع راية السنة، وتصان عزة الأمة وكرامتها، هم ورثة الأنبياء في أممهم وأمناؤهم على دينهم.
فكن مثلهم داعياً وناصحاً، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر بحسب ما عندك من العلم والجهد والقدرة والطاقة، وحسب موقعك ومنزلتك، ولتُقدم ولو عملاً بسيطا للدعوة إلى الله في منزلك أو عشيرتك أو مدرستك أو وظيفتك، بقلمك إن كنت كاتبا وعقلك إن كنت مفكراً ومالك وأمانتك إن كنت تاجراً، وإتقانك للعمل وسرعة انجازك للمعاملات إن كنت موظفاً.
قال صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) رواه البخاري.
فبلغوا فيها تكليف وعني فيها تشريف ولو آية فيها تخفيف.
على المرء أن يسعى إلى الخير جهده *** وليس عليه أن تتم المقاصد
ماذا قدمت لدين الله؟:
أخي الحبيب: لعل هذه الكلمات تُحرّك جذوة من نار الحرقة للإسلام في قلوبنا، وعلّ جمرة الإحساس بواجب الاهتمام بالمسلمين تشتعل في جوانحنا وعلّ جليد الركون للدنيا والنوم والكسل يذوب من حياتنا لكي ننطلق للدين عاملين وللإسلام ناصرين.
كيف تخدم دين الله؟
1-من أعظم الأعمال التي تخدم بها هذا الدين أن تجعل بيتك بيتاً مسلما في أفراده ومسلماً في أساسه ومسلماً في معداته وأجهزته تُنشر فيه الفضائل وتحارب الرذائل.
2-مشاركة إخوانك الصالحين في نشاطهم في الدعوة إلى الله - عز وجل - بالحكمة والموعظة الحسنة، فيمكنك الاتصال بهم والعمل معهم والمرء قليلٌ بنفسه كثيرٌ بإخوانه.
3- شارك في الدعوة إلى الله بسنة تنشرها أو بفضيلة تدعو إليها أو كلمة تلقيها أو مطوية تبثها، المهم أن تكون إيجابيًا في مجتمعك.
4- فرّغ شيئاً من وقتك لتتعلم دينك، لتفهم دينك فهماً صحيحاً على أيدي العلماء العاملين، والدعاة الصادقين، فمن المُحال أن تنصر شيئاً تجهله.
5- تخفف من ذنوبك بالتوبة النصوح واعلم بان بني إسرائيل مُنعوا القطر بسبب ذنب رجل في سبعين ألف رجل.
6- اتبع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم واعلم أن المسلمين في معركة أحد لم ينتصروا بسبب مخالفة لأمر رسولنا صلى الله عليه وسلم.
7- كُن مخلصا صادقا في أقوالك وأفعالك وحركاتك وسكناتك.
8- تخلق بالخلق الحسن واعلم أن لسان الحال أبلغ من لسان المقال.
9-أدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة واعلم أن الدعوة سائرة بك أو بدونك فاسأل الله أن يشرفك بالدعوة لدينه.
10- تخير الصاحب الذي يعينك علي الخير ويدلك عليه، الصاحب الذي إذا ذكرت الله أعانك وإذا نسيت ذكّرك. الصاحب الذي يُذكّرك بعيوبك لأجل إصلاحها لا ليعيرك بها.
11- كُن ليّن الجانب، طيب المعشر، هينا، سمحاً في تعاملاتك مع إخوانك ومع الناس، واعلم أن اللين في الخطاب والبسمة علي المُحيا هما مفتاح قلوب الناس.
12- ابذل من مالك للدعوة إلى الله، فالدال على الخير كفاعله.
13- سل الله في دعائك أن يعز الإسلام وينصر المجاهدين. ويؤيد الدعاة الصادقين ويخذل ويكبت كل من ناوأ الدعوة وكل من حاصر الكلمة، وكل من وقف في وجه رسالة أنبياء الله.
أخي الحبيب: تعال ضع يدك في يدي وبنا ننطلق ونخدم هذا الدين، فالمرء قليل بنفسه كثيرٌ بإخوانه، دعنا نتكاتف ونكثّر السواد في خدمة الدين بإخلاص جمعني الله وإياك في مستقر رحمته ودار كرامته.
وصلى الله وسلم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبعه واقتفى أثره إلي يوم الدين، وآخر دعوانا أن رب العالمين.
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وبعد:
إن للباطل في هذا العصر صولة وجولة، وكلمة وموقف، فله خطط وبرامج وقنوات، وما انتفش الباطل وارتفعت كلمته إلا لتخاذل أهل الحق، ونكوصهم عن المواجهة، وإظهار محاسن الحق الذي يحملونه وينتسبون إليه.
