خلقنا الله على
صورته ومثاله وفي الجنة أسكننا بقربه، هناك حيث لا هم للباس والسكن
والطعام، حيث النعم والخيرات أكثر من أن تعد وتحصى، حيث نعيش كطيور السماء.
خطيئة الإنسان الأصلية هي عدم القناعة بكل ذلك، عدم الاكتفاء. لم يرض
آدم بهذا كله وبقي يتطلع إلى الشيء الوحيد الذي لم يمنحه الله إياه، أن
يكون الله نفسه. أن يكون هو الخالق ويلعب دور الله، أن يتحكم بكل شيء
ويمتلك كل شيء.
رفض الإنسان كل ما منحه إياه الله من نعم. لم ينظر إلى ما أعطيه بل إلى
ما حرم منه. لم يقتنع بما أنعم عليه، تجاهل سكناه بقرب الله وأراد أن يكون
هو الله، لم يقاوم إغراء الدور.
ولأن الله يحب الإنسان لأنه عزيز وغالٍ عليه، خلقه حراً. وعندما اختار
آدم بحريته أن يتمرد على خالقه، لم يتدخل الله أو يحاول منعه. لم يرفض له
رغبته هذه وإن آلمته.
قال الله لآدم: تريد الانفصال عني فليكن. اخرج، عش بعيداً كما تريد.
تريد أن تكون أنت السيد وأنت الخالق، ها هي الأرض لك تسيدها والعب دور
الخالق عليها، بدوني وبعيداً عني، كما
اخترت أنت وشئت. تريد أن تتخلى عن نعم العيش معي، هاك جسداً أرضياً، ترابياً. سد عليه وتصرف به بحكمة.
كان للإنسان ما يريد. خرج من نعيم سيده، ليؤدي الدور الذي تاق إلى
لعبه. ولكن… يا للأسف، لم يحسن اللعب. نسي بسرعة أن الخالق إنما يحب
خليقته ويعتني بها. أهمل آدم وأساء إلى الأرض، عاملها كعبد لا كحبيب.
رفض آدم جسده الترابي وتمنى لو يستعيد هيئة الملائكة، فتفنن في إذلال هذا الجسد وقهره. وما لبث أن حوله إلى أداة للمتعة والشهوة.
لم يكتف آدم بذلك، أراد التغلب على القوانين الأرضية التي تحكم هذا
الجسد الترابي، فسعى دوماً لإيجاد وسائل يتحايل بها على هذا التراب عله
يحوله إلهياً لا يقهر. حاول عبثاً اختراع أكاسير الحياة لإعادة الشباب
وإطالة العمر. وعندما باءت هذه المحاولات بالفشل، حاول أن يعيد إنتاج
نفسه. فانغمس في تجارب الاستنساخ، متجاهلاً أن الخالق يبدع ولا ينسخ، يخلق
من العدم كائنات فريدة.
لم يرض آدم بعطية الحياة، فها هو يحاول خنقها، قتلها لا بل اقتلاعها من جذورها كلما سنحت له الفرصة.
حاول آدم وحاول أن يكون الخالق، مصدقاً أن باستطاعته أداء هذا الدور، رافضاً نعمة الله، نعمة أنه خلقه.
لم يكن الله يحتاج آدم، لم يكن بحاجة لأن يخلقه ليستعبده أو يلهو به أو
يلعب معه لعبة الخالق. خلق الله آدم لأنه شعر بفيض من محبته، خلقه لأنه
أراد أن يشاركه هذا الحب.
هذه هي خطيئة آدم الأصلية، رفضه لمحبة الله الآب. رفض عطيته المجانية،
والبحث عن سعادته في أشياء وأماكن أخرى، في لعب دور الخالق أو في محاولاته
المستمرة لإيجاد آلهة أخرى بديلة لهذا الإله المحب.
هذه هي حالي أنا الآخر. ها إني أقترف خطيئة آدم الأصلية في كل مرة أرفض
فيها محبة الله، في كل مرة أبحث عن سعادتي بعيداً عنه في الأشياء المادية،
في عاداتي اليومية التي أسمح لها بأن تتملكني وفي تعلقاتي غير المنظمة.
هذه هي خطيئة بني آدم…
ولكن… لأننا عزيزون لدى الله وهو أحبنا، أراد أن يشاركنا ألمنا، ألم
الفراق والبعد الذي نكابر على الاعتراف به. أراد أن يشاركنا ألمنا فنزل
وحل بيننا، سكن معنا بعد أن رفضنا السكنى معه. وليشاركنا آلامنا كاملة،
رضي، هو الملك الأزلي، بأن يأخذ جسدنا الترابي الفاني. أحبنا كل هذا الحب
وأكثر، حتى أنه مات من أجلنا، مات ليقول أحبك يا آدم ولا شيء غير ذلك.