إن أهل الباطل يدافعون عن باطلهم، ويبذلون في سبيل نشره وإقناع الناس به كل غال ونفيس.
وليس الأمر مقتصرا على الدعوة فقط، بل إنهم يبثون أتباعهم في صفوف الجماهير لتثبيتهم على الوفاء لهذا المبدأ الخبيث، والهدف القبيح، والغاية الخاسرة.
هل تذكرت أخي أن دينك هذا الذي تدين الله به مستهدف بعداء مرير وكيد طويل؟!.
واقرأ إن شئت كتاب "قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله" ولتقف على طرف من هذا العـداء!.
أخي: هل آلمتك مجازر المسلمين ورخص دمائهم، فإذا هي أرخص من ماء البحر، ومدن المسلمين تُباد، ودولهم تُبتلع؟!.
أخي الحبيب: ماذا قدمت لدين الله؟
سؤال يجب ألا نمل طرحه، وألا نسأم تكراره؛ لنحيي في القلوب قضية العمل لهذا الدين، هذا الدين الذي تعب من أجله آدم، وناح لأجله نوح، ورُمى في النار الخليل، وأُضجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس، ولبث في السجن بضع سنين، ونُشر بالمنشار زكريا، وذُبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضُّر أيوب، وزاد على المقدار بكاء داود، وسار مع الوحش عيسي، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد - صلى الله عليه وسلم -.
يقول - تعالى -: ((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)) آل عمران110.
وقال - تعالى -: ((انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) التوبة41.
أخي الحبيب: هل فتشتُ في أنفسنا وتساءلنا كم تبلغ مساحة الإسلام من خارطة اهتمامنا؟!
كـم نبـذل ونتعب ونهتم للدنيا؟! وفي المقابل كم نبذل ونتعب ونهتم للدين؟
ويحضرني قصة تلك المرأة النصرانية التي حضرت أحد المؤتمرات التي أقيمت للتعريف بالدين الإسلامي، وبعد سماعها لتعريف مختصر لخصائص هذا الدين ومميزاته، قالت: لئن كان ما ذكرتموه عن دينكم صحيحا إنكم لظالمون! فقيل لها: ولماذا؟ قالت: إنكم لم تعملوا على نشره بين الناس، والدعوة إليه!.
بل ذكر أحد الدعاة أنه كان في بعض دول أفريقيا في رحلة شاقة إلى قرية من القرى، وكانت السيارة تسير وسط غابة كثيفة، وكان الطريق وعراً، وعورة يستحيل معها أن تسرع السيارة أكثر من 20 كم في الساعة، وقد بلغ منا الإرهاق مبلغه، وكأن البعض قد ضاق صدره من طول الرحلة، وبدأ يتأفف من شدة الحر، وكثرة الذباب والغبار الذي ملأ جو السيارة، وفجأة يقول: شاهدنا على قارعة الطريق امرأة أوربية قد امتطت حماراً، وعلّقت صليباً كبيراً على صدرها، وبيدها منظار، وعند سؤالها عن سبب وجودها في هذه الغابة تبين أنها تدعو للصليب في كنيسة داخل القرية ولها سنتان، قال صاحبي: فقلنا: (اللهم إنا نعوذ بك من جلد الفاجر، وعجز الثقة).
أخي: هل بذلت جُهدا في خدمة دينك ولو كان قليلا؟ هل أهديت لقريب أو زميل شريطا بعد أن سمعته أو كتيبا بعد أن قرأته؟.
هذه المنكرات التي في مجتمعاتنا لم تنتشر في يوم وليله، ولكن انتشرت لأن واحدا فعل وواحد سكت وهما شريكان في الإثم، ولا ينجو إلا من نهى عن المنكر وأمر بالمعروف بمعروف.
فهل استشعرت وجوب مشاركتك في إزالة المنكر؟!
أخي المسلم: إن في مجالسنـا ومجتمعنا من يشوش على الناس مفاهيمهم، ويُلّبس عليهم دينهم، وينتقص أهل الصلاح منهم!.
فهل وقفت مُنافحا ومُدافعا بالتي هي أحسن؟!.
ماذا قدمت لدين الله؟
أخي: من لهذا الدين المتين -بعد رب العالمين- إلا أنت وأمثالك، ما لم تقم بالعبء أنت فمن يقوم به إذاً؟!
إن الغيرة على دين الله دليل على محبة الله، ودليل على الإيمان الصادق في قلب العبد، ومن لا يغار على محارم الله ضعيف الإيمان أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه فيما أخرجه الإمام مسلم بقُوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ).
أرأيت أخي الحبيب إلى البحر العظيم ذو الأمواج الهائلة، إنه يفور غيرةً لانتهاك محارم الله؛ فقد أخرج الإمام أحمد عن عُمَر بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ((لَيْسَ مِنْ لَيْلَةٍ إِلَّا وَالْبَحْرُ يُشْرِفُ فِيهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى الْأَرْضِ يَسْتَأْذِنُ اللَّهَ فِي أَنْ يَنْفَضِخَ عَلَيْهِمْ أي على عصاة بني آدم-فَيَكُفُّهُ اللَّهُ - عز وجل -كرما منه ورحمة))، كل ذلك غيرة على محارم الله.
ماذا قدمت لدين الله؟
أخي الحبيب: هل تعلم أنه في عام واحد بلغ ما جمعته المنظمات التنصيرية مبلغا قدره (193) مليار دولار أمريكي! وقد بلغ عدد المنظمات التنصيرية (23300) منظمة عاملة، وبلغ عدد المنظمات التنصرية التي ترسل منصرين إلى الخارج (4500) منظمة.
وبلغ عدد نسخ الإنجيل التي تم توزيعها خلال عام واحد فقط (178، 317، 000) كتابا، وبلغ عدد الإذاعات والمحطات التليفزيونية التنصيرية (3200) إذاعة ومحطة تلفزة مختصة بالتنصير.
أسلحة الإعلام مدججة لطمس نور فطرة الله التي فطر الله الناس عليها، فهذه مسلسلات، وتلكم أفلام وبرامج وأغنيات.. تُذبح فيها الفضيلة، ويُطمس فيها الشرف، حتى صار القُبح عُرفاً والباطل عادة.
ماذا قدمت لدين الله؟
تأمل في الهدهد، ذلكم الطائر الأعجم حين كان في مملكة على رأسها نبي، لم يفهم من ذلك أنه قد أخذ إجازة من أجل ألا يعمل لدين الله.
الهدهد تحرك ليعمل للدين؟ لقد شاهد الهدهد قوما يعبدون الشمس من دون الله، فماذا فعل؟ إنه لم يقف موقفا سلبيا، وإنما ذهب وتحرك وتقصى، وألقى بالنبأ إلى سليمان - عليه السلام -، باذلا بذلك كل وسعه في تغيير المنكر.
لقد فعل الهدهد ذلك كله دون تكليف مسبق، أو تنفيذ لأمر صادر، وجلب للقيادة المؤمنة خبرا أدى إلى دخول أمة كاملة في الإسلام.
ماذا قدمت لدين الله؟:
فالعمل للدين ليس مؤقت بوقت ولا محدداً بزمان ولا مكان وإنما هو وظيفة العمر كله.
أخي المسلم: ليس القيام بأمر الله والدفاع عن الدين والغيرة هو من شأن العلماء وحدهم، بل هو شأن كل مسلم، فكل مسلم بانتمائه للإسلام عامل للدين، ومهما كان فيه من خطأ ومهما اعتراه من تقصير فينبغي أن لا يضيفَ إلى أخطائِه خطأً آخرَ وهو القعود عن العمل للدين.
ولعلَ عمله للدين أن يطفئ حرارة الذنوب وتكاثر السيئات.
ماذا قدمت لدين الله؟:
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أوائل اهتماماته صِيَاغَةُ الشَّخصية الدعوية التي تحمل هَمَّ الدين وتبذُل له. وكان أول من دعاه النبي صلى الله عليه وسلم للإسلام هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، الذي تحرك من أول يوم ينشر هذا الدين حتى دخل بجهوده الدعوية في أول الأمر خمسة مّن المبشرين بالجنة.
وهذا الداعية الكويتي عبد الرحمن السميط يدعو إلى الله في أدغال أفريقيا فيُسلم على يديه ثلاثة ملايين شخص.
وهذه امرأة تدعو بالمراسلة على شبكة الانترنت ويُسلم على يديها الآلاف وهي امرأة مقعدة لا يتحرك مها إلا رأسها.
وهاهو شاب مصري يهتدي على يديه عبر الانترنت ما يزيد على خمسمائة من النصارى.
قال - عليه الصلاة والسلام -: ((مَن دَعا إلى هُدى كان له من الأجرِ مِثلُ أجورِ مَن تَبِعَه، لا ينقص ذلك من أجورِهم شيئًا)) رواه مسلم.
واهتِداءُ رجلٍ واحدٍ بسَبَب دعوتك ونصيحتك خيرٌ لك من أنفَسِ الأموال، يقول - عليه الصلاة والسلام -: ((فوَالله، لأن يهدِيَ الله بكَ رَجلاً واحدًا خيرٌ لك مِن حُمُر النَّعَم)) متفق عليه.
وهكذا العلماء والدعاة في كل زمان وحين هم الأئمة الأعلام، الأمة بهم تهتدي، والناس بحسن دعوتهم تقتدي، هم الأنوار التي تنجلي بهم غياهب الظلمة، هم نجوم الأمة اللامعة، وشموسها الساطعة، بالعلماء العاملين والدعاة الصادقين يحفظ دين الأمة وتشاد معالم الملة وترفع راية السنة، وتصان عزة الأمة وكرامتها، هم ورثة الأنبياء في أممهم وأمناؤهم على دينهم.
فكن مثلهم داعياً وناصحاً، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر بحسب ما عندك من العلم والجهد والقدرة والطاقة، وحسب موقعك ومنزلتك، ولتُقدم ولو عملاً بسيطا للدعوة إلى الله في منزلك أو عشيرتك أو مدرستك أو وظيفتك، بقلمك إن كنت كاتبا وعقلك إن كنت مفكراً ومالك وأمانتك إن كنت تاجراً، وإتقانك للعمل وسرعة انجازك للمعاملات إن كنت موظفاً.
قال صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) رواه البخاري.
فبلغوا فيها تكليف وعني فيها تشريف ولو آية فيها تخفيف.
على المرء أن يسعى إلى الخير جهده *** وليس عليه أن تتم المقاصد
ماذا قدمت لدين الله؟:
أخي الحبيب: لعل هذه الكلمات تُحرّك جذوة من نار الحرقة للإسلام في قلوبنا، وعلّ جمرة الإحساس بواجب الاهتمام بالمسلمين تشتعل في جوانحنا وعلّ جليد الركون للدنيا والنوم والكسل يذوب من حياتنا لكي ننطلق للدين عاملين وللإسلام ناصرين.
كيف تخدم دين الله؟
1-من أعظم الأعمال التي تخدم بها هذا الدين أن تجعل بيتك بيتاً مسلما في أفراده ومسلماً في أساسه ومسلماً في معداته وأجهزته تُنشر فيه الفضائل وتحارب الرذائل.
2-مشاركة إخوانك الصالحين في نشاطهم في الدعوة إلى الله - عز وجل - بالحكمة والموعظة الحسنة، فيمكنك الاتصال بهم والعمل معهم والمرء قليلٌ بنفسه كثيرٌ بإخوانه.
3- شارك في الدعوة إلى الله بسنة تنشرها أو بفضيلة تدعو إليها أو كلمة تلقيها أو مطوية تبثها، المهم أن تكون إيجابيًا في مجتمعك.
4- فرّغ شيئاً من وقتك لتتعلم دينك، لتفهم دينك فهماً صحيحاً على أيدي العلماء العاملين، والدعاة الصادقين، فمن المُحال أن تنصر شيئاً تجهله.
5- تخفف من ذنوبك بالتوبة النصوح واعلم بان بني إسرائيل مُنعوا القطر بسبب ذنب رجل في سبعين ألف رجل.
6- اتبع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم واعلم أن المسلمين في معركة أحد لم ينتصروا بسبب مخالفة لأمر رسولنا صلى الله عليه وسلم.
7- كُن مخلصا صادقا في أقوالك وأفعالك وحركاتك وسكناتك.
8- تخلق بالخلق الحسن واعلم أن لسان الحال أبلغ من لسان المقال.
9-أدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة واعلم أن الدعوة سائرة بك أو بدونك فاسأل الله أن يشرفك بالدعوة لدينه.
10- تخير الصاحب الذي يعينك علي الخير ويدلك عليه، الصاحب الذي إذا ذكرت الله أعانك وإذا نسيت ذكّرك. الصاحب الذي يُذكّرك بعيوبك لأجل إصلاحها لا ليعيرك بها.
11- كُن ليّن الجانب، طيب المعشر، هينا، سمحاً في تعاملاتك مع إخوانك ومع الناس، واعلم أن اللين في الخطاب والبسمة علي المُحيا هما مفتاح قلوب الناس.
12- ابذل من مالك للدعوة إلى الله، فالدال على الخير كفاعله.
13- سل الله في دعائك أن يعز الإسلام وينصر المجاهدين. ويؤيد الدعاة الصادقين ويخذل ويكبت كل من ناوأ الدعوة وكل من حاصر الكلمة، وكل من وقف في وجه رسالة أنبياء الله.
أخي الحبيب: تعال ضع يدك في يدي وبنا ننطلق ونخدم هذا الدين، فالمرء قليل بنفسه كثيرٌ بإخوانه، دعنا نتكاتف ونكثّر السواد في خدمة الدين بإخلاص جمعني الله وإياك في مستقر رحمته ودار كرامته.
وصلى الله وسلم علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبعه واقتفى أثره إلي يوم الدين، وآخر دعوانا أن رب العالمين.